وثيقة أميركية تتضمن مخططات إرهابية مستوحاة من "داعش" لمواجهة روسيا.. ما القصة؟
تكشف وثائق مسربة حديثاً عن سلسلة من التوصيات الإرهابية قدّمها مجموعة سرّية من الأكاديميين وعملاء الاستخبارات العسكرية لأوكرانيا، من العبوات الناسفة إلى تخريب البنية التحتية الروسية إلى الدعاية "من كتاب داعش".
-
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي
موقع "The Grayzone" ينشر تحقيقاً يكشف فيه عن وثيقة أميركية قدّمت توصيات وخططاً لأوكرانيا لمواجهة روسيا، تتضمن أدوات ووسائل قتالية مستوحاة من "داعش" وحركة طالبان والحرب في العراق، واستخدام الهجمات السيبرانية، وهجمات جوّية باستخدام طيّارين من دول أجنبية.
أدناه نص التحقيق منقولاً إلى العربية:
تُظهر الوثائق الانفجارية المسربة التي نشرها موقع "ذا غرايزون"، كيف قامت مجموعة سرّية من الأكاديميين وعملاء الاستخبارات العسكرية عبر الأطلسي، بوضع مخطّطات تتيح مساعدة الولايات المتّحدة لأوكرانيا على "المقاومة"، و"إطالة أمد الحرب بالوكالة"، بأيّ وسيلة تقريباً باستثناء نشر الجيش الأميركي أو قوّات حلف شمال الأطلسي على الأرض.
ولقد جمع العملاء خططهم الحربية فوراً عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير العام 2022، وسلّموها مباشرة إلى أعلى مسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي في إدارة بايدن. وقد وضعت هذه الخطط تحت رعاية جامعة سانت أندروز في بريطانيا، واستعين بمصادر خارجية كطرف ثالث لضمان إمكانية إنكار الصلة بشكل معقول.
وقد تراوحت العمليات المقترحة، بين الخيارات العسكرية السرّية والعمليات النفسية على غرار العمليات "الجهادية" ضدّ المدنيين الروس، مع إصرار المخطّطين على "اتّباع نهج داعش"، التنظيم الذي لم يكن النموذج الوحيد للجيش الأوكراني، فقد اقترحت عصابة الاستخبارات الأطلسية، استعارة استخدام العبوات الناسفة البدائية من أسلوب المتمرّدين العراقيين ضدّ قوّات الاحتلال الأميركي، من أجل تطوير حرب عصابات ضدّ روسيا، بمهاجمة خطوط سكك الحديد ومحطّات الطاقة والأهداف المدنية، وغيرها من التوصيات التآمرية التي طبّقتها إدارة بايدن بالتدرّج، مصعّدة الصراع بشكل خطير إلى ما يتجاوز الخطوط الحمر، التي أعلنت عنها موسكو بجلاء، مراراً وتكراراً.
وكان من بين المقترحات توفير تدريب مكثّف لـ"المهاجرين الأوكرانيين"، على استخدام صواريخ جافلين وستينغر، وتمكين شنّ "الهجمات الإلكترونية على روسيا من قبل قراصنة وطنيين مع إمكانية إنكارها"، وإغراق مخازن أوكرانيا العسكرية بـالطائرات المسيرة، وتوفير "طائرات مقاتلة من مصادر مختلفة"، وتجنيد طيّارين متطوّعين غير أوكرانيين، لخوض معارك جوّية.
وقد أعدّ الوثيقة، ووقع عليها 4 من المحاربين الأكاديميين ولديهم ماض متنوّع. من بينهم المؤرّخ أندرو أور مدير معهد ولاية كانساس للتاريخ العسكري. وتتضمن مساهماته الأكاديمية الأخيرة فصلاً في مجلد أكاديمي غامض بعنوان "من هو الجندي؟ استخدام نظرية المتحوّلين جنسياً لإعادة التفكير في الهوية العسكرية للنساء الفرنسيات خلال الحرب العالمية الثانية".
