العراق: تقديم مشروع قانون لجعل "الملوِّث يدفع"

مسؤولة حملة "الملوث يدفع" في غرينبيس تقول "إذا تم تمرير هذا القانون، فسيصبح العراق أول دولة في المنطقة تعتمد وتطبّق مبدأ "الملوّث يدفع" في التشريع الوطني، ما سيشكّل تحوّلاً حاسماً في الحوكمة البيئية ودوراً قيادياً إقليمياً في العدالة المناخية".

  • تُعدّ البصرة، واحدة من أكثر المناطق تعرضاً للأخطار البيئية
    تُعدّ البصرة واحدة من أكثر المناطق تعرضاً للأخطار البيئية

في خطوة قد تدخل مبدأ "الملوّث يدفع" لأول مرة إلى العراق، ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، أعلن "المجتمع المدني" بالبصرة اليوم في مؤتمر صحافي تقديمه مقترحاً لتعديل قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم 27 لسنة 2009 إلى مجلس النواب، بالتعاون مع وزارة البيئة العراقية، ما قد يشكّل تحوّلاً تاريخياً نحو العدالة البيئية في أحد أكثر البلدان اعتماداً على النفط في المنطقة.

وتقترح المسودة إلزام الشركات المُلوِّثة، بما في ذلك شركات الوقود الأحفوري كالغاز والنفط والفحم، بدفع ضرائب ورسوم بيئية، تُستخدم في تمويل مشروعات استعادة البيئة وحماية الصحة العامة.

كذلك يقترح تعديل القانون أن يُعاد توزيع وتوجيه هذه الأموال إلى المجتمعات المتضررة بشكلٍ مباشر من التلوث، من خلال آلية لا مركزية تُدار محلياً.

يأتي هذا التحرك القانوني نتيجة عريضة شعبية أطلقها أهالي البصرة بالتعاون مع منصة "صوت" التابعة لـ "غرينبيس" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

حملة "الملّوث يدفع"

 ومن خلال حملتها "الملّوث يدفع"، قدّمت غرينبيس الدعم قانوني والاستشاري بشأن وضع السياسات  وإعادة توزيع الأموال بشكلٍ عادل على المجتمعات المتضررة، وساهمت في إعداد مشروع القانون بالتعاون مع خبراء بيئيين وممثلي المجتمع المحلي. ثمّ قُدّمت التعديلات المقترحة إلى وزارة البيئة، في ظل عملية لمراجعة القانون داخل البرلمان.
 
في كلمته في المؤتمر،  قال فلاح الأميري، مؤسس منظمة "غرين رايتس"  والمشارك الرئيسي في إعداد مشروع القانون:

"نحن هنا اليوم لنسلّط الضوء على أهمية وضرورة تحقيق العدالة البيئية للبصرة وتحسين الواقع البيئي المتدهور ورفع الظلم والعنصرية البيئية التي باتت تشكل تهديداً مباشراً على حياة وصحة السكان واستدامة الموارد الطبيعية المستنزفة". 

  • الصورة: وكالة الأنباء العراقية
    الصورة: وكالة الأنباء العراقية

وأضاف "نعلن مطالبتنا بتعديل قانون حماية وتحسين البيئة وقد سبق وأن قدمنا مقترحا باضافة فصل الضرائب البيئية. هذا مشروع القانون، وهو خطوة طال انتظارها، يعترف بهذا الظلم ويحاول تصحيحه من خلال تحميل الملوّثين الرئيسيين والتاريخيين المسؤولية القانونية والمادية".

 المادة 33 من الدستور العراقي: بيئة سليمة

يستند مشروع القانون إلى المادة 33 من الدستور العراقي، التي تنص على حق كل فرد في العيش في بيئة سليمة، وتُلزم الدولة بحماية التنوع البيولوجي. ويضيف المشروع فصلاً جديداً ينص على إنشاء "ضريبة بيئية" كأداة مالية وتشريعية لتحقيق العدالة البيئية. كما ينص القانون على حظر التمييز البيئي، ويضمن مساءلة الشركات، وتعويض المجتمعات التي تعاني من التلوث الصناعي والنزوح والأزمات الصحية والتأثيرات المناخية.
 
تُعدّ البصرة، وهي من أغنى محافظات العراق بالنفط، واحدة من أكثر المناطق تعرضاً للأخطار البيئية، وعلى الرغم من مساهمتها الكبرى في الإيرادات الوطنية للعراق، يتحمّل سكانها العبء الأكبر من التدهور البيئي والمشاكل الصحية والتبعات المناخية. ويواجه العراق تلوثاً مزمناً في الهواء والمياه، وانهياراً في النظام الزراعي، وارتفاعاً مستمراً في معدلات الإصابة بالسرطان.

وعلّقت المسؤولة الاقليمية لحملة "الملوث يدفع" في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كنزي عزمي، على تقديم مشروع تعديل القانون قائلة:
 
"هذه لحظة مفصلية للعراق. من خلال المطالبة بإدراج مبدأ 'الملوّث يدفع' في القانون الوطني، يمتلك العراق فرصة لوضع سابقة تعطي الأولوية للناس على الأرباح، ويصبح رائدًا في المنطقة، بل وعلى المستوى العالمي."

  • التلوث النفطي مشكلة في البصرة (واع)
    التلوث النفطي مشكلة في البصرة (واع)

وأضافت عزمي أنه "إذا تم إقرار التعديلات المقترحة، فسيُعدّ ذلك انتصاراً كبيراً للمجتمعات المتضررة والمجتمع المدني الذي يعمل يداً بيد مع الحكومة لضمان تضمين احتياجات المجتمعات الأكثر تضرراً في القانون البيئي"، مشدّدة على الترابط الوثيق بين العدالة البيئية والمناخية من جهة، والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى.

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي ماجد أبو كلل ، المستشار الرئيسي ومعدّ مشروع القانون:
 
"في حال تطبيقه، سيمنح هذا القانون الجهات الحكومية السلطة القانونية والأدوات المالية لحماية الصحة العامة، والاستثمار في التحول العادل، وتطبيق مبدأ المساءلة. إنه قانون يعيد القوة للمجتمعات بدلاً من أن يفرضها من الأعلى فقط."
 
يحتاج العراق، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والجنوب العالمي، إلى تمويل بمليارات الدولارات لمعالجة خسائر وأضرار المناخ الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة، التصحر، شح المياه والنزوح الجماعي. وتشير دراسة حديثة إلى أن أكبر الشركات العالمية تسببت في خسائر مناخية تُقدّر بـ 28 تريليون دولار، وقد تحمّلت المجتمعات الأكثر هشاشة العبء الأكبر منها.

  • الصورة: وكالة الأنباء العراقية
    الصورة: وكالة الأنباء العراقية

في المقابل، حقّقت أكبر 5 شركات نفط عالمية—إكسون موبيل، شل، بي بي، توتال إنرجي، وإيني—أرباحاً تجاوزت 90 مليار دولار في عام 2024، نتيجة التوسع المستمر في استخراج الوقود الأحفوري.
 
في هذا الإطار، شددت عزمي على أن "تحويل الإيرادات من الملوّثين إلى المجتمعات المتضررة بشكل مباشر هو واجب أخلاقي وضرورة استراتيجية"، مضيفة: "إذا تم تمرير هذا القانون، فسيصبح العراق أول دولة في المنطقة تعتمد وتطبّق مبدأ "الملوّث يدفع" في التشريع الوطني، ما سيشكّل تحوّلاً حاسماً في الحوكمة البيئية ودوراً قيادياً إقليمياً في العدالة المناخية."
 

اخترنا لك