مفاجأة في مدينة "عاليه" اللبنانية التي لامست الغيوم!

"من يملك التاريخ، يملك المستقبل، وما هو غير ممكن اليوم ممكن غداً"، شعار يتغنّى رئيس بلدية عاليه وجدي مراد به، لا بل يضعه شعاراً لعمله اليومي، وها هو قرار فرض غرامات على من يرمي النفايات يشغل الرأي العامّ في لبنان ويعتبر خطوة رائدة في المجال البيئي.

  • عاليه مدينة لبنانية فوق السحاب
    عاليه مدينة لبنانية فوق السحاب (غرافيك: اسماعيل آغا)

غرامة  100 دولار لمن يرمي النفايات على الطرقات في مدينة لبنانية عريقة!

عبارة سرقت الأضواء عبر وسائل التواصل في لبنان، فالبلد يشهد أزمات متتالية، وخارج من عدوان إسرائيلي سافر، لم تنتهِ فصوله بعد، بسبب الخروقات البرية  والجوية والبحرية، التي تصل إلى قلب الضاحية الجنوبية لبيروت.

ومن هناك، وعلى كتف الضاحية نفسها، تقع مدينة عاليه الضاربة في القدم، ولأنّ بلديّتها من أعرق وأنشط بلديات لبنان، كان القرار البيئي الحضاري بفرض غرامات على كلّ مَن يرمي النفايات.

لاقت الحملة ردود فعل مشجّعة ومرحّبة، وإن كان البعض "لا يستسيغ" هكذا تدابير،  في ظلّ الظروف الاقتصادية والمعيشية والأمنية في هذا البلد.

"ريّس" نشط: من يملك التاريخ، يملك المستقبل

خلف كلّ بلدية رئيس نشط ودينامكي، وقبل كل شيء "شغّيل" كما يحلو للبنانيين توصيفه، فمنذ تولّيه مسؤولية البلدية عام 1998، شهدت المدينة وقراها نهضة وارفة، رغم كلّ شيء فالأمل أقوى من الألم، لدى اللبنانيين.

 "من يملك التاريخ، يملك المستقبل، وما هو غير ممكن اليوم ممكن غداً"، كلام يتغنّى رئيس بلدية عاليه وجدي مراد به، لا بل يضعه شعاراً لعمله اليومي.

وبفضل جهوده، انتسبت مدينة عاليه إلى الاتحاد العالمي للمدن المتحدة أواخر العام 2000 وانتخب مراد عضواً أصيلاً في المكتب التنفيذي للاتحاد في أيار/مايو 2001، كذلك رشّحتها منظمة الأونيسكو لأن تكون "مدينة السلام".

وتحوّلت عاليه على يده إلى ورشة عمل تحلَّق حولها كلّ أبناء المدينة الجامعين لقوس قزح لبنان باتجاهاتهم السياسية المتعدّدة.

واليوم تبدو خطوة بلدية عاليه، متقدّمة وحضارية تستحقّ أن تُعمّم على مختلف المناطق اللبنانية.

تدابير عملية مع كاميرات 

الميادين نت واكب هذا القرار الذي يعكس وعياً بيئيّاً ومسؤولية تجاه النظافة العامّة،  وهنا يقول مراد، "كنّا نحذّر دوماً من هذا الأمر ونقوم بتنظيف الطرقات، إلّا أنّ هذه الممارسات استمرّت. ولذلك قرّرنا القيام بهذه الخطوة".

وفي سياق المباشرة بالحملة عملياً، أوضح مراد: "ثبّتنا كاميرات ونحن نقوم بالتواصل مع من يقومون برمي النفايات كي يدفعوا محاضر الضبط"، مضيفاً أنَّه في حال كانت السيارة لأشخاص من خارج المنطقة فإنّ الضبط يُسجّل على لوحتها.

 
 
 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Aley Municipality (@aleymunicipality)


وفي إشارة إلى أنّ الغرامات المالية قد تكون السبيل الوحيد لتعديل هذه السلوكيات، يرى أنّ هذه الأموال تقوّي صندوق البلدية، وتبلغ قيمة محضر الضبط 8 ملايين و900 ألف ليرة، أي ما يُعادل 100 دولار أميركي.