وانضمّ إليه آش روسيتر، الأستاذ المساعد في الأمن الدولي في جامعة خليفة في الإمارات العربية المتّحدة، وهو ضابط سابق في مخابرات الجيش البريطاني. كما شارك أيضاً مارسيل بليشتا، الذي كان حينها مرشّحاً لنيل درجة الدكتوراه في جامعة سانت أندروز، ويوصف بأنّه من قدامى المحاربين في وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، ويشير ملفّه الشخصي على موقع "لينكد إن" إلى أنّه تدرّب في حلف شمال الأطلسي قبل أن يعمل في وظائف مع متعاقدي البنتاغون، ثمّ انضمّ إلى الوكالة المذكورة كمحلّل استخبارات. ولطالما افتخر بليشتا بأنّه "رشّح إرهابيين معروفين أو مشتبه بهم لإدراجهم ضمن مجتمع المراقبة والفحص الوطني".
كما شارك في هذه المؤامرة الأكاديمية زاكاري كالينبورن، وهو عالم مجنون في الجيش الأميركي يتابع حالياً دراسته للحصول على درجة الدكتوراه في دراسات الحرب في كينغز كوليدج لندن، مع التركيز على الطائرات من دون طيار وأسلحة الدمار الشامل وغيرها من أشكال الحرب الحديثة. وقد ساهم كالينبورن، الذي عمل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة، في التخطيط للحرب في أوكرانيا من خلال تقديم مقترحات لشنّ هجمات "ذكية" بالعبوّات الناسفة على أهداف روسية، وزرع قنابل على مسارات القطارات والسكك الحديدية الروسية.
ويبدو أنّ هذه المؤامرة كانت بقيادة مارك ر. ديفور، وهو محاضر كبير في جامعة سانت أندروز البريطانية. ولا يمكن التأكّد من الكثير عن خلفيته الشخصية أو المهنية على الإنترنت، على الرغم من أنّ أحدث منشوراته الأكاديمية تناقش الاستراتيجيات العسكرية. وفي الوقت الذي كانت فيه مسوّدة وثيقة الاقتراح السرّية قيد الصياغة، نشر مقالاً مع أندرو أور في مجلّة "المراجعة العسكرية" التابعة للبنتاغون بعنوان "الفوز بالصمود"، عن الولايات المتّحدة والمقاومة الأوكرانية لروسيا. وعلاوة على ذلك، فهو زميل في مركز الدراسات الاستراتيجية للبحرية الملكية، وهو "مركز أبحاث" تديره وزارة الدفاع البريطانية.
وتظهر رسائل البريد الإلكتروني أنّ ديفور سلّم عمل المجموعة مباشرة إلى العقيد تيم رايت، الذي كان مديراً لشؤون روسيا في مجلس الأمن القومي خلال إدارة بايدن. وحين أرسل إليه البريد المذكور وفقاً لملفّه الشخصي على "لينكد إن"، كان رايت مساعداً لرئيس قسم الأبحاث والتجريب في مديرية المستقبل بالجيش البريطاني آنذاك. وقد حاول موقع "ذا غرايزون" الاتّصال بجميع هؤلاء عبر الهاتف والبريد الإلكتروني من أجل الحصول على تعليقات حول دورهم في مخطّط الحرب بالوكالة، وحول ما إذا كانت جامعة سانت أندروز على علم بأنّها تُستخدم كقاعدة للتخطيط لهجمات إرهابية ضدّ روسيا، لكن لم يستجب أحد منهم للطلب.
دفع الشتات الأوكراني إلى الواجهة
بمجرّد اندلاع الحرب بالوكالة في أوكرانيا بكامل قوّتها في شباط/فبراير 2022، سارعت مجموعة الأكاديميين العسكريين إلى طرح ما وصفوه بـأفكار ذات طابع عملي نسبي، والتي يمكن للدول الغربية أن تتبناها بشكل جماعي لتعزيز قدرة أوكرانيا على المقاومة والحفاظ على أمل استقلالها. وقد حدّدت أقسام مخصّصة 5 اقتراحات، تستند إلى تجارب هذه النشاطات والسبل الممكنة لتنفيذها. وتباهوا بأنّ أسرع المقترحات في الوثيقة كانت "قابلة للتنفيذ في غضون أسبوع واحد فقط".
