العدالة في التعليم: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون منصفاً؟

هل يستفيد جميع الطلاب من هذه الطفرة التقنية بالقدر نفسه؟ وهل الذكاء الاصطناعي قادر على أن يكون منصفاً، أم أنّه يعيد إنتاج التفاوتات القائمة أو يخلق أشكالاً جديدة من التمييز؟

  •  الفجوة الرقمية التي ما زالت تشكّل حاجزاً رئيسياً أمام تحقيق العدالة في التعليم
    الفجوة الرقمية التي ما زالت تشكّل حاجزاً رئيسياً أمام تحقيق العدالة في التعليم

في ظلّ التحوّلات المتسارعة التي يشهدها العالم، أصبح الذكاء الاصطناعي أحد المحاور الأساسية في إعادة تشكيل الأنظمة التعليمية. فقد تسللت أدواته إلى الصفوف الدراسية، والمناهج، وأساليب التقييم، وحتى إلى السياسات التربوية. غير أنّ هذا التقدّم التقني، رغم ما يحمله من وعود بتعليم أكثر تخصيصاً وفعالية، يثير في المقابل أسئلة جوهرية حول العدالة الرقمية: هل يستفيد جميع الطلاب من هذه الطفرة التقنية بالقدر نفسه؟ وهل الذكاء الاصطناعي قادر على أن يكون منصفاً، أم أنّه يعيد إنتاج التفاوتات القائمة أو يخلق أشكالاً جديدة من التمييز؟

العدالة الرقمية لا تقتصر فقط على توفير الوصول إلى التكنولوجيا، بل تشمل أيضاً استخداماً عادلاً وفعّالاً لها ضمن بيئات تعليمية متنوعة. إنها تعني توفير فرص متساوية للطلاب، بغضّ النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الجغرافية أو الاقتصادية، لاستخدام التقنيات الحديثة، والاستفادة منها في تنمية مهاراتهم وتوسيع آفاقهم المعرفية. 

في هذا الإطار، يُصبح الذكاء الاصطناعي ليس فقط أداة تعليمية، بل معياراً لاختبار مدى التزام الأنظمة التعليمية بتحقيق العدالة. وعلينا جميعاً مواجهة تحديات تحقيق العدالة في ظل الذكاء الاصطناعي وأبرزها:

- الفجوة الرقمية التي ما زالت تشكّل حاجزاً رئيسياً أمام تحقيق العدالة في التعليم. ففي حين يستفيد طلاب المدن الكبرى من بنية تحتية رقمية متطورة، يعاني طلاب المناطق الريفية والمهمّشة من انعدام الاتصال بالإنترنت، أو من ضعف الأجهزة التقنية، أو من نقص المهارات الرقمية. وهنا، يتحوّل الذكاء الاصطناعي من فرصة إلى أداة تفاقم التفاوت.

- تحيّز الخوارزميات التي لا تُكتب في فراغ، بل تعكس تصوّرات ومواقف من كتبها. في سياقات تعليمية، قد تُظهر خوارزميات الذكاء الاصطناعي انحيازاً ضد طلاب من خلفيات ثقافية أو لغوية أو اجتماعية معينة، عبر تقييمات غير دقيقة.

- محدودية المحتوى المحلي ولا سيما أنّ العديد من أدوات الذكاء الاصطناعي يُطوّر بلغات ومضامين غربية، ما يضعف تمثيل الهويات الثقافية المختلفة ويقلل من فعالية هذه الأدوات في سياقات تعليمية غير غربية، مثل العالم العربي. وهنا يبرز سؤال مهم: هل نُدرّس طلابنا كي يكونوا مستهلكين سلبيين لتقنيات أجنبية؟ أم نؤهّلهم لإنتاج معرفة محلية مدعومة بالذكاء الاصطناعي؟

- خصوصية البيانات وسوء استخدامها حيث تعتمد أدوات الذكاء الاصطناعي على جمع بيانات ضخمة عن المتعلمين، مثل الأداء الأكاديمي، وأنماط التفكير، وحتى السمات النفسية. في ظل غياب سياسات صارمة لحماية الخصوصية، قد تُستغل هذه البيانات لأغراض تجارية أو رقابية، ما يُعدّ انتهاكاً لحقوق الطلاب.

يمتلك الذكاء الاصطناعي قدرة هائلة على تحسين جودة التعليم إذا ما استُخدم بذكاء وعدل. من خلال التحليلات التنبؤية، يمكن تحديد صعوبات التعلّم لدى الطلاب بشكل مبكّر وتقديم دعم مخصّص. كما تُتيح أدوات الذكاء الاصطناعي ترجمة المحتوى الفوري للطلاب ذوي الحاجات الخاصة، وتكييف الدروس بما يتناسب مع أساليب التعلّم الفردية. لكن هذه الإمكانيات لا تتحقق تلقائيا؛ بل تتطلب:

- تصميماً يراعي التعددية الثقافية واللغوية.

-  سياسات شفافة لحماية البيانات.

- تدريباً مستمراً للمعلمين على الاستخدام النقدي والمسؤول لهذه الأدوات.

-  رقابة أخلاقية على البرمجيات المستخدمة في البيئات التعليمية.

ولكي نضمن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة لإنصاف الجميع، لا بد من إعادة النظر في السياسات التربوية من منظور العدالة الرقمية. وهنا بعض التوصيات:

- بناء بنية تحتية رقمية متكاملة في جميع المناطق، مع ضمان اتصال مستقر بالإنترنت وتوفير الأجهزة للطلاب المحتاجين.

- تشجيع إنتاج أدوات تعليمية ذكية محلّية، تعكس ثقافات الشعوب وتلبّي احتياجاتها التربوية الفريدة.

- إدراج أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في تدريب المعلمين، حتى يُصبحوا قادرين على توجيه الطلاب وتعليمهم استخدام هذه الأدوات بوعي.

-  إنشاء هيئات رقابية تربوية رقمية لمتابعة جودة وعدالة الأدوات المستخدمة في التعليم.

-  دعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتوفير حلول تعليمية مستدامة ومجانية للفئات المهمّشة.

في النهاية، ليس السؤال هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون منصفاً، بل: هل نمتلك نحن الإرادة والمعرفة الكافيتين لنُعيد تشكيله ليخدم المساواة؟

 

اخترنا لك