"تايم" في حديثٍ مع ترامب: كيف تم التوصل إلى اتفاق غزة؟

مجلة "التايم" الأميركية تروي في حديثٍ مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب كواليس بشأن مسار التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

  • الرئيس الأميركي دونالد ترامب
    الرئيس الأميركي دونالد ترامب

كشفت مجلة "التايم" الأميركية في حديث مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن كواليس التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وما جرى بينه وبين رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في هذا الشأن.

وجاء ذلك في مقالٍ لمراسل المجلة في العاصمة الأميركية واشنطن، إريك كورتيليسا، تحت عنوان: "كيف تمّ التوصّل إلى اتفاق غزة".

ويروي المقال أنّه في مساء يوم السبت 4 تشرين الأول/أكتوبر 2025، اتصل ترامب بنتنياهو لينقل له رسالة مفادها: "إن الحرب في غزة انتهت". يوم الاثنين التالي، أخبر ترامب نتنياهو أنّ الولايات المتحدة ستعلن الاتفاق، وكان على نتنياهو قبوله.

وقال ترامب لنتنياهو، وهو يروي محادثتهما في مقابلة مع مجلة "تايم": "بيبي، لا يمكنك محاربة العالم. يمكنك خوض معارك فردية، لكن العالم ضدك". ردّ نتنياهو، لكن ترامب لم يرضَ وانطلق في مونولوغ مُشبعٍ بالشتائم، مُستعرضاً كل ما فعله لـ"إسرائيل" كرئيس.

وأشار ترامب إلى أنه لم يعد بإمكانه الوقوف مع نتنياهو إذا لم يُوقّع على الاتفاقية. وهنا، يقول المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف: "لقد كان تصريحاً صريحاً ومباشراً للغاية لنتنياهو، بأنه لا يتسامح مع أي شيء آخر غير هذا".

وأكّدت مجلة "التايم" أنّه في نهاية المكالمة، وافق نتنياهو على اتفاق من مرحلتين تضمّن وقف إطلاق النار.

"الصفقة علامة فارقة"

رأى المقال أنّ هذه الصفقة "تُمثّل علامة فارقة في مساعي ترامب المستمرة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الحديث"، معتبراً أنّ ترامب "استخدم حسّه كصانع صفقات عقارية لدفع اتفاق سلام مع حماس ونتنياهو".

وفي هذا الإطار، قال المؤرّخ والسفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، مايكل أورين، إنّ "ترامب يكسر جميع الافتراضات الراسخة لدبلوماسية الشرق الأوسط".

وأضاف أورين إنّ "ترامب يعود ليقول: سنعيد ترسيخ هيمنة أميركا هنا. وقد فعلها - حتى الآن".

وذكر المقال أنّ ترامب يرجع إنجازاته حتى الآن إلى استعداده لاستخدام القوة العسكرية الأميركية. وأوضح أنّه من خلال اغتيال القائد السابق لقوة القدس في حرس الثورة الإسلامية في إيران الجنرال الشهيد قاسم سليماني، وضرب منشآت نووية إيرانية "اكتسب ترامب ما يكفي من حسن النية لدى الرأي العام الإسرائيلي، وأثار ما يكفي من الخوف لدى الخصوم، مما دفع الطرفين إلى طاولة المفاوضات".

وادّعى ترامب بشأن هجماته على إيران أنّه "كان من المستحيل التوصّل إلى اتفاق كهذا من قبل. لم يكن أي رئيس مستعداً للقيام بذلك، وكنتُ مستعداً لذلك. وبفعله، أصبح لدينا شرق أوسط مختلف".

واعتقد المقال أنّ اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال هشاً  قابلاً للانهيار، وفي غضون أسبوع، ازداد الوضع خطورةً لدرجة أنّ ترامب أرسل نائب الرئيس جي دي فانس إلى المنطقة في "محاولة للحفاظ على الاتفاق".

وأكّد المقال أنّ المرحلة التالية من الاتفاق هي "أكثر تعقيداً"، وتشمل تحديد نطاق الانسحاب العسكري الإسرائيلي وهيكل قوة حفظ السلام؛ ونزع سلاح حماس؛ وتحديد من سيحكم غزة بعد الحرب.

ووصف السفير الأميركي السابق لدى "إسرائيل" في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، دان شابيرو، أنّ "هذه أمورٌ بالغة الصعوبة".

وبيّن شابيرو أنه من بين المخاطر أن ينتهي الأمر بترامب "بصراع مُجمّد في الوضع الحالي، حيث تسيطر إسرائيل على نصف غزة، وتسيطر حماس على النصف الآخر،  من دون أي إعادة إعمار حقيقية".

ولهذه الأسباب، يخشى الخبراء أن يكون "السلام" عابراً. لكنّ السياسة الخارجية لترامب تحدت أيضاً توقّعات منتقديه: "تطوّر شعاره أميركا أولاً - الذي كان مرادفاً للانعزالية والتراجع - إلى شكل غير تقليدي من الدبلوماسية الشخصية غير المثقلة بالمبادئ".