وكان أوّل ما ورد في المخطّط هو تسليح المتطوّعين من المهاجرين الأوكرانيين بصواريخ مضادّة للدبّابات والطائرات، بسبب افتقار كييف إلى "طواقم مدرّبة لتشغيل الأعداد الكبيرة من الصواريخ" التي تشحن إليها من الغرب. واستشهدوا بعملية "نيكل غراس"، حين قامت سفارة "تل أبيب" في واشنطن خلال الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1973، بتعبئة الطلّاب الإسرائيليين الذين يدرسون في الجامعات الأميركية، والذين أخضعوا على عجل لبرنامج تدريبي سريع من قبل الجيش الأميركي على استخدام الصواريخ، وأنزلوا جوّاً على الخطوط الأمامية للجبهة. واقترح هؤلاء المخطّطون القيام بالشيء نفسه في أوكرانيا، خاصّة وأنّ أعداداً كبيرة من الشباب الأوكرانيين الذين يعيشون في الغرب، كانوا قد أكملوا التدريب العسكري الإلزامي قبل مغادرتهم بلدهم.
وكان يعتقد أنّه من السهل التعرّف على المتطوّعين بين الجاليات الأوكرانية وتجنيدهم من خلال السجلّات لدى القنصليات والسفارات الأوكرانية في الغرب، ثم إخضاعهم لدورات مكثفة على استخدام الصواريخ قبل إرسالهم إلى كييف.
التعلّم من "داعش"
امتدّت خطط المجموعة الرباعية إلى مجال البرامج الإلكترونية، وحثّت وكالات الاستخبارات الغربية على "توفير الأدوات والاقتراحات الإلكترونية لـلمتسلّلين المتطوّعين الذين يريدون توجيه ضربة لأجل استقلال أوكرانيا". وسجّلوا أنّ "المهمة الرئيسية لهؤلاء المحاربين المتطوّعين في مجال الإنترنت قد تكون التأكّد من نشر مقاطع الفيديو التي تصوّر الهجمات العشوائية الروسية، واستخدامها الأسلحة غير المقبولة مثل القنابل الحرارية، والضحايا المدنيين الأوكرانيين، والضحايا الروس، والمجندين الروس الأسرى الفقراء"، وعلى أن تكون متاحة للجمهور الروسي. وفي الوقت نفسه، قد يسعى "المتسلّلون الوطنيون" إلى قصف الروس بالدعاية "حول المعارضة الداخلية للحرب". وقد أوضحت عصابة الاستخبارات الرباعية أنّها تهدف إلى تحقيق التأثير النفسي نفسه الذي حقّقته المنظّمة الإرهابية الأكثر شهرة في العالم، قائلةً "نحن بحاجة إلى أن نتعلّم من كتاب داعش في توصيل رسالتنا إلى الروس ببراعة".
صُمّمت أنشطة هؤلاء "المحاربين السيبرانيين" لتوفير غطاء لهجمات الاختراق على البنية التحتية الإلكترونية لمؤسّسات الدولة الروسية. و" كلّما زاد حجم الهجمات الإلكترونية المستقلّة على روسيا، زادت أيضاً الفرص المتاحة لوكالات الاستخبارات الغربية لشنّ هجمات إلكترونية جراحية لتعطيل الأنظمة الرئيسية في اللحظات الحاسمة، والتي يمكن نسبها إلى ناشطين هواة بشكل معقول"، كما يقول واضعو المخطّط.
ينطبق وصف هذه المجموعة إلى حدّ كبير على ما يسمّى "جيش تكنولوجيا المعلومات في أوكرانيا"، وهو عبارة عن ميليشيا إلكترونية تطوّعية أنشئت في الأيام الأولى التي أعقبت الغزو الروسي. ومنذ ذلك الحين، أشرف عليها ميخايلو فيدوروف، القيصر الرقمي الأوكراني الذي تنسب إليه هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، الفضل في الضغط على شركات "سامسونغ وإنفيديا" لوقف عملياتهما في موسكو، وإجبار "باي بال" على إلغاء حسابات جميع عملائها الروس.
