افتتاحه حدث دولي... ما قصة "المتحف المصري الكبير"؟
من أضخم المشاريع الثقافية في مصر، وحفل افتتاحه سيكون حدثاً ثقافياً دولياً. هل ينجح "المتحف المصري الكبير" في حماية التراث المصري؟ ولماذا يثير الانتقادات؟
في قلب منطقة الجيزة، وعلى مرمى البصر من الأهرامات، يقف "المتحف المصري الكبير" كأحد أضخم المشاريع الثقافية في مصر، وهو مصمم ليكون أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة هي الحضارة المصرية القديمة، حيث يطمح بمساحته الشاسعة وتصميمه المعماري الفريد، ليكون منارة تحمي التراث المصري وتجذب ملايين الزوار سنوياً.
في حدث ينتظره العالم، بحضور قادة دول ومسؤولين دوليين، تفتتح القاهرة في3 تموز/يوليو المقبل، "المتحف المصري الكبير"، وسط توقعات باستمرار الفعاليات أياماً عدة، في وقت ما زالت فيه تكاليف بناء المتحف الباهظة تثير الجدل منذ العام 2015، وصولاً إلى تأخير افتتاح المتحف أكثر من مرة فضلاً عن الانتقادات التي طالت إدارته.
وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قد دعا نظيره الأميركي، دونالد ترامب، وملك إسبانيا، فيليبي السادس، إلى حضور حفل افتتاح المتحف الذي يهدف لاستقبال نحو 5 ملايين زائر سنوياً، وفقاً لتقديرات رسمية.
ما هو المتحف المصري الكبير؟
-
بدأت مصر بتشييد "المتحف المصري الكبير" في أيار/مايو عام 2005
سيكون المتحف المصري الكبير، الذي زاره الكثير من الضيوف الدوليين، وآخرهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ساحة عرض جديدة للمحتويات الكاملة لمقبرة "الملك الذهبي" توت عنخ آمون التي اكتشفت عام 1922، ومجموعة الملكة "حتب حرس" أم الملك خوفو، مشيّد الهرم الأكبر، ومتحف مراكب الملك خوفو، والمقتنيات الأثرية المختلفة منذ عصر ما قبل الأسر وحتى العصرين اليوناني والروماني، كما يضم متحفاً للأطفال، ومركزاً تعليمياً، وسينما، ومركزاً للمؤتمرات، والعديد من المناطق التجارية.
بجهد مشترك بين وزير الثقافة المصري الأسبق، فاروق حسني، ومنظمة "اليونسكو" وبدعم من "هيئة التعاون الدولي اليابانية" (جايكا)، بدأت مصر بتشييد المتحف في أيار/مايو عام 2005 على مساحة 500 ألف متر مربع، أي نحو 117 فداناً، لتوازي مساحته ضعفي مساحة متحف "اللوفر" الفرنسي، وضعفي مساحة المتحف البريطاني، ويحتوي على 100 ألف قطعة أثرية.
لحظة دخولك المتحف الذي يعتمد في تصميماته على أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة عند التقائها بكتلته المخروطية، يستقبلك تمثال مهيب للملك رمسيس الثاني، بارتفاع يبلغ 11 متراً، في ساحة كبيرة تضم درجاً من 6 طبقات، وحال صعوده يمكنك رؤية تماثيل لفراعنة وآلهة وتوابيت، ثم تأخدك واجهة كبيرة توفر إطلالة خلابة على الأهرامات.
داخل المتحف هناك 12 صالة عرض، تضم 15 ألف قطعة مرتبة ترتيباً زمنياً من عصر ما قبل التاريخ وحتى العصر الروماني، و19 معملاً للترميم ومركزاً للبحوث إضافة إلى الحديقة المتحفية، ومركباً شمسياً مصنوعاً من خشب الأرز، يبلغ طوله 44 متراً وطُمر بجوار الهرم الأكبر قرابة العام 2500 قبل الميلاد، سيُكشَف عنه للمرة الأولى، بينما تطل أقسام مختلفة من المتحف على منظر بانورامي للأهرامات.
