أحلام محاصرة

أنا أمام جريمة "قتل معنى كلمة"، وإنها لجريمة بشعة. منذ الصغر وأنا أعلم بأن الإنسان يموت عندما يفقد قدرته على الحلم، لا على التنفس.

  • أطفال في غزة
    أطفال في غزة

"إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت، إنها قضية الباقين"، غسان كنفاني.

**

"بماذا تحلمون؟"، سألتهم.

"أنا كل ليلة أحلم بأبي"، "أبناء خالي الشهداء يزورونني دائماً في أحلامي"، "أحلم بأنني في بيتنا، والجميع على قيد الحياة"، أجابني الأطفال. 

أحزنتني إجاباتهم. آلمتني، ففيها هدفٌ للعدو يتحقق: كيف قيدوا معنى كلمة "حلم" ليفهمها الأطفال على أنها فقط أشبه برؤى تراودهم ليلاً وهم نيام؟

تساءلت لحظتها عن ماهية الآلية التي يقيّدون بها أحلامنا إن لم يقتلوها بقتلنا بالصواريخ. فهمت من الكبار أن حلمهم محصور في الحياة... في النجاة... في إكمال ما تبقى من أعمارهم كناجين. إجاباتهم منطقية، نفهم منها بأنهم سيلملمون أشلاء أحلامهم ويكملون.

أما الآن، فأنا أمام جريمة "قتل معنى كلمة"، وإنها لجريمة بشعة. منذ الصغر وأنا أعلم بأن الإنسان يموت عندما يفقد قدرته على الحلم، لا على التنفس. ومنذ الصغر قالوا لي: "احلمِي، فهناك كوكب يتسع لأحلامك". كبرتُ، وصارت المجرة تتسع لأحلامي.

أما الآن، فالكوكب لا يسأل عن أحلام أطفالٍ بين الركام، قلقين، خائفين، يتألمون، سرق منهم معنى كلمة كانت بمنزلة أداة للتنفيس، وحافز للاستمرار. وإن حلموا، فإن حلمهم محصور باستعادة أطلال الماضي، أو رؤية شخص ميت. هكذا يبقى الطفل متقوقعاً في حزنه حتى يقتله. تذكرت، بعد شرود، بأن قدرتي على التغيير لم تُسرق، فقلت لهم:

"أنا أقصد الأحلام... أمنياتنا. فأنا، وكلٌّ منا، له سماء أحلامٍ خاصة، يطلق فيها بالوناته الملوّنة، ونجوماً لامعة تضيئها في الأوقات الحالكة. أنا أود أن أصبح صحفية، ماذا عنكم؟"

لا مجيب.

أليس هذا هو السؤال الذي كنت أملك له كل يوم إجابة جديدة، وأجيب عنه بسرعة كأنه سؤال: "ما اسمكِ؟".

سألتهم بشكل مغاير: "ما البالون الأول الذي ستطلقه في سماء أحلامك الخاصة؟"

بعد ثوانٍ معدودة، توالت الإجابات:

"طبيب كوالدي"

"صحفي مثلك"

"جندي في الجيش"

أطلقتُ زفير انتصار، وكأنني كنت أخوض معركة. انتصرتُ عليهم، ولم أسمح لهم بأن ينجحوا في تحقيق هدفهم. الآن، ألقيت بذرة في عقولهم، ستصبح في الغد شجرة تمتد أغصانها إلى الحقائق، ليفضحوا "إسرائيل".

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك