الطريق إلى الحرب
بعد أن كان الرهان على تفكيك المجتمع الإيراني وإسقاط النظام، جاء الرد مُخيبًا للرهان الإسرائيلي، فقد وقف الشعب الإيراني موحَّدًا، وانتفضت الهوية، والتفّ الجميع حول العلم.. كان الرهان خطة كاملة، أساسها عنصر المفاجأة، استوعبت إيران اللحظة، ونهضت... كان الرهان سلاحاً على القادة والعلماء، قرار جريء و سريع أنتج البديل.. دبلوماسيون وخبراء يناقشون خفايا الحرب الإسرائيلية على إيران... في سلسلة توثيقية وتحليلية شاملة تفكك المشهد وتفضح الرهان الخائب.
نص الحلقة
محمد فرج: قد تبدأ الحرب في لحظة خاطفة، لكن الطريق إليها لا يُبنى فجأة. شروط الحرب وظروفها تنمو مع الزمن، ترتفع احتمالاتها أكثر عندما يتعاظم الاستعصاء ويتأكّد فشل الإخضاع.
لماذا كان السؤال عن السبب الحقيقي للحرب مُلحًّا إلى هذا الحدّ؟
يعود ذلك ببساطةٍ إلى أن البرنامج النووي الإيراني واعتباره خطرًا لم يكونا ذريعة مُقنعة للحرب، حتى مع كل جهود تضليل الرأي العام والتواطؤ مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية.
لنلقي نظرة على عددٍ من استطلاعات الرأي قبل الحرب وبعدها.
في استطلاع مركز شيكاغو للشؤون العالمية في نيسان 2025، 80% من الأمريكيين يؤيّدون المسار الدبلوماسي مع إيران، وإن كان مع استمرار فرض العقوبات. 60% ضدّ إرسال قوات تشارك في الهجوم على المُنشآت النووية.
في استطلاع رويترز/إبسوس في حزيران 2025، 79% من الأمريكيين قلقون من ردٍّ إيراني على العدوان الأمريكي، 74% قلقون من توسّع الصراع.
نتأمّل في سكّة الطريق إلى الحرب في أسبابها المُعلنة والخفيّة، برفقة الأساتذة: يسري أبو شادي من مصر، كبير مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقًا؛ هادي محمدي، الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية في إيران؛ مايكل سبرينغمان، الدبلوماسي الأمريكي السابق؛ أنطوان شلحت، الخبير في الشؤون الإسرائيلية من فلسطين المحتلّة.
محمد فرج: لتأكيد فرضية أن العنوان النووي كان ستارًا دخانيًّا لتبرير الحرب بأهداف أوسع، لا بدّ من قراءة مُتأنية للتعامُل الإيراني مع المتطلّبات الدولية بشأن برنامج طهران النووي.
وكيف تعاملت الوكالة الدولية للطاقة الذرّية معها؟
يسري أبو شادي: إيران كانت ما زالت الدولة الأكثر خضوعًا للتفتيش على مستوى العالم كله: أكبر عدد من التفتيشات، وأكبر عدد من الأيام التي قضاها المفتّشون، وأكبر عدد من المفتّشين الذين زاروا إيران.
سنة 2015، عندما تحدّث الغرب، ولا سيما الترويكا الأوروبية – إنكلترا وفرنسا وألمانيا – مع الولايات المتحدة، تحدّثوا عن إمكانية التفاهم مع إيران. والحقيقة، إيران أبدت مرونة واضحة في عدّة مواضيع، لدرجة أنها تجاوزت بعض خطوطها الحمر، ووافقت على إلغاء أيّ تخصيب يتجاوز 3 فاصل 6 من عشرة بالمئة، وحتى وافقت على أن اليورانيوم المُخصّب بنسبة 20% أن تتخلّص منه أو تخلطه بيورانيوم طبيعي حتى تخفّض مستوى التخصيب.
مايكل سبرينغمان:
يسري أبو شادي: فجأة، في 31 مايو هذه السنة، أصدرت تقريرًا غريبًا يتناقض مع التقارير القديمة. دائمًا كانت الوكالة تترك نقطة أو نقطتين ضدّ إيران، لكن هذا التقرير، لغة مدير الوكالة كانت مختلفة تمامًا. اللغة الحقيقية عدوانية إلى أقصى حدّ، كأنه يقول: «أنا وجدت المُجسيمات الصغيرة هذه، ووصلتني أخبار». وهذا لم يكن يذكره في التقرير، بل بالنقاش مع الإيرانيين وغيرهم.
