الحروب المدفوعة بالوقود الأحفوري قد تدمِّر الكوكب

كانَ من الممكن أن تُسبّب تسرّبات النفط المُحتمَلة الناتجة عن حوادث الناقلات دماراً في مصايد الأسماك، وتُعطِّل محطّات تحلية المياه، وتُهدِّد التنوّع البيولوجي الهشّ في البحر الأحمر.

  •  الحروب المدفوعة بالوقود الأحفوري قد تدمِّر  الكوكب
     لا تزال شركات النفط والغاز الدولية الجشعة مُستمرّة في استخراج المزيد من الوقود الأحفوري 

جوليان جريصاتي - مدير البرامج في "غرينبيس" *

تكشف الأحداث في العالم عن دروس هامة حول عبثية نظام الطاقة العالمي وخطورة تشابُك هياكل الوقود الأحفوري مع النزاعات الحديثة.

على الرغم من التأثيرات الكارثية، لا تزال شركات النفط والغاز الدولية الجشعة مُستمرّة في استخراج المزيد من الوقود الأحفوري ونقله وحرقه. ويؤدّي نشاطها إلى مضاعفة الانبعاثات المدمّرة للمناخ، وتفاقُم الظواهر الجوّية القصوى، وتزايد عدد الناقلات المُحمَّلة بالوقود والتي تعبر المحيطات — مّا يزيد خطر وقوع كوارث تسرُّب النفط والغاز.

وكما أثبتت حوادث البحر الأحمر، فإنَّ تجارة النفط البحرية هي بمثابة قنبلة موقوتة.

أصبحت هياكل الوقود الأحفوري هدفاً رئيسياً في النزاعات الحديثة، يتزايد استخدام الوقود الأحفوري كوسيلة حربية. وهذه الثغرة ليست جديدة، فإحراق حقول النفط في العراق على يد تنظيم "داعش"، أو تدمير البنية التحتية النفطية في سوريا والسودان هما دليل على أنَّ هذه المخاطر لا تقتصر على حادثةٍ منفردة.

ما زالت المجتمعات المتضرّرة في الخطوط الأمامية تتحمّل وطأة هذه الكوارث. وتُذكِّر حوادث البحر الأحمر بشكلٍ صارخ بأنَّ الاعتماد على الوقود الأحفوري ينطوي على مخاطر أمنية وبيئية واجتماعية واقتصادية جسيمة.

كانَ من الممكن أن تُسبّب تسرّبات النفط المُحتمَلة الناتجة عن حوادث الناقلات دماراً في مصايد الأسماك، وتُعطِّل محطّات تحلية المياه، وتُهدِّد التنوّع البيولوجي الهشّ في البحر الأحمر.

وفي اليمن، كانَ من الممكن أن تتعرقل المساعدات الإنسانية الضرورية القادمة إلى الموانئ، ما يؤدّي إلى أضرار اقتصادية وبيئية تُضاف إلى معاناة المجتمعات المحلّية المتأثّرة أصلًا بالنزاع.

في عام 2022، حاولَ العالم بكلّ الوسائل تجنُّب انفجار ناقلة النفط الصدئة "صافر" قبالة ساحل اليمن، والتي كانت تحمل شحنة سامّة تبلغ 1.4 مليون برميل من النفط. وقبل ذلك.

بدلاً من تصعيد النزاعات، يجب على حكومات العالم أن تعملَ على نزع فتيلها. إنَّ تاريخ النفط هو تاريخٌ حافل بالحروب. ولتحقيق مستقبل أكثر سلاماً وقابليةً للعيش ومساواةً، لا بدّ من كسر حلقة الإدمان على الوقود الأحفوري المتقلّب والمُحمَّل بالنزاعات.

الانتقال إلى الطاقة المتجدّدة النظيفة جارٍ بالفعل، لكنَّه بحاجة إلى تسريع. وكما هو متوقّع، تبذل شركات النفط الكبرى قصارى جهودها لإبطاء هذه العملية. على مدى عقود، عملت شركات النفط والفحم والغاز على التقليل من شأن أضرار حرق الوقود الأحفوري وإنكارها، بينما استمرّت في زيادة استخدامه. والحكومات، بدورها، كانت إمّا متواطئة وإمّا لم تنجح في اتّخاذ الإجراءات بالسرعة اللازمة. يمكن تغيير هذا الواقع، لا بل يجب تغييره.

الحلّ واضح: الانتقال العادل نحو الطاقة المتجدّدة ليسَ مجرّد وسيلة لتقليل الانبعاثات الكربونية، بل هو أيضاً سبيلٌ لتعزيز السلام والأمن. فإنتاج الطاقة المتجدّدة محلّيًا ونقلها عبر شبكات الكهرباء يُزيل المخاطر المرتبطة بنقل المواد السامّة مثل النفط والفحم والغاز عبر المحيطات، كما يُوفِّر نظام طاقة أكثر مرونةً واستدامةً، ممّا يُساهِم في وقف دوّامة النزاع والتدمير البيئي.

تُطلِق حوادث ناقلات النفط ناقوس الخطر لإعادة النظر في أنظمتنا العالمية للطاقة. إذا استمرَّ اعتمادُنا على الوقود الأحفوري، سوف نستمرّ في مواجهة العواقب الوخيمة. المسار واضح: يجب أن نُنهي عصر الوقود الأحفوري ونتبنّى الطاقة المتجدّدة لحماية كوكبنا وأجيال الحاضر والمستقبل. فالسلام وأمن الكوكب مترابطان ارتباطًا وثيقًا، ولا مكان للوقود الأحفوري في ذلك المستقبل.

* مقالة رأي من منظّمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

بقلم: جوليان جريصاتي - مدير البرامج في "غرينبيس" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في رصيده أكثر من 10 سنوات من الخبرة في مجال الحملات البيئية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.