هل يُطيح ترامب حُكم نتنياهو؟

لا أحد يجادل فيما قدمه ترامب إلى "إسرائيل"، وما يمكن أن يقدمه إليها كرئيس للولايات المتحدة، لكن تبقى المصلحة الأميركية هي المتقدمة على مصالح "تل أبيب" ومصلحة نتنياهو السياسية الشخصية.

0:00
  • ما الذي يخشاه نتنياهو؟
    ما الذي يخشاه نتنياهو؟

لن يكون اليوم التالي للتصديق على صفقة وقف إطلاق النار على "إسرائيل" كما قبله. وأول المتضررين صورة الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو.

حان الوقت لإعادة شريط الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى بدايته. إنه اليوم السابع من أكتوبر من عام 2023، يوم أخفقت "تل أبيب"، عبر استخباراتها وأجهزتها المتطورة، في الكشف المبكّر عما تحوكه حركة حماس لها (الإخفاق تحدث عنه بإسهاب مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي السابق جيك سوليفان في كتاب بوب وودورد الأخير).

ما إن أُعلن الاتفاق حتى أعيدت إلى الأذهان صور ذلك الصباح؛ صباح العبور إلى مستوطنات الغلاف وما لحقها من مشاهد إذلال لحقت بجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي "لا يُقهَر".

تتطلب منا الواقعية السياسية أن نعترف بأن رد فعل الإسرائيلي فاق كل التوقعات، حتى إن البعض ذهب إلى القول إن "إسرائيل" كانت على علم بمخطط كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وتغاضت عن الأمر، لتقوم "إسرائيل" بما قامت به طوال 15 شهراً، من التهجير والقتل والتنكيل والإبادة الجماعية والمكانية للقطاع.

لكن أن يأتي الاتفاق، بعد 471 يوماً من العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة بما أتى عليه، فهذا يُسقط الفرضية المذكورة، إذ إن مخطط "إسرائيل"، متمثلاً بالبقاء في القطاع، وتهجير أهله وإعادة الاستيطان إلى شماليّه – كما كان مأمولاً إسرائيلياً - ليس من بنود نص الاتفاق الذي نُشر وأصبح معلوماً للجميع. 

وربما هذا يفسّر الفرح، الذي عمّ القطاع فور إعلان وقف إطلاق النار في الدوحة، والصور المتناقضة التي تلقفناها من كل من غزة، الفَرِحة بوقف الإبادة، ومن "تل أبيب"، حيث وجهُ نتنياهو المتجهم، والذي يُصر حتى اللحظة الأخيرة على المراوغة والتهرب من المستحق الجديد؛ أي بنود الاتفاق الواضحة وصعوبة العودة إلى استئناف الحرب. 

ما الذي يخشاه نتنياهو؟

أكثر ما يخافه نتنياهو هو ما ستحمله الساعات التالية للاتفاق؟ فالأسئلة الكبرى، بالنسبة إليه، تتمحور حول اتجاهين إثنين، لا ثالث لهما؟ هل سيصمد ائتلافه الحكومي؟ وماذا عن مصيره السياسي؟ 

لقد صدع رؤوسنا، طوال الأشهر الماضية، كل من وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بتهديداتهما التي لا تنتهي، وطموحاتهم العقائدية والتي تبيح الإبادة من دون أدنى اكتراث لوقع كلماتهم على أصحاب الأرض وأحرار العالم. 

لقد أصبح معلوماً أن سموتريتش غير راضٍ عن الصفقة، إلا أنه لم يستقِلْ حتى الساعة، مراهناً على الأيام المقبلة علّها تحمل ما يشتهي، وهو عدم السير بالمرحلة الثانية من الاتفاق، واستنئاف الحرب من جديد.

لكن، ماذا لو صمد الاتفاق؟ المنطق يقول إن الاستقالة ليست محسومة، وإن التضحية بالحكومة، الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ الكيان، هي ضرب من ضروب الجنون. وهذا من المفترض أن يُؤخذ في الحسبان بالنسبة إلى تيار الصهيونية الدينية، الذي ينتمي إليه سموتريتش، وهو الآخذ في التوسع عبر "احتلال القلوب" في الكيان.  

أما بالنسبة إلى بن غفير، المنسحب من الحكومة، فوزنه السياسي لا يُعتَدّ به، وسلوكه المتهور والصبياني غير مستساغ، وهو ما يمكن تلمسه من خلال التسريبات المتتالية بشأن نية نتنياهو التخلص منه سياسياً في انتخابات الكنيست المقبلة.

