"فورين بوليسي": "إسرائيل" تدبّر انهياراً اقتصادياً في الضفة الغربية
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تشرح في تقرير واقع البطالة والأزمة الاقتصادية التي يخلقها الاحتلال الإسرائيلي ما قبل الحرب على غزة وخلالها منذ نحو عامين، في الضفة الغربية.
-
"فورين بوليسي": "إسرائيل" تدبّر انهياراً اقتصادياً في الضفة الغربية
ارتفعت معدّلات البطالة بشكل حادّ لتتجاوز 30% في الضفة الغربية، وذلك وفقاً لآخر بيانات جُمعت في أيلول/سبتمبر 2024، لتقترب من أعلى مستوى لها على الإطلاق.
ويأتي ذلك نتيجة القيود الاقتصادية التي فرضتها "إسرائيل" قبل الحرب، وفي ظلّ تقليص "تصاريح عمل في إسرائيل" خلال نحو عامين من الحرب، بحسب تقرير في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، وقد شرح التقرير تفاصيل الأزمة.
في العام الأول من الحرب، وجدت دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية أنّ ساعات عمل أكثر من 50% من موظفي الضفة الغربية انخفضت، وأنّ 65% من الشركات قلّصت قوتها العاملة.
احتجاز العائدات الضريبية
وإنّ نقص فرص العمل المتاحة في الضفة الغربية، إلى جانب "الخيارات القانونية" للعمل في "إسرائيل"، يعني أنّ المزيد من العمال قد يعرّضون حياتهم للخطر لمجرّد كسب لقمة العيش.
وكانت النتيجة المترتّبة على ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات قياسية هي مضاعفة معدل الفقر في الضفة الغربية بعد عام واحد من الحرب، وفقاً للخبير الاقتصادي الفلسطيني ناصر عبد الكريم.
وفي السياق، قال عبد الكريم إن ثلث الأسر في الضفة الغربية تعيش الآن في فقر، وإنّ "مصدر النقد للاقتصاد الفلسطيني، وخاصة في الضفة الغربية، هو أجور العمال الفلسطينيين في إسرائيل".
في المقابل، ركّز عبد الكريم على أنّ تقليص "تصاريح العمل في إسرائيل" لا يشكّل سوى عامل واحد في المعادلة التي تؤدي إلى انحدار الاقتصاد في الضفة الغربية، إذ إنّ "إسرائيل" احتجزت عائدات الضرائب المخصصة للضفة قبل الحرب.
وبعد الحرب في 7 أكتوبر 2023، قرّرت حكومة الاحتلال حجب عائدات ضريبية إضافية مخصّصة لدفع رواتب موظفي القطاع العام التابعين للسلطة الفلسطينية في غزة، بذريعة أنّ "هذه الأموال قد تصل إلى أيدي حماس".
واحتجاجاً على ذلك، رفضت السلطة الفلسطينية استلام أيٍّ من تحويلات عائدات الضرائب المتبقّية من "إسرائيل".
لذلك، قرّر الاحتلال في كانون الثاني/يناير 2024 إيداع أموال غزة في صندوق استئماني نرويجي، على أن يُفرج عنها بإذن من وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش.
واستمر العمل بهذا النظام حتى أيار/مايو 2024، عندما اعترفت النرويج بدولة فلسطينية، مما أثار غضب سموتريتش، الذي أنهى الاتفاق.
وعلى الرغم من دفع عدة دفعات منذ انتهاء الاتفاق، إلا أن عائدات الضرائب ظلت محجوزة خلال الأشهر الأربعة الماضية.
وحتى مع تحويل بعض الأموال، لم تتمكّن حكومة السلطة الفلسطينية إلا من دفع ما بين 50% و70% من الرواتب. ومن دون هذه الأموال، تضطر السلطة إلى الاقتراض من البنوك.
وهنا، أكد عبد الكريم أنّ "هذا هو السبب وراء ارتفاع الدين العام إلى ما يقرب من 13 مليار دولار، وهو ما يزيد عن 130% من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين".
قطع المعاملات البنكية
ومما فاقم الأزمة الاقتصادية في الضفة، كان إلغاء سموتريتش في حزيران/يونيو الماضي "إعفاء الحماية للبنوك الإسرائيلية التي تتعامل مع المؤسسات المالية التابعة للسلطة الفلسطينية"، ولن يدخل قرار سموتريتش حيّز التنفيذ إلا في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
وأوضح عبد الكريم أنّه من دون ذلك من المرجّح أن تقطع هذه البنوك التابعة للاحتلال علاقاتها مع البنوك الفلسطينية، مما سيؤدي إلى ظهور اقتصاد نقدي وسوق سوداء.
وسيؤدّي قطع الصلة المالية بين الضفة الغربية وكيان الاحتلال الإسرائيلي إلى تعطيل التجارة في الأراضي المحتلة، وعزل البنوك الفلسطينية عن النظام المالي العالمي.
