"المونيتور": هل تستطيع واشنطن تهدئة المخاوف الأمنية في الخليج بعد الضربات الإسرائيلية؟

أثارت الغارات الجوية الإسرائيلية غير المسبوقة التي استهدفت مفاوضي حماس في الدوحة الشكوك بين حلفاء الخليج بشأن التزام واشنطن بضمان أمن المنطقة الغنية بالنفط.

  • ترامب وأمير قطر
    ترامب وأمير قطر

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً يتناول بشكل رئيسي الأزمة التي نشأت بعد الغارات الإسرائيلية على قطر، مسلّطاً الضوء على توتر العلاقة الأميركية-القطرية بعد الغارات الإسرائيلية، مع التركيز على جهود ترامب لتعزيز التعاون الدفاعي، والتحدّيات التي تواجه قطر في حماية أمنها والاستمرار بدورها الوسيط في المنطقة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الثلاثاء إنّ إدارته ستمضي قدماً في خططها لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية دفاع ثنائية مع قطر في أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل خمسة مسؤولين من حماس ومسؤول أمني قطري في الدوحة في وقت سابق من الأسبوع.

أرسلت الضربات الإسرائيلية غير المسبوقة على أراضي حليف رئيسي للولايات المتحدة موجات من الصدمة عبر العواصم المتحالفة مع الغرب في منطقة الخليج الغنية بالنفط، مما أثار شكوكاً جديدة حول التزام واشنطن بدورها المستمر منذ عقود كضامن لأمن الممالك العربية.

سعياً لطمأنة الدوحة، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الثلاثاء بقطر ووصفها بأنها "حليف وصديق قوي" في بيان نُشر على موقع "Truth Social"، مضيفاً أنّه أكد لأمير البلاد ورئيس الوزراء أنّ "مثل هذا الشيء لن يحدث مرة أخرى على أراضيهما".

وأشار بيان ترامب أيضاً إلى أنه أمر وزير الخارجية ماركو روبيو "بوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية التعاون الدفاعي مع قطر"، من دون الخوض في التفاصيل.

احتواء الأضرار

التقى روبيو رئيس وزراء قطر، محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، خلف أبواب مغلقة في البيت الأبيض يوم الجمعة قبل أن يسافر رئيس الوزراء إلى نيويورك لتناول العشاء مع ترامب مساء ذلك اليوم.

أثارت أنباء استمرار محادثات التعاون الدفاعي بصيص أمل لدى أنصار العلاقات الأميركية القطرية، وسط مخاوف متزايدة بين قادة الخليج بشأن قدرة واشنطن، أو استعدادها، لكبح ما يراه البعض نهجاً عسكرياً إسرائيلياً متزايد العدوانية في المنطقة.

تجاوزت الضربات الإسرائيلية خطاً أحمر بالنسبة لدول الخليج القوية، التي يقول محللون إنّ قادتها سيرغبون في رؤية تطمينات ملموسة من الولايات المتحدة في سعيهم إلى إصلاح الثقة المتوترة مع واشنطن.

أكد مسؤول قطري، طلب عدم الكشف عن هويته، لموقع "المونيتور" أنّ الدوحة تجري محادثات مع إدارة ترامب حول توسيع اتفاقية التعاون الدفاعي الرئيسية بينهما منذ زيارة ترامب للبلاد في أيار/مايو. وبينما من السابق لأوانه معرفة ما ستتضمّنه التحديثات الجديدة على هذه الاتفاقية، قال المسؤول إنّ قطر تهدف في نهاية المطاف إلى الحصول على ضمانات قوية بالحماية الأميركية.

إنّ اتفاقية التعاون الدفاعي الثنائية، التي يعود تاريخها إلى أعقاب حرب الخليج الأولى، تمّ توسيعها مراراً وتكراراً على مرّ السنين، مما يمنح كلّ شيء من الوصول العسكري الأميركي الأوسع إلى التمركز الطويل الأمد في البلاد إلى التعاون في مجموعة متنوّعة من المبادرات، بما في ذلك الدفاع الجوي والصاروخي المتقدّم.

