خلاف ترامب ونتنياهو المفترض.. مسار حدوده إعادة تعريف قوة الكيان ودوره

الواقع الأميركي الحالي فاقد للأهلية التي كانت قادرة على تكريس توجه أحادي في التعاطي مع القضايا الدولية، بدليل الجرأة الروسية في شرق أوروبا والاندفاعة الصينية للتمدد في العالم.

0:00
  • الواقع الحالي للعلاقة المتذبذبة شكلياً بين الإدارة الأميركية الحالية وحكومة نتنياهو يشكل استثناءً!
    الواقع الحالي للعلاقة المتذبذبة شكلياً بين الإدارة الأميركية الحالية وحكومة نتنياهو يشكل استثناءً!

قد يذهب البعض باتجاه تحليل الخلاف المفترض حول إدارة الملفات الإقليمية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو على أنه بداية شرخ سيقوض العلاقة بين حليفين استراتيجيين استطاعا فرض وتيرتهما منذ زمن بعيد على واقع التوازنات الإقليمية في المنطقة.

ويقارب البعض هذه الفكرة على أنها نتاج فشل اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة في تطويع الإدارة الأميركية الحالية وتخطيط توجهاتها. وبالتالي، قد يؤدي هذا الافتراض وفق هؤلاء إلى إمكانية تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن الكيان الإسرائيلي، أقله في مواجهة الملفات التي تتباعد حولها الرؤى بين الطرفين.

في هذا الإطار، يفترض الإشارة إلى أن العلاقة بين الكيان الإسرائيلي والإدارات الأميركية المعنية برسم الاستراتيجيات واتخاذ القرارات الخارجية لا تتسم بالتوازن الذي قد يُعرف في بعض الأحيان على أنه قد يميل أحياناً لمصلحة هذا الكيان على حساب المصالح الأميركية. وبالتالي، يمكن توصيف هذه العلاقة على أنها تندرج في إطار سعي الكيان الإسرائيلي لمواءمة تلك الاستراتيجيات مع مصالحه ومصالح وتوجهاته الاستراتيجية.

 هنا، يمكن القول إن التطابق المطلق بينهما لا يتحقق بشكل دائم؛ فمن خلال قراءة واقع ما بعد الحرب الباردة، يمكن ملاحظة أن ذلك الكيان استفاد من توجه الأحادية الأميركية الذي كان قائماً على استغلال أدوات القوة الخشنة والناعمة في عملية تحقيق الهيمنة الكبرى للمصالح والقيم الأميركية؛ فمن خلال مقاربة المشروع الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وفق رؤية تفتيت الإطار القومي العربي وإسقاط الأنظمة المناوئة للسياسات الأميركية وتكريس الوجود الأمني والعسكري الأميركي المكثف في المنطقة، وجدت اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة أن الفرصة كانت سانحة لمحاولة تحقيق مشاريع الكيان التوسعية وتكريس تفوقه الأمني والعسكري تحت غطاء امتلاكه القدرة والأهلية اللازمة لتنفيذ المخططات الأميركية، مستفيداً في الوقت نفسه من قناعة أميركية تفترض اعتباره ركيزة صلبة تساعد بشكل فاعل في ضمان استقرار المنطقة وإمدادات النفط ذات الأهمية الحيوية للولايات المتحدة.

وبناء عليه، يمكن الاستنتاج أن الواقع الحالي للعلاقة المتذبذبة شكلياً بين الإدارة الأميركية الحالية وحكومة نتنياهو يشكل استثناءً لما تم التعارف عليه تاريخياً بينهما، فالإدارة الاميركية الحالية تعتبر، نظرياً على الأقل، أن المسار الذي يتمسك به نتنياهو في إدارته واقع الكيان الإقليمي لا يتوافق مع متطلبات المرحلة المعروفة أميركياً على أنها تتطلب اعتماد مسار تعميق العلاقات وملاقاة الدول العربية الحليفة بأسلوب مرن بالتوازي مع محاولة فرض الرؤية والمسار الأميركيين مع القوى المناوئة بأسلوب التفاوض والحوار.

فالواقع الأميركي الحالي فاقد للأهلية التي كانت قادرة على تكريس توجه أحادي في التعاطي مع القضايا الدولية، بدليل الجرأة الروسية في شرق أوروبا والاندفاعة الصينية للتمدد في العالم دون أن ننسى شعار "أميركا أولاً"، مع ما يعنيه هذا الشعار من مواجهة حتمية مع الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة الذي وجدوا أن المشروع الأميركي تخلى عن خيار أمركة القيم العالمية والتكامل السياسي والاقتصادي وتمسك بخيار أمركة المصالح العالمية، وبالتالي لن يناسب المسار الإسرائيلي للهيمنة تحت شعار إسرائيل الكبرى، إذ إن هذا المشروع يستلزم انخراط الولايات المتحدة الأميركية بقوتها الخشنة والمطلقة. 

