"الأزرق" الأردنية ضمن أفضل القرى السياحية في العالم.. لماذا؟
"الميادين نت" يروي حكاية بلدة الأزرق الأردنية المصنفة حديثاً من قبل منظمة الأمم المتحدة للسياحة ضمن أفضل القرى السياحية في العالم، ويميط اللثام عن معالمها السياحية والأثرية والتراثية الضاربة في القِدم، بالإضافة إلى جمالياتها الصحراوية والطبيعية الفريدة.
-
كانت البلدة محل اهتمام الدولة الأردنية بسبب وجود معالم أثرية وتاريخية وبيئية (غرافيك: ندين بدر الدين)
بلدة أردنية وادعة، تجمع بين الأصالة والتراث والسياحة وتمازُج الصحراء والحجارة البركانية السوداء، مع الواحات والمحميات الطبيعية الوارفة، وقد تعجب أن بلدة الأزرق في الصحراء الأردنية الشرقية هي موطن بحيرات و"سبخات" الملح الطبيعي أيضاً، ولذا، تعتبر المنطقة الوحيدة في الأردن الــتي تتوفر فيها مادة الملح الطبيعي والمستخرج من المياه المالحة.
تقع الأزرق في شمال شرق الأردن، على بعد نحو 120 كيلومتراً عن العاصمة عمّان و90 كيلومتراً عن الزرقاء مركز المحافظة، وتمتاز بمنطقة بازلتية تشكلت بفعل البراكين القديمة.
البلدة الجميلة تقع في "منخفض الأزرق" الذي كان يشكّل بحيرة في قلب الصحراء تكوّنت من تدفق مياه الأمطار وتركزها في هذا المنخفض ما جعل المنطقة تتميز منذ القدم بمصادر المياه والتنوع الحيواني فيها ، بالإضافة إلى الغطاء النباتي البري ووجود الأحجار البازلتية الزرقاء.
وترفل البلدة بأهلها وسِمتها اليانعة التي حوّلت الصحراء إلى واحاتٍ خضراء، فانتشرت عشرات المزارع النموذجية في قلب الصحراء، على تخوم المثلث التجاري الدولي الواصل بين العراق و الخليج العربي.
وبسبب وجود معالم أثرية وتاريخية وجمالية، كانت محل اهتمام الدولة الأردنية بوزاراتها ومؤسساتها على مدى عقود من تطوّر المملكة، ومنذ أيام أعلنت منظمة الأمم المتحدة للسياحة عن اختيار قرية الأزرق الشمالي ضمن أفضل القرى السياحية في العالم لعام 2025، وذلك في إطار المبادرة العالمية للقرى السياحية بدورتها الخامسة، بعد أن حققت القرية جميع المعايير والمتطلبات المعتمدة من المنظمة.
وبعد الإعلان عن "عالمية الأزرق"، زار رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان المنطقة، و "وجّه لتطوير المخطط الشمولي للمنطقة والإسراع في تنفيذه، وربط المواقع السياحية والبيئية بالمحمية المائية ومحمية الشومري، بما يسهم في إعادة وضع الأزرق على الخارطة السياحية، خصوصاً بعد أن أعلنت منظمة الأمم المتحدة للسياحة عن اختيار قرية الأزرق الشمالي ضمن أفضل القرى السياحية في العالم لعام 2025".
من جهته، قال وزير السياحة والآثار الدكتور عماد حجازين، إن اختيار قرية الأزرق الشمالي ضمن أفضل القرى السياحية في العالم لعام 2025، يمثّل إنجازاً وطنياً يعكس مكانة الأردن الريادية في مجال السياحة المستدامة، ويؤكد نجاح الجهود المبذولة في تطوير القرى السياحية وتمكين المجتمعات المحلية.
النائب السابق وأمين عام حزب "العون" الأردني المحامي فيصل الأعور، الذي وضع نصب عينيه التنمية ورفد المشاريع وتعزيز الطاقات لدى الشباب والسهر على تلبية متطلبات "الأزرق الكبيرة" كما يسميها،، قال عبر صفحته: "الازرق الكبيرة بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها، هذا مقامك على الدوام لم يتبدل، وما ظهر دولياً ندركه محلياً فأنتِ في أعيننا جمال الكون وصبا الحاضر وكرامة التاريخ في داخلك شعوب الوطن وفي باطنك خيرات الارض".
