لبنان: ماذا لو لم تنسحب "إسرائيل" بعد انتهاء الأيام الـ 60؟

بعد تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة، سيكون من مصلحة الأميركيين أن يضغطوا على "إسرائيل" من أجل سحب قواتها من لبنان، من أجل تكريس المكاسب السياسية التي يريدون تحقيقها من خلال اتفاق وقف النار.

0:00
  • ما المترتبات، التي ستنشأ عن عدم انسحاب
    ما المترتبات، التي ستنشأ عن عدم انسحاب "إسرائيل" من لبنان؟

على الرغم من مرور شهر على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية، لوقف الحرب على جبهة لبنان، فإن الانتهاكات والخروقات الإسرائيلية تتزايد، فيتوغل "جيش" الاحتلال في القرى والمناطق، التي لم يكن وصل إليها خلال الحرب، فيقوم بتفجير البيوت وبأعمال تجريف، وينتقم من القرى والبلدات الجنوبية، التي لها تاريخ وذكرى مؤلمة لدى الإسرائيليين.

وكان سُجّل دخول إسرائيلي لوادي الحجير، وهو الوادي المعروف خلال حرب تموز/يوليو 2006، بأنه المكان الذي سُجِّلت فيه "مجزرة الميركافا" الإسرائيلية، قبل أن يعود "الجيش الإسرائيلي" بالانسحاب، بعد وضع سواتر ترابية بين وادي الحجير ووادي السلوقي. وبعد تدخل اللجنة الضامنة للاتفاق، انسحب "جيش" الاحتلال، وانتشر الجيش اللبناني، الذي سيّر دوريات في المنطقة.

وكانت وسائل اعلام إسرائيلية تحدثت عن نية "إسرائيل" تأخير انسحابها من جنوبي لبنان، بعد مهلة الأيام الستين، فذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، نقلاً عن مصادر، أنّ "الجيش الإسرائيلي لا يتعامل مع التاريخ المحدَّد للانسحاب من لبنان على أنه تاريخ مقدس". 

وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن "جيش" الاحتلال الإسرائيلي يعتزم البقاء في جنوبي لبنان، بعد انتهاء مهلة الأيام الستين، المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في الـ27 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

وقالت المصادر الإسرائيلية العسكرية إن البقاء في لبنان يرتبط بـ"عدم قدرة الجيش اللبناني على الوفاء بالتزاماته، الواردة في الاتفاق، عبر بسط سيطرته على كامل الجنوب". وأضافت الصحيفة أن "الجيش" الإسرائيلي بدأ وضع البنية التحتية لإقامة نقاط عسكرية على طول الحدود الشمالية، مشيرة إلى أنه سيتم إنشاء بعض النقاط في الجانب اللبناني من الحدود.

ما المترتبات، التي ستنشأ عن عدم انسحاب "إسرائيل" من لبنان؟

نص اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان على أن الدولة اللبنانية – عبر مختلف قواها الأمنية - تحتكر امتلاك السلاح في لبنان واستخدامه وإنتاجه، وأن يكون هناك تطبيق صارم للقرار 1701، الذي يتحدث عن عدم وجود سلاح خارج إطار الشرعية اللبنانية، في منطقة جنوب الليطاني.

ووافق حزب الله على التفاهم، الذي يحدد الآليات التي سيتم فيها تطبيق القرار الأممي. لكن استمرار وجود "جيش" الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية سيجعل من المتعذر تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، بشأن جهة حصرية السلاح، وعدم وجود المقاومة في تلك المناطق، انطلاقاً من حق اللبنانيين في تقرير مصيرهم وحقهم في تحرير أراضيهم المحتلة، عبر كل الوسائل المتاحة.

قانونياً

تم تأكيد حق الشعوب في مقاومة الاحتلال وتحرير الأرض في المواثيق والقرارات الدولية، كما في كل الشرائع السماوية، التي تحدثت عن حق الدفاع عن النفس.

وأقرّ القانون الدولي الحق في مقاومة الاحتلال في سياق حق تقرير المصير لجميع الشعوب الخاضعة للحكم الأجنبي والاستعماري، علماً بأن هذا الحق (حق تقرير المصير) هو من المبادئ الآمرة في القانون الدولي.

على الرغم من أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست ملزمة قانوناً، فإنها تعكس الرأي القانوني الدولي بشأن مسألة من المسائل، حالها كحال الآراء الاستشارية وقرارات محكمة العدل الدولية. وعليه، فإن من بين أهم قرارات الأمم المتحدة التي أكدت حق المقاومة، نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، أن:

- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 3314 (1974)، أكد حق تقرير المصير والحرية والاستقلال لجميع "الشعوب الخاضعة للأنظمة الاستعمارية والعنصرية، أو غيرها من أشكال الهيمنة الأجنبية"، وأكد "حق هذه الشعوب في النضال من أجل هذه الغاية، والسعي للحصول على الدعم وتلقيه".

- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 37/43 (1982)، أكد شرعية "نضال الشعوب من أجل التحرر من السيطرة الاستعمارية والأجنبية والاحتلال الأجنبي، عبر كل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح".

في المقابل، وسّع القانون الإنساني الدولي إقراره بـ "حق المقاومة"، و"حق استخدام القوة ضد الاحتلال"، وخصوصاً في البروتوكول الأول الإضافي (1977) لاتفاقية جنيف الرابعة (1948)، بحيث أقرّ البروتوكول بأن أحكامه تنطبق على "الصراعات المسلحة، التي تقاتل فيها الشعوب ضد الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي، وضد الأنظمة العنصرية في ممارسة حقها في تقرير المصير"، الأمر الذي أعطى الشرعية القانونية للجوء إلى القوة والسلاح (من دون المساس بمبادئ القانون الدولي الإنساني الأساسية)، في إطار حق الشعوب في النضال ضد الهيمنة والاستعمار وتحرير الأرض المحتلة.

سياسياً

في حسابات الربح والخسارة السياسية في لبنان، فإن إبقاء "جيش" الاحتلال جنوده أو مراكزه داخل لبنان، سيحشر حلفاء الأميركيين في الداخل اللبناني، وسيحرج أي حكومة لبنانية مستقبلية، بحيث لن يمكنها منع اللبنانيين من ممارسة حق من حقوقهم المشروعة، وهو "تحرير الارض ومقاومة الاحتلال".

لا يمكن لأي جهة دولية، باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، أن تفرض على "إسرائيل" التزام وقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي اللبنانية. لكن، من غير المتوقع أن تقوم هذه الادارة الحالية (إدارة جو بايدن) بأي ضغوط على الإسرائيليين في هذا الإطار، فهي إما استسلمت كلياً لما يريده نتنياهو، وإما شريكة له.

بعد تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة، سيكون من مصلحة الأميركيين أن يضغطوا على "إسرائيل" من أجل سحب قواتها من لبنان، من أجل تكريس المكاسب السياسية التي يريدون تحقيقها من خلال اتفاق وقف النار والتسوية السياسية التي يجرونها.

فأي احتلال إسرائيلي (لأي بقعة من الارض اللبنانية، مهما كان حجمها) سوف يُعيد تشريع العمل المقاوم اللبناني، ويُعيد، بالتالي، الأمور إلى فترات سابقة، بحيث قاوم اللبنانيون "إسرائيل"، وطردوا "الجيش" الإسرائيلي من لبنان، بعد تكبيده خسائر كبيرة.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.