مخابرات إسرائيلية، وإسرائيل دولة غير موقّعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وليس لديها الحق أن تقدّم هذه المعلومات للوكالة، والوكالة تأخذ بها. بالإضافة طبعًا للمخابرات الأمريكية. وتعرف إسرائيل وأمريكا مثل بعض، فأخذ هذه المعلومات هذه وتحدّث بها. واحتجّت إيران احتجاجًا كبيرًا على أنه يأخذ معلومات من إسرائيل.
محمد فرج: إذا لم يكن البرنامج النووي هو أساس الحرب، فما هو إذًا؟
يعود العداء الإسرائيلي الأمريكي لإيران إلى تلك اللحظة بالذات: لحظة الثورة الإسلامية في إيران. ببساطة لأنها نزعت من أيديهم الحليف الأكبر في المنطقة وقتها: الشاه محمد رضا بهلوي. إيران الجديدة لا تتّفق مع فكرة الهيمنة الأمريكية ولا الاحتلال الإسرائيلي.
يكتب السفير الأمريكي السابق في إيران الذي شهد ليلة الثورة، وليام سوليفان: «استلمت مكالمة هاتفية من سفير إسرائيل، الذي كان مختفيًا مع موظّفي سفارته منذ أن استولت مجموعة من الفدائيين على مبنى السفارة الإسرائيلية وقدّمتها هدية إلى منظّمة التحرير الفلسطينية».
أنطوان شلحت: برأيي، السبب الأساسي أولًا أن إيران الحالية، إيران ما بعد الثورة الإسلامية هي النقيض التام لإيران ما قبل الثورة، لإيران الشاه.
إذا أردنا أن نستعيد التاريخ، إيران الشاه كانت تمثّل ذروة ما يسمّى بدول الطوق الثاني المتحالفة مع إسرائيل. مؤسّس دولة الاحتلال، ديفيد بن غوريون، أيضًا هوجِس بصورة إقامة تحالفات مع ما يسمّى بدول الطوق الثاني – أي ليس دول المواجهة – وفي طليعة هذه الدول كانت إيران، لأنه كان يريد أن يستفيد من هذا التحالف مع هذه الدول التي أسمها دول الطوق الثاني من أجل مواجهة دول الطوق الأول.
سقوط نظام الشاه كان حدثًا مفصليًّا مهمًّا جدًّا في تاريخ السياسة الإسرائيلية، خصوصًا وأن سقوطه لم يؤد إلى نشوء نظام قريب منه سياسيًّا وأمنيًّا، إنما أدّى إلى نشوء نظام ثوري يتطلّع ليس فقط إلى استقلال إيران وإلى تعزيز دورها الإقليمي، إنما يتعاطى مع القضية الفلسطينية ويعتبرها قضيّته الأولى.
هادي محمدي:
محمد فرج: يعود السفير الأمريكي الذي شهد الثورة عام 1979 مجدّدًا في مذكّراته ليقول: «الطريقة العقيمة التي تعالج بها إدارة كارتر القضايا السياسية الحسّاسة والشائكة استمرّت كما هي من دون تغيير. وطموحات بريجنسكي الضالّة لم تتوقف عند حدود معقولة، =والعجز المُشين عن فَهْم طبيعة أحداث إيران فَهْمًا عقلانيًّا سليمًا لم يطرأ عليه تغيير أو تحسّن». فهل فَهِمَ الرؤساء الأمريكيون اللاحقون إيران بطريقةٍ عقلانية وسليمة؟
فيديو:
محمد فرج: لم تكن العقلانية حاضرة في خطابات الرؤساء الأمريكيين تجاه إيران. قد يكون هناك بعض الكلمات العابرة بعد الشيخوخة والتقاعد من المنصب، التي لا تستطيع إعادة التاريخ إلى الوراء.
فقد كان الدعم المطلق لإسرائيل سياسة أمريكية ثابتة.
أنطوان شلحت: العلاقات الإسرائيلية الأمريكية التي توصَف بأنها علاقات خاصة لها =طابع استراتيجي ثابت، ولها طابع متحوّل، لكنه لا يطاول التفاهًمات الاستراتيجية.
