رهان اللحظة الخاطفة - الحرب على إيران

نص الحلقة

 

محمد فرج: خداع متشعّب، فلحظة خاطفة، فرهان كبير، هكذا بدأت الحرب على إيران.

الرهان كان يتآكل مع مرور الساعات والأيام ليصبح قصة تُروى لا واقعًا معيَّشًا.

 

فيديو:

 

محمد فرج: من هنا بدأت محطات الخداع: رسالة تحمل إرادة التفاوض ولكنها لا تخلو من التهديد. كان رد قائد الثورة الإسلامية في إيران حاسمًا: لا استسلام.

من محطة الخداع الأولى إلى رهان الأيام الأولى من الحرب، نسير على خط الزمن مع الأساتذة: مسعود أسعد اللهِي، الخبير في الشؤون الدولية والاستراتيجية؛ سكوت ريتر، الكاتب والضابط السابق في سلاح البحرية الأمريكي؛ محمد هلسة، الأكاديمي والباحث في الشؤون الإسرائيلية.

 

مسعود أسعد اللهِي: الخداع بدأ منذ اقتراح هذه الرسالة. لماذا؟ لأنه دائمًا عندما دولة تريد أن تدخل في مفاوضات مع دولة أخرى وتعتبرها معادية، تجد وسيطًا محايدًا وترسل رسالة عبر وسيط محايد وهو على علاقة جيدة مع الطرفين.

كان من المفترض أن يرسل ترامب رسالة إما عبر سلطة عُمان أو عبر دولة قطر، ولكن السلطات الإيرانية فُوجئت بأن الرسالة وصلت عبر الإمارات، دولة الإمارات. وهذا كان فيه مفاجأة، لأن الجميع يعرف أنه بالرغم من التعاون الاقتصادي والتجارة المتبادلة بين إيران والإمارات – لها أسبابها تاريخيًّا – ولكن العلاقات السياسية بين الدولتين ليست على ما يرام.

ولذلك، إرسال الرسالة عبر الإمارات كان له رسالة أخرى: بأن هذه رسالة تهديد، ليست رسالة للتفاوض. والأغرب من هذا، الإماراتيون – السلطات الإماراتية – وظّفوا وأرسلوا شخصًا معروفًا باسم أنور قرقاش، حتى هو يحمل الرسالة الأمريكية إلى إيران. هو المستشار السياسي لحاكم الإمارات.

ولكن دائمًا عندما كانت الإمارات تريد أن تأخذ مواقف شديدة ومواقف معادية لإيران أو حتى مواقف مهينة لإيران، كان يُرسل أنور قرقاش إلى وسائل الإعلام، وهو دائمًا كان يقود تلك المواقف.

السلطات الإيرانية كانت على علم وعلى وعي بالنسبة لهذا الموضوع، ولذلك لم يقبلوا أن يرسلوا الجواب عبر الإمارات لأمريكا. إيران أعلنت أنها سوف ترسل الجواب عبر سلطة عُمان. وهذا كان أول رد إيراني قوي على هذه لعبة الخداع.

 

محمد فرج: بدأت المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في شهر نيسان 2025. كان الخداع يتشعّب لإخفاء لحظة الحرب والتعمية عليها. فالمفاوضات غير المباشرة في ذاتها كانت خداعًا. تم التركيز الإعلامي على فكرة أن إسرائيل فُوجئت بانطلاق هذه المفاوضات، وهي طبعًا غير راضية عنها، وتم التركيز أيضًا على أنها منشغلة بملفات أخرى، وعلى رأسها الأسرى الإسرائيليون لدى المقاومة في غزة.

تصريحات ترامب المتناقضة بين الرغبة في التفاوض والتهديد لعبت دورًا في الخداع، فضلاً عن تصدير صورة الخلافات العميقة مع نتنياهو.

 

دونالد ترامب:

 

محمد هلسة: في تقديري بأن الحديث الذي جرى عن أن إسرائيل فُوجئت بمسار المفاوضات الذي جرى كان مبالغًا فيه. صحيح أن نتنياهو استُدعي على عجل إلى البيت الأبيض وأُعلم بانطلاق المفاوضات بين الطرفين، لكن باعتقادي أن الولايات المتحدة لم تكن لتذهب إلى مثل هذا المسار دون التشاور مع إسرائيل.

