كيف ينتهك الاحتلال حقوق الفلسطينيين داخل الخط الأخضر؟
كتاب "دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات" يختصر دور المنظمة الدولية منذ نكبة فلسطين وقيام "دولة إسرائيل" في عام 1948، بحيث مرت السياسة الإسرائيلية تجاه "الأقلية الفلسطينية" في مراحل متعددة، متبعة سياسة ممنهجة تحوّل بموجبها السكان الأصليون إلى أقلية في بلادهم
-
كتاب: دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات: الفلسطينيون داخل الخط الأخضر
كتاب "دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات: الفلسطينيون داخل الخط الأخضر"، يختصر معاناة الشعب الفلسطيني لجهة ما تمارسه "إسرائيل" من انتهاك لحقوق الأقليات وطبيعة الدور العنصري لنظام الاحتلال وتحدي "إسرائيل" لكل المعايير الانسانية والقانونية، منطلقاً من دور منظمة الأمم المتحدة تجاه الأقليات، ودراسة حالة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، مؤكداً أن هؤلاء هم أهل البلد الأصليون، وشكلوا أكثرية السكان في هذه البقعة الجغرافية على مر العصور، لكنهم تحولوا قسراً من "أكثرية" إلى "أقلية" في بلدهم، نتيجة ما ارتكبته "إسرائيل" من مجازر وقتل وتهجير قسري بحقهم، واضطرار عدد كبير منهم إلى النزوح إلى خارج أرض فلسطين. بقي جزء من هؤلاء الفلسطينيين في المناطق المحتلة في عام 1948، وتطبق على هؤلاء القوانين الإسرائيلية.
يقدم الأستاذ إبراهيم معمر في كتابه "دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات: الفلسطينيون داخل الخط الأخضر" دراسة علمية وبحثاً موثقاً عن أوضاع الفلسطينيين، الذين بقوا في فلسطين عام 1948 (عام النكبة)، وحصلوا على "الجنسية الإسرائيلية"، لكن التزامهم في معظمهم، ظل قومياً فلسطينياً عربياً، في مختلف مراحل الاحتلال الإسرائيلي.
في هذا الإطار، يؤكد الباحث الأستاذ إبراهيم أن استخدامه مصطلح "الأقلية الفلسطينية" حيثما ورد في الكتاب ليس وصفاً تاريخياً، بل هو استخدام إجرائي في إطار دراسة تصنيف الأقليات وحقوقها القانونية، بموجب اتفاقيات وإعلانات منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها، وخصوصاً أن بحثه هذا يتناول الأقليات ومفهومها ومراحل تطورها في عهد عصبة الأمم وميثاق الأمم المتحدة، مع التركيز على حقوقها العامة والخاصة، واهتمام الأمم المتحدة بحقوق الأقليات، وتطور أوضاع "فلسطينيي 1948"، تاريخياً واقتصادياً وسياسياً، وسياسة الأمم المتحدة تجاه حقوقهم.
كتاب "دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات: الفلسطينيون داخل الخط الأخضر"، للباحث إبراهيم معمر، الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت، يتألف من 259 صفحة، من القطع الوسط، وهو موثق ومفهرس.
الأبواب وتقسيمات الكتاب
يتألف الكتاب من ثلاثة أقسام. في القسم الأول "الأقليات في العالم – مقدمات نظرية واتفاقيات دولية"، ثلاثة فصول. بحسب ترتيب المؤلف، في الفصل الأول "مدخل لدراسة الأقليات – تأصيل نظري". مدخل لدراسة الأقليات ومفهومها، ومراحل تطورها في عهد عصبة الأمم وميثاق الأمم المتحدة، وتصنيفها، مع التركيز على الحقوق العامة والخاصة، والطبيعة القانونية الآمرة لحقوق الأقليات.
يتضمن الفصل الثاني "منظمة الأمم المتحدة وحقوق الأقليات"، اهتمام الأمم المتحدة بحقوق الأقليات، من خلال التركيز على دور الأجهزة الرئيسة فيها تجاه حقوق الأقليات. كما تناول إبراهيم معمّر حقوق الإنسان في إطار الهيكل المؤسسي لمنظمة الأمم المتحدة، إضافة إلى أجهزتها المعنية لحقوق الإنسان، وأجهزتها المعنية بحقوق الأقليات. أسهب المؤلف معمّر في النقاش في الفصل الثالث بشأن "دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات، بالتعرّف إلى حقوق الأقليات في إطار اتفاقيات الأمم المتحدة وإعلاناتها، مركّزاً على الإعلانات والاتفاقيات المتعلقة بجريمة الإبادة الجماعية، وتلك المتعلقة بالتمييز العنصري، ودور الأمم المتحدة تجاه السكان الأصليين، وإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، مع التركيز على بعض النماذج التي تدخلت فيها الأمم المتحدة لتقرير المصير".