كذلك، الجيش الإلكتروني الأوكراني يتعاون بشكل وثيق مع مجموعة "أنونيموس"، وهي مجموعة قرصنة إلكترونية، ينسجم عملها الآن بشكل وثيق مع أهداف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. ولقد ألمح مخططو "المؤامرة" التي قدمت إلى مجلس الأمن القومي عن هذه العلاقة، بالقول إنّ "مجموعات القرصنة مثل أنونيموس قد بدأت بالفعل في استهداف روسيا، ومن الممكن توسيع وتعزيز هذه الجهود".
كما أعلن الجيش الإلكتروني الأوكراني عن مسؤوليته عن العديد من أعمال التخريب عبر الإنترنت. كما أنّه شارك أيضاً في عمليات اختراق استهدفت شبكات الكهرباء والسكك الحديدية في روسيا. وقد نسب الهجوم على خدمة سيارات الأجرة الروسية "ياندكس"، الذي تسبّب في ازدحام مروري كبير في موسكو في أيلول/سبتمبر 2022، إلى اشتراكهم مع جماعة "أنونيموس" في تنفيذ العملية.
عبوّات ناسفة لاستهداف البنية التحتية الروسية
لقد امتدّت خطط المؤامرة لمهاجمة روسيا بوسائل غير تقليدية والاستنجاد بعالم الإرهاب على نحو صريح. وقد طرح زاكاري كالينبورن، وهو طالب دكتوراه في دراسات الحرب في كينغز كوليدج لندن، في بحث حول استدراك المخاطر وإدارتها والتركيز على الكوارث العالمية وحرب الطائرات بدون طيّار وأسلحة الدمار الشامل والإرهاب المتطرّف والبنية التحتية الحيوية، سلسلة من التوصيات التفصيلية لمهاجمة أنظمة السكك الحديدية والطرق الروسية بعبوات متفجرة بدائية الصنع.
وقد كتب كالينبورن إنّ "خزّانات الوقود للقاطرات التي تعمل بالديزل توجد عادة في الأسفل، تحت المحرّك. ولن يكون من الصعب للغاية زرع وإخفاء متفجّرات صغيرة بين الشرائح الخشبية للسكك الحديدية ثمّ تفجيرها عندما تكون القاطرة فوقها".
طوال عام 2023، نفذت مجموعة من "الأناركيين" الروس والبيلاروسيين، الذين يصفون أنفسهم بأنّهم من الفوضويين، سلسلة من الهجمات على السكك الحديدية وأبراج الهواتف الخلوية والبنية الأساسية داخل روسيا. وقد نالت مجموعة المخرّبين المتطرّفين التي أطلقت على نفسها اسم "بواك"، أو منظّمَةِ القتال لـ "الشيوعيين الأناركيين"، شهرة كبيرة في وسائل الإعلام الغربية. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت قد تلقّت أيّ مساعدة خارجية.
ويرى كالينبورن، أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها يمكن أن "يستفيدوا من الدروس التي تعلّموها بصعوبة في العراق وأفغانستان لمساعدة أوكرانيا في تنظيم حملة تفجيرات ناسفة ضد خطوط الجيش الروسي".
وباستخدام طالبان والمتمردين العراقيين كنماذج، اقترح كالينبورن تقنيّتيْن "التشفير باستخدام وسائل الاتّصال العامّة والخاصّة والعبوّات الناسفة الذكية"، لزيادة فعّالية الحملة إلى حدّ كبير. ولإحداث فوضى داخل روسيا، تصوّر كالينبورن قوّة منظّمة "موجودة خلفك" التي أطلقت في أوروبا خلال الحرب الباردة في القرن الماضي، عندما نظّمت وكالة المخابرات الأميركية وحلف شمال الأطلسي عصابات فاشية ومن المافيا لتنفيذ هجمات إرهابية ضدّ "الشيوعية".
وفي الوقت عينه، فإنّ العبوّات الناسفة الذكية المزوّدة بـمكوّنات حديثة مثل "وحدات التحكّم الدقيقة، والتي أصبحت الآن وفيرة ورخيصة، من شأنها أن تسمح للمهاجمين الأوكرانيين من ممارسة احترافية" كما كتب كالينبورن.
