"ببساطة".. آلييدا غيفارا تحدثنا عن حرية الصحافة، أسطورة الأساطير!
في البرنامج الذي تعدّه وتقدّمه آلييدا غيفارا على الميادين، تكشف لنا ما لوسائل الإعلام من سلطة هائلة، متحدّثة عن الأكاذيب والتلاعب بالمعلومات الذي تمارسه هذه الوسائل وما يسببّه من تضليل للناس.
-
غلاف الحلقة الأولى من برنامج "ببساطة.. آلييدا غيفارا" على قناة الميادين
"يقولون إنّ العرض يجب أن يستمرّ، أما نحن فنقول هذا العرض يجب أن يتوقّف، لأنه لا شيء سوى محاولات لإهانة الإنسان، وسلبه كلّ إمكانية للتفكير والتفاعل"، تقول آلييدا غيفارا ذلك، بحبٍّ طافح، من مكتب والدها تشي، الذي كان يقرأ فيه عند وجوده في كوبا.
آلييدا غيفارا، التي طالما جذبتها القضايا العادلة، قضايا الشعوب التي تناضل من أجل حريتها، واستقلالها، وسيادتها، تُعلن في الحلقة الأولى من برنامجها "ببساطة.. مع آلييدا غيفارا" الذي يبثّ على قناة الميادين، لعرض موضوعها الآتي: "سنتحدّث عن أسطورة الأساطير، حرية الصحافة، حرية التعبير"، ثم تضيف بسخرية: "نعم، يتحدّثون عنها باستمرار، ويقولونها بجدّية كبيرة، حقاً، لكنها كذبة فادحة".
عندما ينتهي المشاهد من الحلقة الأولى بعنوان "وسائل الإعلام"، تكون آلييدا غيفارا قد وفت بوعدها الذي قطعته مسبقاً: "هذا البرنامج سيكون وسيلة لنتطوّر معاً، لنتعرّف إلى الكثير من الأمور، لنناقش، ونحلّل، وربما حتى لنبحث عن حلول. قد يقدّم لكم هذا البرنامج رؤية مختلفة، وربما حتى عصيّة على الانقياد. سنقوم بذلك: ببساطة".
حسناً، يجب أن نفعل ذلك في عالمٍ تهيمن عليه شركات الإعلام والتضليل الإعلامي العابرة للحدود، لأنّ وسائل الإعلام في أغلبيتها، في ظل الرأسمالية، هي ملكية خاصة، وهذا يعني أنها مضطرة إلى إطاعة مالكيها ومَن يموّلونها اقتصادياً: الشركات متعدّدة الجنسيات، شركات الصناعات الحربية الكبرى، شركات النفط العابرة للحدود، شركات الأدوية، والبنوك بصفة خاصة.
في البرنامج الذي تعدّه وتقدّمه آلييدا غيفارا تكشف لنا ما لوسائل الإعلام من سلطة هائلة حقاً، وتتحدّث بعاطفة صادقة وحقيقية عن الأكاذيب والتلاعب بالمعلومات الذي تمارسه هذه الوسائل وما يسبّبه من تضليل للناس.
تذكُر ما ينبغي أن يكون في مواجهة ما هو كائن فعلاً، تحاول أن تذكِّر بالجانب الأخلاقي من الإعلام، أي بألف بائه من المبادئ: أن يكون في خدمة الشعب. وتسوّق من أجل ذلك أخلاقيات الصحافة كما ينبغي أن تكون، في ظلّ الصحافة المشوّهة: "الصحافة النزيهة عليها أن تتخذ موقفاً، عليها أن ترفض الجريمة. هدف الصحافة ليس إرضاء هذا أو ذاك، هدفها هو أن تكون مفيدة لشعبها، أن تخدمه؛ فذلك هو جوهرها ومعناها الحقيقي في الحياة".
آلييدا، المنحازة مثل أبيها للإنسان وقضاياه المحقّة في كلّ زمان ومكان، ولأنها لا تستطيع أن تحتمل الوصف الذي تضعه الكاتبة فينا غارسيا ماروس: "ليس لأنه يفتقد الصوت، بل لأنه غارق في الصمت"، من أجل ذلك، وبسببه، تذكّرنا بالصحافي جوليان أسانج مؤسس موقع "ويكيليكس" الذي كتب يوماً ما بالشراكة مع رينيه بيريز أغنية لفرقة "كايي 13" تقول جملةٌ منها: "الخبر الذي يُروى بشكلٍ سيّئ هو هجومٌ مسلّح".