الآن، في ما يتعلق بإيران، أنا أعتقد أن السياسة الأمريكية ما زالت متماهية – يمكن ليس بشكلٍ مُطلق، ولكن لا شكّ أنها بشكل شبه مُطلق – مع السياسة الإسرائيلية في ما يتعلق بإيران.
=ربما الفترة الشاذّة أو الاستثنائية الوحيدة كانت فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، قرّر في ولايته الأولى أن ينسحب ولو تكتيكيًّا من منطقة الشرق الأوسط، وأن يوجّه جلّ اهتمامه إلى منطقة آسيا.
محمد فرج: منذ انتصار الثورة، في كل عقد تتصدّى إيران لخطر كبير من الولايات المتحدة وإسرائيل.
في العقد الأول، كانت محاولة إجهاض الثورة في مهدها عبر تحريك حرب كبيرة ضدّها.
في العقد الثاني، وبعد سقوط المعسكر الشرقي وولادة نظام أحادي قُطبي في العالم، تصدّت إيران لخطط تصفية القضية الفلسطينية.
في العَقْد الثالث، واجهت إيران الاحتلال الأمريكي على حدودها في العراق وأفغانستان.
في العَقْد الرابع، تصدّت للتنظيمات التكفيرية المدعومة من الغرب التي حاولت القضاء على العراق وسوريا ولبنان.
في هذا العَقْد، كان التصدّي الخامس: التصدّي للحرب الأمريكية الإسرائيلية المباشرة.
مايكل سبرينغمان:
هادي محمدي:
محمد فرج: في السنوات الأخيرة قبل لحظة الحرب، كثّفت إسرائيل من حروب الظلّ ضدّ إيران. تضمّن ذلك اغتيال العلماء النوويين، ومن ذلك استشهاد محسن فخري زادة سنة 2020، وتحريك العمليات الإرهابية والتخريبية داخل إيران، ومن ذلك أيضًا عملية تخريبية في منشأة نطنز 2021، والهجمات السيبرانية ضدّ منشآت نووية أو منشآت طاقة، وكذلك الاضطرابات في البحار.
عدد من الدراسات توقّع أن حرب الظلّ لن تبقى في الخفاء طويلًا. وعن ذلك تقول دراسة نشرها "أتلانتك كانسل" بعنوان: «حرب الظلّ الإسرائيلية مع إيران قد تتحوّل إلى علنية».
عندما وقّعت إيران والقوى الدولية اتفاق خطّة العمل المشتركة عام 2015، كانت إسرائيل من ضمن أطراف قليلة رفضت الاتفاق، مُتذرّعة بعدم إمكانية الاتفاق احتواء المنافس النووي.
بعد انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، صعّدت إسرائيل من حروب الظلّ ضدّ إيران لتعطيل الشحن والتقدّم النووي الإيراني.
لماذا لجأت إسرائيل إلى حروب الظلّ فترة طويلة؟ ولماذا قرّرت التحوّل عنها باتجاه الحرب العلنية؟
ما طبيعة الدعم الأمريكي في حروب الظلّ؟ وماذا كانت طبيعة الردّ الإيراني على هذا النوع من الحروب؟
أنطوان شلحت: إسرائيل كانت تتطلّع طوال الوقت إلى أن تقوم بمواجهة مباشرة مع إيران. ولكن – ومعروف من الأسرار المفضوحة – أن نتنياهو في إحدى حكوماته، عندما كان إيهود باراك وزير دفاع، كان يحاول أن يتّخذ قرارًا بالمجلس الوزاري الإسرائيلي المُصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) بشنّ عمليات عسكرية إسرائيلية على إيران، حتى من دون الحصول على ضوء أخضر أمريكي.
ولكن المؤسّسة الأمنية هي مَن عارضت مثل هذا الهجوم. ومعروف أن أكثر مَن كان يعارض مثل هذا الهجوم هو رئيس جهاز الموساد السابق، مئير داغان، الذي على ما يبدو قام بتسريب حتى مثل هذا القرار القاضي بشنّ حربٍ على إيران إلى وسائل الإعلام الأجنبية، لكي يتمّ الضغط على إسرائيل من أجل عدم شنّ الحرب.
ما نلاحظه في الآونة الأخيرة، منذ طوفان الأقصى، أن هناك اندماجًا بين المؤسّسة الأمنية والمؤسّسة السياسية، وأن قادة المنظومة الأمنية هم ربما أشبه بالروبوتات الذين تتحكّم بهم المؤسّسة السياسية عن بُعد.