وإذا ما تنبهت لاحقًا، مع انطلاق مسار المفاوضات، ظلت العلاقة قائمة بين الطرفين، والوفود تغدو وتروح بين الطرفين، التنسيق على أعلى درجاته. مع أن إسرائيل اتخذت منحىً محاولة التشويش على هذا المسار، أثبتت إسرائيل هذا الأمر أيضًا مع ما نقله الإعلام الأمريكي على لسان ترامب وأركان في الإدارة الأمريكية أن إسرائيل منشغلة بقضايا المفاوضات وقضايا الأسرى، وبأنها لا تنوي الذهاب إلى تصعيد مع الجبهة الإيرانية. ثم فُجئنا بهذا التصعيد الحاد وبهذا الموقف الحاد من الطرف الإسرائيلي.

 

محمد فرج: استخدمت الولايات المتحدة التناقض كجسر للخداع وتغطية لحظة الحرب. تصدير التناقضات كان يعمل على مستويين:

الأول هو التناقض بين الرغبة في التفاوض والتهديد بالحرب، والثاني تغيير سقوف المطالب الأمريكية أثناء جولات التفاوض لإظهار إيران كطرف غير متعاون، وبالتالي إدخال العملية التفاوضية في حالة من الاستعصاء، ومن ثم تبرير الحرب.

لو حللنا اليوم خط الزمن للمفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في جولاتها الخمس باتجاه السادسة المفترضة، نلاحظ منحىً من التصريحات والمطالب الأمريكية.

وصف الجولة الأولى بأنها بنّاءة. بعد الجولة الثانية، يقول ترامب إن نتنياهو لن يجر الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران، وأنه مستعد للقاء قائد الثورة السيد علي خامنئي. بعد الجولة الثالثة، أخذت التصريحات الأمريكية منحىً تصعيديًّا.

في الأول من مايو، حذّر ترامب من فرض عقوبات جديدة على الكيانات التي تشتري النفط أو البتروكيماويات من إيران. وبعدها تتوالى التصريحات الأمريكية بشأن هدف التفكيك الكامل لتخصيب اليورانيوم في إيران، ما يعني حتى التراجع عن الاتفاقات السابقة على القبول الأمريكي بسقف 3% بفاصل 6% للتخصيب.

أُجّلت الجولة الرابعة من المفاوضات وسط حالة من الغموض والتوتر وعدم اليقين. جاءت الجولة الرابعة في الحادي عشر من أيار. بعدها أعطت التصريحات الأمريكية دفعة جديدة من التوتر والغموض. وقال ترامب في القمة الخليجية الأمريكية إنه يريد اتفاقًا مع إيران، ولكنها بحسب تعبيره يجب أن توقف تبنيها للإرهاب.

بعد الجولة الخامسة التي انعقدت في الثالث والعشرين من أيار، بدأ خطاب التهدئة الأمريكي بهدف الخداع مع اقتراب لحظة الحرب. التشديد على الالتزام بالحل الدبلوماسي لملف البرنامج النووي الإيراني، والاستعداد للجولة السادسة من المفاوضات في الخامس عشر من حزيران، والتي كانت الحرب قد سبقتها.

مرّ منحى التفاوض بثلاث محطات: في الجولتين الأولى والثانية، إثارة مناخات إيجابية. وبعدهما، في الثالثة والرابعة، رفع منسوب التوتر وعدم اليقين. وبعد الخامسة، هبوط منحى التوتر لتمهيد الأرضية للحرب.

 

محمد هلسة: ربما أيضًا يكون مرد هذا الأمر أن الولايات المتحدة تعلم أنه لو وضعت سقفًا مرتفعًا لإيران في بداية المفاوضات، ما كانت إيران لتأتي إلى طاولة المفاوضات.

ولذلك بدأت بسقوف منخفضة، ثم صعدت من لهجتها ومن اشتراطاتها بعد أن جلبت إيران إلى طاولة المفاوضات. في ظني، هذا كان تكتيك، الهدف منه بشكل أو بآخر جر إيران إلى طاولة المفاوضات، وإيهامها بأن الولايات المتحدة قد تتعاطى إيجابًا مع الاشتراطات الإيرانية أو السقوف أو الرغبات الإيرانية. ثم صعدت الولايات المتحدة شروطها ولجأت إلى ما لجأت إليه.

 

مسعود أسعد اللهِي: عدة مرات يقولون: «نحن نقبل، مثلاً، بتخصيب اليورانيوم، مثلاً، بمستوى 5% الذي يكفي لمفاعل نووي في بوشهر لإنتاج الكهرباء». وكنا نعتبر هذا كخطوة أولى للمفاوضات وتوافق أكثر. لكن بعد يوم ويومين، الأمريكيون كانوا يقولون: «لا، أصلًا لن نقبل بأي تخصيب يورانيوم في إيران».