بالاستناد إلى هذه القراءة، يفترض الإشارة إلى أن حدود هذا الخلاف لا يتخطى إطار عدم الاتفاق على أدوات العمل اللازمة لتحقيق المشروع المتوافق عليه بين الطرفين، فالتفوق الإسرائيلي في الإقليم كهدف مقدس لكل الحكومات الإسرائيلية، السابقة والحالية واللاحقة، لا يتعارض مع التوجه الأميركي، بل يمكن اعتبار المسار الأميركي الحالي ممهداً له، وإن بوسائل مختلفة عن تلك التي يريدها نتنياهو. فالرؤية الأميركية لمسار التطبيع، إضافة إلى واقع قطاع غزة والسلطة الفلسطينية، من دون أن نهمل الهدف الأميركي النهائي للمفاوضات مع الجمهورية الإسلامية والواقع الذي تعمل عليه الولايات المتحدة في كل من لبنان وسوريا، لا تخرج عن إطار الرؤية النهائية لإسرائيل الكبرى.

وعلى الرغم من عدم ربط ملف التطبيع الإسرائيلي السعودي بأي من الشروط الأميركية التي كانت مفروضة سابقاً على السعودية، كبناء برنامج نووي سعودي أو توقيع اتفاقية استراتيجية دفاعية مع المملكة، فإن دونالد ترامب تطرق إلى هذا الملف، أي التطبيع، على أنه حاجة حيوية للمنطقة واستقرارها، وربطه بطريقة مباشرة بأي انفتاح على سوريا، مع الإشارة إلى رمزية سوريا وصراعات النفوذ على أراضيها، من دون أن ننسى أنه تعاطى مع بيان وزير الخارجية السعودي بعد القمة الخليجية الأميركية حول ضرورة وقف العدوان على غزة بطريقة لا توحي بإمكانية ممارسة ضغوط حقيقية على نتنياهو، إنما حاول تحديد إطار الحديث عن غزة فقط بالسماح بإدخال المساعدات والمواد الغذائية إليها.

في المجمل، استطاع دونالد ترامب أن يحقق نجاحاً في جولته في منطقة الخليج من خلال فصل الملفات وعدم السماح بربطها ببعضها بعضاً، إذ اعتمد على خبرته في عقد الصفقات التجارية وأسقط تجربته كرجل أعمال على مسار العلاقة مع الدول الخليجية؛ فمن خلال مقاربته الملف السوري عبر تقديمه جائزة ترضية عنوانها رفع الحظر عن سوريا، كان المقابل دفعها إلى التمركز خلف التوجهات الأميركية لناحية الاعتراف بالكيان وتطبيع العلاقات معه والعمل على التخلص من القيادات الفلسطينية التي وصفها بالتخريبية، بالتوازي مع تمكنه من تحويل ملف حرب الإبادة على غزة وحل الدولتين الذي تطالب به الدول العربية كمدخل للتطبيع إلى ملف ثانوي يُفترض التعامل معه بطريقة لا تؤثر فعلياً في توجه نتنياهو أو موقع الكيان الإسرائيلي في النظام الإقليمي وفي العقيدة الاستراتيجية الأميركية.

في النتيجة الأولية لما استطاع دونالد ترامب تحصيله من جولته الخليجية الحالية، يمكن القول إنه ضمن الحصول على استثمارات قد تزيد بسهولة على 3 تريليون دولار، إضافة إلى ضمان اصطفاف الدول الخليجية، إضافة إلى سوريا، خلفه في مشروع استراتيجي عنوانه الريادة الأميركية في المنطقة وأمركة المصالح والاستثمارات فيها دون أن يقدم مقابلاً لذلك من حساب الكيان الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو، فإحراج ترامب لنتنياهو، من خلال وقف إطلاق النار مع اليمن أو إطلاق سراح الأسير عيدان ألكسندر أو رفع الحظر عن سوريا أو المفاوضات التي يقودها ويتكوف معه، لن يؤثر في موقع الكيان الاستراتيجي في المنطقة أو في علاقته مع الولايات المتحدة، إنما يمكن تعريفه على أنه إصرار أميركي على تطويع المنطقة والكيان الإسرائيلي بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية على المدى البعيد، وذلك انطلاقاً من المسلمات الحاكمة للعلاقة بين الكيان والولايات المتحدة، والتي يمكن تعريفها برؤية أميركية تعتبر أن وجود الكيان القوي في المنطقة هو حاجة حيوية لا يمكن القفز فوقها، إنما يفترض العمل فقط على إعادة تعريف قوته أو برمجتها بما يخدم الهدف الأميركي من ورائها.

وعليه، يمكن القول إن ذلك الخلاف المفترض بين نتنياهو وترامب لا يعدو كونه خلافاً تكتيكياً بين قيادتين لا يمكن التعويل عليه أو إيلاؤه قيمة تفوق ما يمكن اعتباره ضرورة أميركية مرحلية ستخدم الولايات المتحدة والكيان على المديين المتوسط والبعيد.