"إلى أين أذهب":  إنسانيات لبنانية برؤىً نسوية

تتناول مطر قضيتها من زاوية اختبار سابقة وذلك بالتعاون مع نساء في لبنان، لأنها ترى ذاتها في هؤلاء النساء، في ما عبّرن عنه في يومياتهن، ومسلكهن الآني، في كل لحظة. 

 

  • من معرض
    من معرض "إلى أين أذهب"

تعالج الفنانة اللبنانية - الفلسطينية - الأميركية، رانيا مطر، الواقع اللبناني عبر معرضها الفوتوغرافي في غاليري "تانيت" في بيروت. تعكس مطر الكثير من الشؤون اللبنانية بطريقة الإيحاء من خلال مجموعة من الشابات اللبنانيات اللاتي قصدتهن، محاولةً استكشاف ما تركته الحروب الأهلية اللبنانية في البنى الثقافية والمسلكية التي قد تصل إلى بنية الإنسان الوراثية. 

هجرة مطر إلى الولايات المتحدة عام 1984، تعبّر عن موقف لبناني شامل، يوم شهد لبنان في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، ذروة الهجرة التي طالت الآلاف. يشير التاريخ إلى يأس لبناني من الحالة الراهنة آنذاك، في إشارة ضمنية إلى ما خلّفه اجتياح بيروت 1982، وانعكاسه على النفوس. كأن مطر رحلت لإنقاذ شبابها قبل التقدم في العمر، لتطرح على نفسها وقد قاربت الخمسين: "إلى أين أذهب؟"، فكان عنواناً لمعرضها. 

تقول مطر إنها يوم عادت إلى لبنان، لم تجد فرقاً في حالتها العمرية، وترى نفسها أصغر سناً وهي تتفاعل مع نساء أخريات هن اليوم مثلها عندما هاجرت في العشرينيات من عمرها، وفي الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب الأهلية، تلاحظ أن لبنان لا يزال يعاني من عواقبها. 

في عودتها إلى لبنان، وانعكاس صورتها الخمسينية، عشرينية في الشابات اللاتي التقت بهن، تجد مطر "دائماً الأمل والإلهام في النساء". فهي سبق أن خصصت عملها لاستكشاف قضايا الهوية الشخصية والجماعية من خلال صور فتيات مراهقات ونساء "في كل من الولايات المتحدة حيث أعيش، وفي لبنان حيث أتيت"، كما تقول بهدف "تسليط الضوء على إنسانيتنا المشتركة".

تتناول مطر قضيتها من زاوية اختبار سابقة وذلك بالتعاون مع نساء في لبنان، لأنها ترى ذاتها في هؤلاء النساء، في ما عبّرن عنه في يومياتهن، ومسلكهن الآني، في كل لحظة. 

ينتقل عملها من شابة إلى أخرى، يربطهن فقط انتماؤهن للبنان، وخضوعهن لتفاعلاته، وترى مطر أن ما قامت به معهن واحدة واحدة هو "عملية تعاونية حيث تتطور جلسة التصوير بشكل منظم مع مشاركة النساء الفاعلة في عملية التصوير، وقيادتهنّ للبيئة، وجعلها ملكهنّ". هكذا دعت مطر العديد منهنّ إلى التواصل، فكان معرضها، وصوره الفوتوغرافية.

  • من معرض
    من معرض "إلى أين أذهب"

أول إلهاماتها لعملها الحالي، رسومات على الحائط مكتوبةٌ بالعربية: "إلى أين أذهب؟". بيرلا، الشابة اللبنانية العشرينية هي صاحبة الرسم. تراها مطر مُلقيةً بنفسها على الحائط في كفر متى، فأصبح عنوان هذا العمل، تضيف إليه تساؤل خصوصيتها: "في الخمسين: إلى أين أذهب؟". 

وتتنوّع اللوحات الفوتوغرافية مع علياء في ماء الذهب في الخيام، وآية في عباءة جدّها تتسلق قبة "معرض طرابلس الدولي"، ولارا في مسرح مظلم مهجور في زحلة، وبترا مع ملكة جمال لبنان 1972 في الجميزة، وتيرا في "هوليداي إن" في بيروت وقد ألحقت به الحرب الكثير من الضّرر، والتشوّهات، وياسمينا تنعكس صورتها في الماء، وفرح وسيارتها المحترقة في عبيه، وغنوة في مخيم الاعتقال في الخيام، وريانا ومرآتها في عمشيت، وتارا بين الزهور.

جولة مع الشابات في أنحاء مختلفة من لبنان تروي حكاية البلد بصورة عامة، وما خلفته الأحداث على مختلف المواقع، إضافة إلى الشابات، وما الذي تكتنزه كل منهنّ من حيوية.

وجدت مطر في الشابات صباها، وحيويتها يوم غادرت لبنان، فهن، كما لاحظت، "يتسلقن الصخور والأشجار، ويقفزن بكامل ملابسهن في التراب والماء والشلالات، ويزحفن تحت الأشواك، ويتسللن إلى أكواخ مهجورة، ويحتضنّ الحياة، ويتسخن، ويخاطرن، ويستمتعن إذا أُتيحت لهن مساحة للتعبير عن أنفسهن، فهن على استعداد للتجربة، والذهاب إلى أماكن لم نكن نعتقد أنها ممكنة قبل لحظات". 

  • من معرض
    من معرض "إلى أين أذهب"

وتطرح حيوية الشابات، بنظر مطر، إشكالية الاختيار بين الهجرة والبقاء، حيث ترى كثيرين يواجهون القرار المؤلم بين البقاء والمغادرة، طريقٌ يقود إلى الانفصال عن العائلات والبيوت والحياة كما اعتادوا عليها. أما الآخرون، فبقوا رغم الظروف الصعبة في البلاد، متمسكين دائماً بأمل أن تكون أيامهم أفضل".

وتخلص مطر إلى غايتها من المعرض، قائلة إن: "صوري قد لا تقدم حلولاً، إلا أنني آمل أن تدعو المشاهد إلى التوقف واكتشاف الجمال، والإنسانية المشتركة، والنعمة التي لا تزال موجودة رغم كل شيء. إنها رسائل حبي لنساء لبنان"، قبل أن تختم بأن "هذا المشروع لنا جميعاً: من بقي ومن رحل ولمن لن يستطيع الرحيل أبداً". 

  • من معرض
    من معرض "إلى أين أذهب"

علاوة على معارضها الفنية نشرت مطر 4 كتب: "هي" (2021)؛ "المرأة العاشقة" (2016)؛ "فتاة وغرفتها" (2012)؛ "النظام في حيوات متعددة" (2009)، وتعمل حالياً على كتاب جديد بعنوان: "بعد 50 عاماً: أين أذهب؟" (2026).

اخترنا لك