"فايننشال تايمز": أوروبا تعيد بناء ترسانتها العسكرية.. توسع هائل في مصانع الأسلحة
تشهد أوروبا طفرة غير مسبوقة في توسيع صناعاتها الدفاعية منذ حرب أوكرانيا، مع توسعات في 150 موقعاً لإنتاج الذخيرة والصواريخ، في تحوّل يُنذر بإعادة تشكيل البنية العسكرية للقارة لعقود.
-
تتجادل حكومات الاتحاد الأوروبي حول كيفية الحفاظ على إمدادات الأسلحة إلى كييف
كشف تحليل لصحيفة "فايننشال تايمز"، عن حجم تاريخي لإعادة التسلح في أوروبا، يمتد على مساحة 7 ملايين متر مربع من التطويرات الجديدة.
وفي التفاصيل، ذكر التحليل أنّ مصانع الأسلحة الأوروبية "تشهد توسعاً بمعدل يفوق ثلاثة أضعاف معدلها في زمن السلم، ممتدةً على مساحة 7 ملايين متر مربع من التطوير الصناعي الجديد، ما يمثل إعادة تسليح على نطاق تاريخي".
وأوضح أنّ "مصانع الأسلحة الأوروبية شهدت نشاطاً متزايداً منذ بدء الحرب في أوكرانيا في العام 2022، وفقاً لتحليل الصحيفة لبيانات الأقمار الصناعية الرادارية التي تغطي 150 منشأة تابعة لـ 37 شركة.
وأظهرت البيانات أنّ إحياء الدفاع الذي طال انتظاره في أوروبا، والمدفوع بضخّ الدعم العام، "بدأ يتجسّد، ليس فقط في الخطاب السياسي أو تعهدات الإنفاق، بل أيضاً في الخرسانة والصلب".
يأتي ذلك في الوقت الذي تتجادل فيه حكومات الاتحاد الأوروبي بشأن كيفية الحفاظ على إمدادات الأسلحة إلى كييف، بالإضافة إلى إعادة بناء مخزوناتها الخاصة، في مواجهة التزام أميركي مُتراجع مُحتمل.
"تحول جيلي في إعادة التسليح"
وتُشير البيانات إلى أنّ نحو ثلث المواقع التي خضعت للمراجعة أظهرت علامات توسع أو أعمال بناء، بحيث إنّ حجم وانتشار العمل المُكتشف "يدلّ على تحول جيلي في إعادة التسلح، ما يُحوّل أوروبا من الإنتاج المُباشر في أوقات السلم، إلى بناء قاعدة صناعية تُمكّنها من الاستعداد للحرب بشكل أكثر استدامة"، وفق التحليل.
وأظهر التحليل أنّ المساحات التي شهدت تغييرات قفزت من 790 ألف متر مربع في الفترة 2020-2021، إلى 2.8 مليون متر مربع في الفترة 2024-2025.
وأكّدت صور هذه المواقع أنّ التغييرات ناجمة عن أعمال الحفر قبل بدء الأعمال، والمباني الجديدة، وتعبيد الطرق الجديدة، وأعمال البناء.
"تغييرات جذرية"
بدوره، قال ويليام ألبرك، الباحث المساعد الأول في منتدى آسيا والمحيط الهادئ والمدير السابق لضبط الأسلحة في حلف "الناتو"، إنّ "هذه تغييرات جذرية وهيكلية ستُحدث تحوّلاً في صناعة الدفاع على المديين المتوسط والطويل".
وأضاف أنّه "بمجرد إنتاج القذائف بكميات كبيرة، تبدأ المعادن والمتفجرات بالتدفق، ما يُقلل من تكلفة وتعقيد إنتاج الصواريخ".
بناء موقع ضخم في المجر
ومن بين المواقع، التي شهدت أكبر توسع مشروع مشترك بين عملاق الدفاع الألماني، "راينميتال"، وشركة الدفاع الحكومية المجرية "N7 Holding"، هو في "فاربالوتا" غربي المجر، حيث تم بناء موقع ضخم لإنتاج الذخيرة والمتفجرات.
وتم الانتهاء من بناء أول مصنع في الموقع بالمجر في تموز/يوليو 2024، وفقاً لبيان صحفي، لإنتاج ذخيرة عيار 30 ملم لمركبة المشاة القتالية "KF41 Lynx " من شركة "راينميتال".
ويستمر البناء، حيث سيُنتج الموقع أيضاً أنواعاً أخرى من الذخيرة، بما في ذلك قذائف مدفعية عيار 155 ملم، وذخيرة عيار 120 ملم لدبابة "ليوبارد 2"، وربما دبابة "بانثر". كما سيضم الموقع مصنعاً للمتفجرات، وفقاً لشركة "راينميتال".
وفي السياق، صرّح باتريك رومان، المتحدث باسم شركة "راينميتال"، قائلاً: "لا يمكننا التعليق على ما يُزعم ظهوره من مخططات لمنشآت إنتاجنا على صور الأقمار الصناعية لأسباب تتعلق بأمن الشركة".
زيادة في قدرة الاتحاد الأوروبي على إنتاج الذخيرة
وتناول التحليل 88 موقعاً مرتبطاً ببرنامج الاتحاد الأوروبي "قانون دعم إنتاج الذخيرة" (ASAP)، والذي استثمر 500 مليون يورو لمعالجة اختناقات محددة في إنتاج الذخيرة والصواريخ. وقد دعم "ASAP" كلاً من موقعي "راينميتال" و"روكسل".
ولاحظ توسعاً فعلياً واضحاً في 20 موقعاً بتمويل من "ASAP"، بما في ذلك بناء مصانع وطرق جديدة كلياً.
وقد ظهرت توسعات صغيرة في 14 موقعاً، مثل بناء مواقف سيارات جديدة. أمّا المواقع المتبقية، فإمّا أنّها لم تشهد أي توسعات، أو كانت مباني للمكاتب والأبحاث.
وصرّح مفوض الدفاع في الاتحاد الأوروبي، أندريوس كوبيليوس، لصحيفة "فايننشال تايمز" بزيادة القدرة السنوية لأوروبا، منذ الحرب، على إنتاج الذخيرة من 300 ألف، إلى نحو مليوني طلقة بنهاية هذا العام.
وسيُسهم توسع شركة "راينميتال" بشكل كبير في هذا النمو، إذ أعلنت الشركة أنّ قدرتها الإنتاجية السنوية لطلقات عيار 155 ملم سترتفع من 70 ألف طلقة في عام 2022 إلى 1.1 مليون طلقة في عام 2027.
ويُشير مسؤولون وخبراء في الصناعة إلى أنّ الإنتاج الفعلي في أوروبا من المُرجح أن يكون أقل بكثير من الطاقة المُحتملة.
كما يصعب تقييم الأثر الدقيق لتمويل برنامج "ASAP"، نظراً إلى أنّ العديد من المُصنّعين كانت لديهم بالفعل خطط نمو عند الكشف عن برنامج التمويل في عام 2023.
كذلك، لعبت النفقات العامة الأخرى دوراً هاماً. ففي المقر الرئيسي لشركة "MBDA" الألمانية لصناعة الصواريخ في "شروبنهاوزن"، تظهر بوضوح الطرق الجديدة وأعمال البناء. وقد رصد الرادار تغييرات طالت مساحة 94.000 متر مربع من أراضيها منذ عام 2022.