هل تنجح الوساطة التركية بين السودان والإمارات؟
هل تنجح تركيا لاحقاً في إحداث اختراق في إنهاء الحرب الدائرة بين جنرالات السودان؟ وما موقع الوساطة التركية في خرطة التفاعلات الإقليمية الحاصلة؟
تقدّمت تركيا مؤخّراً كفاعل ووسيط صوب المشهد الأفريقي بحيثيات متدحرجة، بعدما نجحت في الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، وبعد يومين فقط من "إعلان أنقرة" استدارت صوب عرض جديد للتوسّط بين السودان والإمارات، فما هي فرص نجاح الوساطة التركية المعروضة بين السودان والإمارات؟ وهل تنجح تركيا لاحقاً في إحداث اختراق في إنهاء الحرب الدائرة بين جنرالات السودان؟ وما موقع الوساطة التركية في خرطة التفاعلات الإقليمية الحاصلة؟
أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في 12 كانون الأول/ديسمبر 2024، التوصّل إلى "اتفاق تاريخي" بين الصومال وإثيوبيا على نبذ خلافاتهما، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في المجمع الرئاسي بالعاصمة التركية أنقرة.
بعد يومين من إعلان أنقرة اتفاق المصالحة بين الصومال وإثيوبيا، أبدى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استعداد تركيا للتوسّط بين الخرطوم وأبو ظبي لإحلال الأمن والسلام في السودان.
وتلقّى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، اتصالاً هاتفياً من إردوغان، أكد فيه الأخير حرص تركيا على وحدة السودان واستقراره مجدّداً دعم بلاده للشعب السوداني بكلّ الإمكانيات. مشيراً إلى أنّ تركيا يمكنها التدخّل لحلّ الخلافات بين السودان والإمارات العربية المتحدة، وسلّط الضوء على المبادئ الرئيسية لتركيا؛ مثل ضمان السلام والاستقرار في السودان، وحماية وحدة وسلامة أراضيه وسيادته، ومنع انجراف البلاد لتصبح ساحة للتدخّلات الأجنبية.
سبق أن وجّهت الخرطوم عدة اتهامات للإمارات بإشعال نار الحرب في السودان وتقديم الدعم اللوجيستي والعسكري لقوات الدعم السريع؛ في الصراع الدائر منذ نيسان/أبريل 2023. وتقدّم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، في 29 آذار/مارس 2024؛ بشكوى رسمية ضدّ الإمارات، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم قوات الدعم السريع في مواجهة الجيش السوداني.
وفي المقابل وجّهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 نيسان/أبريل الماضي، شدّدت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرّب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع. مؤكّدة أنها ستظلّ ملتزمة بدعم الحلّ السلميّ للصراع في السودان.
جاء العرض التركي للتوسّط بين السودان والإمارات في بيئة إقليمية تشهد جملة متغيّرات وترتيبات في مقدّمة أجنداتها إنهاء الصراعات؛ وتشمل هذه الأجندة المنطقة العربية والقارة الأفريقية والنظام الدولي ككلّ ولا سيما بعد تشكّل المتغيّر القياديّ الجديد المتمثّل في عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يبدو أنه يريد العودة إلى البيت الأبيض على طاولة صفر صراعات.
وبالتالي فإنّ الاتصال الذي بادر به إردوغان واستقبله البرهان بتفاؤل وترحيب ليس بمعزل عن تلك التطوّرات، وتحديداً أنّ عرض الوساطة التركية بين السودان والإمارات قد جاء بعد يوم واحد من زيارة وزير الخارجية الأميركي لأنقرة واجتماعه مع إردوغان، وقبل عودة ترامب إلى الحكم ببضعة أسابيع قليلة، وجاء الاتصال بعد أسبوع واحد من الأحداث التي شهدتها سوريا وتغيير النظام فيها. وقد كان لتركيا فيها دور مركزيّ رئيسيّ.
وساطة أنقرة المقترحة بين السودان والإمارات، تبيّن جملة دلالات أهمها أنّ هناك دوراً تركياً بدأ يتشكّل في المنطقة يتمدّد عربياً وأفريقياً، ويعني أنّ تسجيل تركيا اختراقات في وساطاتها بين الصومال وإثيوبيا؛ وعودتها إلى الوساطة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في غزة، ومصالحتها التاريخية مع مصر وزيارة إردوغان للقاهرة، وفّر لها أرضيّة مهمة جداً لتأدية دور دبلوماسي نشط في خارطة التوازنات والتفاعلات الإقليمية الأفريقية والعربية والخليجية.
تبدو حظوظ الوساطة التركية في الطريق لنقل العلاقات السودانية الإماراتية من التوتر إلى التصالح ممهّدة وتتوافر لها أرضية جيدة، ذلك أن حيثيات الاتصال ما بين إردوغان والبرهان والترحيب المتبادل في التصريحات يدلّل على أنّ هناك اتفاقاً وتفاهماً قد حدث بينهما، وأنّ هناك ضوءاً أخضر سودانياً إماراتياً فيما يتعلّق بالعلاقات السودانية الإماراتية.