لا تزال تفاصيل الاتفاقية سريّة جداً، ولم تُذكر تحديثات اتفاقية التعاون الدفاعي الحالية علناً.

تحتضن هذه الإمارة الخليجية الصغيرة المقرّ الرئيسي للقيادة المركزية الأميركية، وقد استثمرت أكثر من ملياري دولار في قاعدة العديد الجوية، التي تضمّ مركز العمليات الجوية المشتركة المتطور التابع للقوات الجوية الأميركية التاسعة، جنوب غرب الدوحة. ويتمركز في قاعدة العديد ما بين 8000 و10000 جندي أميركي في أي وقت، مما يجعلها أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط.

سعت قطر بشكل متزايد إلى ترسيخ مكانتها كوسيط في صراعات المنطقة، بما في ذلك الصراع بين "إسرائيل" وحماس، في السنوات الأخيرة، في محاولة لإثبات نفسها كطرف لا غنى عنه للولايات المتحدة.

في أيار/مايو، أعلن ترامب عن صفقات اقتصادية بقيمة 243 مليار دولار تقريباً مع الدوحة، بموجب اتفاقية أوسع نطاقاً، لتوليد 1.2 تريليون دولار من التبادل الاقتصادي الثنائي.

وقال دانييل شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى "إسرائيل" والذي شغل منصب المسؤول الأعلى لسياسة البنتاغون في الشرق الأوسط خلال إدارة بايدن: "ليس من الممكن أن يلجأوا إلى شريك آخر من أجل الأمن".

عالقون في مرمى النيران

شكّلت الضربات الإسرائيلية ثاني هجوم أجنبي يستهدف الأراضي القطرية في غضون ثلاثة أشهر فقط، في إطار تداعيات المواجهة الأوسع بين "إسرائيل" وإيران منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر وحرب غزة.

في حزيران/يونيو، استُهدفت قاعدة العديد بما لا يقل عن اثني عشر صاروخاً باليستياً إيرانياً، رداً على قرار ترامب بالسماح بشن ضربات أميركية مفاجئة لضرب منشآت نووية إيرانية رئيسية.

في مؤتمر صحفي متلفز عُقد في وقت متأخر من مساء الثلاثاء أمام الأمة، انتقد رئيس وزراء قطر الضربات الإسرائيلية على الدوحة ووصفها بـ"الخيانة".

ولم يُصرّح بما إذا كان يُحمّل الولايات المتحدة مسؤولية الفشل في وقف الهجوم الإسرائيلي، مُشيراً فقط إلى أنّ تحذير واشنطن جاء بعد 10 دقائق من وقوع الضربات.

من المرجّح أن تُعقّد هذه الضربات بشكل كبير الجهود الخفية التي يبذلها كبار القادة العسكريين والدبلوماسيين الأميركيين، الذين سعوا منذ فترة طويلة لإقناع الدول العربية بتبادل بيانات الدفاع الجوي والرادار الحسّاسة فيما بينها - وفي بعض الحالات مع "إسرائيل" - عبر مسؤولين أميركيين متمركزين في مركز العمليات الجوية المشتركة (CAOC) كإجراء وقائي ضد الهجمات المحتملة. وقد أسفرت هذه الجهود عن تقدّم محدود، لكنها أتاحت في السنوات الأخيرة تعاوناً ناجحاً في مجال الدفاع الجوي عبر الحدود. ولا يزال دور مسؤولي سلاح الجو الأميركي في مركز العمليات الجوية المشتركة (CAOC) في رصد الصواريخ الإسرائيلية المقبلة ونقل التحذيرات غير واضح، مما يُثير الشكوك حول قدرة واشنطن على ضمان عدم استهداف أراضي قطر مرة أخرى.

يقول محللون ومسؤولون إقليميون إنّ التحديثات الإضافية التدريجية لاتفاقية الدفاع الثنائية مع قطر قد تُطمئن الدوحة، لكن من غير المرجّح أن تُهدّئ المخاوف المتزايدة لدى جيران قطر الأقوى في الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

يُعدّ النهج الثنائي الحالي بعيداً كلّ البعد عن جهود البنتاغون خلال ولاية ترامب الأولى لتشكيل "تحالف استراتيجي للشرق الأوسط" كتحالف دفاعي متعدّد الأطراف، ويقترح نهجاً أكثر تفاعلية في عقد الصفقات مع القادة الأفراد.