مايكل سبرينغمان:
هادي محمدي:
فاصل:
محمد فرج: على امتداد سنوات قبل الحرب، كان ينمو تطويق مُتبادل بين محور المقاومة وإسرائيل.
حاول محور المقاومة ضرب طوق أول في المقاومة الفلسطينية ولبنان وسوريا، وطوق ثاني في العراق واليمن وإيران.
حاولت إسرائيل تطويق المحور ومركزه إيران باتفاقات إبراهام التطبيعية، والتحرّك على حدود إيران في كردستان العراق وأذربيجان.
كلما كانت مرحلة التطويق المُتبادل تشتدّ أو تتغيّر، كلما كنا نقترب أكثر من لحظة الحرب.
أنطوان شلحت: أعتقد – هذا ربما اعتقاد قد يكون فيه قَدْر من الجانب الشخصي – أن ما شجّع إسرائيل على أن تقوم بهذه الحرب المباشرة، وعلى أن تعتقد بأنها يمكن أن تطوّق إيران أكثر فأكثر، هو آخر التطوّرات التي حدثت في سوريا.
ما يتبيّن من التقارير الإسرائيلية ومن بعض التسريبات أن المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية قبل 2024، التي كانت تعتبر أن إسرائيل لا يمكنها أن تشنّ حربًا مباشرة على إيران حتى لو حصلت على دعمٍ مباشرٍ من الولايات المتحدة، هو أن طائراتها لا يمكن أن تحلّق فوق الأجواء السورية في طريقها إلى الأراضي الإيرانية، لأن سوريا في عهد النظام السابق كانت تمتلك منظومات دفاع جوّي متطوّرة، وبالتأكيد عند تحليق هذه الطائرات في الأجواء السورية سيتمّ استخدام هذه المنظومات الجوية، وقد تعترض سبيل أغلب الطائرات التي ستتوجّه من أجل شنّ غارات على إيران.
ما تمّ تسريبه أيضًا بشأن هذه الحرب الإيرانية الأولى التي خاضتها إسرائيل هو أنه تمّ الطيران فوق الأجواء السورية، وتمّ استخدام الكثير من المعدّات التي كانت في بعض المواقع أو القواعد التي تمتلكها إسرائيل في جمهورية من نوع جمهورية أذربيجان.
ولكن أنا أعتقد أن المُستجدّ السوري ربما هو المُستجدّ الأبرز الذي شجّع المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية على أن يكون هناك توافق بينها وبين المؤسّسة السياسية على إمكان أن تشنّ إسرائيل حربًا مباشرة أولى على إيران.
مايكل سبرينغمان:
هادي محمدي:
فيديو:
محمد فرج: بعد انطلاق طوفان الأقصى بتوقيت فلسطيني خالص، فُتِحَت جبهات الإسناد من لبنان واليمن والعراق. حين ذاك، إسرائيل لم تكفّ عن استفزاز إيران لجرّ الولايات المتحدة لحربٍ شاملةٍ ضدّها.
استجلبت جرائمها في استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال المناضل إسماعيل هنية في طهران عمليتين إيرانيتين كبيرتين: «الوعد الصادق 1» و«الوعد الصادق 2».
الحرب الشاملة والمستمرة ضدّ محور المقاومة – بما في ذلك إيران طبعًا – وبالانخراط الأمريكي الكامل، كان هو الهدف الإسرائيلي.
رافائيل كوهين، المدير في مؤسّسة راند البحثية، شجّع ضمنيًّا خيار الحرب هذه على إيران. وفي دراسته المنشورة بعنوان: «سنة سيّئة جدًّا لإيران» في أكتوبر عام 2024 – أي بعد عملية الوعد الصادق 2 – يعتبر فيها أن حماس جرى القضاء عليها، وأن حزب الله ضعف كثيرًا، وإن إسرائيل باتت تتحدّث بشكلٍ مفتوح عن تغيير النظام في إيران، وأن على إيران أن تنكفئ وتفكّر في القتال في يوم آخر.