توظيف مقاولين سرّاً لتوجيه الطائرات بدون طيّار
في حين استلهم الأكاديميون الغربيون خططهم من جهات فاعلة غير حكومية مثل تنظيم "داعش" وحركة طالبان، فإنّهم كانوا يخطّطون نيابة عن الحكومة الأوكرانية لوضع خطط متقنة للحرب التقليدية أيضاً. وقد أدركوا أنّ الطائرات بدون طيار "أثبتت فعّاليتها حتى الآن" في الحرب بالوكالة، وحثّوا على استيراد المزيد من طائرات "بيرقدار تي بي 2" التركية الصنع، والتي قالوا إنّها السلاح "الوحيد الذي تستخدمها أوكرانيا بنجاح لضرب القوّات البرّية الروسية". واقترحوا إغراق مخازن كييف بـهذه الطائرات، مشيرين إلى أنّ أوكرانيا كانت تستخدمها بالفعل قبل بدء الصراع، وهذا يؤمّن دور تركيا في توريد المزيد من "بيرقدار" قدرة على إخفاء الأمر، ممّا يترك حيادها العلني سليماً.
وافترض الأكاديميون أنّ أنقرة "قد تنقل أعداداً كبيرة من هذه الطائرات بسرعة، بالاعتماد على مصادر مختلفة ومقاولين محليين من القطاع الخاصّ". وإذا كانت تركيا غير راغبة أو غير قادرة على المضي قدماً في هذه الخطّة، فيمكن البحث عن بدائل. وأشاروا إلى أنّه نظراً لشيوع تشغيل الطائرات من دون طيّار من قبل مقاولين من القطاع الخاصّ، فيمكن توجيهها جميعاً عن بعد بواسطة أفراد من هؤلاء ويعملون لدى أوكرانيا، عوضاً عن أفراد القوّات المسلّحة التابعة لحلف شمال الأطلسي.
بما أنّ الطائرات من دون طيّار يمكن تشغيلها من مسافات بعيدة عن خطّ المواجهة ربّما مع طيارين يعملون من دول مجاورة، فإنّها تقدّم ميزة إضافية عن الطيارين المتعاقدين، حيث إنّها ستكون آمنة نسبياً، ومن غير المرجّح بالتأكيد أن تؤسَر وتعرّضها الكاميرات الروسية. وفي حين كانت الطائرات غير المأهولة التي تنتجها الولايات المتّحدة مثل "بريديتور" و"ريبر" خياراً، ويمكن توفيرها "بأعداد كبيرة"، فإنّها "ستبدو أكثر استفزازاً" من منظور روسيا، وتجعل المشاركة الأميركية في الحرب نشطة وواضحة وفجة للغاية.
ومن الممكن أيضاً مضاعفة تزويد أوكرانيا بـطائرات من دون طيار تجارية جاهزة مثل "فانتوم"، والتي تحتوي على معدّات تسجيل قادرة على إنتاج معلومات استخبارية مفيدة تكتيكياً، ويمكن تعديلها لحمل المتفجّرات. ومع أنّها متوفّرة على نطاق واسع، إلّا أنّ مهمة إسناد توريدها عبر دولة أخرى كان أمراً صعباً.
وبعيداً عن ذلك، وعلى الرغم من النجاحات الأوّلية المزعومة، اختفت طائرات "بيرقدار تي بي 2" بسرعة من سماء دونباس. وكما اعترف العديد من المسؤولين الأوكرانيين، فإنّ الابتكار الروسي في الدفاع الجوّي والحرب الإلكترونية جعل الطائرات من دون طيار عديمة الفائدة فعليّاً. وعلى العكس من ذلك، لوحظ أنّه بينما لا تزال القوّات الجوّية الأوكرانية تقوم بمهماتها، فإنّ مخازن كييف سوف تنفد من الطائرات قريباً. وكان العلاج الموصوف هو إعادة تجهيز البلاد بمقاتلات "ميغ 29" السوفياتية الصنع، التي يعرف الطيّارون الأوكرانيون كيفية تشغيلها بالفعل.
