هل خسر ترامب الهند لمصلحة الصين؟
بعد أشهر من اتّباع ترامب سياسة العصا مع الهند، يبدو أنه بدأ في التخفيف من نبرته تجاهها، إذ من المحتمل أن تكون الضغوط الداخلية وصورة الزعماء الصيني والهندي والروسي مجتمعين قد نجحت في التغيير من سياسته.
-
من المستبعد أن يتخلى ترامب عن الهند.
نالت قمة منظمة شنغهاي التي عقدت مؤخراً في الصين اهتماماً كبيراً كونها جاءت في وقت يشهد فيه العالم تغيرات جيوسياسية مع تراجع الهيمنة الأميركية وظهور أقطاب جديدة كروسيا والصين. وما ميز هذه القمة، ليس حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد قمة ألاسكا التي جمعته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، واشتداد حدة الاشتباكات بين روسيا وأوكرانيا، بل وجود رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بالنظر إلى الخلافات بين الصين والهند، وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الهندية الأميركية توتراً لم تشهده منذ عقود، حيث وصلت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها، وأتت زيارة مودي بعد 7 سنوات من آخر زيارة للصين وبعد اشتباكات الحدود الدامية عام 2020.
قبيل قمة منظمة شنغهاي للتعاون، عقد لقاء بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والزعيم الهندي ناريندرا مودي، ولم يحمل هذا الاجتماع مجرد تبادل للمجاملات الدبلوماسية وأخذ الصور، بل عزز العلاقات بين البلدين وكان له نتائج إيجابية على أرض الواقع، حيث أُعلن عن استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين الهند والصين بعد توقف استمر لسنوات بسبب جائحة كورونا وأزمة الحدود بينهما. كما اتفق الجانبان على عقد المزيد من المشاورات بخصوص ملف الحدود بينهما، ولم يغب الملف الاقتصادي عن اللقاء.
أثار حضور الزعيم الهندي قمة منظمة شنغهاي إلى جانب الرئيسين الصيني والروسي، والصور التي اتخذت لهم وهم يتجاذبون أطراف الحديث ويضحكون، انزعاج الرئيس ترامب الذي نشر على منصته في تروث سوشال "يبدو أننا خسرنا الهند وروسيا أمام الصين... أتمنى لهم مستقبلاً طويلاً ومزدهراً معاً". لكنه سرعان ما نشر مجدداً أن العلاقات مع الهند جيدة على الرغم من التعرفات الجمركية التي فرضها على السلع الهندية، وأن الرئيس مودي سيظل دائماً صديقاً له، بالرغم من انزعاجه من تصرفاته، وتراجع ترامب عن تصريحاته بخسارة الهند إذ أشار أنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة قد خسرت الهند.
تصريحات ترامب هذه قابلها رد إيجابي من الرئيس مودي الذي نشر في منصة X بأنه يقدر تقييم ترامب الإيجابي للعلاقات بين البلدين.
أشارت أغلب التحليلات، حول تصريحات ترامب، بأن أميركا قد خسرت الهند لمصلحة الصين، إلى السبب الأساسي لهذه الخسارة وتحميل ترامب المسؤولية لأنه من دفع نيودلهي إلى أحضان بكين عبر فرض الرسوم الجمركية على السلع الهندية، والتقرب من باكستان، ولكن تمنيات ترامب للدول الثلاث بالمستقبل الطويل المزدهر فيها نوع من السخرية، وأعطت إشارة بأن ترامب لن يسمح بالتقارب بين هذه الدول، ولا سيما أن شركاتهم موجهة بالدرجة الأولى نحو الولايات المتحدة الأميركية.
من المستبعد أن يتخلى ترامب عن الهند لأسباب عديدة أبرزها أهمية دور الهند المحوري في منافسة الصين، فضلاً عن أن هناك انقساماً داخل الولايات المتحدة حول طريقة تعاطي ترامب مع الهند إذ ظهرت بعض الأصوات الرافضة لتصرفاته التي أدت إلى إبعاد الهند عن الولايات المتحدة والتقرب من الصين معتبرة أن ترامب يدمر ما عملت عليه واشنطن ونيودلهي لسنوات طويلة وأدى إلى تعزيز علاقاتهما.
فقد دعت السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي إلى إعادة تقييم علاقات الولايات المتحدة مع الهند بالنظر إلى أهميتها لمواجهة الصين. وبدوره دعا جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي السابق ترامب إلى مواجهة روسيا بدلاً من التنمر على الهند، وأشاد بموقف الهند المتزن تجاه تصرفات ترامب، ودعا نيودلهي إلى أن تتعامل مع الرئيس الأميركي كظاهرة عابرة، وأن تتصرف بما يتوافق مع المصلحة الوطنية الهندية.