ما هي طبيعة التفاعل التي حدث بين السابع من أكتوبر ولحظة الحرب على إيران؟
أنطوان شلحت: منذ أن تمّت عملية طوفان الأقصى، جرى فتح جبهات أخرى: جبهات إسناد. وجبهات الإسناد هذه كانت من طرف قوى تُعتبر في السردية الإسرائيلية قوى تابعة لإيران، وجرى إلحاق أذى كبيراً بالداخل الإسرائيلي، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الأمني.
أنا دائمًا أحبّ أن أكرّر أنه، مثلاً، في الحرب التي دارت بين إسرائيل وحزب الله في منطقة الحدود مع لبنان، لأول مرة تمكّنت المقاومة في لبنان من أن تؤدّي إلى نشوء حزام أمني في داخل الأراضي التي تعتبرها إسرائيل ضمن سيادتها في المنطقة الشمالية، حيث تمّ إجلاء مئات الآلاف من السكان الإسرائيليين من هذه المناطق، وهم لم يعودوا إليها حتى الآن، لأنه أيضًا هذه المناطق تعرّضت إلى تدمير كبير بسبب الصواريخ التي كانت تطلقها المقاومة من لبنان.
كذلك، لا يمكن الاستهانة بما ألحقه هجوم الحوثيين – الهجوم البحري. حتى الآن، طبعًا، لا يُنْشَر عن ذلك على نطاق واسع. حتى الآن، الميناء الرئيسي لإسرائيل في منطقة الجنوب، وهو ميناء إيلات، ما زال مُعطّلًا، ولهذا الكثير من التبعات الاقتصادية. والتبعيات الاقتصادية هي تبعات مهمّة على مستوى الحرب التي خِيْضت بعد هجوم طوفان الأقصى.
وبعد هجوم طوفان الأقصى، تبنّت السردية الإسرائيلية الخطاب الذي يقول إن هذا الهجوم تمّ بدعمٍ وتأييدٍ من قِبَل إيران، وأنه عندما يتمّ حصر تبعات هجوم طوفان الأقصى، يجب أن توجّه إسرائيل جلّ جهودها لكي تحاول أن تصل إلى مَن تصفها بأنها «رأس الأخطبوط».
هادي محمدي:
أنطوان شلحت: من الواضح أن إسرائيل، بسبب الخُذلان الذي كانت تواجهه في جبهة قطاع غزّة وأيضًا في الجبهة الشمالية، كانت تحاول طوال الوقت أن تقنع الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة جو بايدن بأن تشنّ عمليات ضدّ إيران، لأنه – بشنّ عمليات ضدّ إيران – يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تهرب إلى الأمام من فشلها الذريع في صدّ الهجوم الذي تعرّضت له بعد طوفان الأقصى، وبالأضرار التي لحقت بها نتيجة الحرب مع حزب الله في منطقة الشمال.
مايكل سبرينغمان:
محمد فرج: هذا التعليق كان للضابِط السابق في البحرية الأمريكية سكوت ريتر، وكان قبل الحرب على إيران بشهور.
ولكن لماذا لم تتلقَ إسرائيل والولايات المتحدة رسائل الردع في الوعد الصادق 1 و2، فكان الوعد الصادق ثلاثة؟
سكوت ريتر:
هادي محمدي:
محمد فرج: في الفترة التي سبقت الثالث عشر من حزيران عام 2025، ثمّة محطات أظهرت النيّة الإسرائيلية للحرب. ولو بحثنا في التصريحات والإجراءات، لتلمّسنا عددًا من الدلالات.
في التصريحات: إسرائيل كاتس يقول في آب 2024: «هجوميًّا، يجب أن تتحرّك إسرائيل، ويجب أن تنفّذ جميع الخطوات بحزمٍ وسرعة».
نفتالي بينت، بعد الوعد الصادق 2، على حسابه في موقع إكس، يقول: «إسرائيل الآن لديها أثمن فرصة منذ 50 عامًا لتغيير شكل الشرق الأوسط».
نتنياهو، في الثامن والعشرين من نيسان 2025، يدعو إلى تفكيك كامل البرنامج النووي الإيراني.
بنيامين نتنياهو:
محمد فرج: على مستوى الإجراءات، كانت هناك مناورات للتدريب على الحروب البعيدة التي أجرتها إسرائيل، وقد بدأ ذلك منذ المناورات التي سمّتها «ما وراء الأفق» عام 2022 في قبرص.