لكنّ هذه الخطّة تطلّبت من عدد من الدول تسليم أساطيلها القديمة من طائرات "ميغ 29" إلى كييف، في حين أعرب الأكاديميون عن قلقهم من أنّ دول وسط وشرق أوروبا قد تكون "متردّدة" بسبب خطر "الانتقام الروسي"، ولكن "يمكن الالتفاف والتحايل على هؤلاء من خلال "الوعود بالهدايا" مثل المساعدة على ترقية أسلحتهم. وفي العام 2023، أعطت سلوفاكيا لأوكرانيا سربها بالكامل المكون من 13 طائرة "ميغ 29"، مقابل وعد أميركي بمنح سلوفاكيا 12 طائرة مروحية هجومية من طراز "بيل إيه إتش 1 زد" المزوّدة بصواريخ "هيلفاير".
كذلك، وعدت بولندا في البداية بمضاهاة إسراف سلوفاكيا، لكنّها لم تقدّم سوى عدد رمزي. وظلّت الصفقة معلّقة منذ إعلان وارسو في العام الماضي عن أنّ بولندا لن توفّر أيّ طائرات "ميغ 29" أخرى لأوكرانيا، حتّى تتلقّى أسطولاً من طائرات "إف 35 الأميركية"، والتي لا يتوقّع وصولها حتّى العام المقبل. كما ورد أنّ دولة البيرو، التي استغلّها الأكاديميون المتآمرون أيضاً كمصدر محتمل للطائرات، أعطت الضوء الأخضر في البداية لتوريد الطائرات السوفياتية إلى أوكرانيا، لكنّها تراجعت بعد ذلك. وكانت معظم حكومات أميركا اللاتينية قد رفضت إرسال أيّ أسلحة إطلاقاً إلى أوكرانيا، على الرغم من الضغوط الأميركية.
طيّارون غير أوكرانيين يشنون هجمات ضدّ روسيا
الفقرة الأكثر إثارة للقلق في الوثيقة هي الفقرة الأخيرة، التي يستعرض فيها المخطّطون أمثلة تاريخية للقوّاتِ الجوّية التي تستخدم طيّارين أجانب في صراعات كبرى. وتشير الوثيقة إلى أنّ طياري مجموعة "النمور الطائرة"، "سرّحوا من الجيش الأميركي في سبيل محاربة اليابان في الصين "مع أنّه من المؤكّد أنّهم سوف يكونون موضع ترحيب في نهاية المهمّة". كما استشهدت الوثيقة بتوظيف فنلندا لسرب "أجنبي بالكامل" في حربها ضدّ موسكو عام 1940، فضلاً عن اعتماد المستوطنين الصهاينة على قوّة جوّية "تتكوّن بالكامل تقريباً من متطوّعين أجانب" في أثناء حملتهم العسكرية ضدّ القوّات الفلسطينية والعربية والسكّان الأصليين في العام 1948.
تتبدّى رغبة المخطّطين في تطبيق هذه السوابق على الصراع بالوكالة في أوكرانيا، من خلال إنشاء "مجموعات مقاتلة تطوّعية لتعزيز الدفاع الجوّي الأوكراني"، وتتألّف من عدد معقول من الطيّارين الغربيين. كما حدّدوا أنّ هؤلاء "قد يتطوّعون إذا عرضت عليهم إدارة قوّاتهم المسلّحة إجازات غياب مبررة"، كما قد تفعل ذلك المؤسّسات الخاصّة بقليل من الضغط، مثل شركات الطيران التجارية الأميركية كي "تسمح لموظّفيها المؤهلين والمسجّلين في القوّات الجوّية أو الحرس الوطني الجوّي، بالحصول على مثل هذه الإجازات". وتباهت الوثيقة بأنّ "مجموعات الطيّارين المتطوّعين يمكن أن تؤثّر في النشاط الجوّي الروسي بشكل كبير".
وقد اعتبر المخطّطون أنّ طائرات "إف 16، تشكّل الخيار الأكثر منطقية"، بسبب "عدد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي تستخدمها"، من ضمنهم بولندا. وبذلك، "يمكن نقل قطع الغيار من وارسو إلى كييف بسرعة نسبية"، مع قيام الولايات المتّحدة "بنقل البدائل جوّاً" إلى بولندا. ومنذ اليوم الأول تقريباً للحرب بالوكالة، طالب أشدّ أنصارها تشدّداً بتزويد كييف بهذه الطائرات المقاتلة، باعتبارها "عاملاً يغيّر قواعد اللعبة" ومن شأنه أن يرجّح كفّة الصراع على نحو حاسم لصالح أوكرانيا.