في القسم الثاني، "إسرائيل والأقلية الفلسطينية"، ثلاثة فصول. تناول المؤلف معمّر في الفصل الرابع "تطور أوضاع الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، تاريخياً واقتصادياً وتعليمياً وسياسياً"، وعدّ المؤلف أن الأقلية الفلسطينية في إسرائيل مرّت، منذ عام 1948، في مراحل تاريخية وسياسية معقدة، إذ شهدت عزلة عن الشعب الفلسطيني والعالم العربي، بسبب سيطرة "إسرائيل" ومؤسساتها المتنوعة على مناحي الحياة. وبعد حرب عام 1967، عاد التواصل بين هذه الأقلية وسكان الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، غير أن هذا التواصل أبرز التباين في المكانة السياسية على اعتبار أن التجنس بالمواطنة الإسرائيلية قسراً فرض ظروفاً سياسية واقتصادية متعددة.
ناقش المؤلف في الفصل الخامس، "مضمون السياسة الإسرائيلية تجاه الأقلية الفلسطينية"، أن "إسرائيل" أصدرت أكثر من 55 قانوناً عنصرياً منحت اليهود بموجبها أفضلية قانونية، وحطت في وضعية كل من هو غير يهودي فيها، وقيدت حريتهم بالتعبير السياسي وبالمشاركة السياسية، وميزت ضدهم بتوزيع الموارد وبتوزيع الأراضي، وجوانب أخرى للحياة الديموقراطية وللمساواة في الحقوق، كما تعاملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مع الأقلية الفلسطينية في "إسرائيل" على أنها خطر ديموغرافي وطابور خامس. وارتكبت جرائم القتل الجماعي بحقها.
وفي الفصل السادس، يكشف المؤلف إبراهيم معمر أن "سياسة التمييز العنصري تجاه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل" شهدت في الأعوام الأخيرة زيادة في مظاهر هذا التمييز العنصري، تمثلت بمشروعات القوانين العنصرية، وانتهاك الحريات العامة للمواطنين العرب. والتصريحات العنصرية الصادرة عن شخصيات جماهيرية والمعاملة العدائية من "الشرطة الإسرائيلية" في مجال تطبيق القانون، ومواطنة التمييز ضد الأقلية الفلسطينية في توزيع الميزانية والموارد.
وفي القسم الثالث من الكتاب "الأمم المتحدة والأقلية الفلسطينية في إسرائيل"، فصلان. في الفصل السابع، يناقش المؤلف "دور الأمم المتحدة تجاه حقوق الأقلية الفلسطينية في إسرائيل"، وسياسة هذه المنظمة تجاه حقوق الأقلية الفلسطينية في "إسرائيل"، كذلك التركيز على دورها في هذا المضمار، وكذلك تجاه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبحث المؤلف في الفصل الثامن والأخير، "فاعلية سياسة الأمم المتحدة تجاه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل"، تلك سياسة الأمم المتحدة تجاه الأقلية الفلسطينية، ووجد أنه على الرغم من أن هذه الأقلية الفلسطينية تتألف من سكان البلاد الأصليين، ومن اختلافها الواضح عن الأكثرية اليهودية في القومية واللغة والدين والطموحات السياسية، وصدور عدد من المواثيق الدولية في العقود الأخيرة تُعنى بحقوق الأقليات والشعوب الأصلية. فإن "إسرائيل" لم تعترف بالأقلية الفلسطينية بصفتها أقلية قومية أصلية ذات حقوق، بل تعمدت على تجزئتها، عدّتها طوائف وأقليات وكثيراً ما أطلقت عليها في السجلات والإحصاءات الرسمية مصطلح غير اليهود.
سياسات الإقصاء والسيطرة
وطبقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على هذه الأقلية سياسة السيطرة والتحكم والإقصاء والتمييز في معظم المجالات، كذلك يشرح المؤلف إبراهيم معمر بالتفصيل مقاربته الأساسية وعنوانه "الأمم المتحدة والأقلية الفلسطينية في إسرائيل" أن مواثيق الأمم المتحدة وقراراتها تعلّق على حماية الأقليات وعدم ممارسة سياسة التمييز العنصري ضدها، كما ركزت المنظمة الدولية على أهمية حماية الأماكن الدينية غير اليهودية في فلسطين وصونها من الأضرار والاعتداءات وعدم التعرض لميزانياتها وأراضيها وممتلكاتها.
