هيمنة الدولار: نحو الانهيار؟

الدولار الذي كان يومًا لا يُقهر. إلى أي مستوى وصل التحوّل عن الدولار؟ هل كانت مصادرة أصول روسيا محفّزًا كبيرًا يجعل الناس تبتعد عن استخدام الدولار كعملة احتياطية؟

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: إسمي "جورج غالواي"، مُقدِّم برنامج "كلِمة حرّة" على قناة "الميادين" التلفزيونية. لا أراوغ في كلماتي بل أقول كلمتي حرّة وكذلك يفعل جمهوري. إذاً برنامج "كلِمة حرّة" هو كلمة حرّة لي وكلمة حرّة لكم، تابعونا&nbsp;</p> <p>مقدّمة:</p> <p>جورج غالواي: أهلاّ بكم في برنامج "كلِمة حرّة" معي "جورج غالواي" على قناة "الميادين" حيث نوافيكم من (لندن) بنقاش عن الدولار الذي كان في يومٍ من الأيام لا يُقهَر، وتحديداً عمّا إذا كنّا على مشارِف عصر التحوُّل عن الدولار، ففي (أميركا اللاتينيّة) تدور مناقشات حول إصدار عملة خاصة بها، أمّا (السعودية) فقد قطعت أشواطاً من النقاش مع (الصين) حول إمكانيّة التداول بالعملة الصينيّة على نحوٍ علني وليس سرّياً. جميع دول "بريكس" يتطلّع أعضاؤها للتخلّص من قبضة الدولار الخانقة الذي يُعدّ في نهاية المطاف مُبالَغ في قيمته إلى حدٍّ كبير فهو عملة جوفاء وليس سوى كومة من الأوراق يمكن طباعتها إلى ما لا نهاية بغضّ النظر عن الأساسيات الاقتصادية لـ (الولايات المتحدة). الروبل الروسي الذي كان من المُفترَض أن تسحقه العقوبات الغربيّة تبيّن أنه العملة الأفضل أداءً في عام 2022. لذا، من الواضح أنّ وجه المعمورة الآخذ في التغيّر جيو سياسياً وحتى عسكرياً على ساحات المعارِك بات يتغيّر أيضاً على صعيد العملات</p> <p>المحور الأول&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: في هذا النقاش وفي شكلٍ أكثر من اعتيادي أنا لست سوى الهاوي الوحيد لكني مُحاط بمجموعة من الخبراء المُميّزين الذين يجب أن نستهلّ الحديث معهم مباشرةً. دكتور "فرانسيسكو دومينغويز" من أهل الخبرة وهو مؤلّف وخبير في الاقتصاد السياسي ورئيس مركز لدراسات شؤون (أميركا اللاتينيّة) قي جامعة "ميدلسكس" في (لندن). دكتور "فرانسيسكو"، لنبدأ بالحديث عن (أميركا اللاتينيّة). إلى أيّ مدى اتّسمَ "لولا" بالجديّة عقب انتخابه عندما طرح فكرة إصدار عملة خاصّة بـ (أميركا اللاتينيّة)؟&nbsp;</p> <p>فرانسيسكو دومينغويز: قال "لولا" إنّه ارتكب خطأ عندما لم يأخذ باقتراح "تشافيز" في إصدار عملة موحّدة حينها، ولاحظ الآن أنّ البرازيليين وسكّان (أميركا اللاتينيّة) لا يُمكنهم الاعتماد على الدولار. لذا، فور انتخابه في الأول من يناير/ كانون الثاني عام 2023 أعلَنَ أنّه سيمضي قُدماً في الاقتراح وذهب إلى (الأرجنتين) حيث تُناقش بلدان (أميركا اللاتينيّة) إصدار عملة يُطلق عليها إسم "سور"، هذا كان موضوع النقاش. كما تعلم، (البرازيل) بلدٌ كبيرٌ جداً وكذلك (الأرجنتين)، كما أعربت (المكسيك) عن اهتمامها إلى حدٍّ ما، وعبّرت بلدان أُخرى عن رغيتها في ذلك أيضاً. في اختصارٍ شديد، الاقتراح هو أنّ هذه العملة لن تكون مُشابهة لـ "اليورو" بل ستكون عملة مُختلفة فهي تمثِّل أداة ماليّة. عندما يتبادل بلدان في (أميركا اللاتينيّة) وتستخدمان هذه العملة الرقميّة ستكون ثمّة آليّة تعويض مُدمَجة للطرف الخاسر في التبادل. بالتالي، هذه العملة ستحمي الاقتصادات، وإذا استُخدِمت على نطاق أوسع في القارّة ترِد احتمالات بأنّها ستُمثِّل ضربة قويّة للدولار في المنطقة</p> <p>جورج غالواي: هذا كان سؤالي التالي، كيف كان ردّ (واشنطن) على ذلك؟ لم يعجبهم ذلك أبداً</p> <p>فرانسيسكو دومينغويز: دعوا "لولا" لإجراء محادثات مع "جو بايدن" وعلى ما يبدو لم تكن المُحادثات ناجحة. لكن الأفضل هو أنّ (البرازيل) تبني علاقات مع (الصين) ومع (روسيا) لإجراء المزيد من المناقشات حول العلاقات التجاريّة، وحتى أفضل من ذلك هو أنّ الناقلة الإيرانيّة التي تحمل كميّة هائِلة من شتّى أنواع الموارد قد رست على السواحل البرازيليّة على الرغم من رفض (الولايات المتّحدة) العلني لذلك ولكن البرازيليين قالوا كلمتهم&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: نعم، هدّدوا بفرض عقوبات على البرازيليين ما يُبرهن أنّ سُلطة (الولايات المتّحدة) خارِج الحدود الإقليميّة لا حدود لها. في نهاية المطاف (الولايات المتّحدة) تُحدّد البلدان التي يُمكن لـ (جنوب أفريقيا) إجراء مناورات معها وتُحدّد لـ (البرازيل)، ذاك البلد الضخم في العالم، السُفن التي يُمكن أن ترسي في موانئها على ما يبدو. "شابير رازفي"، خبير اقتصادي وضيف مُعتاد في البرنامج وهو مذيع ومُحلّل سياسي. عندما تُفكِّر في الأمر، لماذا لا تمتلِك دول "منظّمة شانغهاي للتعاون"، وهي تمثل نصف بلدان العالم وتمثل نصف الثروة العالميّة، لماذا لا تمتلك عملتها الخاصة للتداول بين دولها؟