"ذا أتلانتك": كيف فقدت أميركا السيطرة على البحار؟
نتيجة لعقود من الاختيارات السياسية الخاطئة، تعاني الولايات المتحدة من نقص مذهل في القدرة البحرية.
-
"ذا أتلانتك": تلبّي الصين نحو 60% من جميع طلبات بناء السفن الجديدة
مجلة "ذا أتلانتيك" الأميركية تنشر تقريراً يتناول أزمة ضعف السيطرة البحرية الأميركية وتأثيرها الاقتصادي والأمني على الولايات المتحدة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
قال الجنرال الأثيني القديم ثيميستوكليس: "من يسيطر على البحر يسيطر على كلّ شيء". وبحسب هذا المعيار، فإنّ الولايات المتحدة تسيطر على القليل جداً.
تعتمد أميركا على الشحن البحري بشكل كبير، إذ إنّ نحو 80% من تجارتها الدولية من حيث الوزن تمرّ عبر البحار. كما تحتاج الولايات المتحدة إلى السفن لنقل ما يقرب من 90% من إمدادات وتجهيزات قواتها المسلحة، بما في ذلك الوقود والذخيرة والطعام. وتعدّ القدرة الإنتاجية للأحواض التجارية ضرورية لبناء السفن الحربية وسفن الدعم اللوجستي التي تنقل المعدات والقوات في أوقات الطوارئ الوطنية.
ومع ذلك، تعاني الولايات المتحدة من نقص مذهل في القدرة البحرية.
من بين عشرات الآلاف من السفن الكبيرة التي تجوب المحيطات، لا يُبنى سوى 0.13% منها في الولايات المتحدة. في المقابل، تلبّي الصين نحو 60% من جميع طلبات بناء السفن الجديدة، وقد جمعت قدرة بناء سفن تزيد بأكثر من 200 مرة عن قدرة الولايات المتحدة.
ولا تقتصر المشكلة على كون معظم واردات وصادرات الولايات المتحدة تُنقل على متن سفن أجنبية، بل إنّ تلك السفن مملوكة ومدارة تقريباً بالكامل من قبل تسع شركات عملاقة مقرّها أوروبا وآسيا. وبحلول نهاية عام 2024، كانت هذه الشركات قد شكّلت ثلاثة تكتلات تسيطر على نحو 90% من تجارة الشحن بالحاويات في الولايات المتحدة. وعندما تصل سفينة إلى ميناء أميركي، فمن المحتمل أن تكون الرافعة التي ترفع الحاويات من عنبر الشحن قد صُنعت من قبل شركة صينية واحدة تنتج 80% من جميع الرافعات المخصصة للتحميل والتفريغ في الولايات المتحدة. كما تصنع الصين 86% من هياكل الشاحنات التي توضع عليها الحاويات، ونحو 95% من الحاويات نفسها تُبنى في الصين.
وفي الأيام الأولى من جائحة كوفيد-19، ظهرت بعض عواقب فقدان أميركا السيطرة على الشحن البحري بشكل صارخ. فقد قامت التكتلات الأجنبية برفع تكلفة العقود الفورية على بعض طرق الشحن بنسبة تصل إلى 1000%، محقّقة أرباحاً قياسية بلغت 190 مليار دولار. كما رفضت تلك الشركات مئات الملايين من الدولارات من الصادرات الزراعية الأميركية، مفضّلة العودة سريعاً إلى الصين بحاويات فارغة لملئها بواردات صينية أكثر ربحاً، في حين كان الطعام الأميركي يفسد على الأرصفة.
تتفاقم أيضاً الآثار الأمنية المترتّبة على نقص أميركا في قدرة بناء السفن والشحن. فبسبب قلة عدد السفن التجارية التي ترفع العلم الأميركي وتوظّف بحّارة أميركيين، تواجه الولايات المتحدة نقصاً حاداً في عدد البحّارة المدنيين اللازمين لتشغيل سفن الدعم التابعة للبحرية.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أكدت البحرية أنها ستوقف تشغيل 17 سفينة دعم، بعضها تمّ تسليمه حديثاً في كانون الثاني/يناير 2024، بسبب نقص الطواقم.
والأسوأ من ذلك هو نقص سفن الدعم نفسها: إذ ستحتاج الولايات المتحدة إلى أكثر من 100 ناقلة وقود في حال نشوب صراع في المحيط الهادئ، بينما لا يتوفّر لديها سوى نحو 15 ناقلة.
هذا الوضع ما كان يجب أن يحدث. ففي منتصف القرن العشرين، كان لدى الولايات المتحدة صناعة شحن بحري مزدهرة ومنظّمة بشكل جيد. لكنّ البلاد أدارت ظهرها للنظام الذي جعل ذلك ممكناً.
في مطلع القرن العشرين، كانت صناعة الشحن البحري تعاني من ظاهرة تُعرف باسم "المنافسة المدمّرة"، إذ كانت الشركات الناقلة تخوض حروب أسعار قاسية، معتقدة أنه حتى لو نقلت البضائع بأسعار تقلّ عن المتوسط، فإنّ ذلك على الأقلّ سيساعد في تغطية التكاليف الثابتة العالية لتشغيل السفن. لكنّ هذه الاستراتيجية لم تكن مستدامة، فقد دفعت سنوات من الخسائر المستمرة العديد من الشركات إلى حافة الإفلاس. ولتجنّب الانهيار التام، تحالفت الشركات لتشكيل تكتلات غير منظّمة بهدف تقليص العرض وتحديد الأسعار.
هناك مشروع قانون من الحزبين في الكونغرس وأمر تنفيذي حديث يسعيان لمعالجة المشكلة. تهدف الخطط إلى فرض رسوم جمركية على السفن المملوكة للصين وإنشاء حوافز ضريبية جديدة لتحفيز الاستثمار في أحواض بناء السفن، من بين تدابير أخرى. إلّا أنّ هذه الأفكار، على الرغم من فائدتها، تظلّ بسيطة وصغيرة النطاق للغاية. المشكلة الأساسية ليست فقط نقص الاستثمار أو الرسوم الجمركية غير الكافية، بل التخلّي عن نظام المنافسة المنظّمة الذي ينظّم الصناعة لخدمة الأغراض العامّة.
نقله إلى العربية: الميادين نت.