لماذا نحتاج إلى "ديتوكس رقمي"؟

أصبح الإنترنت جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا، لكنّ تأثيراته السلبية كبيرة في صحتنا، عقلياً ونفسياً. فكيف نواجه ذلك عبر "الديتوكس الرقمي"، وكيف ننجح فيه؟

  • عن الانترنت
    عن الإنترنت

مع ازدياد إدماننا على الإنترنت، وخصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي، هل حان الوقت لاعتماد تقنيات التنظيف أو التطهير الرقمي، من أجل المحافظة على إنتاجيتنا وصحتنا النفسية؟

في عالمنا الرقمي المتسارع، أصبح الإنترنت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إذ نُمضي ساعات طويلة أمام الشاشات، سواء للعمل أو الترفيه أو التواصل الاجتماعي. وبينما يبدو الأمر طبيعياً، بدأت الدراسات الحديثة تسلّط الضوء على الآثار السلبية للإفراط في استخدام الإنترنت، من تراجع التركيز إلى القلق والتوتر واضطرابات النوم. 

وهنا يبرز مفهوم "الديتوكس الرقمي" (Digital Detox) حلاً محتمَلاً لمواجهة هذا الإدمان واستعادة التوازن في حياتنا. فهل نحن في حاجة فعلاً إلى "ديتوكس رقمي"، وما مدى تأثيره في صحتنا وإنتاجيتنا؟

لم يعد استخدام الإنترنت مجرد وسيلة للوصول إلى المعلومات، بل أصبح سلوكاً قهرياً لدى الكثيرين، أدى إلى ظهور مصطلح "إدمان الإنترنت".

ووفقاً لدراسة نشرتها "منظمة الصحة العالمية"، يعاني ملايين الأشخاص حول العالم الاستخدام القهري للإنترنت، وخصوصاً مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، التي تستهدف استهلاك وقت المستخدم أطول فترة ممكنة.

ويشير تقرير، صادر عن مؤسسة "DataReportal" لعام 2024، إلى أن متوسط الوقت الذي يُمضيه الفرد يومياً وهو يتابع الإنترنت يتجاوز 7 ساعات، بينما يُمضي المستخدم العادي نحو 2.5 ساعة يومياً في منصات التواصل الاجتماعي. ويعكس هذان الرقمان تحوّل الإنترنت إلى جزء أساسي من روتين حياتنا، لكنه في الوقت نفسه قد يكون سبباً رئيساً في التوتر والإجهاد الذهني.

الآثار النفسية والسلوكية للإفراط في استخدام الإنترنت

يؤدي الاستخدام المفرط للإنترنت، وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تأثيرات سلبية في الصحة، عقلياً ونفسياً، ومنها:

- تشير الأبحاث إلى أن التنقل المستمر بين التطبيقات والإشعارات يقلل قدرتنا على التركيز لفترات طويلة، الأمر الذي يؤثر سلباً في الأداء، مهنياً وأكاديمياً.

- الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يعطل إنتاج الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم، الأمر الذي يؤدي إلى الأرق واضطرابات النوم.

- كشفت دراسات علمية أن الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي مرتبط بارتفاع مستويات القلق والاكتئاب، بسبب المقارنات الاجتماعية والتعرض المستمر للأخبار السلبية.

-  مع تكرار الاستخدام، يصبح من الصعب على كثيرين التوقف عن تصفّح هواتفهم، حتى في المواقف التي تتطلب تركيزاً، مثل الاجتماعات، أو في أثناء القيادة.

ما هو "الديتوكس الرقمي"؟ ولماذا قد يكون الحل؟

يُقصَد بـ "الديتوكس الرقمي" الامتناع الموقت عن استخدام الأجهزة الرقمية، أو التقليل منه، وخصوصاً الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، بهدف استعادة التوازن، عقلياً وجسدياً. ويهدف هذا النهج إلى إعادة ضبط عاداتنا الرقمية، وتحسين جودة حياتنا، من خلال تقليل التشتت الذهني، وتحفيز التفاعل الاجتماعي الواقعي، وتعزيز الإنتاجية.