ومن ضمن هذه القطع، وفق وزارة الثقافة المصرية، مجموعة تماثيل خشبية أوزيرية مغطاة بطبقة من القار الأسود وتماثيل مصنوعة من الحجر الجيري الملون، أشهرها تمثال "سن نفر"، أحد كبار رجال القصر الملكي في عصر الأسرة الفرعونية الخامسة، ولوحة من عصر الأسرة 26 للملك بسماتيك الأول، فضلاً عن أكاليل الملك توت عنخ آمون وصندوق من الخشب للملك أمنحوتب الثاني، نقش عليه خراطيش الملك وكتابات هيراطيقية.
ويقول عالم الآثار المصري، زاهي حواس، إن: "هذا المتحف يعد بوابة لإعادة سرد قصة الحضارة المصرية القديمة وليس مجرد صرح أثري"، مضيفاً "ليس له مثيل في العالم وافتتاحه رسالة بأن مصر تحافظ على تراثها".
إشادات دولية ومحلية
-
عبد الحميد البحباح: التصميم المعماري والداخلي للمتحف المصري الكبير متفرد ومتميز
نقلة نوعية تلك التي يمثلها المتحف في عرضه الآثار المصرية بتقنيات حديثة، مثل الشاشات التفاعلية والواقع الافتراضي، ما يجعل التراث المصري أكثر إتاحة للعالم. هذا ما صرّح به حسين بسيوني، رئيس الإدارة المركزية للآثار، في حديث مع "الـميادين الثقافية"، واصفاً المتحف بأنه "أعظم مشروع ثقافي عالمي خلال القرن الحالي".
وكانت منظمة "اليونسكو" قد أشادت بتصميم المتحف، فيما قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، عن الافتتاح إنه "مفاجئ للعالم ويضع علم المصريات على خريطة السياحة العالمية"، أما "لوس أنجلس تايمز" فقالت إن المتحف "كبير في الحجم والتكلفة والطموح، وسيكون أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة".
في حديثه مع "الميادين الثقافية"، يرى الخبير المشرف على المتحف، عبد الحميد البحباح، أن "التصميم المعماري والداخلي للمتحف متفرد ومتميز"، مشيراً إلى أنه يسترجع طريقة استخدمها المصريون القدماء في بناء معابدهم القديمة تمزج بين التصميم المعماري الخارجي لنقل الإضاءة والشمس إلى البيئة الداخلية.
أما مجدي شاكر، الخبير الأثري المصري، فقال إن المتحف "سيكون هدية مصر للعالم"، بينما يقول الخبير الأثري المصري، أحمد عامر، إنّ المتحف "يدمج بين الآثار والحضارة بعرض متحفي حديث يستخدم أحدث التقنيات العالمية".
أول متحف أخضر في أفريقيا والشرق الأوسط
-
حفل افتتاح المتحف المصري سيكون حدثاً عالمياً من حيث الحضور
وحصد المتحف شهادة "إيدچ" للمباني الخضراء، كأول متحف أخضر في أفريقيا والشرق الأوسط. كما حقق نسب أداء قياسية في ترشيد الطاقة والمياه والانبعاثات الكربونية لمواد البناء، فضلاً عن حصوله على 8 شهادات "آيزو" في مجال الطاقة والصحة والسلامة المهنية والبيئة والجودة، والشهادة الذهبية للبناء الأخضر والاستدامة، بحسب وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي.
وعن تفاصيل حفل الافتتاح، يقول أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف، إن الحفل المرتقب "سيكون حدثاً عالمياً من حيث الحضور والإبهار"، مضيفاً أن "هذا الصرح سيكون منارة علمية وثقافية وبحثية ولن يكون متحفاً فقط"، فيما يشيد حسن سليم، أستاذ المصريات بجامعة عين شمس، باختيار موقع المتحف وبنائه في مواجهة أهرامات الجيزة التي تعد أهم أثر في الحضارة المصرية.