حتى أن بعض الساسة الأميركيين يرون أن ترامب يعطي أولوية لأعماله الخاصة على العلاقات الأميركية الهندية، إذ إن قرار ترامب استضافة قائد الجيش الباكستاني عاصم منير في حزيران/يونيو الماضي، بعد وقف الاشتباكات بين الهند وباكستان، كانت أكثر من مجرد إثارة غضب نيودلهي. فقد أشار تقرير إلى أنه قبل أيام من هجوم باهالغام في إقليم كشمير في نيسان/إبريل الماضي، عقدت صفقة بين شركة العملات المشفرة الأميركية الخاصة World Liberty Financial، التي يمتلك أبناء ترامب حصصاً فيها، وبين مجلس العملات المشفرة الباكستاني المؤسس حديثاً، حيث سافر فريق رفيع المستوى من كبار المسؤولين التنفيذين إلى إسلام آباد لتوقيع الصفقة، واستقبلهم قائد الجيش الباكستاني عاصم منير شخصياً، هذه الواقعة دفعت مستشار الأمن القومي السابق، جاك سوليفان، إلى اتهام ترامب بإعطاء الأولوية لأعماله العائلية على العلاقات الأميركية الهندية.
ومن جهة أخرى، رشح الرئيس ترامب سيرغيو غور، أحد أقرب مساعديه، ليكون السفير المقبل للولايات المتحدة لدى الهند. وتعيين سفير جديد في الهند من شأنه أن يسهل عملية الاتصال بين الجانبين، ويساعد على تخفيف التوترات بين البلدين، وصرّح غور بأنه سيجعل من أولوياته ضمان أن تكون الهند في اتجاه أميركا، لا أن تبتعد عنها.
ومع تدهور العلاقات بين البلدين ألغيت زيارة كانت مقررة لمفاوضين تجاريين أميركيين إلى نيودلهي أواخر الشهر الماضي. أما الآن فقد اتفق الجانبان الهندي والأميركي على استئناف المفاوضات، حيث من المتوقع أن يزور وزير التجارة الهندي، بييوش غويال، واشنطن لاستكمال المفاوضات مع الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق تجاري بين نيودلهي وواشنطن.
كما أدى توتر العلاقات بين الهند وأميركا إلى إلغاء ترامب زيارة كانت مقررة له للهند لحضور قمة الرباعية، الكواد، في وقت لاحق من هذا العام. فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن دونالد ترامب تراجع عن زيارة الهند لحضور قمة الكواد، إلا أن سيرغيو غور، المرشح لتولي منصب السفير لدى الهند، ألمح مؤخراً إلى أن ترامب قد يزور الهند لحضور القمة.
وتتوقف زيارة الرئيس ترامب على التطورات التي تطرأ على علاقة واشنطن بنيودلهي، فإذا استمر توتر العلاقات بينهما، ربما يلغي ترامب زيارته للهند، وفي حال تمت الزيارة من المحتمل أن تتعزز العلاقات بين البلدين، ويرى ترامب أنه قد أبعد الهند عن كل من روسيا والصين، ولكن الهند فقدت الثقة بالرئيس ترامب، لذلك سيعمل الرئيس مودي على عدم خسارة الولايات المتحدة وروسيا والصين في إطار استراتيجية الهند بتنويع شركائها.
وبهدف إرغام الرئيس الروسي على وقف الحرب، يلّوح الرئس ترامب بفرض رسوم جمركية على روسيا وشركائها الذين يشترون النفط الروسي. وإذا كان قد دعا الاتحاد الأوروبي إلى فرض رسوم جمركية تصل إلى نسبة 100% على السلع الصينية والهندية، أبرز مشتري النفط الروسي، فقد حثّ لاحقاً حلف شمال الأطلسي على فرض رسوم جمركية على الصين فقط من دون أن يذكر الهند، وربما كان ذلك بهدف تخفيف التوترات قبل استكمال المفاوضات التجارية مع نيودلهي وإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس مودي الذي يرفض الرد على مكالماته.
بعد أشهر من اتباع الرئيس ترامب سياسة العصا مع الهند، يبدو أنه بدأ في التخفيف من نبرته تجاهها، إذ من المحتمل أن تكون الضغوط الداخلية وصورة الزعماء الصيني والهندي والروسي مجتمعين قد نجحت في التغيير من سياسته تجاه الهند لمواجهة الصين وعدم رمي نيودلهي في أحضان بكين وموسكو.