آمال وتحديات.. ما أهمية مؤتمر "كوب 30"؟
أزمة المناخ ليست مجرد أزمة تقنية، إنها اختبارٌ لإنسانيتنا، ففي مدينة "بيليم" البرازيلية، وفي ظل أشجار الأمازون التي تختزن تاريخ الأرض، يقف العالم أمام مرآة بيئية عالمية قاسية.
-
كوب 30: حين يقف العالم عند حافة الحقيقة (ا ف ب)
يعقد مؤتمر الأطراف الثلاثين (كوب 30) في مدينة بيليم البرازيلية في لحظة هي الأكثر هشاشة منذ بدء مسار المفاوضات المناخية قبل 3 عقود.
فالعالم اليوم لا يواجه فقط الاحترار المتسارع، ولا موجات الحر القاتلة، ولا اختلال الأنظمة البيئية، بل يواجه أيضاً عدواً خفياً لا يقل خطورة عن الكربون المنبعث من المداخن: وهو التضليل المناخي.
و في زمن تتسارع فيه الخسائر وتتكشّف فيه هشاشة نظمنا الطبيعية، تبدو الحرب على الأكاذيب شرطاً لا يقل ضرورة عن الحرب على الانبعاثات.
هذه هي الرسالة المركزية التي سعت البرازيل والأمم المتحدة إلى تثبيتها في افتتاح المؤتمر: لا يمكن التصدي لأزمة المناخ دون هزيمة الجهل المنظّم.
"ثورة الطاقة النظيفة تترسخ.
— أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) November 7, 2025
الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أصبحتا أرخص مصادر الطاقة وأسرع مصادر الكهرباء نموا في التاريخ.
الشيء الذي لا يزال مفقودا هو الشجاعة السياسية".
الأمين العام قبيل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ. #كوب_30https://t.co/LTOes40eeq pic.twitter.com/q9YVINhZfj
في قلب الأمازون، في مدينة تُعدّ رمزاً للغابات التي تختزن روح الكوكب، يأتي "كوب 30" ليطرح سؤالاً وجودياً: هل ما زال لدى الإنسانية الوقت والإرادة لتغيير مسارها البيئي؟
الخطر الذي يتجاوز الكربون: حين يصبح التضليل أداة جيوسياسية
تُظهر الوثائق والخطابات في افتتاح "كوب 30" إدراكاً غير مسبوق بأن التضليل بات جزءاً من البنية للصراع العالمي حول المناخ.
هذا التضليل ليس "شائعات عابرة"، بل منظومة كاملة، تديرها شركات، وتموّلها جماعات مصالح، وتضخّمها خوارزميات لا تعبأ بمستقبل الكوكب. حين يعلن الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا أنّ المؤتمر يجب أن يكون "هزيمة جديدة لمنكري المناخ"، فهو لا يطلق عبارة رمزية، بل يعلن أن المعركة لم تعد تقنية، بل معركة على سلامة المعرفة نفسها.
La ausencia de #EstadosUnidos🇺🇸 en la #COP30, que se realiza en Brasil, ha motivado al Sur Global a buscar caminos propios para impulsar una transición energética y una auténtica justicia climática, afirmó el académico brasileño Fernando Romero Wimer
— teleSUR TV (@teleSURtv) November 14, 2025
📲https://t.co/4U08iifNhJ pic.twitter.com/FL3rb0jS8M
ومبعوث الأمم المتحدة لفحص التضليل، فريديريكو أسيس، أشار بوضوح إلى الخطر الجوهري: التضليل لا يؤثر فقط على الرأي العام، إنه قادر على التأثير في مفاوضات المناخ نفسها، وعلى إعادة تشكيل أجندة المؤتمرات، والتشويش على تعبئة الرأي العام، وتقويض أي اتفاقات محتملة.
الأمازون: الجبهة التي يتحدد فيها مستقبل الكوكب
ربما لا يوجد مكان في العالم قادر على تلخيص معركة المناخ مثل مدينة "بيليم"، المدينة الواقعة على حدود غابات الأمازون.