بينما الجولتان الخامسة والسادسة، أصبح شبه اليقين بأننا نحن ذاهبون إلى حرب. والطرف الذي كان يعد لجهوزية كاملة للرد على أي هجوم مفاجئ، الأمريكي قبل أربعة أيام من المرحلة السادسة قال: «بأننا نحن وافقنا مع الطرف الإيراني على إقامة جولة سادسة في عُمان يوم الأحد 15 حزيران».

عندما أعلن هذا الخبر، هذا كان خداعًا كبيرًا، لأن الطرف الإيراني أو بعض السلطات الإيرانية المعنية بالمفاوضات استنتجوا بأنه عندما يقبل الأمريكي بالمفاوضات للجولة السادسة، هذا معناه لن تكون أي هجمة قبل 15 حزيران.

لأنه ليس منطقيًّا أن الأمريكي يعلن رسميًّا بلسان الرئيس الأمريكي أنه يوم الأحد سوف تكون الجولة السادسة من المفاوضات، ويتم الهجوم على إيران قبل ذلك. لذلك هنا تم خداع إيران.

 

محمد فرج: بعد الساعة الثالثة والنصف ليلاً بتوقيت طهران، بدأت الأخبار العاجلة بالتواتر: حرب على إيران.

استهداف منشآت نووية ومواقع عسكرية ومنشآت لصواريخ الباليستية، محاولات اغتيال لقادة عسكريين، تأكيد استشهاد قائد حرس الثورة حسين سلامي، يتبعها تأكيد استشهاد قائد هيئة الأركان محمد باقري كني، واستشهاد علماء نوويين.

حالة من الارباك عمت المشهد، ولكن الاستنتاج الفوري الذي قفز إلى الأذهان هو أن هذه الحرب ليست حربًا على المنشآت النووية فقط. إنها الحرب على الدولة، بل هي الحرب على فكرة المقاومة في المنطقة.

 

مسعود أسعد اللهِي: بالمرحلة الأولى، كما أسلفت، شُنّ هجوم على المشروع النووي الإيراني. ولكن بالتزامن مع هذا الهجوم، كان هناك هدف آخر: ضرب المشروع العسكري الإيراني الصاروخي، صناعة المسيرات، قيادات عسكرية، ومراكز القيادة العسكرية. كلها كانت مستهدفة في اليوم الأول وفي الساعات الأولى. ولذلك، هذان كانا هدفين متزامنين في المرحلة الأولى.

المرحلة الثانية التي لم يُعلن عنها في البداية كان موضوع تغيير النظام. الإسرائيلي كان يريد من هذا الهجوم ضرب وقتل قيادات كبرى بالمستوى السياسي والعسكري والعلمي. لم يكن يرضى فقط بالعسكري والنووي.

هدف آخر في المرحلة الثالثة، الذي لم يبلّغه حتى الطرف الإسرائيلي لأي معارض إيراني.

والهدف الرئيسي والنهائي كان ضرب إيران كبلد وتجزئة إيران، ونهاية وجود لبلد باسم إيران وتجزئة إيران. ولذلك، هذا كان الحدث الأصلي والرئيسي والخطير. ولكن هذا الحدث الثالث كان يحتاج إلى المرحلة الأولى والثانية.

 

محمد هلسة: عنصر المباغتة كان مهمًّا جدًّا أيضًا في الداخل الإسرائيلي، حتى يأتي المجتمع الإسرائيلي على حين غرة، فلا يتعاطى، فلا يرسم ردود منسقة منظمة فيما يتعلق بالموقف من هذه الحرب. وربما تابعتم كيف أن حتى أقطابًا في داخل المعارضة الإسرائيلية أخذتهم نشوة الضربات الأولى في إيران، تساوقوا مع أهدافها. كانت هناك حالة إجماع في المجتمع الإسرائيلي، سواء على المستوى المجتمعي أو حتى على مستوى النظام السياسي بشقيه: الائتلاف والمعارضة.

لذلك، هذه خدمت الضربة المفاجئة، خدمت نتنياهو في أكثر من صعيد: خدمته في إطار خصمه الذي قاتله في إطار إيران – إنها ربما لم تشعر بأن نتنياهو يخطط، وبالتالي أخذت احتياطاتها – وأيضًا خدمته في إطار علاقته بالداخل الإسرائيلي مع خصومه ومع المجتمع الإسرائيلي.

