بعد سرقة الأرض.. "إسرائيل" تسطو على تراث أم كلثوم؟
فرقة غنائية إسرائيلية ستنظم حفلاً لإعادة تقديم أعمال "أم كلثوم". غضب شعبي مصري وصمت رسمي. ما القصة؟
لم يكتفِ بسرقة الأرض ومحاولة السطو على التاريخ، بل تمادى المشروع الصهيوني إلى نهب الفنون والتراث، فها هي فرقة غنائية إسرائيلية تعلن عن تنظيم حفل لإعادة تقديم أعمال مطربة العرب الأشهر، "كوكب الشرق"، أم كلثوم (1900-1975م)، وذلك بمناسبة مرور 50 عاماً على رحيلها.
صحيفة "معاريف" كشفت أن فرقة "النور" الإسرائيلية تستعد لإقامة حفل موسيقي داخل الأراضي المحتلة يتضمن إعادة أداء بعض أغنيات أم كلثوم، مضيفة أن المطربة الفلسطينية – الإسرائيلية، فيوليت سلامة، ستشارك في الحفل إلى جانب نحو 30 عازفاً.
هذا الإعلان أثار غضباً مصرياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما اعتبرت أسرة السيدة أم كلثوم، على لسان بثينة محمد السيد البلتاجي، ابنة نجل شقيق أم كلثوم، أن هذا الأمر يعد "استغلالاً خبيثاً لتراث كوكب الشرق"، معتزمة اتخاذ كل الإجراءات الممكنة ضد الفرقة الإسرائيلية.
-
الإعلان أثار غضباً مصرياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي
أما على المستوى الرسمي، فلا يزال الصمت سيّد الموقف حتى تاريخ نشر هذه المادة، سواء نقابة الموسيقيين أو وزارة الثقافة المصرية، أو حتى جمعية المؤلفين والملحنين المصريين، التي اكتفى رئيسها مدحت العدل، بالإعلان عن رفضه الشديد لتلك الحفلات الإسرائيلية المزمع إقامتها خلال تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، واصفاً الأمر في تصريحات للصحافة المحلية بـ"سرقة للتراث الثقافي"، وهو ما عدّه "سلوكاً متكرراً من الاحتلال الإسرائيلي"، لكن يبدو أنه لا توجد إجراءات ممكنة لمنع هذا السطو الفني.
"إلا الإسرائيليين"
-
البلتاجي: أطالب وزارة الثقافة في مصر بالتحرك لمنع مثل هذا التعدي على رموزنا وتراثنا
بثينة محمد السيد البلتاجي، ابنة نجل شقيق أم كلثوم، تحدثت لـ"الميادين الثقافية"، وقالت إن الاعتداء على تراث "كوكب الشرق" الغنائي جريمة يجب عدم السكوت عنها، فالاحتلال الإسرائيلي الذي استباح دم الأطفال، بعدما سرق الأرض الفلسطينية، ليس غريباً عليه أن يمد يديه لسرقة الفن والتراث.
وأضافت: "أطالب وزارة الثقافة في مصر بالتحرك لمنع مثل هذا التعدي على رموزنا وتراثنا، خصوصاً من جانب الإسرائيليين، فإعادة تقديم فن أم كلثوم أمر محبَّب لنا بالتأكيد ومسموح به لكل فنان عربي في إطار القانون طبعاً، من باب تكريمها والاعتراف بقيمتها وريادتها، فهي من علامات قوة مصر الناعمة عبر الزمان، لكن يجب عدم السماح لناهبي الأرض بأن يعبثوا بتراث كوكب الشرق التي نعتبرها ملكاً للعرب جميعاً، ويجب الحفاظ عليه من أي تدنيس".
وأبدت البلتاجي استياء أسرة المطربة الراحلة من المحاولة الإسرائيلية للتمسُّح بتراث أم كلثوم الغنائي، واصفة الأمر بأنه "مقصود ومريب ومخطط له"، خصوصاً اختيار التوقيت بدقة، إذ تستغل الفرقة الإسرائيلية مرور 50 عاماً على رحيل سيدة الغناء العربي بهدف "سرقة تراث الست".
ورطة قانون الملكية الفكرية
-
البلتاجي: هناك محاولة إسرائيلية للتمسُّح بتراث أم كلثوم الغنائي
وفق القانون المصري (رقم 82 لسنة 2002)، الذي يوحّد التشريعات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية ويشمل حماية حقوق المؤلف، البراءات، العلامات التجارية، والبيانات التجارية، وغيرها، فإن القانون يغطي أنواعاً متعددة من الحماية، بما في ذلك حماية الاختراعات التي تتوفر فيها شروط الجدة والإبداع والقابلية للتطبيق الصناعي، ويحدد استثناءات لبعض الاختراعات مثل الأبحاث العلمية والطرق الرياضية.
ويحدد القانون مدة حماية حق المؤلف بـ50 سنة من تاريخ الترخيص بالنشر أو حياة المؤلف و50 سنة تالية، تؤول الحقوق فيها للورثة، ثم بعدها يدخل العمل تحت رخصة المشاع.
وفي عام 2017، تقدم حزب "الوفد" المصري بمشروع تعديل القانون رقم 82 لسنة 2002م بشأن حقوق الملكية الفكرية، لمجلس النواب المصري، مطالباً بمد فترة حماية تلك الحقوق إلى 70 سنة تالية لحياة المؤلف، بدلاً من 50 سنة، وذلك لحماية المؤلفين المصريين الذين قاربت مدة حماية مصنفاتهم على الانتهاء، بعدما سقطت مثلاً جميع مصنفات الأديب المصري، عباس محمود العقاد، المتوفَّى في 13 آذار/مارس 1964، كما انتهت مدة حماية آخر مصنفات الموسيقار المصري، سيد درويش، المتوفَّى في 10 أيلول/سبتمبر عام 1922، وأصبحت جميع مصنفاته في حكم الملك العام، وبالتالي مباح لأي ناشر أياً كانت جنسيته أن ينشرها من دون مقابل مالي لورثته.
ويجوز لأي مؤلف موسيقي أن ينهل منها من دون تقيد بالحدود المسموح بها قانوناً عند الأخذ من المصنفات المحمية، مع ما يترتب على ذلك من ضياع دخل مالي مهم يستحقه ورثة هؤلاء المبدعين، علاوة على فتح الباب أمام محاولات مشبوهة لاستخدام الفن في أغراض سياسية، كما تفعل أذرع الاحتلال الإسرائيلي دائماً عبر ميادين الفنون والثقافة.
وهنا وجب التساؤل، هل تستمر الانتفاضة والغضبة على المستوى الشعبي فقط، من دون إجراء رسمي وقانوني من الدولة المصرية يدافع عن تراث يمس وجدانهم أم يُسمح للفرقة الإسرائيلية بفرض التطبيع من جانب واحد استناداً إلى فخ الملكية الفكرية الذي يسقط قانوناً عن أعمال أم كلثوم بمرور 50 سنة على وفاتها؟