-
الأمازون رئة الأرض
فالأمازون ليست مجرد غابة، إنها رئة الأرض، ومن أكبر مخازن الكربون الطبيعية. لكنها اليوم تقف على حافة "نقطة التحوّل"، ما يعني احتمال تحولها من مخزن للكربون إلى مصدر له.
الرسالة التي يحملها انعقاد المؤتمر هنا واضحة:
لا يمكن الحديث عن مستقبل المناخ دون حماية الأمازون، ولا يمكن حماية الأمازون من دون مواجهة شركات قطع الأشجار، وتجارة المواشي، والمضاربين الذين يرون في الغابة "ثروة قابلة للتحويل إلى مال"، لا نظاماً حياً يحمل توازن الكوكب.
فالمؤتمر هنا ليس احتفالاً دبلوماسياً، بل صرخة لإعادة النظر في علاقتنا بالجغرافيا التي تحمي حياتنا.
بين الوعود والتنفيذ: لماذا تفشل المؤتمرات أحياناً؟
منذ مؤتمر باريس عام 2015، حين تم الاتفاق على إبقاء الاحترار تحت 1.5 درجة مئوية، والعالم يسير في الاتجاه المعاكس.
اقرأ أيضاً: ما هي التداعيات السلبية لانسحاب ترامب من اتفاقية المناخ؟
التعهدات الحالية — وفق الأمم المتحدة نفسها — تقودنا إلى 3.1 درجات مئوية بنهاية القرن.
وهذا ليس "فشلاً إدارياً"، بل مؤشر على عجز النظام السياسي الدولي عن مواجهة مصالحه الاقتصادية، وخضوعه لمنطق رأسمالية الوقود الأحفوري.
في شرم الشيخ 2022، تحقق إنجاز كبير بإنشاء صندوق الخسائر والأضرار. وفي دبي 2023، جرى لأول مرة الاعتراف بالوقود الأحفوري بوصفه سبب الأزمة.
لكن ما بين الإنجازين، يتضح التناقض الأكبر: العالم يعترف بالمشكلة، لكنه لا يغيّر السلوك.
Four reasons why @Cop30noBrasil has failed before it even ends: 1. Unmet financial pledges 2. Greenwashing & Exclusion 3. No Justice for the Front lines 4. Carbon Colonialism. @AfricanCJGroup stands against the #falsesolutions being paraded @ #COP30. #climatejusticenow!! pic.twitter.com/mOeRDQKAzS
— Africa Climate Justice Collective (ACJC) (@AfricanCJGroup) November 14, 2025
وهذا هو السؤال الذي يطرحه عالم البيئة الأميركي بيل ماكيبِن دائماً: إذا كان العلم واضحاً، وإذا كانت التكنولوجيا جاهزة، وإذا كانت الشعوب تطالب بالحل… فما الذي يمنع التحرّك الحقيقي؟
الجواب نهائي: نفوذ لشركات الوقود الأحفوري، الذي بلغ نقطة أن عدد ممثلي هذه الشركات في مؤتمرات المناخ أصبح يفوق عدد الدول المتضررة من الأزمة نفسها.
الانهيار الصحي… الوجه المنسي لأزمة المناخ
واحدة من أهم محطات "كوب 30" كانت التئام قمة الصحة والمناخ، لأول مرة بهذا الحجم.
والرسالة التي يحملها سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لتغير المناخ في الأمم المتحدة، بسيطة وعميقة: لا يمكن كسب معركة المناخ دون ربطها بما يهم الناس مباشرة: صحتهم.
فالحرارة الشديدة ليست ظاهرة "طبيعية"، بل قاتل صامت. وتلوث الهواء ليس مجرد "انزعاج"، بل مسؤول عن ملايين الوفيات سنوياً. والأمراض المعدية أصبحت أكثر قوة وانتشاراً بسبب تغيّر النظم البيئية.
هذا الوعي المتصاعد دفع أكثر من 35 مؤسسة خيرية إلى إطلاق صندوق تمويلي بـ 300 مليون دولار لدعم حلول متعلقة بالمناخ والصحة، وهو أول تحالف من نوعه.
Thank you for bringing us together at the gates of the Amazon dear @LulaOficial.
— Ursula von der Leyen (@vonderleyen) November 6, 2025
As COP30 begins, you can count on Europe's full support.