لهذا، تُعَدّ "إسرائيل" وليدة عملية استعمار (كولونيالي احتلالي) يسعى لفصل أهل (البلد الوطن) الأصليين عن أرضهم وبلداتهم وإبدالهم بغيرهم، إضافة إلى أن "إسرائيل" تشكلت من نظام يهدف، ولا يزال، إلى حفظ التفوق الإثني لليهود في "إسرائيل"، لهذا لم تعترف "إسرائيل" فترة طويلة بالهوية القومية العربية الفلسطينية للمواطنين العرب، ولم تَعُدّهم مواطنين متساوي الحقوق مع اليهود، وإنما تعاملت معهم كطوائف دينية وأقليات من جهة، أو رعايا من الدرجة الثانية.
وفقاً لذلك، أضحى الشعب الفلسطيني في فلسطين، موزعاً في ثلاث مناطق جغرافية، تخضع كل منها لأنظمة وقوانين متعددة. أولاً، الفلسطينيون الذين لم يغادروا "أراضي 1948"، وتسري عليهم القوانين الإسرائيلية. ثانياً، فلسطينيو الضفّة الغربية والقدس الشرقية، وتنطبق عليهم القوانين الأردنية. وأخيراً فلسطينيو قطاع غزة، وكانت تسري عليهم القوانين المصرية حينذاك. وهناك جزء كبير من الشعب الفلسطيني لجأ إلى دول عربية محيطة بفلسطين، مثل سوريا ولبنان ومصر والعراق، ومنه من توزع في دول العالم الأخرى.
ويؤكد المؤلف معمّر أن توقيع "إسرائيل" على بعض الاتفاقيات الدولية بشأن حقوق الإنسان والتمييز العنصري ترفقه الدولة العبرية باستثناءات مهمة وأساسية (بدعم من عرابتها الولايات المتحدة). لقد تحفظت "إسرائيل" عن المادة الثانية والعشرين حول العودة إلى القضاء الدولي لدى ممارسة جميع أشكال التمييز العنصري لأن هذه المادة تتيح لأي طرف بين موقعيها في الاتجاه نحو "محكمة العدل الدولية" للفصل فيه، لكن (حسب الكاتب) تحفظات "إسرائيل" عن عدد من المواد الواردة في الاتفاقيات لا تعفيها من تحمل مسؤولياتها تجاه حقوق الأقلية الفلسطينية فيها.
سياسة التمييز العنصري
ويشير المؤلف إلى أن لجان الأمم المتحدة ومقرريها في شأن "إسرائيل" كشفت عن توصيات بقلق كبير، إزاء استمرار التمييز بين اليهود والفلسطينيين العرب في كل المجالات في الدولة العبرية واستمرار ممارسات هدم البيوت ومنع الفلسطينيين من السكن في مناطق، أكثريتها من اليهود، وعدم إلغاء قانون المواطنة العنصري، وقوانين الدخول والخروج من "إسرائيل" للسكان الفلسطينيين العرب، وقوانين الجنسية المعطاة ليهود العالم لدى دخولهم الكيان وحرمان أبناء فلسطين من العودة إلى وطنهم، لكن "إسرائيل" تجاهلت تلك التوصيات.
وفي تقويمه لسياسة الأمم المتحدة تجاه حماية حقوق الأقلية الفلسطينية في "إسرائيل"، يوكد الأستاذ معمّر أن "إسرائيل استمرت في سياساتها التمييزية تجاه الأقلية الفلسطينية، بل تمادت لتصل إلى مرحلة تحدّي الأمم المتحدة، بحيث قاطعت "إسرائيل" جلسة حقوق الإنسان المخصصة لمراجعة سجلها في العرض الدوري الشامل، الذي كان مقرراً في الـ29 من كانون الثاني/يناير 2013، احتجاجاً على إعلان المجلس عزمه التحقيق في المستوطنات الإسرائيلية ومدى انتهاكها حقوق الفلسطينيين"، عارضاً بعض انتهاكاتها لتلك القرارات، ومنها منعها المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة جون دو غارد من دخول إسرائيل في إطار مهمّات تخصّ المنظمة الدولية.
كتاب "دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات: الفلسطينيون داخل الخط الأخضر"، يختصر دور المنظمة الدولية منذ نكبة فلسطين وقيام "دولة إسرائيل" في عام 1948، بحيث مرت السياسة الإسرائيلية تجاه "الأقلية الفلسطينية" في مراحل متعددة، متبعة سياسة ممنهجة تحوّل بموجبها السكان الأصليون إلى أقلية في بلادهم. وفي حالة مقارنتها بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً، نلاحظ أن "إسرائيل" تشارك في تطبيق نظام يقوم على أساس استبعاد السكان الأصليين عن السلطة، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وإبقائهم في مناطق فقيرة، بحيث مارست "إسرائيل" أشكالاً متعددة من التمييز العنصري تجاه الأقلية الفلسطينية، وما زالت.