الغارديان": إذلال ترامب لقطر والهند يُنذر بفوضى عارمة
تساهل حلفاء الولايات المتحدة مع سياسات ترامب على أساس أنهم لن يتعرّضوا للقصف أو الأضرار الاقتصادية، لكن قصف الدوحة جاء خلافاً لذلك.
-
ترامب مع أمير قطر
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يقدّم تحليلاً سياسياً واستراتيجياً لتغيّر التحالفات الدولية وتأثير السياسات الأميركية والإسرائيلية على الشرق الأوسط والعالم، مع التركيز على ردود الفعل الخليجية والتحالفات الجديدة بين الدول الكبرى.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في جميع أنحاء العالم، يجتمع القادة السياسيون في قمم واجتماعات تُعقد على عجل. في الأسبوع الماضي، بعد الضربة الإسرائيلية ضد قادة حماس في الدوحة — وهي انتهاك صارخ لسيادة بلد ليس فقط حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة، بل أيضاً ركيزة لمحادثات السلام في غزة — هرع قادة الخليج لإظهار التضامن.
وصل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد آل نهيان، في زيارة غير مقرّرة إلى الدوحة واحتضن أمير قطر، في عرض عامّ للأخوة لم يكن من الممكن تصوّره قبل بضع سنوات فقط عندما كان البلدان متورّطين في عداوة مريرة. دعت المملكة العربية السعودية، خصم قطر الآخر في هذا الخلاف، بعد الضربة الإسرائيلية إلى "ردّ عربيّ وإسلامي ودولي لمواجهة العدوان" و"الممارسات الإجرامية" الإسرائيلية. يوم الأحد، كان رؤساء الدول العربية والإسلامية في طريقهم إلى الدوحة لحضور قمة طارئة.
قبل أكثر من أسبوع بقليل، أشار اجتماع آخر إلى تحالفات جديدة. اجتمع قادة الهند والصين وروسيا في تيانجين، مما أسفر عن صورة من الدفء المبتسم التي تبدو من صنع هذا العصر. انعقدت القمة في أعقاب خلافات ترامب مع حليف آخر، ناريندرا مودي. بعد انتخاب ترامب للمرة الثانية، كان مودي من أوائل القادة الذين زاروا واشنطن، حيث وُصف بأنّه "صديق عظيم"، وحدّدت الدولتان هدفاً لمضاعفة تجارتهما إلى نصف تريليون دولار بحلول عام 2030.
بعد بضعة أشهر، فرض ترامب تعريفة جمركية بنسبة 50% على السلع المستوردة من الهند، عقاباً على شراء الهند للنفط الروسي، وعلّق على القمة في تيانجين قائلاً: "يبدو أننا فقدنا الهند وروسيا أمام الصين". وهو الآن يضغط على الاتحاد الأوروبي لفرض رسوم جمركية تصل إلى 100% على الهند والصين.
قبل بضعة أشهر فقط من الضربة الإسرائيلية على الدوحة، وصف ترامب خلال زيارته للعاصمة القطرية العلاقة بين البلدين بالقول: "فلنشكر الله على نعمة هذه الصداقة". يبدو أنّ وصف ترامب بالصديق لم يعد ضماناً لعلاقات جيدة، بل نذيراً للخيانة. بعض هذه التجمّعات، وتصريحات التضامن الجديدة، وتركيز التحالفات الإقليمية، تُعدّ في بعض النواحي ظاهرية فقط. لا مصلحة للهند ولا لقطر في معاداة ترامب علناً، بل إنّ تعبيراتهما عن الغضب وإظهارهما للصداقة تهدف إلى إثبات أنّ هاتين الدولتين ليستا عميلتين، وأنهما متاحتان. كما يتعيّن على الحلفاء الذين شعروا بالخيانة إدارة ردّ فعلهم على الإذلال الأميركي مع مراعاة سمعتهم المحلية والإقليمية.
من نواحٍ أخرى، تُعدّ هذه محاولات جادّة لاستكشاف تكتلات القوة الممكن تشكيلها. وما يُعوّل عليه ترامب، وبدرجةٍ ما بنيامين نتنياهو، هو قدرتهما على تحمّل ما يُعرف في عالم المال بـ"مُحدّد الأسعار" أو "صانع الأسعار"؛ أي الطرف الذي يمتلك القدرة على تحديد تكلفة السلع والخدمات في ظلّ سوقٍ غير تنافسي. فـ"إسرائيل" تستطيع قصف من تشاء، والولايات المتحدة قادرة على انتهاك الاتفاقيات الأمنية وفرض الشروط الاقتصادية، من دون أن يحقّ لأحدٍ الردّ.