تذكّرنا آلييدا غيفارا بقصة جوليان أسانج، الصحافي الذي ظُلِم فقط لأنه طبّق فعلياً مبدأ أنّ الصحافة والإعلام يجب أن يكونا في خدمة الشعب. مَن الذي نفّذ هذه الحملة الشرسة ضده؟ أكبر "الديمقراطيات" في العالم: الولايات المتحدة وأوروبا.
تحاول غيفارا أن تعرض هذا التناقض الصارخ بين صورة وسائل الإعلام عن نفسها أمام الناس، وبين حقيقتها الفعلية، وكيف يمكن لخبرٍ أن يقيم الدنيا ويقعدها. فأسانج، الذي نشر مجموعة من الوثائق تكشف جرائم ارتكبها الجيش الأميركي بحق شعبي العراق وأفغانستان: 15 ألف قتيل في العراق لم يُذكر أي شيء عنهم على الإطلاق، و800 معتقل تراوحت أعمارهم بين 14 و89عاماً، في القاعدة البحرية في غوانتانامو، الواقعة على الأراضي الكوبية المغتصبة.
بحرقة، تروي آلييدا غيفارا ذلك، لتقاطع ما بين التاريخيّ والشخصيّ، وتكشف عن طريق واحدٍ من المسارين المسارَ الآخر. علماً أنها ليست المرة الأولى التي تتصارع فيها "أخلاق الصحافة" مع "الأمن القومي" في الولايات المتحدة. فقد نُشرت سنة 1971 "أوراق البنتاغون" التي سرّبها العسكري دانييل إلسبيرغ، وأظهرت كذب الحكومة الأميركية حول الوضع الحقيقي للحرب في فيتنام، وقد انتصرت الصحافة على مفهوم الأمن القومي في ردهات المحاكم ذلك الوقت.
أما أسانج، الذي سرّب وثائق تكشف جرائم واشنطن في العراق وأفغانستان، فقد صدر بحقّه، بعد محاصرته في سفارة الإكوادور ونقله منها بعنف إلى سجنٍ شديد الحراسة في المملكة المتحدة، حكمٌ بالسجن لمدة 175 عاماً. لكن، مضطراً إلى أن "يقرّ بالذنب" في تهمة "الحصول على مواد تتعلق بالأمن القومي ونشرها"، تمّ الإفراج عنه سنة 2024.
بعد الإفراج عنه، وخلال مؤتمر صحافي، قال أسانج ملخّصاً ما جرى: "أنا اليوم لستُ حرّاً لأنّ النظام قد عمل ما ينبغي، أنا حرٌّ اليوم بعد سنواتٍ من السجن لأنني أقررتُ بالذنب في.. ممارسة الصحافة".
هذا ما تدعو إليه آلييدا غيفارا: ممارسة الصحافة، وفقَ ما ينبغي أن تكون، لا وفقَ ما يريده المالكون والمموّلون، معيدة طرح الأسئلة حول حيادية الصحافة ومعناها، وهل هي الخيار المهني والأخلاقي الأفضل دائماً، ولماذا يسجن صحافيون لكشفهم الحقيقة.
ببساطة وعفوية بالغة تقاطع غيفارا ما بين السِيَري والموضوعي، فتروي شيئاً عن أبيها تشي، وآخر لقاءٍ لها معه، حين كان متنكّراً بوصفه "رومان العجوز" من دون معرفتها أنّ هذا هو والدها، كما تستعرض، من خلال الصوت، ذكريات آلييدا مارش، رفيقة درب تشي.
هذا التقاطع بين الشخصي والعام، بين آلييدا وعائلتها وموضوعها، يشعر المشاهد وكأنه في جلسة عفوية ينساب الحديث فيها تلقائياً، أو أنه جالس يشرب مع آلييدا قهوة كوبية قوية غير منزوعة الكافيين. ومثلما انتصرت الكتابة المقطّعة التي اعتمدها الفرنسي رولان بارت في كتابه "س/ز"، فإنّ التقديم المقطّع ينتصر مع آلييدا، مرةً أخرى.