ماذا عن مصير نتنياهو السياسي؟ 

بداية، من المهم أن نشير إلى أن ما تمّ من اتفاق يثبت حقيقةً مفادها أن أميركا هي صاحبة القرار الفعلي بخصوص القرارات الاستراتيجية الإسرائيلية. وما كان هذا الاتفاق ليصدَّق عليه لولا تهديد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بـ"الجحيم"، في حال لم يتم التوصل إلى حلول قبل وصوله إلى البيت الأبيض. وكل التسريبات تصب في خانة تأكيد هذا الضغط الممارَس على نتنياهو ومن معه عبر مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

هل في ذلك سابقة؟ بالتأكيد لا. 

لعل المثال الأوضح هو ما جرى في عام 1956، حيث وقف الرئيس الأميركي داويت أيزنهاور في وجه "العدوان الثلاثي" البريطاني والفرنسي والإسرائيلي على مصر، مغلّباً المصلحة الأميركية على المصلحة الإسرائيلية، فأوقف العدوان وأجبر "إسرائيل" على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها. وليس ذلك فقط، بل هدد أيزنهاور الدول المعتدية بما يشبه "الجحيم"، بحيث لوّح بورقة حمراء للبريطانيين، فحواها إجراءات عقابية تهدد قيمة الجنيه الإسترليني.

أما الحادثة الأخرى، والتي لا تقل دلالة، فهي إصرار الولايات المتحدة على سجن الجاسوس الأميركي الإسرائيلي، جوناثان بولارد، ثلاثين عاماً بتهمة التجسس لمصلحة "إسرائيل" في الولايات المتحدة الأميركية. وعلى رغم المحاولات الإسرائيلية المتكررة لإطلاق سراحه قبل نهاية مدة الحكم، فإنها لم تفلح في ذلك أبداً.

ومما قاله بولارد بعد إطلاق سراحه: "إن الثمن الذي دفعه للتجسس لمصلحة إسرائيل كان غير مكافئ لأفعاله".

من خلال هذين النموذجين، مع إضافة عنصرين حدثيين، هما شعور الخذلان لدى اليمين المتطرف، الذي عوّل على ترامب لتحقيق حلمه ومشروعه بـ "إسرائيل الكبرى"، واستياء اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة من الاتفاق، الذي وصفه بـ"المعيب"، يمكن الوصول إلى خلاصة، مفادها أن الرئيس الأميركي القوي هو من يفرض القرار على "إسرائيل"، وليس العكس. وهذا بالتحديد ما فعله ترامب، على رغم انحيازه الواضح والفاضح لمصلحة "الدولة العبرية"، إلا أن حدود ذلك يتوقف أمام شعار "أميركاً أولاً"، ومشاريع الرئيس وطموحاته.

هل يمكن لترامب أن يطيح حُكم نتنياهو؟ 

استناداً إلى تصريحاته خلال الأيام الأخيرة، لا شيء مستبعد. لقد قال ترامب، قبل ساعات فقط من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وبالغموض ذاته الذي اكتنف موقف "الجحيم"، الذي هدد به قبل أشهر: "لقد قلت لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن الحرب يجب أن تنتهي، لكن عليه الاستمرار في فعل ما يجب القيام به". وأضاف أن "احترامنا يعني صمود وقف إطلاق النار، وعكس ذلك يعني أن جحيماً سيندلع". 

وهذا الكشف لا يخرج عن أجواء ما غرّد به، في منصته "سوشيال تروث"، بحيث شارك فيديو للخبير الاقتصادي، جيفري ساكس، فيما عُدّ غلبة للعصا على الجزرة. ساكس وصف نتنياهو بألفاظ نابية، متهماً إياه بـ"التلاعب بالسياسة الخارجية الأميركية، وخوض حروب لا نهاية لها في الشرق الأوسط".

لا أحد يجادل فيما قدمه دونالد ترامب إلى "إسرائيل"، وما يمكن أن يقدمه إليها كرئيس للولايات المتحدة، لكن تبقى المصلحة الأميركية هي المتقدمة على مصالح "تل أبيب" ومصلحة نتنياهو السياسية الشخصية، وهو المطلوب دولياً وقيد التحقيق داخلياً. 

أما إذا واصل نتنياهو أداءه السياسي وأداءه الإعلامي، واللذين يتباينان من غرفة إلى أخرى، بحسب الحاضرين، وألاعيبه التي لا تنتهي، ومنها تلك التي تُوَرّط واشنطن فيما لا تريد، وربما في مزيد من الأزمات المفتوحة، فإن مصيره السياسي مهدَّد، فكما أن ستيف ويتكوف ليس بريت ماكغورك، فإن ترامب ليس بايدن!