والأهم أن الوساطة التركية ليست بمعزل عن وساطات وأدوار عربية وإقليمية سعودية مصرية إماراتية، وأنّ وساطة تركيا مكمّلة لاستئناف منبر جدّة باعتبار أنه المنبر المتفق عليه بين كلّ الأطراف والفاعلين المحليّين والإقليميّين من أجل إنهاء الحرب الدائرة في السودان، والذي يبدو من تمرير التوافق على الوساطة التركية أنه هو الآخر في طريقه للحلّ؛ ما يعني أن نجاح الوساطة التركية بين السودان والإمارات سيفضي لاحقاً لإنهاء الصراع الحاصل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
دخول تركيا على خط الوساطة في القارة الأفريقية يعزّز الدور التركي في القارة خاصة إذا حرصت تركيا على التنسيق مع القاهرة وتعزيز التعاون فيما بينهما، والمصلحة هنا مشتركة لكلا الدولتين، فالاستقرار في السودان يخدم المصالح التركية والمصرية ولا سيما مياه نهر النيل وأمن البحر الأحمر. وهذا محدّد مركزيّ ورئيسيّ ومهم جداً من أجل ضمان نجاح أيّ وساطة تركية تتعاون وتنسّق مع مصر. إذاً لا يمكن لأيّ دولة إقليمية أن تسجّل نقاط نجاح في أفريقيا عموماً والسودان والصومال على وجه التحديد بمعزل عن موافقة مصر والتنسيق معها.
موسم الوساطات لا يقتصر على تركيا فقط وإن كانت السودان في المركز منها، فالإمارات هي الأخرى كانت قد عرضت على القاهرة مؤخّراً التوسّط بينها وبين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، من أجل التوصّل إلى تفاهمات ولكن القاهرة رفضت أيّ تفاهم مع "حميدتي".
إثيوبيا الأخرى سبق وأن حاولت الدخول على خط الوساطة، ففي تموز/يوليو الماضي؛ نجح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وبوساطة منه، في جمع البرهان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد في مكالمة هاتفية، عبّر فيها البرهان عن امتعاضه من الدعم الإماراتي لدعم "قوات الدعم السريع"، وأبلغ ابن زايد بأنّ بلاده متهمة من قبل السودانيين، بدعمها للمتمرّدين، ودعمها لمن يقتل السودانيين، وعلى الإمارات التوقّف عن ذلك، فيما أكد ابن زايد حرص بلاده على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد. وكان متوقّعاً إجراء لقاء مباشر بين البرهان ومحمد بن زايد، إلا أن العلاقات توترت أكثر بعد ذلك، لتعيد الوساطة التركية فرص إنهاء التوتر وانتهاء الحرب.
التقطت تركيا التوقيت المناسب لإجراء الاتصال بالبرهان وعرض وساطتها للتصالح بينه وبن الإمارات، وهذه فرصة فارقة بالنسبة للدور التركي الإقليمي ولا سيما إذا نجحت تركيا في تلك الوساطة، وتعمّقت نحو الصراع السوداني وتوسّطت وتدخّلت لإنهائه.
ففي أحد معاني الوساطة التركية أنها تُقرّ بشرعية الجيش مقابل قوات الدعم السريع، ومن بين الدلالات ترحيب البرهان بالوساطة التركية وقد كان يرفض فيما سبق أي محاولات إماراتية للتفاهم والتقارب، ومن الدلالات أيضاً أنّ قبول الإمارات للتفاهم مع البرهان يعني أنّ الإمارات ستعيد النظر في دعم قوات الدعم السريع، ولا سيما أن هناك تقديرات تقول بأنّ الوساطة التركية حدثت بناء على طلب إماراتي، وأنّ نجاح تركيا في تهدئة التوتر بين إثيوبيا والصومال، دفع الإمارات للرهان على الدبلوماسية التركية لتدخّل آخر في السودان.
هذه المعطيات كلّها مجتمعة تعني أنّ حلّ الصراع وإنهاء حرب "الجنرالات" في السودان ممكن. وأنّ الوساطة التركية بين السودان والإمارات تتوافر على فرص نجاح، قد لا يكون نجاحاً فورياً، لكنّ مجرّد الترحيب بالوساطة التركية بين كل الأطراف يعني تهدئة الصراع والتصعيد وإعادة الحسابات للأطراف كافة.
ختاماً لا يمكن عزل ما تقوم به تركيا من عرض وساطات عن التحرّكات السعودية والأميركية؛ والمتغيّرات الحاصلة والتي تعيد كلّها تشكيل خارطة التوازنات والتفاعلات الممتدة من القارة الأفريقية إلى منطقة الشرق الأوسط. ولا سيما على طريق عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وبدء تشكّل ما يمكن تسميته بالحقبة الترامبية.