وعلى الرغم من الضجّة الكبيرة الأوّلية لوصول طائرات "إف 16" أخيراً إلى كييف في أواخر تمّوز/يوليو في العام الماضي، اشتكى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فوراً تقريباً من أنّ بلاده لم تتلقّ سوى عدد قليل من الطائرات، وليس لديها ما يكفي من الطيّارين المدرّبين على الطيران بهذه الطائرة. ما أدّى إلى انتشار الذعر في واشنطن، حيث اندفع السناتور ليندسي غراهام ودعا علناً أي طيّار من المتقاعدين لطائرة "إف 16"، ويتطلّع للقتال من أجل "الحرية" على التقدّم والتطوّع. وبعد ذلك بنحو شهر، تحطّمت أوّل طائرة "إف 16" في سماء أوكرانيا في ظروف حربية غامضة، في حين اختفت تقريباً أيّ إشارة من وسائل الإعلام في الأشهر التي تلت ذلك، إلى استخدام أوكرانيا للطائرة المذكورة وعن كونها "ستغيّر قواعد اللعبة". مع ذلك أنّ محتويات الوثيقة المسربة تثير تساؤلات خطيرة حول عدد الضربات الأوكرانية المفترضة في عمق روسيا التي نفّذها بالفعل عملاء عسكريون غربيون، بناءً على أوامر ومساعدة فعلية من حلف شمال الأطلسي والولايات المتّحدة.
ويزعم المخطّطون، أنّ "الطيّارين العسكريين من أوروبا الغربية وأميركا يميلون إلى الطيران لساعات أطول وتدريب أكثر ديناميكية من نظرائهم الروس أو الأوكرانيين"، ما يعني أنّهم مرشّحون مثاليون للقيام بـ "مهمات قتالية". ومع ذلك، حذّر المخطّطون الأكاديميون من الطيّارين الغربيين الذين يحلقون بالقرب من خطوط المواجهة، خوفاً من "وقوعهم في الأسر في قبضة روسيا، حيث يمكن أن يصبحوا عبرة، أو يمكن عرضهم أمام الكاميرات". ربّما هذه إشارة إلى طيّاري وكالة المخابرات المركزية غاري باورز الذي أسقطت طائرته فوق الاتّحاد السوفياتي ويوجين هاسنفوس الذي سقطت طائرته في سماء نيكارغوا، حيث قامت موسكو وماناغوا على التوالي بإذلال وكالة الاستخبارات الأميركية.
مع ذلك، ما يزال من غير الواضح إلى أيّ مدى كانت هذه المقترحات تحدّد مسار العمليات التي تشنّها القوات الأوكرانية ضدّ عدوّها الروسي. ولكنّ التسريبات التي نشرها موقع "ذا غرايزون" تكشف لأوّل مرّة كيف قامت مجموعة صغيرة من الأكاديميين ببساطة في غضون أسابيع فقط، بتقديم خطط حرب غير تقليدية إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وجهاز الاستخبارات البريطاني.
وكما فعلت بريطانيا بمشروعها "الخيميائي" المؤامرة الهادفة إلى إبقاء أوكرانيا في حالة حرب مع روسيا، يبدو أنّ إدارة بايدن قد أسندت مسؤولية صياغة استراتيجيتها في ساحة المعركة في أوكرانيا إلى مجموعة من الحمقى ذوي الخلفيات المشكوك فيها، والذين يجلسون على بعد آلاف الأميال من خطّ المواجهة وحقائقها المروّعة. وبعد مرور ما يقرب من 3 سنوات، ومع فقدان جيل من الأوكرانيين في مفرمة لحم الحرب بالوكالة، فمن المرجّح أنّ مخطّطي الحرب هذه ما زالوا ينقرون على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصّة بهم في مكان ما في القاعات العتيقة للأوساط الأكاديمية.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.