"الريّس" (كما يحلو للناس تسميته) المخضرم في العمل الإنمائي والبلدي، يصرّح أنّ "هذا الإجراء ليس سوى البداية، فـ"طلوع السلم درجة درجة، وهذه الخطة هي المرحلة الأولى من عملية أوسع. فقد بدأت البلدية بتنظيف الطرقات، وزادت عدد عمال النظافة".

ويقول: "ما يبعث على الأمل هو أنّنا نرى نتيجة كبيرة، وهناك تفاعل كبير من قبل أهل المنطقة وبدأت الفكرة بالانتشار ولاقت ترحيباً".

عروس المصايف اللبنانية

ترفل مدينة عاليه بمعالم جمالية طبيعية تراثية فهي وجهة سياحية ساحرة في لبنان، تشتهر بجمالها الطبيعي، وتراثها الثقافي، وموقعها المميّز على جبل لبنان. تُعرف باسم "عروس المصايف" للياليها الصيفية الرائعة، وتقدّم تجربة سياحية فريدة تجمع بين الترفيه والثقافة والجمال الطبيعي. 

و كلمة "عاليه" مشتقة من الآرامية - عالية - وتعني "مكان مرتفع" ، في إشارة إلى ارتفاع المدينة فوق مستوى سطح البحر (من 600 م إلى 950 م).

  • صورة أرشيفية تجمع رئيس البلدية وجدي مراد والفنان عارف الريس مع تجسيد لـ
    صورة أرشيفية تجمع رئيس البلدية وجدي مراد والفنان عارف الريس مع تجسيد لـ "سمبوزيوم عاليه"(صفحة عاليه)

تتميّز عاليه بوجود الجبال الشاهقة، والأشجار الخضراء، والمناظر الطبيعية التي تجذب السياح. 

سكة القطار أحيت المنطقة

وهذا الارتفاع الشاهق هو ما يساهم في شهرتها حتى يومنا هذا، هواء نقي، صحي ومنعش، مناظر خلّابة للمدينة والبحار والنجوم.

في القرن السابع عشر ، زار لبنان العديد من الأطباء الفرنسيين والأميركيين ، وأقاموا في عاليه. لذلك أُخذوا بنقاء الجو وبيئة الرفاهية، وانتعاش الجسم والعقل، ونصحوا بأنه يوفّر ملاذاً ممتازاً لتحسين الصحة والحفاظ عليها. 

حتى نهاية القرن التاسع عشر، كانت عاليه قرية جبلية صغيرة ولكنها مهمة بشكل ملحوظ، ولكن عندما تمّ بناء خط السكة الحديدية الذي يربط بيروت بدمشق في عام 1892، اكتسبت شهرة واكتسبت حياة جديدة. 

  • القطار في عاليه
    تاريخ القطار في عاليه (من صفحة عاليه)

وفّرت السكك الحديدية للمقيمين في بيروت وسائل نقل سهلة إلى الجبال ، وهذا جعل عاليه وجهة شعبية لقضاء أشهر الصيف والتمتّع بمناخ لطيف ومناظر بانورامية لبيروت وجبل صنين.

اكتسبت عاليه مكانة بارزة عند اكتمال خط سكة حديد بيروت-دمشق في منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر. وقد وفرّت السكة الحديدية لسكان بيروت وسائل نقل سهلة إلى الجبال، ما جعل عاليه وجهة شهيرة لقضاء أشهر الصيف والاستمتاع بمناخها اللطيف.

اشتهرت عاليه باسم "عروس الصيف" - "عروسة المصايف" - فسمعتها معروفة في الداخل والخارج.

النزهة متعدّدة في عاليه

النزهة في مدينة عاليه تختلف عن غيرها في المناطق اللبنانية، كونها تجمع عناصر ترفيهية وثقافية وفنية، إضافة إلى خدمات سياحية جمّة، كالمطاعم والمقاهي والفنادق الموزّعة على مختلف مناطقها.

في عاليه تستمتع بزيارة حدائقها ومعالمها التاريخية، كما أنك لن تفلح بالإفلات من لقمة مطاعمها اللذيذة، التي في استطاعتك أن تختتمها بجلسة مريحة تدخّن خلالها النرجيلة أو ترتشف فنجان قهوة بحبّ الهال، أو  "قرعة المتة" المشهورة فيها، وذلك على صوت زقزقة العصافير وهبّات النسيم العليل.