 

محمد فرج: في دراسة للويس ريمي منشورة في مركز بيغن-السادات في حزيران 2024، أي تقريبًا قبل عام من الحرب، يقول هذا الكاتب: «إن الفوائد التي قد تترتب على اغتيال زعماء أعداء من شأنها أن تحافظ على الدولة، ولا تنتظر حتى يصبح الخطر فوريًّا وساحقًا». يستند هذا الكاتب حتى إلى التوراة لتبرير هذه الجرائم.

في كل الأحوال، سياسة الاغتيالات الإسرائيلية فشلت في إيران على محورين:

الأول: عدم القدرة على استنزاف الخزان البشري الإيراني من البدائل الأكفاء.

والثاني: فشل عدد من محاولات الاغتيال للقادة السياسيين الإيرانيين. ولو تحركنا بالزمن قليلاً بعد اليوم الأول، واحدة من هذه المحاولات الفاشلة استهدفت الرئيس الإيراني ورئيس مجلس الشورى ورئيس السلطة القضائية.

 

مسعود أسعد اللهِي: العناية الإلهية. الاستهداف في المرحلة لم يصل إلى نتيجة، لأنهم استطاعوا بسبب إجراءات حماية أن يُعرض الموقع لخسائر مادية، ولكن الإسرائيلي بسبب التنصت عرف بأن الهجوم الأول لم يكن موفقًا، فقام بهجوم ثاني بعد ساعة و58 دقيقة بنفس المكان.

الشعب الإيراني، الكثير من الناس بشكل تطوعي، هرعوا إلى المكان حتى يسعفوا نجاة المسؤولين ويسحبونهم من تحت الأنقاض. ولكن قُتل واستُشهد عدد كبير من المواطنين الإيرانيين. ولكن نحن نحمد الله أنه بقيت كل السلطات، كل المقامات، بسلامة كاملة، رغم تأسفنا على استشهاد مواطنين عاديين.

 

محمد فرج: السيد الخامنئي هو قائد الثورة الإسلامية في إيران، شهد محطات تاريخية حساسة في المنطقة، وكانت له أدوار حاسمة في مواجهة مشاريع الهيمنة الأمريكية. هو أيضًا رمز إسلامي وروحي ممتد خارج الجغرافيا الإيرانية. خلال الحرب، رشحت تصريحات أمريكية عن منع واشنطن خطة إسرائيلية كانت تستهدفه.

ما مدى جدية ذلك؟ وما إمكانات تحققه أصلًا؟

 

سكوت ريتر:

 

محمد هلسة: إذًا، هي جزء من الحرب النفسية التي خاضتها إسرائيل. لكن في تقديري أيضًا، إسرائيل تعلم بأن هذا جزء من الخطوط الحمر التي ما كان لها أن تذهب إليه. حتى لو فاخرت بأنها بالإمكان أن تذهب إليه، حتى لو هددت بأنها تريد أن تصل إلى هذا الهدف، هي كانت تعلم بأن هذا سيكسر كل الخطوط الحمر لدى إيران ولدى عالم عربي وإسلامي، حتى خارج دائرة المذهب الشيعي، لأن الرجل له احترامه وتقديره ومكانته في العالم الإسلامي بشكل كامل.

وبالتالي، المساس به كان يمكن أن يفتح على إسرائيل أبوابًا لم تكن بوارد أن تفتحها على نفسها. ولذلك، هي استخدمته مجرد أداة في إطار الحرب النفسية التي شنتها على خصمها وعلى المجتمع الإيراني، وفي إطار أيضًا محاولة رفع الروح المعنوية للمجتمع الإسرائيلي وإشعاره بأن إسرائيل قادرة أن تصل إلى من تريد، حتى لو كان بمكانة القيادة الروحية للمجتمع الإيراني بشكل عام.

 

مسعود أسعد اللهِي: عندما شاهدوا دور سماحة السيد القائد في إنهاض وإعطاء معنويات عالية للشعب الإيراني وإدارة الحرب – ليس فقط تعيين ضباط جدد، بل سماحة السيد القائد كان يدير الحرب من غرفة العمليات شخصيًّا – عندما شاهدوا هذا، ذهبوا لموضوع استهدافه شخصيًّا.

ولكن لأنه لم تُعطَ لهم فرصة للمباغتة مجددًا، الحمد لله، لم يستطيعوا أن يستهدفوا سماحة السيد القائد. ولكن لو كانت أُعطيت لهم فرصة، لقاموا بهذا العمل الشنيع، لأنهم عرفوا دوره الشخصي، سماحة السيد القائد، لخروج إيران من الصدمة الأولى.

ولذلك، عمليًّا، هم كانوا يريدون بعد الصدمة الأولى أن يستهدفوا سماحة السيد القائد، ولكن لم يستطيعوا، والحمد لله.