طبعًا، يجب ألا نبالغ في مدى استقلالية العمل الإسرائيلي في هذه المناورات. نتذكّر جميعًا كيف وصف الإسرائيليون في عدوانهم على إيران في أكتوبر عام 2024 العمل العسكري وكأنه معجزة: عدد كبير من الطائرات تزوّد بالوقود في الجو، وغير ذلك الكثير.
كل ذلك كان لتنفيذ هجوم محدود. ولكنها خلال الحرب هذه لم تأتِ على ذِكر أيّ شكل من أشكال هذه التعقيدات. وهذا إن دلّ على شيء، فهو أن واشنطن هي التي ذلّلت عناء بُعد المسافة على إسرائيل.
في كل الأحوال، بعدما كانت التصريحات والإجراءات دلالة على الحرب، كيف قرأت إيران هذه التصريحات والمناورات؟ حينئذٍ، وأين موقع واشنطن منها؟
هادي محمدي:
مايكل سبرينغمان:
محمد فرج: في الأعوام الخمسة السابقة للحرب، تعمّقت العلاقات الاستراتيجية لإيران على نحو أكبر مع كلٍّ من روسيا والصين.
اتفاق تعاون استراتيجي لمدة 25 عامًا وُقّع مع الصين في آذار 2021، ومعاهدة شراكة استراتيجية شاملة وُقّعت مع روسيا في كانون الثاني 2025.
الاتفاقيات طالت قطاعات كثيرة: الطاقة، الدفاع، مواجهة الإرهاب، التعاون العسكري، القطاعات المالية، التكنولوجيا، وغيرها.
لكنها لا تتضمّن بندًا بالدفاع المشترك. في كل الأحوال، إسرائيل معنية بتوقيت لحظة الحرب بما يسبق حال نُضج أكبر لهذه الاتفاقيات.
تقول دراسة في مركز الأمن القومي الإسرائيلي تناقش العلاقات الاستراتيجية الصينية الإيرانية: «العلاقة بين الحكومتين في الصين وإيران، تحديدًا في قطاع الطاقة والأمن، ومبادرة الحزام والطريق، والرؤى المشتركة لنظامٍ دولي جديدٍ يتراجع فيه تأثير الولايات المتحدة، تمثل تحدّيًا لإسرائيل».
هادي محمدي:
محمد فرج: خريطة الطريق إلى الحرب طويلة ومُتشعّبة، وكانت الرغبة الإسرائيلية والأمريكية فيها تتعمّق مع كل تصدٍ ناجح لإيران.
قرّرت في النهاية الدخول فيها من بوابة العنوان النووي.
طهران، وكأنها استشعرت النيّات المُخبّأة، فأفرجت عن جزء يسير من وثائق سرّية حصلت عليها عن البرنامج النووي الإسرائيلي، لتسبق العالم في رَسْم الرواية الحقيقية.
يسري أبو شادي: إيران قالت قبل الضربة بأيام قليلة، وعبر رئيس مخابراتها نحن حصلنا على كنزٍ من الوثائق السرّية الإسرائيلية.
ولاحقًا قالوا نحن وصلنا في هذه المعلومات إلى التعاون الوثيق بين مدير الوكالة – ولم تقل الوكالة، بل مدير الوكالة – وإسرائيل، وأن مدير الوكالة شخصيًّا نقل معلومات عن بعض المنشآت النووية الإيرانية التي من غير المفروض أن يبوح بها إلى إسرائيل.
وهذا ما أدهش مدير الوكالة وقتها، لأنه بدأ يظهر أن هناك أمرًا غريبًا، وهو لم ينكر صحّة هذه المعلومات.
لكن إيران قالت إن مدير الوكالة أفشى أسرارًا فنية وسياسية، وإيران تقدّمت باتّهام رسمي في مجلس الأمن ضدّ مدير الوكالة هذا، وهو لم يقدّم تبريرًا قويًّا. كلامه أنه ينقل معلومات. أولًا، نقلت معلومات ليس فقط عن المنشآت النووية المفروض أن لا تُنقل، لكن عن العلماء الإيرانيين الذين كانوا يتعاملون معهم. قدّم معلومات بمُنتهى الغرابة على تحليل العيّنات، بعضها كان يقول إن تحليل العيّنات لم يكن بشكلٍ قانوني.
محمد فرج: لا تحتاج إسرائيل إلى كثير من الذرائع كي تبدأ حربًا. دفعتها غريزتها إلى الرهان على لحظة خاطفة. حمل المستقبل بذور فشلها.