</p> <p>شابير رازفي: مرحباً "جورج" وشكراً جزيلاً لك، يُسعدني الانضمام إليكم من جديد كما العادة. الهيكل الذي تمّ إنشاؤه عقب الحرب العالميّة الثانية بفترةٍ وجيزةٍ وعقب اتفاقيّة "بريتون وودز" الاقتصاديّة جعل الدولار عملة مُعتمَدة في جميع التداولات لأنه كما نعلم، في السنوات الثلاثمئة أو الأربعمئة الماضية شهِد التاريخ عدداً من القوى الاستعماريّة، ومثّلت العملة البرتغاليّة أو الإسبانيّة أو الغيلدر الهولندي في وقتٍ من الأوقات والجنيه البريطاني نوعاً من العملات الاحتياطيّة، لكن كلّ هذه العملات لم تعُد عملات احتياطية إلى ذاك الحد. عقب الحرب العالمية الثانية واتفاقيّة "بريتون وودز" بات الدولار عملة بارزة، ومن ثمّ اعتُمِد الدولار في الهيكل المالي بأكمله وفي العمليات المالية حول العالم. ثمّ في عام 1973 كانت مُعاملات بيع النفط وشرائه تجري بالدولار الأميركي، ومن هنا أصبحت عملة الدولار هي المُهيمِنة بصورةٍ كبيرةٍ على مدى الستّين سنة الماضية إلى درجة أنّ أيّ شخص يريد أن يُجري أيّة معاملة أكانت تتعلّق بمُنتجات نفطيّة أو أيّة سلعة أُخرى عليه إصدار الفواتير أو عروض الأسعار بالدولار، ومن ثمّ عليه شراء الدولارات لتسديد ثمنها بالفعل، بالتالي كان الدولار يؤدّي دورين، أولاً كعملةٍ تُعتمَد في المعاملات وثانياً، على البلدان التي أرادت شراء هذه المُنتجات أن تمتلك الدولار، لذلك كانت تلك البلدان تخسر بصورةٍ كبيرة. لكن ما حصلَ في السنوات الخمس أو العشر الأخيرة ربما وفي الأشهر الإثني عشر والأربع وعشرين الأخيرة تحديداً هو أنّ خيار فرض العقوبات الذي اتّبعته (الولايات المتّحدة) والغرب بصورةٍ عامةٍ يدلّ على عدوانيّة شديدة أيقظت في الحقيقة البلدان العملاقة كـ (الصين) و(روسيا) و(الهند) في اجتماع "مجموعة العشرين" الأخير حيث تجلّى هدف جدول الأعمال في كيفيّة فكّ الارتباط بالدولار أو الابتعاد عن استخدامه قَدْرَ الإمكان، فكانت (الهند) تُجري معاملاتها بسعادةٍ عارمةٍ مع (روسيا) بالروبل والروبيّة الهنديّة، وكانت تتاجر (الهند) أيضاً مع (إيران) بـالتومان والروبيّة الهنديّة، لذا نشهد نوعاً من التحوّل. لكن على الرغم من أنّ النظام المالي بأكمله والهيكلية الماليّة والخلفيّة الخاصّة بالدولار تُشير إلى أنّ هذه العملة جزء لا يتجزّأ من التجارة العالمية، ليس من السهل على البلدان التخلّي عنها، لكنّي أعتقد أنّها تبتعِد تدريجاً عن اعتمادها، وأنا أثق بأننا سنناقش لاحقاً حجم التداول الذي يجري بالدولار، كانت النسبة عادةً أكثر من تسعين في المئة لكنّها أصبحت الآن أقلّ من ستّين في المئة، لذا ربما هذا سيكون مؤشّراً على ابتعاد البلدان عن التداول بالدولار كعملةٍ معتمدة في المعاملات</p> <p>جورج غالواي: "كلايف منزيس" هو خبير اقتصادي آخر ومحلّل في الاقتصاد السياسي ويكتب في موقع Outersite.org الإلكتروني. "كلايف"، اتفاقيّة "بريتون وودز" ما كانت لتُبرَم وهيمنة الدولار الأميركي لما كانت موجودة لو لم تكن (الولايات المتّحدة) ملِكة على عرش العالم الغربي عام 1944. لم يكن الغرب مملكة عظيمة حينذاك وفي كلّ الأحوال كان &nbsp;مُطالبون آخرون بذاك العرش. وبالطبع، إن كان بعض المنتجين القُدامى بدأوا يبيعون منتجاتهم بعملة "الرنمينبي" الصينية سيضعف مفهوم البترو دولار أليس كذلك؟&nbsp;</p> <p>كلايف منزيس: أعتقد أنّ هذا صحيح. هذا النقاش تكملة لحديث بدأناه في مايو/ أيار من العام الماضي عندما كنّا نتحدّث عن حقبة ما بعد العقوبات حيث انعكست العقوبات سلباً على الدولار واليورو والجنيه الإسترليني بصورةٍ فاعلةٍ في ما يتعلّق باقتصاداتنا. لكنّي أعتقد إلى حدٍّ ما أنّ النقاش حول التحوُّل عن الدولار هو جانب واحد من الموضوع والجانب الأكبر يتعلّق بالهيكليّة الماليّة الفعليّة وهذا حديث يأخذنا إلى مجالٍ مُختلفٍ تماماً من خلال التطوّرات في الـ Block Chain والرموز غير القابلة للاستبدال وكلّ هذه التقنيّات التي تُعدّ أفكاراً بديلة لكيفيّة تعاملنا مع القيمة وهو حديث غنيّ جداً. من الواضح أنّ هذه الأزمة الماليّة الحاليّة كانت ستقع لأنّ هذه البلاد أصدرت العُملة بشكلٍ مُبالغٍ فيه وهذه هي المُشكلة الكاملة وراء تبادل الأموال. ثمّة ضرورة دائِمة لإعادة الضبط ولا بدّ من شطب الديون دائِماً، وإحدى أكبر المشاكل التي واجهناها هي أنّ الدين لم يُشطَب في عام 2008 عندما كان من المُفترَض أن يخسر الناس الكثير من المال لكن ذلك لم يحصل، لذلك استمرّينا في مُفاقمة المُشكلة، لذا هذه المشكلة تعني أننا بدأنا في الانهيار لكن ما نشهده هو فكرة مُختلفة تماماً حول كيفيّة تعاملنا مع القيمة وهي فكرة تتعلّق بالبيانات ويجري تطبيقها بالفعل. على سبيل المثال، "غوغل" و"أمازون" وكلّ هذه الشركات تخلِق قيمة من بياناتنا المُجتمعة في جميع أنحاء العالم، هذه هي العملة الجديدة. الاختلاف الوحيد هو أنّهم في الوقت الحالي ما زالوا قادرين على الاستفادة من هذا الاقتصاد الجديد من خلال تبادُل الأموال لكن هذا سيتغيّر وسنكون جميعاً قادرين على الانخراط في اقتصاد البيانات هذا.</p> <p>جورج غالواي: كيف يُمكنني تسديد فاتورة الوقود بالبيانات؟&nbsp;</p> <p>كلايف منزيس: لأنك "جورج" كشخصٍ عادي، تماماً كما تجلس حول المائِدة لتناول وجبة عائليّة فأنتم لا تُصدِرون الفواتير لبعضكم البعض، سبب عدم فعلكم ذلك هو..