ولفت المقال إلى أنّ ترامب عزّز علاقات واشنطن مع السعودية والإمارات وقطر، ويتوقّع أن تُطبّع السعودية العلاقات مع "إسرائيل" وتنضمّ إلى الاتفاقيات بحلول نهاية العام.

وأخبر ترامب مجلة "تايم" أنه ينوي زيارة قطاع غزة قريباً، ويتصوّر قريباً تكاملاً اقتصادياً أكبر بين "إسرائيل" والعرب.

وبحسب رواية ترامب، "لا يمكن إعادة ضبط هذه المنطقة من دون عنصر أساسي واحد: هو نفسه". وقال ترامب للمجلة إنّ: "الأهمّ هو احترام رئيس الولايات المتحدة. على الشرق الأوسط أن يفهم ذلك. فالأمر يتعلّق بالرئيس أكثر من الدولة".

الهجوم على قطر وهجمات أخرى

وبشأن الهجوم على قطر الذي استهدف وفد حركة حماس المفاوض، وعلى الرغم من زعم ترامب أنّه "خطأ تكتيكي من جانب نتنياهو"، إلا أنّ المقال أكد أنّه "مثّل فرصة".

واعتبر أنّ الهجوم بمثابة تحذير للقادة العرب بأنّ الحرب في غزة لن تقتصر على القطاع، وفي هذه الأثناء، رأى ترامب فرصةً لاستغلال الغضب من الهجوم لحثّ قادة المنطقة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وعندما طرحت مجلة "تايم" موضوع اعتداءات "إسرائيل" على حزب الله وتغيير النظام في سوريا، قاطعها ترامب قائلاً: "جميع تلك الهجمات نُفّذت تحت رعايتي، كما تعلمون، حيث شنّت إسرائيل الهجمات - باستخدام أجهزة النداء وما شابه" (في أيلول/سبتمبر 2024).

وحينها كان لا يزال الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض، وكان ترامب مرشّحاً، لكنه قال: "أبلغوني بكلّ شيء. وأحياناً كنت أرفض - وكانوا يحترمون ذلك". ثمّ قال متحدّث باسم ترامب لاحقاً إنّ الرئيس أخطأ في التعبير وكان يشير إلى الضربة الإسرائيلية الأخيرة على الدوحة.

في اليوم السابق لتنصيب ترامب، اتفقت "إسرائيل" وحماس على وقف إطلاق النار، لكن القتال استؤنف على الفور. وفي محاولة للحفاظ على مسار المحادثات، دعا ترامب نتنياهو إلى البيت الأبيض في شباط/فبراير الماضي، وعندها اقترح نقل سكان غزة وإعادة تشكيل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".

وقال الخبراء إن هذه الفكرة الغريبة "حفّزت المفاوضين العرب والوسطاء الإقليميين على تسريع عملية السلام".

وفي السياق، قال المستشار الكبير السابق لرئيس حكومة الاحتلال السابق شمعون بيريز والزميل الحالي في منتدى السياسة الإسرائيلية مرود نوفيك: "أخافهم الرئيس بشدة عندما طرح فكرة الريفييرا، بالنسبة لهم، كانت استضافة مليوني غزّي طوال فترة إعادة الإعمار أو ما بعدها أمراً لا يمكن تصوّره لأسباب عديدة".

وسرعان ما اتسع نطاق الصراع. وفي اجتماعهما في شباط/فبراير الماضي، وافق نتنياهو على منح ترامب مهلة 60 يوماً للدخول في محادثات مع الإيرانيين بشأن اتفاق نووي، متوقّعاً أنها "ستثبت عدم جدواها"، وفقاً لمسؤول إسرائيلي مطلع على الأمر.

وعندما لم يتوصّلوا إلى حلّ، شنّ نتنياهو الهجوم. في البداية، يقول مسؤول في البيت الأبيض، كان "ترامب محبطاً - فقد عرّض الهجوم آمال الإدارة في التوصّل إلى اتفاق نووي مع طهران للخطر". لكنّ ترامب تقبّل فكرة الانضمام إلى الضربات "بعد أن رأى تأثيرها ووافق على تقييم نتنياهو بأنّ الإيرانيين كانوا يحاولون التلاعب به".

اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

عمل جاريد كوشنر وستيف ويتكوف في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وناقشا خطة من 20 نقطة مع وسطاء قطريين، ومصريين وأتراك، ومسؤولين إسرائيليين. ودعا الاقتراح إلى وقف فوري لإطلاق النار وتبادل أسرى، وضمانات أمنية إسرائيلية، ونزع سلاح غزة، وتشكيل سلطة حكم مدنية جديدة.