قال نائب الأدميرال البحري الأميركي المتقاعد كيفن دونيغان، الذي قاد الأسطول الأميركي الخامس انطلاقاً من البحرين خلال إدارة أوباما: "إنها قيادة مركزية مختلفة. إنها مهمة مختلفة".

في حين أنّ هناك القليل من الودّ المفقود بين المسؤولين الإماراتيين والسعوديين تجاه حماس، فإنّ السابقة المحتملة التي يُرسيها القصف الجوي الإسرائيلي غير المُقيّد على عاصمة خليجية هي سابقة يُشير قادة المنطقة علناً إلى أنهم لن يتسامحوا معها. وقال دونيغان: "هذا خط أحمر آخر في المنطقة تمّ انتهاكه".

خيارات قطر

من غير المرجّح أن تحصل قطر على ضمانات راسخة بأنّ الولايات المتحدة ستدافع عنها عسكرياً. يتطلّب مثل هذا الاتفاق موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وهو احتمال مستبعد لم تتمكّن جارتها الأقوى، المملكة العربية السعودية، من تأمينه منذ هجوم عام 2019 بصواريخ كروز إيرانية الذي دمّر منشأتين نفطيتين تابعتين لأرامكو في بقيق وخريص.

مع ذلك، يقول خبراء ومسؤولون سابقون إنّ الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة هو أحد الخيارات القليلة جداً المتاحة للدوحة. لم تُبدِ الصين اهتماماً يُذكر بضمان الأمن، ولا تزال روسيا منخرطة بكثافة في الحرب في أوكرانيا.

وقال مصدر غربي مطلع على تفكير القيادة القطرية لموقع "المونيتور": "لقد استثمرت قطر مليارات الدولارات في علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن لتشمل التكنولوجيا المتقدّمة. ولن تتراجع الآن".

مع ذلك، وجّهت ضربات يوم الثلاثاء ضربة لسمعة واشنطن في الخليج. قال شابيرو عن التصوّرات في المنطقة: "من الصعب تصديق أنّ هذا لم يكن منسّقاً مع الولايات المتحدة بطريقة ما، أو على الأقل كان هناك علم به".

وصرّح شابيرو لموقع "المونيتور": "إذا بدا أنّ إدارة ترامب تستخدم قطر قناةً للتفاوض، وفي الوقت نفسه تمنح إذناً ضمنياً للضربات الإسرائيلية، فسيتعيّن عليها أن تسأل نفسها عمّا إذا كان بإمكانها الوثوق بالولايات المتحدة".

لطالما أصرّ المسؤولون القطريون على أنّ قرارهم باستضافة مندوبي حماس بدءاً من عام 2012 جاء بناءً على طلب إدارة أوباما كوسيلة لإنشاء قناة خلفيّة عمليّة مع الحركة، التي صنّفتها واشنطن منظّمة إرهابية.

وقال شابيرو إنّ حكومة قطر قد تُوقف دورها في الوساطة الدبلوماسية مع حماس رداً على الضربات الإسرائيلية، مما قد يترك لمصر إدارة مسار الحوار المتبقّي. وأضاف أنّ بإمكانهم أيضاً حثّ جيرانهم الخليجيين على الحد من علاقاتهم الحالية مع "إسرائيل"، أو حتى البدء في تدهورها، كإشارة إلى واشنطن.

طلب القادة القطريون، يوم الأربعاء، من رئيس الإمارات محمد بن زايد سحب سفيرها من "تل أبيب"، وفقاً لما ذكره مصدران مطلعان على المناقشات لموقع "المونيتور". لم يُعلن عن أيّ قرار من هذا القبيل، لكنّ الإمارات استدعت يوم الجمعة كبير الدبلوماسيين الإسرائيليين لديها لإدانة الضربات الإسرائيلية على الدوحة.

نقله إلى العربية: بتول دياب.