انتقادات بالجملة وقضايا فساد
-
أثار بناء المتحف جدلاً واسعاً بسبب تكلفته الباهظة فضلاً عن قضايا فساد
وعلى الرغم من الاحتفاء بــ "المتحف المصري الكبير" كإنجاز تاريخي، فقد أثار جدلاً واسعاً بسبب تكلفة بنائه الباهظة، والتأخيرات المتكررة لافتتاحه، فضلاً عن الانتقادات التي طالت إدارته وتأثيره وقضايا فساد.
ووفق تقديرات رسمية، فإن تكلفة الإنشاء بغلت نحو 1.5 مليار دولار بينها قروض الهيئة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) بقيمة 800 مليون دولار، فيما يقدر خبراء آثار إجمالي التكلفة بنحو 6.1 مليارات دولار، وهي ممولة بقروض دولية ومساهمات محلية، معتبرين أنها "تشكل عبئاً اقتصادياً، وأن "المتحف ولد غارقاً في الديون".
وفي هذا الإطار، يرى خبير الآثار المصري، أحمد عبد الفتاح، أنه "كان يمكن تخصيص هذه المبالغ في ترميم مواقع أثرية أخرى مهملة، مثل مقابر الوادي الجديد أو معابد الكرنك"، مشيراً إلى أن المتاحف المصرية وعددها 72 متحفاً تدر إيرادات 170 مليون جنيه، في حين أن متحف "اللوفر" سجل إيرادات بواقع 122 مليون دولار بما يعادل 12 ضعف إيرادات المتاحف المصرية.
ويشكل ارتفاع أسعار التذاكر، أحد أسباب الانتقادات أيضاً. فخلال الافتتاح التجريبي عام 2024، بلغت تذكرة المصريين 200 جنيه (4 دولارات) للكبار، و100 جنيه للأطفال، و1200 جنيه (24 دولاراً) للأجانب، و600 جنيه للمقيمين. الأمر الذي يبعد شريحة كبرى من المصريين عن المتحف، فضلاً عن مخاطر نقل الآثار من مواقعها الأصلية، ما يؤثر على سلامتها بفعل تغيير البيئة وعوامل التعرية، وغياب الشفافية في ما يتعلق باختيار المقاولين، وأوجه الإنفاق وحجم ديون القروض، وفق تصريحات عبد الفتاح لــ "الميادين الثقافية".
وطالت المتحف كذلك، قضايا فساد، حيث يواجه 3 مسؤولين محاكمة في قضية بتهمة اختلاس تمثال "أوزوريس" البرونزي من المتحف، بينما أقيلت جيهان محمد زكي، الرئيسة التنفيذية السابقة للمتحف، في تشرين الأول/أكتوبر 2024 عقب اكتشاف مخالفات وتلاعب في الحسابات، علاوة على ما كشفته صحيفة "الوطن" المصرية، في العام 2015 عن إهدار 200 مليون دولار من منح وقروض مخصصة للمتحف، وإحالة 4 مسؤولين للنيابة بتهمة صرف 2.2 مليون جنيه (44 ألف دولار) كحوافز من دون وجه حق عام 2017.
كما سمح تصميم البهو العظيم للمتحف، بدخول الأمطار والأتربة، لأن المتحف يقع في منطقة تكثر فيها العواصف الترابية من الصحراء الغربية.
ويقول خبير الآثار، أحمد التونسي، إن تجربة التشغيل أكدت الوضع المزري لأرضية البهو التي تتسخ يومياً بصورة سريعة جداً، بينما تؤكد وزارة الآثار المصرية أن سقوط الأمطار أمر طبيعي ومتوقع ومدروس أثناء التصميمات ولا يُمثل خطورة.