 

فاصل:

 

فيديو:

 

محمد فرج: منذ طوفان الأقصى، شاهدنا اتكاءً إسرائيليًّا على الهجوم المستند إلى عمليات استخبارية، ابتداءً من البايجر في لبنان وصولاً إلى إطلاق مسيرات من داخل الأراضي الإيرانية. هذا يدل على أن العتاد الضخم لإسرائيل ومعها الولايات المتحدة غير كافٍ في المواجهة.

نشر موقع "درون لايف" تحليلًا بعنوان: "الغزو الصامت: كيف تسللت المسيرات الإسرائيلية إلى إيران؟".

يقول فيها: "نصبت إسرائيل شبكة معقدة من المسيرات داخل الأراضي الإيرانية، وفي ذلك تشابه في التكتيك مع هجوم المسيرات الأوكرانية من داخل الأراضي الروسية الذي حدث في الشهر نفسه بالمناسبة".

كيف حدث ذلك؟ وما تداعياته؟ وما هي الحلول في مواجهة هذا النوع من الحروب؟

 

مسعود أسعد اللهِي: مجموعة متنوعة جدًّا استخدمها الطرف الإسرائيلي، درّبهم وجّهزهم مع المسيرات الصغيرة. وهذه المسيرات كانت مجهزة بمكان دخول شريحة هواتف ذكية. هذه الشريحة موجودة، وهي شريحة عادية بيد كل إيراني يستطيع أن يشتري لهاتفه الذكي. ولذلك، هم استخدموا هذه الشرائح في هذه المسيرات الصغيرة "كواد كوبتر".

بمجرد تفعيل هذه الشريحة، كانت تعمل على الإنترنت، المسيرة وكانت تتصل بمركز القيادة في إسرائيل.

ولذلك، من كان يطلق هذه "الكواد كوبتر" هو لم يكن الذي يوجهها إلى الهدف، بل على العكس، هو كان يطلقه ويفرّ. وكان المقر القيادي في إسرائيل يوجه هذه "الكواد كوبتر" إلى الشقق السكنية للأساتذة الجامعيين والعلماء النوويين، قيادات عسكرية، هم كانوا في بيوتهم وشققهم.

ولذلك، المفاجأة كانت هذه.

 

سكوت ريتر:

 

محمد هلسة: ربما كانت تراهن إسرائيل على مردود أكبر، لكن مساحة إيران الشاسعة جدًّا مقارنة بمساحة فلسطين المحتلة، امتداد البُنى التحتية والأمنية والعسكرية الإيرانية والمدنية على مساحة شاسعة جدًّا من الأرض يضع إسرائيل في معضلة.

ولكنها أرادت أن تستثمر فكرة مقدرتها على العمل من داخل الأراضي الإيرانية. مجرد فكرة أن إسرائيل تستطيع أن تحرك بعض أدواتها من الداخل – تقنيًّا أو على مستوى القدرات البشرية من داخل إيران – هذا سُوّق في الداخل الإسرائيلي على أنه إنجاز.

إيران أيضًا، بالتوازي، ما قبل الحرب وأثناء الحرب، كشفت عن مقدرة عالية جدًّا على اختراق المجتمع الإسرائيلي، وعلى الوصول إلى تجنيد بعض الإسرائيليين للتجسس. وما كشفت عنه وسمحت الرقابة العسكرية بالكشف عنه هو ربما يكون رأس الجبل الجليدي فيما فعلته إيران بالتوازي مع ما فعلته إسرائيل.

إذا، إيران ردت بالمثل، استطاعت أن تخترق العمق الإسرائيلي، وأن تصل إلى الإنسان الإسرائيلي من زاوية المادة، ومن زاوية المكاتب المادية، واستطاعت أن تجند الكثير من الإسرائيليين ومن شرائح مختلفة، وفي أكثر من جغرافيا في الداخل الفلسطيني المحتل.

 

مسعود أسعد اللهِي: حاليًّا تبيّن بأن هناك مشاركة على هذا النحو من أصحاب سوابق وأشخاص آخرين لأسباب مختلفة. ولكن أيضًا في موضوع اختراق أمني وسياسي داخل إيران، ولا أحد ينكر هذا. لا يمكن لأي شخص بسيط، عميل بسيط، أن يعرف تفاصيل كثيرة من حياة السلطات ومكان سكنهم، وفي أي قاعة، وفي أي مكان هؤلاء متواجدون.

