قراءة في خطة "عربات جدعون" وأثرها العسكري

خطة "عربات جدعون" تمثل مرحلة متقدمة في الحرب على غزة، تهدف إلى تقسيم القطاع بشكل يعزل المقاومة عن حاضنتها الشعبية ويضغط عليها اقتصادياً وأمنياً.

0:00
  • خطة
    خطة "عربات جدعون" تمثل مرحلة متقدمة في الحرب على غزة.

تتبع "إسرائيل" استراتيجية عسكرية مُحددة تحت اسم "عربات جدعون" تستهدف إعادة تشكيل غزة، جغرافياً وديموغرافياً، بشكل جزئي، على أن يُعاد تقسيم القطاع إلى مربعات معزولة جغرافياً، بما يعزل الفصائل المسلحة عن الشعب، ويقضي على الدعم الشعبي الذي يُعدّ ركيزة أساسية للمقاومة.

الهدف الاستراتيجي

الهدف الاستراتيجي لهذه الخطة هو إضعاف المقاومة على المستوى العسكري، وإفراغ غزة من أي قدرة على التحرك الميداني الفاعل من خلال إعادة تشكيل المحيط الجغرافي للمقاومة، وذلك من خلال قصف مستمر، إغلاق طرق الإمداد، وضغط لا يتوقف على البنية التحتية المعيشية، من مياه وكهرباء وغذاء، وهو ما يؤدي إلى تحويل غزة إلى "منطقة مدمرة"، ويشلّ المقاومة ويحاصرها، إذ لا تُكسر إرادة المقاومين بدمائهم فحسب، بل بدمار مستمر لنقاط قوتهم المدنية.

التقنيات العسكرية المستخدمة

· الاستهداف الجغرافي المحسوب: يركز الاحتلال على مربعات استراتيجية داخل القطاع تكون معدّة عسكرياً لخلق انفصال بين الأحياء السكنية والمقاومة، تستهدف هذه المربعات المناطق الحيوية، مثل نقاط التجمعات السكانية، وكذلك المحاور اللوجستية الرئيسية التي تربط أجزاء القطاع ببعضها، الهدف هنا ليس فقط تدمير هذه المناطق، بل تمهيد الطريق لتقسيم غزة إلى كانتونات معزولة تفتقر إلى أي اتصال اجتماعي بين بعضها البعض.

· التفريغ السكاني التدريجي: جزء رئيسي من خطة "عربات جدعون" هو الضغط على السكان في المناطق المستهدفة عبر التجويع والقصف المستمر والتهديد بالنزوح القسري، بحيث يصبح العيش والتنقل فيها مستحيلاً، من خلال هذه السياسة، يسعى الاحتلال إلى تخفيض أعداد السكان في تلك المناطق، ما يسهل عمليات اقتحامها وتدميرها.

والنزوح القسري الذي تمارسه "إسرائيل" لا يكون فقط في الجانب الجغرافي، بل على المستوى الاجتماعي أيضاً، حيث تفقد المناطق المدمرة تدريجياً القدرة على تقديم الدعم الشعبي للمقاومة.

الهندسة الأمنية والديموغرافية: أحد الأهداف الهامة في خطة "عربات جدعون" هو فرض مناطق عازلة في القطاع، وهي مناطق يُمنع على السكان العيش فيها أو إجراء أي نشاط اجتماعي أو اقتصادي داخلها، بحيث تتحوّل إلى فضاءات رقابية عسكرية، وتصبح مناطق عسكرية بحتة، لا تشهد أي حركة، ولا يمكن التواصل بين فصائل المقاومة، ما يؤدي إلى فصل المدنيين عن عناصر المقاومة. هذا التكتيك يأتي مشابهاً للسياسات المعتمدة في الضفة الغربية، حيث تم تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى مناطق "C" التي تخضع لسيطرة "الجيش" الإسرائيلي الكاملة.

شلّ البنية التحتية للمقاومة: الاحتلال الإسرائيلي يركّز على ضربات استخبارية مركّزة، تهدف إلى شلّ البنية التحتية للمقاومة، يتم استهداف محاور الإمداد، المخازن، الأنفاق، مراكز القيادة والسيطرة، باستخدام وحدات اقتحام نخبويّة مدعومة بتقنيات استخبارية متقدمة.

هذه العمليات تهدف إلى منع المقاومة من إعادة التنظيم بعد أي ضربة ميدانية، بحيث يبقى المقاومون في حالة استنزاف مستمرة. بالضغط على هذه البنية التحتية، يحاول الاحتلال قطع العلاقة الحيوية بين الأفراد العسكريين والشعب، ما يجعل الانتفاضة غير ممكنة من حيث القدرة على التجديد والتمويل.

فرض معادلة الردع المستدام: جزء أساسي من استراتيجية "عربات جدعون" هو خلق بيئة يشعر فيها المقاومون أنهم دائماً مكشوفون أمام العدو، يُعتَقد أنَّ أي تحرك ميداني سيقابله "رد استخباري سريع" من قبل الاحتلال، لزرع الإرباك وتعميق الاستنزاف في صفوف المقاومة. المعادلة التي تسعى "إسرائيل" إلى فرضها هي (كل حركة ستكون مكشوفة ويُتوقع رد سريع، الأمر الذي يخلق حالة من الإحباط بين المقاومين).

أثر هذه الخطة على المقاومة

· تقليص قدرة الردع المقاوم: جغرافياً وديموغرافياً، إذ تحاول خطة "عربات جدعون" عزل المقاومة في أطر محدودة، حيث يُتوقع أن تُفقد أي قدرة على التصعيد الميداني المستمر.

· تجفيف الدعم الشعبي: مع تفريغ المناطق، وتهجير الناس بشكل قسري، يسعى الاحتلال إلى تدمير الحاضنة الشعبية التي تعتمد عليها المقاومة في تحريك الأرض، يُتوقع أن تتآكل القدرة على تحفيز الجماهير، وبالتالي يتم تحويل المقاومة إلى عدو معزول.

· إغلاق مسارات الدعم الإقليمي: مع تعطيل مسارات الإمداد، يُتوقع أن يُخفف الاحتلال من قدرة الفصائل على الحصول على التمويل والدعم اللوجستي من خارج القطاع.

استراتيجيات ميدانية

خطة "عربات جدعون" تمثل مرحلة متقدمة في الحرب على غزة، تهدف إلى تقسيم القطاع بشكل يعزل المقاومة عن حاضنتها الشعبية ويضغط عليها اقتصادياً وأمنياً، لكن هذا التكتيك قد يُظهر أيضاً أزمة الاحتلال في تحقيق تفوّق حاسم من دون اللجوء إلى اجتياح شامل.

في هذا السياق، يجب على المقاومة أن تتبنى استراتيجيات ميدانية متجددة، تتعامل مع هذه التحديات بمرونة، وتبني مبادرات سياسية ودبلوماسية لمواجهة هذه الهجمات المركّبة.