ولكن، إذا استمرّ هذا الوضع لفترة طويلة، فإنّ الجهات الفاعلة العقلانية تبدأ بالبحث عن سُبُل للتكيّف مع ظروف السوق غير المثالية هذه.
وهذا ليس لأنّ هذه الدول التي باتت معزولة حديثاً تعترض على القوة العسكرية للولايات المتحدة و"إسرائيل"، بل لأنّ دول الخليج تحديداً وظّفت الولايات المتحدة وأحكمت السيطرة على دورها، وتغاضت عن العلاقات مع "إسرائيل" أو سارعت إلى تطبيعها. وتُدرس هذه المحاور لأنّ ترامب، ببساطة، مختلّ، و"إسرائيل" خارجة عن السيطرة. بدأ الناس يتحسّسون جيوبهم، ويجرون اتصالات، ويحاولون معرفة حجم رأس المال الذي يملكونه (وهو موجود بالفعل) وكيفية تجميعه. فخيانة الحليف الوثيق تجعل الجميع يدركون أن لا أحد في مأمن. ومن اللافت أنّ الإمارات العربية المتحدة، الموقّعة على اتفاقيات التطبيع، خرجت عن صمتها المعتاد ورفعت صوتها بانتقاد "إسرائيل".
بالفعل، أصبح مصير هذه الاتفاقيات موضع تساؤل. في تيانجين، حثّت الصين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون على الاستفادة من "أسواقها الضخمة" لدعم التجارة والاستثمار فيما بينها، وأعلنت عن "مبادرة حوكمة عالمية"، في محاولة واضحة لتصوير الصين وحلفائها كضامنين لنظام عالمي جديد. حضرت القمة دول أخرى مثل تركيا ومصر، اللتين تقعان أيضاً في مرمى النيران السياسي والاقتصادي لأزمة الشرق الأوسط.
في هذه المرحلة الجديدة من سياسة ترامب الخارجية، يتفاقم القلق من عدم موثوقيته، ويُدرك الجميع أنّ الإفراط في الانكشاف لأهواء نظامه أمرٌ خطير للغاية؛ إذ لا جدوى من الاستثمار فيه. فلا يُجدي التعامل مع صانع صفقاتٍ قاسٍ إلا إذا التزم بقاعدةٍ أساسية واحدة: بمجرد إبرام الصفقة، حتى لو كانت سيئة، يجب الالتزام بها. لقد انتهك ترامب هذا المبدأ. وعندما يتعلق الأمر بـ "إسرائيل"، لم يعد ترامب يبدو كشخص يمكن إقناعه أو إطراؤه من الدول العربية. ببساطة، لا يملك القدرة على منع الصراع من الامتداد بطرق تُعيد رسم الخريطة المادية والسياسية للشرق الأوسط بشكل متزايد. إنه إمبراطورٌ كسولٌ ومتقلّب، يجلس على رأس أمّة تعصف بها أعمال العنف والأزمات.
إنّ إعادة ترتيب الأدوار العالمية الناشئة، بطيئة ومعقّدة، وقد تُسبّب اضطراباً وفوضى للدول المرتبطة بالولايات المتحدة عبر روابط اقتصادية وعسكرية. فالولايات المتحدة أكبر اقتصاد استهلاكي في العالم، وتشكّل مظلتها الأمنية ومبيعات أسلحتها ركيزة أساسية لاستقرار العديد من الدول، وخاصة في العالم العربي. لكنّ الخيار الآن أمام العديد من حلفاء الولايات المتحدة هو بين تسليم سيادتهم لترامب أو إيجاد سبل لتعزيزها بوسائل أخرى، من دون أن يجعلوا من الرئيس الأميركي عدواً لهم.
إنّ ضرورة تنفيذ هذا الأمر بحذر قد توحي بأنّ الصفائح التكتونية لا تتحرّك، لكنّ الحماس غير المسبوق الذي تحتضن به الدول بعضها بعضاً حرفياً يوحي بعكس ذلك. في الوقت الحالي، قد ينظر ترامب ونتنياهو إلى القمم والتصريحات على أنّها مجرّد تظاهرات لا طائل منها من جانب الضعفاء، لكنّ قوة بلديهما تكمن جزئياً في بعد نفسي. وكان التسامح معهما قائماً على إدراك أنّ الجميع متحدون للحفاظ على الوضع الراهن، مما يعني أنّ الحلفاء لن يتعرّضوا للقصف أو لتدمير اقتصاداتهم. وبمجرّد زوال هذا التوازن، ستُلغى كلّ التوقّعات.
نقله إلى العربية: الميادين نت.