&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: أنا إسكتلندي، أحياناً نفعل ذلك&nbsp;</p> <p>كلايف منزيس: لديك مجموعة كبيرة جداً من البيانات في ذاكرتك عن جميع الأشخاص وموارِدهم ومُتطلّباتهم وقُدراتهم وهذا ما يُمكننا فعله عالمياً، يُمكننا أن نُصبِح عائِلة عالميّة. لذلك، لن يكون من الضروري على "جورج" تقديم شيء مقابل الحصول على الوقود، سيتمّ الاعتراف بأنّك أنت يا "جورج" تخلِق قَدْراً كبيراً من القيمة من خلال ما تُظهِره من احتياجات وقُدرات، وبالتالي لماذا لا تحصل على الوقود؟ إذا كان شخص ما يحتاج إلى وِحدة تكنولوجيا المعلومات في مُستشفى فهو يخلق قيمة كبيرة، لعلّه لا يخلق هذه القيمة في الواقع لكن حاجته تخلِق هذه القيمة الكبيرة ومن هنا بدأنا نحيد عن المسار لأنّ اعتماد المال كان يسمح لنا بتوسيع نطاق المُعاملات والعلاقات خارِج الأُسرة وبات هذا يمثّل المنظور الذي نرى من خلاله كلّ شيء، ننظر إلى كلّ شيء من المنظور المالي بدلاً من النظر إلى احتياجاتنا، لهذا السبب تشتعل الحروب وينتشر التلوّث ويتفشّى "كوفيد" وغيره من الأمور، كلّ هذه الظواهر ما هي سوى وليدة النظر إلى العالم من المنظور المالي بدلاً من النظر إلى القِيَم الحقيقيّة بالنسبة لي ولك وإلى "شابير" و"فرانسيسكو" &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>جورج غالواي: لنتحدّث مع رجُل لا يتعامل سوى بالمال، بروفيسور "وليام بوتير" من (نيويورك) في (الولايات المتّحدة الأميركيّة) وهو عضو سابق في "لجنة السياسة النقديّة" في "بنك إنكلترا"، لا شكّ في أنّه منصب رفيع جداً. بروفيسور أهلاً بك&nbsp;</p> <p>وليام بوتير: يُسعدني ذلك، شكراً لك&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: بروفيسور، إلى أيّ مستوى وصلَ التحوّل عن الدولار في العالم اليوم مقارنة بمستواه منذ عشر سنوات؟&nbsp;</p> <p>وليام بوتير: إنّ حصّة الدولار من الاحتياطي العالمي لا تزال عند مستوى ستّين في المئة وكانت تنخفض تدريجاً خلال العقدين الماضيين وقد تزداد سرعة هذه العمليّة نتيجةً للتطوّرات الجيوسياسيّة وتشعُّب الاقتصاد العالمي بين كتلة محورها (الولايات المتّحدة) وكتلة محورها (الصين)، أعتقد أنّ هذا يُمثّل الوضع الطبيعي الجديد وعلى الأرجح سنشهد استمرار البلدان عالمياً في تخصيص حصّة كبيرة من احتياطاتها من النقد الأجنبي بعملة "الرنمينبي" الصينيّة وغيرها من الأصول غير الدولاريّة. لا أعتقد أنّ الأمر سيكون هائِلاً أو سيحصل بين ليلة وضُحاها إلّا إذا شرعت (الولايات المتّحدة) طبعاً بفرض العقوبات التي تشمل عملة الدولار على بلدان غير (روسيا) و(إيران) و(كوريا الشماليّة)، لكن ما من شكّ في أنّ تطوّر الاقتصاد العالمي يدور في فلك عالم ثنائي بل مُتعدِّد الأقطاب حيث يخسر الدولار الأميركي هيمنته الحاليّة</p> <p>جورج غالواي: يقول بعض المراقبين أنّ النزاع الحالي بين (روسيا) والغرب، بل بين (روسيا) و(الصين) ضدّ الغرب، قد سرّعَ في اتّخاذ هذا المسار نحو التحوّل عن الدولار، هل توافقهم الرأي؟&nbsp;</p> <p>وليام بوتير: من الواضح أنّ دوافع ذلك لا تُخفى على أحد، لكنّهم لم يطلعوا على البيانات بعد. في نهاية المطاف النزاع نشبَ منذ عام فقط لكي نرى إذا ما كانت بلدان غير (روسيا) قد قرّرت أنها لا تريد التعامل كثيراً مع بلدٍ قد تفرِض عملته عقوبات عليهم إذا ما نشبَ خلاف بينهما. بالتالي نعم، من حيث المبدأ هذه وجهة نظر سديدة. صراع (روسيا) واستخدام الدولار كسلاحٍ اقتصادي ومالي سيُسرِّع التحوّل عن الدولار في الاقتصاد العالمي&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: من دون أدنى شكّ، عملة احتياطيّة في المقام الأول تعتمد على ثقة الناس فيها. هذه العقود من الزمن التي قامت على فرض (الولايات المتّحدة) العقوبات على البلدان التي لا تلقى رضاها بهدف مُعاقبتها ودفعها إلى سلك مسار مُختلف ألم ترمِ بهذه الثقة في مهبّ الريح؟ هل من حِكمة في ما قامت به؟&nbsp;</p> <p>وليام بوتير: كلا. من الواضح وجود توتّرات كبيرة بين استخدام عملة معيّنة للاحتياطات العالميّة واستخدامها كأداة لفرض العقوبات الاقتصاديّة والماليّة وتجميد حسابات الآخرين المصرفيّة ومنع النفاذ إلى نظام "سويفت" واستخدامه. لذا في رأيي كلّ هذا يسرد حكاية لا تتّسم بالاتّساق ولن يستمر حينها تقبّل الاستخدام العالمي الدولار كعملةٍ احتياطيّة مُهيمنة. الدولار لا يزال يُستخدَم كعملةٍ احتياطية اليوم ولكنّهم استخدموه على نحوٍ روتيني إلى حدٍّ ما كأداة لممارسة الضغط المالي&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: ألا يدفع ذلك بلدان مثل (الصين) التي تمتلك قوّة ماليّة هائِلة و(الهند) و(روسيا) و(إيران)، جميع هذه البلدان، ألا يدفعها ذلك إلى أن تأتي بنظامٍ مالي بديلٍ من الدولار؟&nbsp;</p> <p>وليام بوتير: يتطلّب الأمرُ التنسيق والتعاون بين البلدان التي قد لا يثق بعضها بالآخر أيضاً. ذكرت (الهند) و(الصين)، ربما هما قلقتان حيال تعاملهما بالدولار الأميركي كعملةٍ احتياطيّةٍ عالميّةٍ إذ يُمكن فرض عقوبات عليهما من خلال ذلك، لكن هل في إمكان البلدان وضع ثقتها بعملة "الرنمينبي" أو "اليوان" على نحوٍ أكبر؟ بالطبع ثمة عوامل خارجيّة مُتأصّلة في إنشاء شبكة عملة احتياط وتسديد تعمل على نحوٍ سليم، هذا الأمر يتطلّب عدداً كافياً من البلدان. لذا، إذا لم يجلس عدد كبير من البلدان على طاولة حوار ويقرّرون العمل يداً بيد في الوقت نفسه قد ينتهي بنا المطاف ونحن نشهد استمرار هيمنة الدولار حتى وإنْ كانت هذه الهيمنة تنخفض تدريجاً كما شهِدنا في العقدين الماضيين&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: الاستيلاء على الاحتياطي الروسي من النقد الأجنبي بهدف تدمير اقتصاد (روسيا) قد باء بالفشل، إذ لم تؤتِ هذه الخطوة ثمارها بل أتت على حساب تسريع المَيْل نحو التحوّل عن الدولار أليس كذلك؟</p> <p>وليام بوتير: أعتقد أنّ هذا الأمر قد كبّدَ (روسيا) بعض الخسائِر لكنّها استطاعت إدارة الأمر على نحوٍ جيّدٍ إذ لم يعوق ذلك قدرتها الماليّة على تمويل جهودها الحربيّة ولم يُسرِّع من وتيرة الأزمة الاقتصاديّة. بالتالي، أعتقد أنّ هذه الجهود لم تكن فعّالة في القَدْر الذي تمنّته (الولايات المتّحدة) وحلفاؤها</p> <p>جورج غالواي: لكن سؤالي كان عمّا إذا كانت مُصادرة هذه الأصول الروسيّة مُحفّزاً كبيراً يجعل الناس تبتعِد عن استخدام الدولار كعملةٍ احتياطيّة؟&nbsp;</p> <p>وليام بوتير: أعتقد أنّ هذا الأمر قد سرَّعَ عمليّة التحوّل عن الدولار. لن يتحقّق التحوّل إلى اليوان أو غيرها كعملة احتياطيّة عالميّة بين ليلةٍ وضُحاها لكن اتجاه التغيير واتجاه الحركة القائِمة ليس مُبْهماً إذ سيضعف الدور المُهيمِن الذي تضطلع به عملة الدولار لأنّ هذه العملة تُسبّب الخوف للبلدان التي تخشى أن تكون ضحيّتها التالية&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: دكتور "فرانسيسكو"، العجب ليس في الرقص السيّئ للدب، العجب في أن يرقص أصلاً. المثير للعجب أنّ ستّين في المئة من الاحتياطي العالمي لا تزال بعملة الدولار لأن الأمر ليس محصوراً بالعقوبات أليس كذلك؟ كما سبق وقلت للبروفيسور، لقد سُرِقت الموارد إذ سُرِق ذهب (فنزويلا) وسُرِقت مئات المليارات من الاحتياطي الروسي، حتى الأفراد الروس على الرغم من تغنّيهم بالرأسماليّة والملكيّة الخاصّة سُرِقت ممتلكاتهم من منازل ويخوت ونقود وغيرها. المثير للعجب هو وثوق أيّ أحد بالدولار اليوم أليس كذلك؟</p> <p>فرانسيسكو دومينغويز: نعم. تخيّل أنّ المصرف المحلّي الذي تتعامل معه قد بدأ في سرقة أموالك</p> <p>جورج غالواي: لأنّ مَن صوّتت له لا يعجبه&nbsp;</p> <p>فرانسيسكو دومينغويز: لأيّ سبب كان، لن تثق حينها بهذا المصرف وستلجأ إلى شيء آخر. أعتقد أنّ السبب وراء هذا العدد الذي لا يزال مُرتفعاً يحمِل طابعاً تاريخياً، فليس من السهل التخلّي عن عُملةٍ والتحوّل إلى أُخرى إذ يجب أن تحوِّل احتياطك إلى أمرٍ آخر في إمكانه الحفاظ على قيمة احتياطك. عليك أن تستبدل القيمة الإسميّة للمبلغ الذي تمتلكه بالدولار إلى شيء يعادله قيمةً والبلدان تلجأ إلى استخدام الذهب أو إلى ترتيبات تبادل تُخوّلهم التجارة بعملة بلدانهم على سبيل المثال. (اليابان) و(الصين)، على الرغم من الاختلافات التي ظهرت في خضمّ الحرب، لكن حتى الآن بلغت قيمة التبادل بينهما في المنطقة ثلاثمئة مليار دولار سنوياً، وهذا بعملتيهما، لذا لن تستفيد (الولايات المتّحدة) من هذا المبلغ الضخم، وإذا نظرنا إلى الترتيبات القائِمة بين (الهند) و(إيران) أو (الهند) و(روسيا) والآخرين وما إلى ذلك، ثمة الكثير من البلدان التي يظهر أنّها تميل إلى اعتماد هذه الترتيبات. هذه ظاهرة مؤقّتة أو تجسيد مؤقّت للعالم مُتعدّد الأقطاب كما قال البروفيسور، تعدّدية الأقطاب هذه تتطلّب هيكلاً معيناً وضمانة للاستقرار وإيجاد عملة جديدة تُحافِظ على قيمة ما تمتلكه، وهذا سيستغرق بعض الوقت. لذا هو على حق في هذا الصدد إذ لم يحصل الأمر بين ليلة وضُحاها. على الرغم من ذلك، عدد البلدان التي بدأت في اتّخاذ إجراءات على جميع الأصعِدة للابتعاد أكثر عن استخدام الدولار أمر مهمّ جداً على صعيد الاقتصاد العالمي. بالتالي، أعتقد أنّ أيّام هيمنة الدولار باتت معدودة</p> <p>جورج غالواي: سنستمع إلى المزيد بعد الفاصل، إبقوا معنا &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>المحور الثاني&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: أنتم تشاهدون برنامج "كلِمة حرّة" معي "جورج غالواي" على قناة "الميادين" حيث نوافيكم من (لندن) بحديثٍ عن الدولار الذي كان عظيماً في ما مضى والذي لا يزال يتمتّع بقوّته. "شابير"، سأكرّر الفكرة التي طرحتها على الدكتور "فرانسيسكو" وهي أنه من المُدهِش في ظلّ هذا التوجّه لاستخدام الدولار في السنوات العشرين أو الثلاثين الماضية كسلاحٍ أو كأداةٍ للمصادرة وما إلى ذلك بحيث لا أحد يمكنه الوثوق به، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ على البديل أن يكون عملة أُخرى ذات أهميّة أليس كذلك؟ كما سبق وشرحنا، الكثير من البلدان باتت تتاجر مع بعضها البعض بعملاتها المحليّة وحتى بالعُملات التي لم يعِرها أحد اهتمام من قبل مثل عملة الكرونا السويدية التي ليست ذات أهميّة كبيرة للتداول دولياً، وللأسف أيّام الجنيه الإسترليني قد ولّت بعيداً من جواربك الجميلة التي تحمل علم (بريطانيا) عليها والتي لا ينفكّ المُشاهدون عن التعليق عليها. إذاً، ربما نحن ننظر إلى الجهة الخاطئة في البحث عن عملة واحدة جديدة يعتمدها الجميع</p> <p>شابير رازفي: هذا الأمر صحيح بالكامل، كما ذكرت سابقاً ووفقاً للتعليقات التي أدلى بها البروفيسور من (نيويورك) والبروفيسور الحاضر هنا، بسبب تداول مفهوم الدولار لوقتٍ طويل. إذا تذكّرنا ما حصل في العام 2008 عندما مررنا بالأزمة الماليّة دار حينها مفهوم يقول: "لا مكان للفشل في ظلّ عَظَمَتها"، هذا ما زرعته (أميركا) في سيكولوجيا المعاملات العالميّة، أنها بلد عظيم ولا يُمكن له أن يفشل، وبدأ القلق يختلج الناس لكن العقوبات التي فُرِضت في الماضي على بلدٍ صغيرٍ أو بلدين أو البلدان التي لا تقوى على الدفاع عن نفسها وعندما شرعت في فرض العقوبات على (روسيا) و(الصين) أيضاً إلى حدٍّ ما بدأت تشعُر الدول من جهةٍ أُخرى بأنّ عليها حماية نفسها، والطريقة الوحيدة للقيام بذلك كبلدانٍ ذات كرامة هي في عدم اعتمادها على الدولار. نعم، سيتطلّب الأمر بعض الوقت لكنّي سأقتبس ما يقوله الصينيّون: "سيموت الدولار جرّاء ألم سبّبته آلاف الجراح"، وهذا ما يحدُث لكن يبدو أنّ الدولار لا يزال قوياً. تحدّثت مع أصدقائي في قطاع الخدمات الماليّة ودائماً ما يقولون لي إنّ الدولار خيار آمن لكنّي أعتقد أنّهم لا يشعرون بالثقة التي يبدونها في قرارة أنفسهم بأن الدولار سيفشل في السنوات العشر القادمة إذا لم يفشل قبل ذلك حتى. بالتالي، هذا عامل غاية في الأهميّة إذ سيستغرق إجراء المعاملات بعض الوقت. المسألة الأُخرى التي يجب ألّا تغيب عن ذاكرتنا هي الهيكلة الذي كنّا نتحدّث عنها، لدينا بطاقة "الفيزا" وبطاقة "أميركان إكسبريس" وبطاقة "ماستر كارد"، هذه كلّها بطاقات ائتمان أميركيّة تُخوِّلك التداول على الصعيد الفردي أو بين التجّار عالمياً، ثمّة نحو ستّين مليون تاجر حول العالم يستخدمون بطاقات الائتمان هذه. أتت (الصين) الآن بأنظمة الدفع الماليّة "يونيون باي" وألي باي"، نظام "يونيون باي" وفق ما أعرفه يُستخدَم في مئة وثمانين بلداً حول العالم، لذا هذه الأمور تحدث حالياً في الكواليس الخلفيّة التي لا نُثمّنها، كما أنّ الأثر الذي سيحمله ذلك سيكون كبيراً على ما أعتقد&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: "كلايف"، ثمّة شيء آخر يحدُث وقد جرى التلويح إليه بالفعل وهو أنّ البعض يشتري الذهب بكميّاتٍ كبيرة. لقد رفعت كلّ من (الصين) و(روسيا) على وجه الخصوص حيازتهما من الذهب، هل هذه خطوة ذكيّة من جانبهما؟</p> <p>كلايف منزيس: كما نقول منذ فترة طويلة، أعتقد أنني أجريت مناقشة في المدينة عام 2015 مفادها أننا نتّجه نحو الانهيار الاقتصادي مدفوعاً بشكلٍ أساسي بالانهيار المالي. في ذلك الوقت قلنا أنّه يجب تخزين القيمة بالذهب والفضّة ومن المُحتمل بالعملات المُشفّرة&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: وهي لا تبلي بلاءً حسناً</p> <p>كلايف منزيس: قيمتها كثيرة التقلّب. لكن من المؤكّد أنّ الذهب كان إلى حدٍّ ما المخزن التقليدي للقيمة، وبالتالي أعتقد أنّ هذا حلّ مؤقّت جيّد لكني أعتقد أنّه من المهم أن نفهم أنّ التجارة العالميّة لم تكن أبداً ذات توجّه حصري بالدولار. ثمّة أشياء مثل "أوميتا"، وفي (سويسرا) لديهم عملة رقمية تُسمّى "وير" تستخدم للقيام بالأعمال التجاريّة الداخليّة لكن ذلك مختلف بعض الشيء، وهناك أيضاً اتفاقيّات تجاريّة متعدّدة الأطراف لا تعتمد على مُقايضة العملات بشكلٍ فعّال. لذلك أعتقد أنّ فكرة النظام الأحادي المركزي هي ما تعايشنا معه وهو ما نقبله كطريقةٍ طبيعيّةٍ لسير الأمور لكنّه بالتأكيد ليس كذلك، وما قلته سابقاً عن التغيّرات التكنولوجية هو أنّ هناك مفهوماً يُسمّى "المنظّمة المستقلّة اللامركزيّة" والتي يجري التلميح إليها في شكلٍ أساسي من خلال ما قاله "شابير" و"فرانسيسكو" عن العملات المتعدّدة. أعتقد أنّ فكرة الانتقال إلى عملات متعدّدة هي خطوة في هذا الاتجاه لكن في النهاية سوف نبتعد عن تبادل العملات وستنتهي المُشكلة التي نواجهها في محاولة إنشاء مخازن للقيمة. لقد تحدّثت حضرتك عن أشخاصٍ تعرّضت أموالهم للمُصادرة، إذا ذهبت إلى أحد المصارف في (المملكة المتّحدة) حالياً وطلبت خمسة آلاف جنيه إسترليني نقداً سيستجوبونك بلا رحمة. كيف وصلنا إلى هذه الحال؟&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: بالطبع</p> <p>كلايف منزيس: لذلك نحن خاضعون لنظامٍ أُحادي في حال انهيار ويخيِّم اليأس على الإجراءات التي يُحاولون القيام بها، أعني النظام مفلِس بصراحةٍ لأنه مبني على أصولٍ لا قيمة لها في الدفاتر، لذلك نحن نمرّ في فترةٍ انتقاليّة وستكون فوضويّة. نعم الدولار هو ضحيّة لكن في النهاية لن يكون لأيّة عملة قيمة لأننا سنتعامل مع القيمة على نحوٍ مُختلف</p> <p>جورج غالواي: لنستمع إلى "مايكل روبرتس"، خبير اقتصادي آخر يعمل في (لندن) ويقطن فيها، مؤلِّف جملة من الكُتب التي تتناول اقتصاد العالم وكان يعمل سابقاً في مدينة (لندن) الشهيرة. مرحباً بك في البرنامج</p> <p>مايكل روبرتس: يُسعدني وجودي معكم "جورج"</p> <p>جورج غالواي: في إحدى مقالاتك الأخيرة التي قرأتها بشغف وصفت الطرق المختلفة