الأزرق موطن لاكتشافات أثرية فريدة
الميادين نت سلّط الضوء على هذا التصنيف العالمي عبر مدير مدير آثارها و نائب رئيس بلدية الأزرق الجديدة الناشطة وسام طلال أسعيد الذي أوضح أن البلدة "متفوقة على أكثر من 256 قرية من مختلف دول العالم في دورتها الخامسة، وقد استحقت الازرق هذا التتويج بجدارة لما تمتلكه من قيمة تاريخية وطبيعية وثقافية استثنائية فريدة فهي موطن لاكتشافات أثرية فريدة و نادرة تعود إلى مايزيد عن 250 ألف عام".
و أضاف "دلّت الحفريات الأثرية في واحاتها على العثور على أدوات صوانية تحمل بقايا لحيوانات عاشت فيها وانقرضت كوحيد القرن وعظام للاسود والماموث، كما تم العثور في الازرق على أقدم هيكل عظمي في الأردن يعود الى 20 الف عام وتُعد الأزرق ملتقى للطرق تجارية عبر العصور والتي تربط الجزيرة العربية بالشام.
الحصون والقلاع
نائب رئيس البلدية الجديدة التي دأب رئيسها والأعضاء فيها على تلبية متطلبات السياحة والبيئية، أكد أن "الأزرق هي أكبر القلاع في المنطقة الشرقية الاردنية وسميت بإسمها "قلعة الأزرق" والتي شهدت على أحداث تاريخية وتعاقبت عليها حضارات متعددة، بدءاً من الحضارة الرومانية مروراً بالإسلامية حتى تاريخ الأردن الحديث، فكانت إحدى قواعد "الجيش العربي" في "الثورة العربية العربية الكبرى" عام 1917".
وإذّ أشار إلى "قصر عمرة" المسجّل على قائمة التراث العالمي 1985، فهو يحوي على فنون ورسومات جدارية أموية فريدة تعود الى القرن الثامن الميلادي".
قلعة الأزرق: كتل متعادلة من الحجارة البازلتية
وهناك قلعة الأزرق الشهيرة، وهي إحدى القلاع التاريخية في الأردن تقع في وسط واحة الأزرق، وقد شيّدت أساساً لتكون حصناً للأنباط ومن ثم الرومان، ثم أعاد المماليك بناءها مرة أخرى في القرن الثالث عشر للميلاد.
ولعل أهم ما يلفت النظر في قلعة الأزرق من الناحية المعمارية الطريقة التي سقفت بها الغرف والقاعات بواسطة كتل متعادلة من الحجارة البازلتية والتي تتركز على الجدران الجانبية وعقد متوسط أو أكثر حسب الغرفة المراد تغطيتها.
تتألف من 3 طوابق ما زال منها طابقان ظاهران للعيان، وتحتوي على عدة أبراج، وعدة مداخل، ومسجد، وغرف، وبئرٌ للماء وساحــة كبيرة، وسجـن ٌ، وإسطبـلات، وأدراج، ونوافــد، وطاقــات ٍ، وممرات ٌ، وأقواسٌ، وأبواب حجرية هذه الأبواب تزن بين 1 طن و 2 طن، ويقع الأول في المدخل الرئيسي ويقع الثاني في المدخل الغربي من القلعة.
و يقام في القلعة المهيبة "مهرجان الأزرق الدولي"، منذ 1993، كما يبرز في البلدة "مشروع الأزرق التنموي السياحي" الذي أُنشئ عام 2008 في مركز واحة الأزرق، ويهدف إلى إنعاش المنطقة وجذب الزوار إليها من خلال الاستفادة من مواقعها السياحية.
وهناك أيضاً، "قصر الحرانة" و هو أحد أهم المعالم التاريخية في الأردن، وهو قصر أموي يقع في الصحراء الأردنية على محاذاة الطريق الدولي المتجه إلى الأزرق وعلى بعد 65 كم شرق عمان ويرتفع 659م عن سطح البحر.
سميّ بقصر الحرانة كونه يقع في وادي الحرانة حيث تتناثر على سطحه آلاف الحجارة الصوانية فوق وجه الأرض والتي يطلق عليها اسم الحرة.
الحريشة للميادين نت: "الأزرق المائية" نظام بيئي متكامل
كما و تزخر الازرق بتنوّع بيئي فريد حيث تحتوي على 3 محميات طبيعية هي"الأزرق المائية" وهي نظام بيئي متكامل و تعد موطن السمك السرحاني وهو نوع مستوطن فيها ونادر، وتعتبر من اهم محطات الطيور المهاجرة بين قارتي اوروبا وافريقيا.