بدوره، قال الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في الدوحة، إيهاب محارمة، إنّه "إذا قطعت البنوك الإسرائيلية علاقات المراسلة مع البنوك الفلسطينية، فلن يتمكّن الاقتصاد من استيراد الطاقة والغذاء، أو دفع ثمن الخدمات، أو حتى تغطية رواتب القطاع العام ".
ويُفاقم فائض "الشيكل" الإسرائيلي في السوق الفلسطينية المشكلات النقدية الفلسطينية. وكجزء من اتفاقيات "أوسلو"، أنشأ بروتوكول باريس للعلاقات الاقتصادية وأقرّ "الشيكل" الإسرائيلي عملةً مُستخدمةً في الأراضي المحتلة.
وبموجب هذا البروتوكول، تقبل "إسرائيل" تحويلات مالية بـ"الشيكل" من البنوك الفلسطينية إلى البنوك الإسرائيلية المقابلة، بحد أقصى 18 مليار "شيكل" سنوياً. إلّا أنّ السوق الفلسطينية اكتسبت خلال العقد الماضي فائضاً من هذه الأموال.
من جهته، قال المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني، رجا الخالدي، إنّ هذا الفائض جاء نتيجةً لنمو الاقتصاد الفلسطيني 10 أضعاف منذ عام 1995. ولكن أيضاً بسبب اختلاف التدفّقات المالية التي تدخل الاقتصاد اليوم عمّا كانت عليه حينها، مثل تدفّقات الأموال من العرب في إسرائيل والعمال الفلسطينيين".
وفي هذا الإطار،قال الخبير الاقتصادي الفلسطيني ناصر عبد الكريم: "الشيكل غير متداول في الاقتصاد، لذا ينتهي به الأمر في البنوك".
وأضاف: "البنوك الآن لا تقبل ودائع ضخمة، ولهذا السبب يجد الفلسطينيون صعوبة في سداد شيكاتهم وإجراء التحويلات المالية، بسبب القيود المفروضة على الودائع".
وأشار إلى أنّ "البنوك تجد صعوبة في تمويل الصادرات التجارية من إسرائيل لعدم وجود رصيد كافٍ في حساباتها".
مداهمات لمراكز الصرافة
ومنذ بدء الحرب على غزة، كثّف "الجيش" الإسرائيلي مداهماته لمراكز الصرافة في الضفة الغربية، واستولى على ملايين الدولارات منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 من هذه المراكز.
وهنا، أوضح محارمة أنّ العمال الفلسطينيين ومؤسسات الضفة الغربية يعتمدون بشكل كبير على هذه المراكز لمعالجة الشيكات المؤجّلة وإرسال المدفوعات واستلام الأموال من الخارج، وهو ما أصبح حيوياً بشكل خاص في ظل القيود المالية العديدة التي فرضتها "إسرائيل" على البنوك.
وقال محارمة إنّ "هذه المحلات ضرورية لأنها تُتداول الدولار الأميركي والدينار الأردني، وهما عملتا الادّخار المفضّلتان على "الشيكل" الإسرائيلي، ويؤدّي تعطيلها إلى نقص حادّ في السيولة النقدية، مما يزيد من صعوبة المعاملات اليومية".
وأضاف أنّ تقييد هذه المحلات هو بمثابة استهداف للحياة اليومية نفسها، وتحويل ضرورة أساسية للبقاء إلى أداة أخرى للضغط على الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة.
ومع تدهور المسار الاقتصادي في الضفة الغربية، فمن المرجح أن لا يكون هناك الكثير مما يمكن فعله لمنع الانهيار التام.
وقال عبد الكريم "على المستوى الفني، لا تستطيع السياسة الفلسطينية أن تفعل شيئاً، باستثناء خفض الميزانية وزيادة الإيرادات"، مؤكّداً أن هذه الأساليب إما تم استخدامها بالفعل أو لا يمكن فرضها.
ولذلك، يرى الخبراء أن الحل الوحيد للأزمة المالية المستمرة في فلسطين هو حل سياسي: أي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإرساء السيادة الفلسطينية، بدلاً من وجود قيادة متشابكة مع الاقتصاد الإسرائيلي.
وقال عبد الكريم: "لا يمكننا أن نتوقّع من الاقتصاد الفلسطيني والشعب الفلسطيني استعادة جزء على الأقل من ثروتهم ودخلهم وقدرتهم على الإنفاق والعيش الكريم على الأقل، من دون توفّر الشروط السياسية الأساسية".
ويرى عبد الكريم أنّ هذا يعني أولاً إنهاء الحرب على غزة والسماح بدخول البضائع إلى القطاع، ثم التفاوض على "حلّ" بين فلسطين والاحتلال. ولكن بالنسبة لكثير من العمال الفلسطينيين فإنّ أيّ حلّ لا يبدو قريباً.