وليس طريقة واحدة بل الطرق المتعدّدة التي تسير بها الأمور الآن مع تراجع هيمنة الدولار، عملات مختلفة وطرف مختلفة للتبادل وما إلى ذلك. اشرح لنا المزيد عن ذلك من فضلك &nbsp;</p> <p>مايكل روبرتس: نعم. أنا متأكِّد من أنّ المشاهدين يُدركون أنّ الدولار الأميركي يُعدّ أهمّ عملة في العالم، معظم التبادلات التجاريّة العالميّة للسِلَع الرئيسيّة تجري بالدولار. نحن نعلم أنّ القطاع المالي للاقتصاد الأميركي هو أكبر قطاع مالي في العالم، لذا الدولار هو العملة الماليّة الرئيسيّة في الاقتصاد العالمي وكان كذلك طوال المئة عام الماضية تقريباً. لكن ما تغيّر على الأرجح بعد مرور نحو عشرين عاماً على نهاية الحرب العالميّة الثانية يمثِّلُ تراجعاً نسبياً في قوّة الدولار ويُعزى ذلك إلى أنّ الاقتصاد الأميركي اكتسبَ منافسين على صعيد الاقتصاد لاسيّما في مجال الصناعة في (أوروبا) و(اليابان) وأيضاً في التجارة، وبالطبع في الثلاثين أو الأربعين عاماً الماضية حلّت القوى الاقتصاديّة الصاعدة الجديدة ولاسيّما (الصين) محلّ (الولايات المتّحدة) باعتبارها الدولة الصناعيّة الرئيسيّة وبالتالي انخفضت العملة نسبياً نتيجةً لذلك. إذاً للإضافة هنا "جورج"، حتى عام 1970 كان في إمكانك استبدال دولاراتك بقطعٍ من الذهب من خزانة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، سيعطونك الذهب مقابل دولاراتك. كانت قيمة الدولار ثابتة على سعر الذهب وبالتالي كانت عملة قويّة جداً، لكن (الولايات المتّحدة) لم تستطع الاستمرار في ذلك لأنها كانت تعاني من عجزٍ تجاري مع بقيّة العالم وكانت تحتاج إلى سداد هذا العجز بالدولار، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي الانفصال عن تقويم الدولار بالذهب وخفض قيمة الدولار بحيث يحصل المالكون، أي الأشخاص الذين يشترون الدولار وأولئك الذين يعملون للحصول عليه،على دولارات أقلّ مقابل أموالهم من خلال خفض قيمة الدولار. إذاً ما شهدناه هو انخفاض نسبي على مدى فترة طويلة من الزمن للدولار باعتباره العملة الأقوى في العالم، إذ انخفض بمعدّلٍ وسطي يبلغ 20% في السنوات الخمسين الماضية مقارنةً بالعُملات الأُخرى. هذا يوضِح للمُشاهدين كم انخفض الدولار الأميركي بالضبط وكم تراجع الاقتصاد الأميركي نسبياً مقارنةً بالاقتصادات الأُخرى، إنه أضعف بنسبة 20% مقارنةً ببقيّة العالم عما كان عليه عام 1970&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: هل ستؤدّي تداعيات الصراع في (أوكرانيا) إلى تسريع كلّ هذا؟ فكّر في الأمر، لم نتمكّن إلى حدٍّ ما من تذكّر عدد جميع البلدان التي فرضت (الولايات المتّحدة) عقوبات عليها وعاقبتها أيضاً في العقود الماضية. مع وجود هذه المجموعة الكبيرة من الضحايا ليس من الصعب علينا أن نستنتج أنّه من الأفضل لنا أن نجتمع جميعاً ونتوصّل إلى بديل&nbsp;</p> <p>مايكل روبرتس: إنّها القضيّة الكُبرى، أعتقد أنّه السؤال المهمّ الذي نُفكِّر فيه كخبراء اقتصاديين على المستوى الدولي. نعم، لقد أظهرت للتوّ أنّنا شهِدنا انخفاضاً تدريجياً في دور الدولار، هل ستُسرِّع نتيجة الحرب الأوكرانيّة وتيرة ذلك الآن؟ أعتقد أنّنا بدأنا نرى بالفعل ضعف هيمنة الدولار. حتى في السنوات العشر أو العشرين الماضية من القرن الواحد والعشرين عندما كان الدولار قادراً على ممارسة قوّته الجبّارة في جميع مجالات التجارة والاستثمار وما إلى ذلك هذا الأمر في تراجُع. شهدنا صعود اليورو في مطلع القرن الواحد والعشرين، ورأينا أيضاً صعود "الرنمينبي" الصيني كمصدرٍ لنموّ العُملة لاسيّما في المنطقة الآسيويّة، ولا يزال الدولار هو المُسيطر لكن هذا الموقف طور التغيير، فقد أدّى ذلك إلى انهيار ما كان في السابق نظاماً دولياً يُسمّى نظام "بريون وودز" الذي كان يتحكّم بكلّ شيء وحتى بالعملات من خلال ترتيب دولي مع "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" بتحكّم من (الولايات المتّحدة)، انهار هذا الأمر والآن بدأنا في تجزئة عالم العُملات إلى عملاتٍ مُختلفة وليس فقط بين (الولايات المتّحدة) واليورو واليّن الياباني والرنمينبي الصيني ولكن غيرها من العملات الصغيرة أيضاً التي نمَت حصّتها في السوق العالميّة مثل الكرونا السويديّة والدولار الأُسترالي. إذاً نحن نشهد تجزئة وعالماً متعدّد الأقطاب في العُملات يبدأ في التطوّر. وكما قلت "جورج" تسارعت وتيرة ذلك جرّاء الحرب الأوكرانيّة، لكن في الحقيقة العقوبات التي فرضها الغرب على (روسيا) باقتصادها وعملتها دفعت الروس والبلدان الأُخرى إلى البحث عن أشكالٍ بديلةٍ للتبادل التجاري والتمويل لا تعتمد على الدولار وربما بعملات أُخرى</p> <p>جورج غالواي: هل كان قادتنا أغبياء إذاً؟ إذ لم يعوا أنّ تحليل التكاليف والفوائِد لمسار العمل الذي شرعوا فيه لن يصبّ في مصلحتهم وسيسرّع وتيرة تحرّك العالم بعيداً من براثن هيمنتهم السابقة</p> <p>مايكل روبرتس: أعتقد أنّ بعض الأشخاص بعيدي النظر قد فعلوا ذلك، لكنني أعتقد أنّ موقف الخبراء الاستراتيجيين في حكومة (الولايات المتّحدة) وفي دوائِرها الماليّة كان يُشجِّع الضغط على (روسيا) بكلّ ما أوتوا من قوّة في الوقت الحالي، فإن تمكّنوا من أضعافها ودفعها إلى استنزاف مواردها وإخراجها من الساحة سيجدون حينها حلّاً للمُشكلة وإنْ تكبّدوا بعض الخسائِر. نعم، ثمّة مخاطر يحملها العالم متعدّد الأقطاب حيث قد يضعف الدولار أكثر، لكن ما هي الاحتمالات؟ ما هي فوائِد إضعاف (روسيا) إلى حدٍّ تبدأ فيه أن تكون شريكاً أو دولة تابعة للدولار الأميركي بدلاً من أن تكون مُعارِضة؟ هذه هي الاستراتيجيّة، الاستراتيجية هي إضعاف الاقتصاد الروسي وليس فقط الاقتصاد الروسي فحسب لكن أيضاً الاقتصادات الأُخرى التي تنافِس الاقتصاد الأميركي لاسيّما الاقتصاد الصيني. وجهة نظري تقول إنّ مُحاولة فرض العقوبات على (روسيا) وإضعاف وتدمير الروبل الروسي والاقتصاد الروسي هي مرحلة أولى وتمثِّل التحضيرات والتدريبات لفعل الشيء نفسه، كما يأملون، بالاقتصاد الصيني في العقد المقبل أو نحو ذلك</p> <p>جورج غالواي: لقد أوضحت اعتقادك أنّ الدولار على الرغم من كلّ شيء ما زال متربّعاً على عرش القيادة. بالتالي، السؤال الذي يطرح نفسه هو، إلى متى سيبقى كذلك؟&nbsp;</p> <p>مايكل روبرتس: من المستحيل الإجابة على هذا السؤال "جورج"، ولكنّي أودّ أن أقول أنّ ما نشهده في ظلّ الحروب الأخيرة، وليس الحرب الأوكرانيّة فقط إنما الحرب العراقيّة والأفغانيّة وما إلى ذلك، يُسرِّع عمليّة إضعاف الدولار. هذا ثمن يبدو حتى الآن أنّ الرأسماليّة الأميركيّة مستعدّة لدفعه إذا ما استطاعت في مرحلةٍ ما استعادة سيطرتها الاقتصاديّة والسياسيّة على العالم الذي قام بإضعافها، ولكن في حال لم يحصل ذلك من المُحتمل أن يبدأ الدولار في التدهور أكثر بكثير. فقد شهد الدولار تراجعاً بنسبة 20% مقابل العملات الأُخرى، وأودّ القول إنّه في العقد القادم من الزمن ما لم تحدُث أيّة تغيّرات سياسيّة قد نشهد انخفاضاً آخر في قيمة الدولار بنسبة 20% على الأقلّ إنْ لم يكن أكثر من ذلك. هذا يأخذنا إنْ صحّ التعبير إلى أعتاب تغيير نوعي في حين أنّ أهميّة العملات الأُخرى باتت الآن توازي تقريباً أهميّة الدولار الأميركي إنْ لم تكن توازيها فعلاً. هذه معركة بين الاقتصادات وسيتمّ التعبير عنها في المعركة القائمة على حصّة العملات في التجارة والتمويل في العقد القادم من الزمن</p> <p>جورج غالواي: هذا مُشجِّع جداً بالنسبة لي لكنّه مُجرّد تحيُّز شخصي. دكتور "فرنسيسكو"، لا أريد أن أبدو كأنني غارق في خيالي، لكن أليس ما يقوله "كلايف" صحيحاً؟ أحد أهمّ الكُتب التي قرأتها في شبابي هو كتاب "المحسنون ذوو البِنطال المُهترئ" حيث يتحدّث فيه البطل "أوين" عن خدعة المال النظيفة، أليس المال مُجرّد خدعة كبيرة؟</p> <p>فرانسيسكو دومينغويز: نعم لكنّه يحكُم الاقتصاد العالمي، وتكمن المُشكلة في أنّ الدولار بات عاملاً يُزعزع استقرار الاقتصاد العالمي والكثير من البلدان في هذا العالم. البلدان الكبرى كـ (البرازيل) و(تركيا) و(إيران) إضافةً إلى البلدان الأوروبيّة بالطبع تريد الاستقرار، و(الصين) مولَعة بالاستقرار وحريصة على إرساء الاستقرار، هذا لا يعني الآن أنّ عملة "اليوان" أو "الرنمينبي" ستحلّ مكان الدولار، ذلك لن يكون الحلّ، لكن (الولايات المتّحدة) تتّخذ إجراءات صارمة في حقّ الجميع لتُحافِظ على هيمنتها التي تتلاشى. دعني أقدِّم لك مثالاً، في العام 1970 بلغَ العجز التجاري لـ (الولايات المتّحدة) ما يُقارِب الصفر في المئة من إجمالي الناتج المحلّي. وبحلول العام المنصرِم بلغ العجز 984 مليار دولار أي ما يُقارِب ترليون دولار ما يمثّل ارتفاعاً بقيمة 103 مليارات دولار عن العام الذي سبقه. (الولايات المتّحدة) عاجزة عن الحفاظ على هذه المكانة، ويُعزى جزء من هذا العجز التجاري إلى (الصين)، إذ يبلغ العجز التجاري مع (الصين) في الحقيقة 382 مليار دولار. لذا يتجلّى دفاع (الولايات المتّحدة) عن نفسها بمُحاولتها الحفاظ على هيمنتها وزعزعة استقرار الآخرين مُسبّبةً الحروب وما لا يعلمه إلّا الله. هذه مكانة لا يُمكن الدفاع عنها لذا، ستعمد البلدان الأُخرى قريباً جداً وفي مرحلةٍ ما، كونها في أمسّ الحاجة إلى استقرار الاقتصاد العالمي، إلى صوغ بعض الآليّات وسينتهي بهم المطاف ليس بعملاتٍ متعدّدةٍ إنما بعملةٍ واحدٍة مقبولة من الجميع لأنّ ما تحتاجه هو أن تُحقّق أمنك القانوني، وهذا يعني أنّه لدى دخولك في المعاملات عليك أن تكون مُتيقّناً من أنّها ستُنفّذ على النحو المنصوص عليه في المبادئ والمعايير، وهذا ليس مضموناً حالياً لأنّ (الولايات المتّحدة) تتصرّف على أنّها دولة مارِقة، إنّها حقاً تتصرّف بوحشيّةٍ مع كلّ ما يُحيطها حتى مع أصدقائِها، وهذا لا يصبّ في مصلحتها، وذلك عبر جعل (أوروبا) تدفع ثمن الحرب. (ألمانيا) بالطبع تُضعِف "حلف الأطلسي" على نحوٍ كبيرٍ وهذا لن يكون جيّداً بالنسبة لـ (الولايات المتّحدة) عندما ترتبط المسألة بمواجهة ما هو أتٍ، أي الحاجة إلى استبدال الدولار لأنّ ذلك يرتبط باستقرار الاقتصاد العالمي، الكل في حاجة إلى النموّ كما ومن حقّ الجميع النموّ ومن حقّ المُجتمعات أن تتمتّع بمستوياتٍ معيشيّةٍ أفضل والدولار هو المشكلة&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: مع ذلك، لا أعلم إذا ما كان ذلك