المشرف على محمية الأزرق المائية حازم الحريشة كشف لـ الميادين نت إن المحمية هي "من أهم المواقع البيئية في الأردن، وأُنشئت عام 1978 في قلب واحة الأزرق شرق المملكة وتعد أول منطقة أراضي رطبة تدرج ضمن اتفاقية رامسار الدولية. وهي تُدار من قبل الجمعية الملكية لحماية الطبيعة.
وقال إن المحمية "تمتد على مساحة نحو 74 كم² وتُشكّل موئلاً حيوياً للطيور المهاجرة والمستوطنة، إذ سُجل فيها أكثر من 350 نوعاً. وهي تتميز بأهميتها البيئية والتاريخية كونها واحة مائية فريدة في الصحراء ومحطة قديمة للقوافل التجارية".
الحريشة أوضح للميادين نت أن "الجمعية تعمل من خلالها على تنفيذ برامج متعددة تشمل مراقبة الطيور، وتأهيل الموائل المائية، والسياحة البيئية، وتمكين المجتمع المحلي، وهذا ما يجعلها نموذجاً ناجحاً للتكامل بين حماية الطبيعة والتنمية المستدامة في المنطقة.
وتحتوي المحمية على "السمك السرحاني" الذي يعد النوع الوحيد الفقاري المستوطن في الواحة. ويوجد فيها أصناف من التنوع البيولوجي النباتي والحيواني حيث سجّل فيها 11 نوعاً من الزواحف وأكثر من 140 نوعاً نباتياً و 163 نوعاً من اللافقاريات و81 نوعاًً من الطحالب و18 صنفاً من الثدييات...الخ.
محمية الشومري: أول نموذج للمحميات الطبيعية الصحراوية
وكانت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة قد بدات عام 1975 بإنشاء سياج حول منطقة الشومري تمهيداً لإنشاء أول محمية لحماية الحياة الطبيعية في الأردن، حيث تبلغ مساحة المحمية 21 كم2،و تمثل المحمية أول نموذج للمحميات الطبيعية في المناطق ذات المناخات الصحراوية الجافة في البلاد. حيث شكلّت المعرفة الأساسية حول المنهجيات العلمية في تأسيس المحميات .
المحمية التي يشرف عليها عبيدة الحريشة، تتكون من اثنين من المعالم الجغرافية الأساسية: الأودية الصحراوية و أراضي الحماد.
وتشكّل الأودية الصحراوية 60٪ من المساحة الكلية للمحمية، وأكثر هذه الأودية شهرة هو وادي الشومري، وهو الذي ينسب إليه اسم المحمية. وأراضي الحماد تحتل ما تبقى من المحمية وتشكّل 35٪، وتغطي الأرض طبقة من الصوان الأسود.
View this post on Instagram
تأسست المحمية لحماية التنوّع الحيوي الغنيّ للموقع،وحتى الآن فقد تم تسجيل ما يزيد عن 193 نوع نباتي في المحمية أكثرها شيوعاً هي القيصوم، الشيح، البابونج، الشنان، الرتم والحرمل.
كما تمّ تسجيل 6 أنواع من المفترسات في المحمية تشمل الثعلب الأحمر، ابن آوي، الذئب، الضبع المخطط، الوشق والقط البري.
أما بالنسبة للطيور التي تمّ مشاهدتها في المحمية فتشمل العقاب، الباز والرخمة المصرية.
يختم نائب رئيس البلدية الازرق بقوله إن "على جمعيات ومبادرات سياحية محلية أن تُسهم في تنمية السياحة التراثية وتعزز السياحة التجريبية. والإنجاز العالمي اليوم يضعنا أمام تحديات في الاستمرار بالعمل على تحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية وتوفير فرص العمل للمجتمع المحلي والوصول الى تحقيق التنمية المستدامة، كما و يجعلنا أمام مسؤولية كبيرة و مشتركة للحفاظ على هذا الإرث الحضاري والتاريخي والبيئي وتعزيز التنمية المستدامة لمجتمعها المحلي".
اقرأ أيضاً: كالمرّيخ!... أي سر تخفيه صحراء"وادي رم" الأردنية؟
وتجدر الإشارة إلى أن القرى المرشحة ضمن مبادرة منظمة الأمم المتحدة للسياحة، لتقييم شامل يستند إلى مجموعة من المجالات والشروط والمتطلبات التي تجسّد معايير التنمية السياحية المستدامة، حيث استوفت الأزرق جميع هذه الشروط، ما أهلّها لتكون ضمن أفضل القرى السياحية في العالم لعام 2025.