عندما وصلت الوثيقة إلى ترامب، حدّد موعداً للقاء قادة الدول العربية في الأمم المتحدة. وانضمّ إليه ويتكوف وويلز ووزير الخارجية ماركو روبيو، وبدأ ترامب الجلسة، كما يقول مسؤولون أميركيون، بخطاب مطوّل حول إنهاء القتل وتحقيق سلام دائم.

ثم تجوّل حول الطاولة، طالباً المشورة من كلّ قائد. وأعرب الأمير الممثّل عن ولي العهد السعودي والملك الأردني عن دعمهما للإطار.

اكتسبت المفاوضات زخماً منذ ذلك الحين. وساهم القادة الإقليميون، بمن فيهم الأتراك والقطريون، في الضغط على حماس. وقدّمت تركيا دعماً من خلال توفير الحماية لقادة حماس السياسيين في حال انضمامهم إلى طاولة المفاوضات، وفقاً لسنر چاغاپتاي، الباحث التركي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وفق المجلة.

وذكرت أنّ ترامب مارس ضغوطاً أيضاً، محذراً من أنه "إذا رفضت الحركة نزع سلاحها أو حاولت تقويض الاتفاق، فستواجه الإبادة الكاملة".

وادّعى أورين أنّ "العامل الحاسم كان استعداد ترامب لاستخدام القوة العسكرية، بينما كانت الإدارات الديمقراطية السابقة تُعارض بشدة استخدام القوة العسكرية، مُفضّلةً القوة الناعمة. القوة الناعمة لا تحظى باحترام واسع في الشرق الأوسط".

"شعبية ترامب في إسرائيل"

وتحدّثت "التايم" عن شعبية ترامب في "إسرائيل"، إذ فاقت شعبية نتنياهو ومنحته نفوذاً عليه. وهنا قال مساعدو ترامب إنّه كان يعرف كيف يحتضن نتنياهو علناً بينما يضغط عليه سراً لوقف القتال.

وقال ترامب للمجلة: "كان سيستمر في القتال. كان من الممكن أن يستمر لسنوات. لكني أوقفته، واتحد الجميع عندما أوقفته".

ورأت "التايم" أنّ نجاح المرحلة الثانية من الاتفاق سيعتمد على رغبة ترامب في مواصلة التزامه. وقال خالد الجندي، المفاوض السابق في السلطة الفلسطينية: "إذا أراد ضامنو هذه العملية أن تنجح، فسوف تنجح، وخاصة إدارة ترامب".

في هذه الأثناء، يواجه نتنياهو تمرّداً من وزراء اليمين الذين يسعون إلى عرقلة إقامة دولة فلسطينية، وضمّ الضفة الغربية. ويحذّر ترامب من أنّ مثل هذه الخطوة "ستواجه مقاومة أميركية شرسة".

وفي هذا الإطار، قال ترامب للمجلة: "لن يحدث ذلك لأنني وعدت الدول العربية بذلك. ستفقد إسرائيل كل دعم الولايات المتحدة لها إذا حدث ذلك".

"السلام في الشرق الأوسط مبالغة"

يتجاوز ترامب حدود غزة. فهو يريد توسيع نطاق اتفاقيات التطبيع، وبشكل أكثر دراماتيكية من خلال التطبيع بين الاحتلال والسعودية.

ووفق المجلة، وضعت الرياض شرطين على الطاولة: إنهاء القتال، ومسار موثوق نحو السيادة الفلسطينية، حتى لو لم يكن بالضرورة دولة كاملة. ويعتقد ترامب أنّ كلا الشرطين في متناول اليد. وقال: "أعتقد أنّ السعودية ستقود الطريق. لم يعد لدينا تهديد إيراني. لم يعد لدينا أيّ تهديدات. لدينا سلام في الشرق الأوسط".

وشدّدت المجلة على أنّ السلام في الشرق الأوسط، بالطبع، مُبالغة. ومع ذلك، "فقد حقّق ترامب وقف إطلاق نار أعاد آخر الأسرى  الإسرائيليين الأحياء".

وهنا قال ترامب: "كانت إسرائيل مُصرّة على الرهائن، لدرجة أنني فوجئت حقاً. لكان من المُفترض أنهم سيضحّون بهم من أجل الاستمرار، أليس كذلك؟ لقد أرادت إسرائيل الرهائن أكثر من أي شيء آخر. وقد حصلنا عليهم".

في المقابل، لفتت "التايم" إلى أنّ السؤال الآن ليس فقط ما إذا كانت البنية الهشّة للاتفاق ستصمد، بل ما إذا كان ترامب قادراً على الحفاظ على التركيز اللازم لتحويل هدنة مؤقتة في القتال إلى أمر دائم.

واعتبرت أنّ ذلك "سيتطلّب تركيزاً مُفرطاً كالذي أبدعه جيمي كارتر في كامب ديفيد - ليالٍ طويلة، وتفاصيل لا تنتهي، ودبلوماسية تتسم بالصمود المطلق".

اقرأ أيضاً: هل يستطيع نتنياهو إجهاض خطة ترامب؟