نوعاً من المتعة السياسيّة في تعذيب الآخرين، كان ثمّة جندي صغير يُدعى "شولتز" وهو كالصبي الصغير الذي يُمسك يد جدّه "جو بايدن" على الرغم من حقيقة أنّ جدّه فجّر لعبة سكّة القطار خاصّته، لكي نُكمل التعبير المجازي المحلّي. أَفترض أنّ المسألة سياسيّة بدلاً من كونها اقتصاديّة&nbsp;</p> <p>شابير رازفي: "جورج"، في شتّى أنواع النقاشات الاقتصاديّة دائماً ما نصِل إلى السياسة لأنّ الحقيقة تتمثّل بكون الاقتصاد والسياسة وجهين لعملةٍ واحدة، إنْ كان لديك نموذج اقتصادي ماركسي عليك أن تمتلك السياسة لتطبيق هذا النموذج الاقتصادي كما فعل "الاتحاد السوفياتي" وغيره من البلدان في تلك الفترة، أو إنْ كان لديك نموذج رأسمالي عليك أن تمتلك نموذجاً سياسيّاً نيو- ليبرالياً لتطبيق هذا الاقتصاد. لكن أعتقد أنّ ما يُثير الاهتمام بشأن المُستشار الألماني كما أشار البروفيسور، (أميركا) لا تتّسم بالودّ في تعاملها مع الآخرين. أعتقد أنّ "هنري كيسنجر" كان مشهوراً بقوله: من الخطير أن تتّخذك (الولايات المتّحدة) عدوّاً لها&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: لكن اتخاذها لها صديقاً سيؤول بك إلى الهلاك</p> <p>شابير رازفي: أجل. أعتقد أنّ الحقيقة تكمن في أنّ الدول تُدرِك الآن أنّ الصداقة مع (أميركا) ستؤول بها إلى الهلاك، وأنّ الاعتماد على الدولار في الطريقة ذاتها سيفتك بها. أعتقد أنّه حينما يُدرِك الناس أنّ التسبّب بهلاكهم هدف وارِد في الأجندة ستعمل عقولهم حينها على نحوٍ مُغاير، إذ ستبدأ في الابتعاد عن وضعٍ كهذا وأعتقد كما قال الجميع في النقاش أنّ هذا لن يحصل بين ليلة وضحاها. لكن المسألة تكمن بوجود الكثير من الأحداث السوداء التي تقع والتي لا يُمكننا حتى تقديرها، حتى أنّ الأحداث السوداء التالية قد تحصل في 12 شهراً أو في 24 شهراً وهذا من شأنه أن يُخفّف من هيمنة الدولار بوتيرةٍ أسرع حتى مما كانت عليه حسبما علّق الآخرون</p> <p>جورج غالواي: قال الأديب الإنكليزي العظيم الدكتور "جونسون" إنّ المعرِفة التي تريد شنقها في الصباح تحمل الذهن على التركيز على نحوٍ رائِع&nbsp;</p> <p>شابير رازفي: بالطبع&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: هل سيشنقنا الدولار جميعاً قبل أن يتلاشى؟ هذا احتمال وارد أليس كذلك؟ أقصد بذلك خيار "شمشون" الذي يقضي بأن تهدم (الولايات المتّحدة) أسقف المعبد وجدرانه بدلاً من أن تفقد هيمنتها</p> <p>كلايف منزيس: حسناً، هذه معركة أو حرب بين شعب ونظام فعلياً. نعم، في إمكاننا التحدّث عن (الولايات المتّحدة) وعن الشخصيّات السياسيّة أو الجهات الفاعلة كما أودّ تسميتها، لكنّها لا تُجسِّد في الحقيقة القوّة المُحرِّكة لذلك بل الهيكليّة هي التي تفعل. نعم، سيحدث انهيار وسيكون دامياً وفوضوياً وسينتج منه الكثير من الألم، لكن ما سينبثق من هذا كلّه سيكون أكثر استدامة بكثير مما لدينا الآن لأنّ ما نُعانيه الآن هو شكل مبالَغ لما حدثَ خلال دورات زمنيّة قي ظلّ اقتصاد قائِم على النقد، مثل أزمتيّ "فقّاعة زهرة التوليب" و"فقّاعة بحر الجنوب" وانهيار الثلاثينات وانهيار عام 1974 وانهيار عام 1987 وانهيار الـ "دوت كوم" إضافة إلى كلّ الأحداث التي حصلت، وبالطبع الأزمة الماليّة العالميّة كانت كلّها تحذيرنا الأخير لكننا لم نفعل ما كان ينبغي علينا فعله بالنظام العالمي. كان علينا أن نُعيد معالجة القاعدة الأساسيّة بأكملها لكن ذلك يحصل بكلّ الأحوال إنما بصورةٍ غير مباشِرة من خلال التكنولوجيا واكتشاف الناس لأفكارٍ مُختلفة. لقد ذكرَ أحدهم الكلمة المفتاح وهي "الثقة"، عليك أن تثق بالعملة. ما يجري استبداله أو ما يحلّ مكان الثقة بالعملات هو خلق منظومة ثقة بين الناس، وهذا هو التحوّل النموذجي الذي نتّجه نحوه. لا ترتبط المسألة بالعملة التي ستتربّع على العرش إنّما في الآليّة التي يجب اتّباعها للتعامُل مع القِيَم والعلاقات في المستقبل، وهذا نقاش طويل جداً لكن الفكرة تُطبَّق بالفعل. لقد ذكرت أنّ شركات "غوغل" و"آبل" و"أمازون"، تبلغ قيمتها 15 تريليون دولار لأنّها تمكّنت بالفعل من تحويل قيمة البيانات إلى أموالٍ لأننا نعيش في نظام تبادلٍ نقدي. تخيّل إمكانيات البشريّة إذا جرت مُشاركة هذه البيانات بحريّة، جرت مشاركة قيمة هذه البيانات بحريّة؛ لن نُجري حينها نقاشات بشأن الحرب، لن نكون بحاجةٍ إلى كلّ ذلك. كانت هذه في آخر ثلاثة آلاف سنة فقط&nbsp;</p> <p>جورج غالواي: ثلاثة آلاف سنة. حسناً، تراودني الشكوك شخصياً في ما إذا كانت مئات الملايين من الأسماء والعناوين وعناوين البريد الإلكتروني وأرقام الهواتف تبلغ قيمتها 15 تريليون دولار، لكن ما عادت قيمة الـ 15 تريليون دولار كسابق عهدها. أعتقدّ أنه في إمكاننا أن نستنتج من نقاش الليلة إنّه إذا ما استطعنا تجنّب خيار "شمشون" التدميري، وإذا لم نعلق تحت الأنقاض في حين تتهاوى (الولايات المتّحدة) مع دولارها، سنكون بخير. أبهجتني فكرة أننا سنكون بخير ولا أعلم إنْ كنتم تشاركونني هذا الشعور. كنت معكم أنا "جورج غالواي" وأنتم كنتم جمهوراً رائعاً. شكراً على حُسن المُتابعة &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p>