  • من أبنية المدينة التراثية
    من أبنية المدينة التراثية

وبعد انتهاء الحرب الأليمة في لبنان في عام 2001، بدأت بلدية عاليه بتجديد منطقة وسط المدينة، وخاصة سوقها التاريخي، وسرعان ما أحيت المدينة دورها في السياحة اللبنانية.

السياحة والمناخ الجاذب

عاليه وجهة سياحية رئيسية في لبنان والشرق الأوسط. موقعها ومناخها جعلاها وجهة مثالية للتسوّق وتناول الطعام، وخاصةً للأثرياء العرب من دول الخليج، أصبحت هذه المدينة السياحية، مع تزايد عدد السيّاح والزوّار فيها، المنتجع الأكثر ازدهاراً في جبل لبنان.

  • سوق عاليه التراثي
    سوق عاليه التراثي

 و"سوق عاليه" شارع تاريخي طويل نسبياً تصطف على جانبيه أشجار النخيل، ويضمّ العديد من المنازل الحجرية ذات الأسقف الحمراء المقامة على الجانب الشرقي منه، بينما يحتل الجانب الغربي منه العديد من مقاهي الشارع والمطاعم الخارجية وحانات السهر. بالإضافة إلى ذلك، تنتشر عشرات متاجر التحف والبوتيكات على طول الشارع، الذي يُشكّل قلب عاليه.

كما تضمّ ​​عاليه كازينو شهير والعديد من المسابح العامّة مثل "بيسين عاليه" و"كونتري كلوب" و"هيريتدج". كما تضمّ ​​العديد من الفنادق . ويوجد في عاليه أيضاً مراكز تسوّق مثل مركز عاليه و"مول عاليه" والعديد من المطاعم اللبنانية والعالمية.

  • صورة من متحف فيصل إرسلان
    صورة من متحف فيصل إرسلان

علاوة على ذلك، يُعدّ شارع بالاكين (التراس) نقطة مراقبة رائعة تُتيح رؤية جزء كبير من المدينة، وصولاً إلى شكل مثلّث لبيروت والبحر الأبيض المتوسط، صعوداً يساراً إلى قمة جبل صنين التي يبلغ ارتفاعها 2600 متر. منظر بانورامي نادر الوجود في أيّ مكان في العالم.

وغالباً ما يرى الزائر نفسه فوق السحاب!، بمعنى أنّ السحب المنخفضة والضباب يغطيان المناطق المنخفضة، فيشعر وكأنه فوقها.

وتستضيف المدينة أيضاً 3 ندوات فنية في حيَي بيسين ورأس الجبل. تضمّ هذه الندوات منحوتات فنية أنجزها في مطلع القرن عدد كبير من الفنانين اللبنانيين والعالميين تحت مسمّى "سمبوزيوم عاليه" الشهير، ما أضاف سحراً ثقافياً  على جمال عاليه.

  • نحت
    من "السمبوزيوم": الموسيقار الراحل وديع الصافي

وتحفل عاليه بالفنانين والمثقّفين وروّاد الأدب والعلم، ونذكر هنا "بيكاسو الشرق" الفنان عارف الريّس الذي كان رسّاماً ونحّاتاً ومفكّراً، وأدّى دوراً مهماً في تاريخ الفن اللبناني الحديث. وتعكس أعماله التي تظهر فيها أشكال مجردة معتقداته حول أهمية التناغم بين الإنسان والوقت والكون.

بيئياً، تشتهر عاليه بوجود مركز التعرف على الحياة البرية، الذي يضم حيوانات برية لبنانية، ويزوره طلاب المدارس التي ترغب بتعريف تلاميذها على الحياة البرية في باحة منزل مؤسسيه حيث كانت أقفاص الحيوانات موضوعة في الحديقة، وكان الدكتور منير أبو سعيد يعطي المحاضرات في داخل منزله لتعريف التلاميذ على أهمية الحفاظ على الحياة البرية.

  • حيوانات مركز التعرف على الحياة البرية
    حيوانات مركز التعرف على الحياة البرية

وتابع نشاطه على هذا المنوال حتى قامت بلدية عاليه بتأمين قطعة أرض في منطقة رأس الجبل بمساعدة كندية، فأنشأ المقر الرسمي للمركز.

 

اخترنا لك