في ظل تظاهرات الداخل إردوغان وترامب: تبادل مصالح
يدعم الأميركيون إردوغان الذي يريد تعزيز سلطته، لكنهم في الوقت نفسه، يحذّرونه من زيادة الضغط على المعارضة، هناك نهج إداري عند ترامب فهو يفضل الأخذ من دون ثمن، لكن ماذا يمكن لإردوغان إعطاء ترامب؟
-
الرئيس التركي يرى أن رياح الولايات المتحدة وأوروبا في مصلحته.
أثار اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو وسجنه وإقالته من منصبه أزمة، ليس فقط على الصعيد السياسي الداخلي التركي، بل أيضاً من حيث الآثار المترتبة على الاقتصاد.
اهتزت حسابات المستثمرين الأجانب، المنشغلين بالأزمة الروسية- الأوكرانية، بشأن تركيا. حسب بعض الاقتصاديين، جرى بيع ما بين 20 إلى 25 مليار دولار لتثبيت سعر الصرف. تساءل المستثمرون الخائفون عن احتمال وجود سياسة أخرى قد تُزعزع مناخ الاستثمار بعد اتهامات لأوغلو تراوحت بين الفساد والتزوير والشاهد الأساسي فيها سري.
ساد الخوف من وضع يد القضاء على الحزب، والأهم أن هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى عدم السماح لإمام أوغلو بمنافسة إردوغان رئاسياً، ويمكن للمحكمة أن تمنع عنه العمل السياسي.
لكن، هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها استبعاد أو محاكمة خصوم إردوغان، إذ حفل تاريخ الرجل السياسي بإبعاد عدد كبير من المنافسين له، واستفرد بالعمل السياسي في تركيا، بدءاً من الضباط في الجيش عام 2007 الذين جرى اتهامهم بمحاولة الانقلاب في عملية ارغينكون، وتمت تبرئتهم بعد أن سجنوا 12 عاماً، إلى إقصاء أصدقائه في الحزب، كالرئيس السابق عبد الله غول ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو خوفاً من المنافسة، إلى الصراع مع محمد فتح الله غولن واتهامه بالانقلاب على إردوغان 2016 وسجن أتباعه من سياسيين واقتصاديين وعسكريين، حيث وضعت الحكومة اليد على أملاكهم، إلى سجن صلاح ديمرتاش منذ تسع سنوات بتهمة الإرهاب، واليوم أتى الدور على أكرم إمام أوغلو.
من نافل القول إن الرئيس التركي الذي يضع يده على السلطة منذ 2003 لغاية اليوم كرئيس للوزراء ورئيس للجمهورية يطمح إلى تعديل الدستور لمصلحته. فالرجل يرى أن انتصاره في سوريا بحاجة إلى وقت للاستثمار السياسي والاقتصادي، وهو على علاقة متينة اليوم مع أوروبا.
وفي الوقت الذي دعا فيه زعيم حزب "الشعب الجمهوري" أوزغور أوزيل الحشود في إسطنبول إلى مقاومة "نظام الرجل الواحد"، دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إردوغان ووصفه بأنه "زعيم جيد"، خلال اجتماع في البيت الأبيض مع مجموعة من السفراء الأميركيين الحائزين على موافقة مجلس الشيوخ، وكان السفير الأميركي الجديد لتركيا هو صديق ترامب قطب العقارات وداعم حملته الانتخابية حاضراً.
ترامب وإردوغان والمصالح متبادلة
كان ترامب قد نصح إردوغان قبل أربع سنوات، بإبرام صفقة مع حزب "العمال الكردستاني" في سوريا، لكنه لم يعمل بالنصيحة. وحدهم الكرد أقاموا علاقات خدمية مربحة مع الولايات المتحدة التي لم تسمح لإردوغان بضرب "قوات سوريا الديمقرطية"، لكنه تحت ضغط الحرب الإسرائيلية في المنطقة على غزة ولبنان، ذهب إلى تفاهم مع عبد الله أوجلان من أجل وقف الحرب بين تركيا وحزب "العمال الكردستاني". تحقق المشروع الأميركي، ولو متأخراً.
