ما بين الغموض وعدم اليقين...

ماذا بين الغموض لدى "إسرائيل" بخصوص الحزب والمقاومة من جهة، وعدم اليقين لدى لبنان بخصوص الحاضر والمستقبل، من جهة أخرى؟

0:00
  • المأزق الإسرائيلي في الغموض والصمت المطبق.
    المأزق الإسرائيلي في الغموض والصمت المطبق.

تسود ضفة لبنان حال من عدم اليقين في مقابل حال الغموض التي تسود ضفة "إسرائيل". أما لبنان، فيقف حائرًا، وربما هو أيضًا عاجز بطبيعة الحال، أمام استمرار التصعيد والتهديد. وأما "إسرائيل"، فتقف حائرة أمام صمت الحزب، ومعه المقاومة. فماذا بين الغموض لدى "إسرائيل" بخصوص الحزب والمقاومة من جهة، وعدم اليقين لدى لبنان بخصوص الحاضر والمستقبل، من جهة أخرى؟

المكسب الإسرائيلي في عدم اليقين

لقد تمكن العدو الإسرائيلي، في الآونة الأخيرة، من إشاعة حالة من الإرباك والتخبط بين اللبنانيين، وذلك من خلال جملة من التسريبات الإعلامية التي تقع في خانة الحرب النفسية، بالنظر إلى مقدار التهديد والتهويل ومحاولة الترويع والترهيب بتصعيد العدوان وتجدد الحرب المفتوحة.

وهو بذلك يشيع حالة من عدم اليقين بين الناس، على اختلافهم، بحيث يصعب معه تقدير الموقف لاستشراف المستقبل القريب لا البعيد، بمعنى حسم الخيارات أو الاحتمالات، ورسم المسارات، واتخاذ القرارات، ما قد يؤدي إلى تضييع المزيد، وربما الكثير، من الوقت والطاقة والجهد في سياق المواجهة المفتوحة، وكذلك التحضير والاستعداد لها، في حال حدوثها أو حصولها.

المأزق الإسرائيلي في الغموض والصمت المطبق

على المقلب الآخر، يعتمد، في المقابل، كل من حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان سياسة الغموض، وهما يلتزمان الصمت المطبق، منذ إعلان وقف إطلاق النار، ودخوله حيز التنفيذ، وحتى تاريخه.

فلم تصدر عن المقاومة العسكرية، ولا حتى عن الحزب السياسي، في إشارة إلى كل من الجناحين السياسي والعسكري، أي إشارة، لا سلبية، ولا إيجابية، حول وضع المقاومة، وضعيتها، جهوزيتها أو جاهزيتها، تعافيها، قدراتها العسكرية، القتالية واللوجستية. لا شيء على الإطلاق.

ما أدى إلى الاستنفار من قبل العدو الإسرائيلي، الإعلامي، السياسي والدبلوماسي، العسكري والأمني والاستخباري، بدافع من الفضول والريبة والقلق، حيال الصمت من قبل المقاومة اللبنانية وغموضها على هذا النحو وإلى هذا الحد. 

خطورة الوصاية الأميركية والعدوان والاحتلال الإسرائيليين

لا يجوز تضييع البوصلة من قبل اللبنانيين. فاللحظة التي يشهدها لبنان، مؤخرًا وراهنًا، هي دقيقة وحرجة للغاية. لا بد من التركيز على خطورة الوصاية الغربية، لا سيما الأميركية بالتحديد، وكذلك خطورة العدوان والاحتلال الإسرائيليين، مع الإشارة إلى عملية تكامل الضغوط السياسية والدبلوماسية الأميركية مع الضغوط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

لا يجوز التغافل، ولا التعامي، عن هذا الواقع وهذه الحقيقة. كما لا يجوز التلهي بالكثير من الأمور، من مثل قضية سلاح المقاومة، بينما يمعن العدو الإسرائيلي في ممارسة اعتداءاته، بحيث يصبح إلقاء السلاح، أو المطالبة به، مع استمرار حالة الحرب، ضربًا من ضروب الخيانة الوطنية، بكل معنى الكلمة.

شرعية المقاومة اللبنانية ومشروعيتها

بالرغم من كل الضغوط والتحديات، تستعيد الحاجة إلى المقاومة شرعيتها السياسية ومشروعيتها القانونية، لأسباب موضوعية أكثر منها ذاتية، تتعلق بواقع الاحتلال والعدوان الإسرائيليين.

وهي أصلًا لم تفقد شيئًا من هذه الشرعية وهذه المشروعية. لكنها تفرض نفسها من جديد كحاجة وطنية أو كضرورة وطنية، لا بديل عنها، ولا غنى عنها، في مواجهة العدو الإسرائيلي. إن الوقت ليس لنزع سلاح المقاومة، ولا سحبه، بميزان المصلحة الوطنية وتقديرها.

فالأولى والأجدى والأبدى، بالنسبة لنا جميعًا في لبنان، المبادرة الإيجابية إلى الانخراط في مشروع وطني، مشترك وجامع، للمقاومة الشعبية، بدلًا من التفكير السلبي في التخلي عن هذه الورقة السياسية، في الوقت الذي لم نتمكن بعد من تمويل وتسليح، وبالتالي تمكين الجيش لدينا، وقد لا نتمكن من ذلك. 

الستاتوكو بين تصعيد العدوان والحرب المفتوحة

يستمر التصعيد من جانب العدو الإسرائيلي، بل يتصاعد ويتفاقم، من دون أن يبلغ عتبة الحرب المفتوحة، حتى إشعار آخر. كما أنه ما يزال أقرب إلى خانة العمليات الأمنية والأعمال العدائية، منه إلى خانة العمليات العسكرية والأعمال الحربية.

وهو يحرز الكثير من الإنجازات التكتيكية من خلال الاستنزاف. وقد لا يدخل حيز الهجوم البري، فيبقى ضمن حيز القصف الجوي العنيف، إلا في حالة التصدع أو التشتت في الجبهة الداخلية اللبنانية، لأسباب ربما لا يتسع المجال للخوض فيها والغوص فيها هنا، أو في حالة التوغل أو التسلل البري بقصد الاستطلاع في الجنوب،  في محاولة لاختبار قدرات الحزب والمقاومة. 

اللعبة لم تنتهِ

يبدو الوضع القائم راهنًا على صعيد المواجهة وعلى خط الجبهة بين "إسرائيل" ولبنان أشبه بلعبة عض الأصابع، وربما الرقص على شفير الهاوية.

مشتبه ومخطئ من يعتقد أن اللعبة قد انتهت بينهما، أو أنها قد تنتهي هكذا ببساطة، بخلاف لغة العقل أو المنطق، كما حتمية التاريخ.

ما تزال الكثير من الأمور عالقة بينهما، وكذلك دفاتر الحسابات مفتوحة. الحسم العسكري لم يتحقق، والحسم السياسي متعثر أو متعذر. كل هذا من وجهة النظر الإسرائيلية، ومعها وجهة النظر الأميركية. فماذا عن السردية اللبنانية؟