ولذلك، حاليًّا هناك جهود كبيرة لكشف خيوط هذه الاختراقات، وحصلت اعتقالات. ولكن حتى الآن، السلطة الأمنية فضّلت عدم البوح بأي خبر أو بأي اسم حتى تتوصل التحقيقات إلى نتائج نهائية إن شاء الله.

 

محمد فرج: نجحت قوات الأمن الإيرانية في تطويق الحالة المفاجئة من داخل الأراضي الإيرانية، ولربما كانت هناك أولوية قصوى في تحييد هذا العامل. قدمت الحرب صورة لقوات الباسيج التي أسهمت في مطاردة العملاء، وشعور الناس بدور الحماية الذي تلعبه هذه القوة، بعد أن حاول الإعلام الغربي لسنوات تصدير صورتها كأداة قمع للناس.

 

فيديو:

 

محمد فرج: شعب كالأسد يقوم، وكالليث يشرئب، لا ينام حتى يأكُل فريسته، ومن دم ضحاياه يشرب. من السيوف الحديدية وعربات جدعون في غزة إلى الأسد الصاعد في إيران، هكذا تنبش إسرائيل العهد القديم لتسمية حروبها.

ومع أن عددًا من الترجمات ذهب في بداية الحرب إلى عنوان "شعب كالأسد"، لا "الأسد الصاعد"، إلا أن الهدف واحد والدلالة نفسها:

أولًا: البحث الإسرائيلي الخائب عن هوية جامعة لمجتمع استيطاني مفكك.

ثانيًا: ترجمة أيديولوجية لهدف سياسي عنوانه تغيير الشرق الأوسط.

ثالثًا: استفزاز الموروث الثقافي لإيران والدلالة التاريخية للأسد فيها.

 

محمد هلسة: لا تناقض ما بين الاثنين: "الأسد الصاعد" أو "شعب كالأسد". هما جملتان مأخوذتان من آية من سفر العدد من التوراة.

الاستدعاء، كما تعلم، استدعاء الأسماء المختلفة في كل عمليات إسرائيل له دلالته، سواء كانت الدلالة الجغرافية أو الدلالة المادية النفسية أو الدلالة التوراتية.

إسرائيل تريد أن تسقط هالة من القداسة، أن تصبغ هالة من القداسة على فعلها، وأن تخلق في المخيلة الجمعية الإسرائيلية تبريرًا لهذا الفعل الذي تقوم به، وترفع الروح المعنوية للمجتمع الإسرائيلي، لأن الجبهة الداخلية الإسرائيلية مهمة جدًّا في تضامنها وترابطها وتماسكها في مثل هذه الحرب، مهم جدًّا لاستمرار أو مقدرة القيادة السياسية والعسكرية على استمرار مثل هذه الحرب.

 

مسعود أسعد اللهِي: بالنسبة لنا، هذا اسم على غير مسمى. استغربنا هذا الاسم. أولًا، رمز إيران دائمًا في العلم، إيران سابقًا أو في المواقع العسكرية لإيران، دائمًا الأسد أو رأس الأسد هو دلالة على الثقافة الإيرانية والمعمارية الإيرانية.

تُمّت مباغتة إيران في هذا الهجوم في الساعات الأولى. ولكن بعد ذلك، إيران نهضت وردّت على العدوان.

إذا أردنا أن نقيّم 12 يومًا من الحرب، الثلث الأول من الحرب – أربعة أيام الأولى – كانت اليد العليا للإسرائيلي. ولكن في الثلثين الباقيين، كانت اليد العليا لإيران. وإيران يومًا بعد يوم صعدت كثيرًا، والأسد الإيراني كان فاعلًا يومًا بعد يوم، وصل إلى أمر أن الإسرائيلي نتنياهو تواصل مع ترامب وطلب وقف إطلاق النار.

وأنا أعتقد أن الاسم الصحيح بالنسبة للطرف الإسرائيلي: أعتقد "الضبع الغادر الحقير"، هذا هو الاسم المناسب للطرف الإسرائيلي.

 

سكوت ريتر:

 

محمد فرج: يقول شلومو ساند في كتابه "اختراع أرض إسرائيل": «بودي أن أتتبع في هذا البحث أشكال اختراع أرض إسرائيل كحيز إقليمي متغير خاضع لسيطرة الشعب اليهودي الذي اخترع هو أيضًا كجزء من التركيب الأيديولوجي».

ليس من الحكمة في شيء أن يقوم رئيس حكومة لكيان احتلالي بهذا التشكل التاريخي بتوجيه أي نوع من الرسائل للشعب الإيراني عريق الحضارة. ولكنه فعل. فماذا كانت النتيجة؟

 

محمد هلسة: الحرب الدعائية التي شنها نتنياهو تتوازى مع هذه الضربة في محاولة لإحداث ارباك داخلي يقود إلى حالة من الفوضى والبلبلة، وربما خروج المجتمع الإيراني لمحاولة الانقلاب على النظام.

هذا رهان إسرائيلي، لطالما حاولت إسرائيل اللعب على وتره في كل محطات علاقتها مع العرب. في غزة، كما تذكر، سبق وشنت حرب بروباغندا كبيرة، حاولت أن تألب الحاضنة الشعبية على المقاومة، حاولت أن تدفع باتجاه انقلاب الغزيين على المقاومة.

هذا الرهان سقط منذ الأيام الأولى، كما قلنا، حينما استعادت إيران عافيتها واستعادت المبادرة، وشنت أيضًا ضربات صاروخية قاسية جدًّا على الداخل الإسرائيلي. سقطت مثل هذه الرواية منذ اللحظات الأولى، ولم يعد أحد في الداخل الإسرائيلي يتحدث عن إمكان أن تحدث فوضى في إيران أو أن ينقلب الشعب الإيراني. على العكس.

 

مسعود أسعد اللهِي: هنا، عندما تبيّن من طبيعة الهجوم أن الهدف ليس المشروع النووي فحسب، بل هو ضرب إيران كبلد، قسم من المعارضة الإيرانية التي تقيم خارج إيران، تقيم في بلدان غربية، هم أيضًا تنبهوا إلى هذا الخطر، وأخذوا موقفًا لصالح النظام في إيران.

ولدينا شواهد كثيرة وأمثلة كثيرة. هؤلاء تواصلوا مع أقربائهم في إيران، الذين كانوا هم دائمًا يشجعون هؤلاء المعارضين خارج إيران، يشجعون أقرباءهم لنشاطات ضد النظام. هذه المرة، هم تواصلوا مع أقربائهم في إيران وشجعوهم على وقوفهم مع النظام. كانوا يقولون: «إيران في خطر، وبقاء النظام هو بقاء إيران».

 

فيديو:

 

محمد فرج: متى يبدأ الرد الإيراني على العدوان؟

لم يكن ذلك سؤالًا استفهاميًّا بقدر ما كان يعبّر عن نار الانتظار التي أشعلت مشاعر شعوب المنطقة، لا مشاعر الشعب الإيراني فقط.

استوعبت إيران الصدمة، امتصّت تبعات المفاجأة، وأنهت مهزلة دعوات ضبط النفس المؤقتة إسرائيليًّا، وبدأت ردّها في مساء اليوم نفسه، في الثالث عشر من حزيران.

كان الرد اختبارًا تاريخيًّا لفرضية وفكرة: هل تمتلك النار البعيدة أجنحة كافية لإيلام تل أبيب؟

كان بيان حرس الثورة إجابة كافية عن فرضية عسكرية معقدة: «نفّذنا ردًّا ساحقًا ودقيقًا على عشرات الأهداف والمراكز العسكرية والقواعد الجوية».

 

مسعود أسعد اللهِي: الهجوم، كما قلت، كان هجومًا قويًّا وكبيرًا، لأنه 150 صاروخًا وعدد كبير من المسيرات، واستمر بهذا الشكل. ولكن إيران كانت دائمًا تستهدف المواقع العسكرية والأمنية والسياسية، ولكن لم تكن تستهدف الأهداف المدنية.

المشكلة كانت أن المواقع العسكرية والأمنية والسياسية في إسرائيل منتشرة بين الأحياء المدنية. وبالرغم من أن صواريخ إيران كانت دقيقة جدًّا باعتراف الإسرائيلي، ولكن بسبب قدرتها التدميرية، عندما كانت إيران تستهدف موقعًا عسكريًّا أو أمنيًّا، كانت تسبب دمارًا في محيطها.

ولكن إيران لم تستهدف مباشرة أي موقع مدني. وحاليًّا، الإسرائيليون يعترفون، يقولون نحن كنا نعرف إن إيران قوة صاروخية، ولكن في هذه الحرب اكتشفنا أن صواريخ إيران أدق مما كنا نتصور، أسرع مما كنا نتصور، وأشد تدميرًا مما كنا نتصور.

ولذلك، لأن إسرائيل من حيث المساحة صغيرة جدًّا، لا يمكن الفصل بين هذه الأهداف.

