ليلى داغر: حوار مفاجئ بين المدينة والطبيعة

تعيد داغر في معرضها الحالي خلق العالمين اللّذين تُحبهما، بيروت ومناظر لبنان الطبيعية، وهما عالمان لا يراهما تعريف المعرض مختلفين تماماً.

  •  ليلى داغر بين مجموعة من لوحاتها الصغيرة
    ليلى داغر بين مجموعة من لوحاتها الصغيرة

في معرضها الحالي في "غاليري 56- الجميزات" في بيروت، تحوّل التشكيلية اللبنانية، ليلى داغر، مدينتها بيروت، إلى لعبتها الفنية. إذ تستلهم أزقتها وأبنيتها وتطوراتها، واليوم تلعب بعناصرها لعبة المقارنة الثنائية مع الطبيعة.

المعرض حمل عنوان "حوار مفاجئ"، أو ربما "حوار غير متوقّع" (“Dialogue Imprévu-Unexpected Dialogue)، ذلك أن العربية تكاد تكون قد غابت على تسميات، وتعريفات غاليريها بيروت، التي تعتمد الأجنبيتين: الفرنسية والإنكليزية في تقديمها للجمهور.

أعمال تجريدية تؤدّي ظلال الخيالات دوراً في تعابير العناصر المستهدفة في المقارنة بين المدينة والطبيعة، فلا غرابة أن تلوح مظاهر الطبيعة بأشكال مدينية، أو العكس. لعبة تتماهى فيها الحدود، وتمّحي بين فضاءات التجريد، وتأخذ الريشة منحاها بالتحرّر المطلق من الانتماء إلى هنا أو هناك.

قد يكون شكل لجذع شجرة عمود ارتكاز لمبنى متراكم الطبقات، وقد تكون مساحات حرجية أسطح جدران متواصلة في الأبنية المتلاصقة في المدينة. 

هكذا تستكشف داغر ثنائية المدينة والطبيعة، وتمضي في لعبتها بجرأة تتخطّى حدود الانتماء والهوية، من دون أن تغيب محاولاتها في رسم طبيعة تامة بعناصرها الطبيعية لتخرج مشهداً يلامس الانطباعية، أو يقاربها، بأسلوب حذق، ومهارة جريئة، وكذلك في رسم مظهر مديني لأبنية متلاصقة وعناصرها المتداخلة لكن بإيحاءات غير مباشرة، وتلاميح تخبر عن ذاتها.

استخدمت داغر في معرضها لعبة اللوحات الصغيرة الحجم، لكن بكثافة عددية أتاحت لها لعبة التنوّع التجريدي، والتنوّع اللوني، وتغيّرات الأشكال المسلية، وقدّمت بذلك مروحة واسعة من الخيارات التي يمكن للزائر تصفّحها، متنقّلاً بين واحدة وأخرى بناظريَه، من دون عناء.

هكذا أخذت لعبة الألوان منحى متعدّداً يعبّر بطريقة ما عن مزاج في زمن معيّن. ليست كلّ اللوحات ميّالة للحمرة، ولا للزرقة أو للون معيّن، وغالباً ما وُجدت ألوان مختلفة في اللوحة الواحدة، وغالباً بمساحات لونية منكسرة بألوان متناقضة حفاظاً على التوازن، وتغييباً للرتابة.  

اختبرت داغر في معرضها تقنيات وأساليب جديدة، وقدّمت رؤىً جديدة لمواضيعها المُفضّلة، وهذه المرة: مدينة بيروت والمناظر الطبيعية في لبنان.

  • جانب من لوحات ليلى داغر
    جانب من لوحات ليلى داغر

وبحسب تعريف مرافق للمعرض، فإن "المدينة والمناظر الطبيعية عالمان مُختلفان؛ ما يجمعهما هو كيفية تحويلهما لمكان"، ذلك أنّ "موضوعها المُختار هو ثنائية المدينة والمناظر الطبيعية، أو الطبيعة، وهدفها هو خلق حوار بين هذين العالمين المختلفين، أحدهما جامد ومُنظّم، والآخر انسيابي وعضوي".

استكشاف آخر تعتمده داغر في معرضها عبر استخدام الكولاج باستخدام ورق الكرافت، وهي عملية التراكب في الكولاج، بنّاءة بطبيعتها. إذ إنها تُعيد خلق العالمين اللّذين تُحبهما، بيروت ومناظر لبنان الطبيعية، وهما عالمان لا يراهما التعريف مختلفين تماماً.

تجسّدت بعض هذه التقنيات في جداريات كبيرة، اتشحت بالأحمر، والألوان الفاتحة، واحتضنت عناصر مدينية، غير متراتبة، وأخرى طبيعية بإيحاءات متنوّعة، تستخدم تجزئة العناصر حيناً، وتمامها حيناً آخر، لكن بصورة غير مباشرة محافظة على أسلوبها التجريدي الذي تصرّ على اعتماده مجالاً للتعبير الحرّ.

تناقض الألوان بين الفاتح والساكت- الغامق لعب لعبة كسر الجليد اللوني، أحياناً، ففي جدارية كبيرة تميل للصفرة، انكسر تساوق الاصفرار المديد بمزيج من أوراق بيضاء وسوداء، أعطت للوحة بعداً ثالثاً، وحضوراً حيوياً لافتاً.

  • من أعمال ليلى داغر
    من أعمال ليلى داغر

أسلوب متكرّر لدى داغر في لوحات وجداريات أخرى، حرص فني على عدم الانزلاق في مغامرات فنيّة قد لا يستسيغها الجمهور.

يذكر أنّ داغر شاركت في العديد من المعارض الفردية والجماعية في بيروت. كما عرضت أعمالها دولياً، وشاركت في معارض في طوكيو وسيؤول وباريس. وتُعرض أعمالها في مجموعات فنية خاصة وعامة، بما في ذلك مقتنيات وزارة الثقافة اللبنانية.

اخترنا لك