يدعم الأميركيون إردوغان الذي يريد تعزيز سلطته أكثر، لكنهم في الوقت نفسه، يحذرونه من زيادة الضغط على المعارضة العلمانية، هناك نهج إداري عند ترامب، فهو يفضل الأخذ من دون ثمن، لكن ماذا يمكن لإردوغان إعطاء ترامب؟ طلب إردوغان من الولايات المتحدة قطع الدعم عن "وحدات حماية الشعب"، ورفع العقوبات عن سوريا والسماح لتركيا بالعودة إلى برنامج إف-35 بعد أن أخرجتها من البرنامج بسبب شراء صواريخ إس-400 من روسيا ووعدت بتفكيكه، واستكمال بيع الجيل الجديد من طائرات إف-16، ودعم الصناعة العسكرية، وزيادة حجم التجارة إلى 100 مليار دولار، وأخيراً طلب دعوة البيت الأبيض التي لم يتلقاها في عهد جو بايدن. لم يرفض ترامب أياً من هذه المطالب، لكنه أبدى استعداده للحديث.
فما ثمن هذه المطالب؟ لن يلبي ترامب هذه المطالب لأن تركيا عضو في "الناتو" أو بسبب موقعها الجيوستراتيجي، أو لأنه يرى إردوغان "زعيماً جيداً". ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب في الشرق الأوسط، صرّح قبل زيارة هاكان فيدان إلى واشنطن للقاء وزير الخارجية روبيو أن تركيا" تحمل أفكاراً مفيدة " بشأن غزة. وفي مقابلة مع الصحفي تاكر كارلسون في 22 آذار/مارس، قال إن هناك تحوّلاً مهماً في موقف تركيا من غزة. ذهب مستشار الرئيس إردوغان للشؤون الخارجية والأمن التركي تشاتاي كيليتش إلى الولايات المتحدة، والتقى مستشار ترامب للأمن القومي مايكل والز في 24 آذار/مارس، وعقد وزيرالخارجية التركي هاكان فيدان محادثات مع حسين الشيخ، عضو اللجنة التنفيذية لحركة فتح، قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة وقبل أن تحرك بعض فصائل فتح تظاهرات ضد حماس في بيت لاهيا وتحرض العشائر عليها. هل ما قصده ويتكوف يتعلق بغزة وإيران؟ الدعوات والمحادثات ممكنة، لكن التنفيذ أمر مختلف.
قال الجانب الأميركي إن التعاون ومواصلة القتال ضد "داعش" نوقشا خلال الاجتماع بين روبيو وفيدان أيضاً لضمان عدم تحوّل سوريا إلى "قاعدة للإرهاب الدولي وساحة لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار" ومن الجدير بالذكر أن القضية التي تتضمنتها المحادثات هي الاتفاق بين أذربيجان وأرمينيا وانعكاسها على ما يجري في القوقاز المهمة لكل من روسيا وإيران، والموقع الجغرافي السياسي لتركيا في استراتيجية إيران وروسيا، وتم التطرق إلى نزع سلاح حماس وتحوّلها إلى حركة سياسية أو خروجها عملياً من اللعبة السياسية في غزة.
تركيا طلبت نزع سلاح حزب "العمال الكردستاني" وذهابه إلى العمل السياسي. ينتظر إردوغان رد قنديل على دعوة زعيم حزب "العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان إلى إلقاء السلاح وحلّ المنظمة.
لكنه، في الوقت عينه، ينتظر قيام واشنطن بالضغط على "إسرائيل" لتحديد نشاطها في سوريا كي تتمكن الحكومة السورية من ترتيب أوضاع البلاد، وتأليف حكومة سورية جديدة تراعي التنوع المجتمعي الإثني والطائفي.
الرئيس التركي يرى أن "رياح الولايات المتحدة وأوروبا في مصلحته، والغرب لا يهتم بما يحدث في الداخل. لكن، هل سيسمح هذا الغرب لإردوغان الذي يعتقد أنه بحاجة إلى البقاء في الحكم ليحقق طموحات تركيا العظيمة، وهل تتحمّل أوروبا تركيا قوية كما يحلم إردوغان؟ أم أنه يعرض على الولايات المتحدة المشاركة في التصدي لتمدد قوة الصين في آسيا الوسطى وأفريقيا؟