Brazil is showing great leadership.
Whether it is about putting a price tag on carbon. Or fighting for our forests.
We also discussed the… pic.twitter.com/oqRVaBgX95
هذا التمويل لا يعوّض التأخر الحكومي، لكنه يعكس فهماً عميقاً للمعادلة: نحن لا نحارب الاحترار فقط، بل نحارب مرضاً عالمياً يهدد الحياة البشرية كما نعرفها.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا… منطقة الاحترار المتسارع
في خضم هذا المشهد العالمي، يبرز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باعتباره واحداً من أكثر المناطق هشاشة.
فوفق تقارير الأمم المتحدة، ترتفع درجات الحرارة في المنطقة بمعدل 0.46 درجة مئوية كل عشر سنوات — أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي.
وهذا يعني أن المنطقة تتجه إلى مستقبل من الجفاف، وانعدام الأمن المائي، والحر غير المحتمل، وتهديد مباشر للزراعة والاستقرار الاجتماعي.
-
(ا ف ب)
لهذا دعت منظمة "غرينبيس" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المؤتمر إلى ما هو أبعد من الوعود:
· خفض الانبعاثات
· تمويل مناخي عادل
· تحميل الدول الصناعية الجزء الأكبر من المسؤولية
· الابتعاد التدريجي عن الوقود الأحفوري
وتشير المنظمة إلى نقطة حاسمة:
العديد من دول الخليج تمتلك الموارد للانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.
لكن الإرادة السياسية هي الفاصل الحقيقي بين المستقبل والانهيار.
لماذا يجب أن نتوقف عن الاعتقاد أن الوقت قد فات؟
أخطر السرديات هي تلك التي تقول إن "الوقت انتهى". هذا النوع من الخطاب — الذي تنتشره حسابات مدعومة غالباً من شركات الوقود الأحفوري — يخلق استسلاماً جماعياً.
وتشير ماريا كلارا مورايس، الناشطة البرازيلية، إلى أن هذا التضليل يسعى لزرع اليأس في قلوب الشباب: "يقولون إن المؤتمرات لا تفيد، وإن التغيير بطيء. لكن هذا أيضاً تضليل."
فالعلم إن خفض الانبعاثات بنسبة 43% بحلول 2030 هو هدف صعب، لكنه لا يزال ممكناً.
اقرأ أيضاً: تقرير: مشاريع الوقود الأحفوري حول العالم تُهدد صحة ملياري شخص بالعالم
وكل عُشر درجة مئوية يتم توفيرها يعني ملايين الأرواح التي يتم إنقاذها، وملايين الهكتارات من الغابات التي تبقى على قيد الحياة.
One Minute Brief of the Day: Create striking posters that draw attention to the alarming presence of fossil fuel lobbyists at COP30 in Brazil; a climate summit meant to protect the planet, not polluters’ profits. #COP30 #FossilFreeCOP @OneMinuteBriefs pic.twitter.com/3mJdvnsGph
— Richard Peacock (@richardpeacock) November 14, 2025
نحو موجة عالمية من الحقيقة
التحدي الأكبر الذي يواجه "كوب 30" ليس الصراع بين الدول، ولا التمويل، ولا التكنولوجيا.
التحدي هو: هل يمكن للعالم أن يميّز الحقيقة؟ فما الذي يعنيه "كوب 30" حقاً؟
يأتي "كوب 30" في لحظة عالمية متفجرة: انقسامات جيوسياسية، تراجع في الحضور الدولي، وأزمة ثقة بين الشعوب والحكومات. لكن وسط كل ذلك، يظل المؤتمر فرصة — ربما الأخيرة — لاستعادة المسار.
أزمة المناخ ليست مجرد أزمة تقنية، إنها اختبار أخلاقي لإنسانيتنا، ففي بيليم، وفي ظل أشجار الأمازون التي تختزن تاريخ الأرض، يقف العالم أمام مرآة قاسية:
إما أن نواجه الحقيقة بشجاعة… أو نترك المستقبل ينهار تحت ثقل الكربون والأكاذيب معاً.
هذا هو السؤال الذي يطرحه "كوب 30" — ولا يملك أحد رفاهية الهروب منه.