يمكن أن يكون "الديتوكس الرقمي" وسيلة فعّالة لتحسين الحالة المزاجية، وتقليل التوتر، وتعزيز جودة النوم والإنتاجية. لكن، من أجل تحقيق ذلك من دون التأثير في الالتزامات اليومية، لا بد من اتّباع نهج مدروس يساعد على تقليل الاعتماد على الإنترنت بطريقة عملية.

تبدأ الخطوة الأولى بتحديد الهدف من هذه التجربة، سواء كان تحسين النوم، أو تقليل التوتر، أو زيادة التركيز. بعد ذلك، يمكن تنظيم الوقت المخصص لاستخدام الإنترنت، عبر أدوات مثل "Digital Wellbeing" أو "Screen Time"، الأمر الذي يساعد على مراقبة الوقت وتقليل عدد الساعات التي نُمضيها أمام الشاشات. ولتفادي الانشغال المستمر بالهاتف، يُفضَّل إيقاف الإشعارات غير الضرورية التي تسبب تشتت الانتباه وتجعل العودة المتكررة إلى الأجهزة عادة يصعب كسرها.

إلى جانب ذلك، يُنصح بتخصيص أوقات خالية من الشاشات، مثل الامتناع عن استخدام الهاتف قبل النوم بساعة، أو جعل وقت الوجبات والتجمعات العائلية خالياً من الأجهزة الرقمية، الأمر الذي يعزز التفاعل الحقيقي. وبدلاً من إمضاء وقت الفراغ في تصفّح الإنترنت، يمكن إبداله بأنشطة أكثر تفاعلية مثل القراءة، والرياضة، والتأمل، أو إمضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء. كما قد يكون من المفيد تجربة "إجازة رقمية" قصيرة بين الحين والآخر، كإمضاء يوم أو عطلة نهاية الأسبوع بعيداً عن الشاشات لاستعادة الطاقة الذهنية والتخلص من التوتر الرقمي.

لكن، في ظل الاعتماد الكبير على الإنترنت في العمل والدراسة، قد يكون الانقطاع التام عن الأجهزة الرقمية غير عملي. لهذا، يمكن إبدال فكرة "التطهر الرقمي" التام بنهج أكثر توازناً، يهدف إلى إدارة الوقت الرقمي بذكاء بدلاً من التخلي عنه تماماً. 

ويمكن تحقيق ذلك من خلال وضع حدود واضحة لاستخدام الإنترنت، مثل تحديد أوقات محددة لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو متابعة الأخبار، مع تجنّب التصفح العشوائي الذي يستهلك الوقت من دون فائدة.

كما أن إدخال فترات راحة رقمية قصيرة خلال اليوم، مثل التوقف عن استخدام الشاشات لبضع دقائق بعد كل ساعة من العمل، يساعد على المحافظة على التركيز وتقليل الإرهاق الذهني. بالإضافة إلى ذلك، فإن إبدال بعض العادات الرقمية بأنشطة واقعية، مثل القراءة الورقية، بدلاً من متابعة الأخبار عبر الهاتف، أو المشي بدلاً من تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، يعزز الشعور بالتوازن والارتباط بالعالم الحقيقي.

في النهاية، لا يتعلق الأمر بالابتعاد عن التكنولوجيا بالكامل، بل بإيجاد إيقاع متوازن يسمح بالاستفادة منها من دون الوقوع في فخّ الاستخدام المفرط وغير الواعي، من خلال ضبط العادات الرقمية، واعتماد أسلوب أكثر وعياً في التعامل مع الإنترنت. ويمكن نتيجة ذلك تحقيق حياة أكثر توازناً بين حياتنا الرقمية وحياتنا الواقعية.

لكن، يبقى السؤال الأهم هو: هل نملك الشجاعة الكافية لإغلاق هواتفنا بضع ساعات يومياً، أم أننا أصبحنا أسرى التكنولوجيا؟ 

اخترنا لك