 

سكوت ريتر:

 

محمد هلسة: بدأت تتكشف فصول لم يكن يسمع بها المجتمع الإسرائيلي، وبدأ ينكشف ظهر المستوطن الإسرائيلي وظهر إسرائيل ككل. أن تتمكن إيران من اختراق المنظومة الدفاعية، وأن تصيب أهدافًا حيوية عسكرية، وأن تحدث كل هذا الأذى، هذا بالتأكيد يترك الداخل الإسرائيلي مكشوفًا، ولا تفيده كل منظومته الجوية والمنظومة الدفاعية التي تأتي أيضًا بمعونة الولايات المتحدة والغرب وربما العرب.

ولذلك، هذا أحدث أثرًا كبيرًا جدًّا في نفسية المستوطن الإسرائيلي. وحينما يرى الدمار ماثلًا أمامه بالمستوطنات التي طالتها الصواريخ الإيرانية، يدرك بأنه ليس الصواريخ كافية لحمايته، وإنه بحاجة إلى أن يصل إلى ترتيب وتسوية تمنع استمرار إيذائه.

 

محمد فرج: اللغة وحدها تكفي لتحليل السياسة الأمريكية في التعامل البراغماتي مع لحظة الحرب. قبل رصد نتائج العدوان الإسرائيلي والتأكد منه، سارعت واشنطن إلى التأكيد على عدم تدخلها أو انخراطها، وأن إسرائيل قامت بتحرك منفرد، وأن الأولوية القصوى للولايات المتحدة هي حماية القوات الأمريكية في المنطقة.

وإن الولايات المتحدة ما زالت مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات.

ولكن بعد أن راهنت على نجاح العدوان الإسرائيلي، اختلفت اللغة، وقال ترامب: «إن الهجمات المقبلة ستكون أشرس، وإن الهجوم الإسرائيلي ممتاز، وإن واشنطن كانت على علم بالهجوم، وإن العدوان الإسرائيلي قد يساعد ترامب في التوصل إلى اتفاق».

ساعات فصلت بين لغتين ولهجتين وبرتين، وكأن واشنطن قد استعجلت النتائج ولم تدرس جيدًا الصبر الإيراني.

 

سكوت ريتر:

 

محمد هلسة: النار الإيرانية طالت كل الجغرافيا الفلسطينية المحتلة، كل المجتمع الاستيطاني. في حين حافظت نسبة عالية جدًّا من شرائح المجتمع الإسرائيلي على أنها خارج دائرة النار.

في المواجهة التي جرت مع حزب الله ومع القطاع ومع الضفة الغربية، النار الإيرانية أدخلت كل المجتمع الإسرائيلي تحت وطأتها وتحت تأثيرها.

ولذلك، لم يكن بمقدور إسرائيل أن تذهب إلى حرب طويلة وبذات السقوف التي بدأت بها. هذه الحرب، تغيرت سقوف الأهداف الإسرائيلية، تغيرت النبرة الإسرائيلية، وبالتأكيد تغيرت المقاربة الإسرائيلية.

 

مسعود أسعد اللهِي: السبب الرئيسي لخروج إيران من الصدمة في المرحلة الأولى، السبب الرئيسي هو دور سماحة السيد القائد، آية الله العظمى الإمام الخامنئي، الذي هو قائد الثورة، وبنفس الوقت هو قائد القوات المسلحة في إيران.

في البداية، الشعب الإيراني كان يخشى على سماحته إن تعرض لعملية اغتيال. ولكن خلال ساعات قليلة، أرسل رسالة تلفزيونية للشعب الإيراني. وكلامه كان متفاوتًا عن كلام التلفزيون الرسمي الإيراني. التلفزيون الرسمي الإيراني أعلن حدادًا عامًّا على موضوع القيادات الإيرانية، ووضع شريطًا أسود على الشاشة، كل البرامج كانت برامج عزاء.

ولكن سماحة السيد القائد في الرسالة الأولى لم يقرأ آية الاسترجاع: «إنا لله وإنا إليه راجعون». لا، لم يقرأ هذه الآية، بل تحدث عن موضوع الحرب، بأن هذه الحرب حرب مفروضة وفُرضت على إيران، ونحن نرد بكل قوة على هذا العدوان، ونجعل الإسرائيلي يندم على هذه الخطيئة.

هنا، هذه الرسالة لوحدها كان لها أثر هائل على نفسية الشعب الإيراني. خلال أقل من عشر ساعات، خرجنا من الصدمة.

 

محمد فرج: خابت رهانات اللحظة الخاطفة، وخطفتها استعادة المبادرة الإيرانية من المشهد. لم تبدِ إيران الحرب، ولكنها بدأت رسم المسار الذي يقود إلى نهايتها بطريقتها وشروطها.