"الغارديان": أخيراً تم الاعتراف بفلسطين.. لكن غزة بحاجة ماسة إلى خطوات ملموسة

لقد ألقى رئيس الوزراء البريطاني وآخرون خطاباتٍ جميلة، وسيأتي كثيرون غيرهم ليقولوا كلامًا قليلًا جدًّا ومتأخّرًا جدًّا أيضًا، بعد كل هذه الفظائع بحقّ الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى نجدةٍ فوريةٍ بلا أي قيد.

0:00
  • "الغارديان": أخيراً، تم الاعتراف بفلسطين.. لكن غزة بحاجة ماسة إلى خطوات ملموسة

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يتناول الاعتراف الغربي المتأخر بدولة فلسطين، ويركز على قرارات كندا وأستراليا وبريطانيا، وينتقدها معتبراً أنّ فلسطين المحتلة بحاجة إلى خطوات ملموسة، وأنّ الاعتراف يجب أن يُستكمل بإجراءات عملية، وإلا ظلّ بلا أثر حقيقي.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

رغم أنّها تأخّرت عن مواكبة الأحداث، فإنّ الخطابات الجيدة تظلّ موضع ترحيب، مثل قرار الاعتراف المنسَّق بدولة فلسطينية من قبل كندا وأستراليا وبريطانيا، في خطوة حاسمة تمثّل لحظة تاريخية. غير أنّها لا تفتتح سجلّ التاريخ، بل تصحّحه، إذ إنّ الدولة الفلسطينية وُجدت دائماً، والاعتراف بهذه الحقيقة يمنح المصداقية للمعترِفين، لا للفلسطينيين وحقوقهم غير القابلة للتصرّف.

وفي سياق التحوّل المتزايد ضد "إسرائيل"، حتى في الولايات المتحدة، يرسّخ الاعتراف بدولة فلسطينية ما حاولت "إسرائيل" محوه نهائياً، وهو الحقّ المشروع للفلسطينيين في أرضهم. فالإصرار على الاعتراف بالدولة الفلسطينية أمر بالغ الأهمية، يحمي القضية في مواجهة حكومةٍ إسرائيلية تتباهى بأنّها تقتل فكرة الدولة الفلسطينية. ومن الناحية الدبلوماسية، فإنّ اعتراف دول مثل بريطانيا وفرنسا وكندا بفلسطين يحمل دلالة واضحة.

هذه التحركات مهمّة، لأنّها تتمحور أساساً حول حقّ شعبٍ في الوجود والسيادة على أرضه. والإبقاء على هذا المفهوم حيّاً، حتى وإن لم تتراجع "إسرائيل" عن سياساتها، يُعَدّ مقاومةً لمساعي الحكومة الإسرائيلية إلى السيطرة الكاملة والنهائية على الفلسطينيين، من دون إدانة أو محو لحقوقهم. كما أنّ الاعتراف يمنح الدولة الفلسطينية مكانةً واحتراماً وعلاقاتٍ ومعاهداتٍ دولية.

ويحمل موقف بريطانيا وزناً كبيراً، باعتبارها عضواً في مجموعة السبع وعضواً دائماً في مجلس الأمن، إلى جانب فرنسا، في مواجهة الدعاية الأميركية والإسرائيلية التي تساوي بين الاعتراف بالفلسطينيين ومكافأة حركة "حماس".

لكنّ الطريق إلى هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية لم يكن نبيلاً في الأفعال، بل مشوّهاً في منطقه. فقد اتّسم ردّ فعل الحكومة البريطانية تجاه الوضع في غزّة خلال العامين الماضيين بالتأخّر والتردّد، ولا يمكنها أن تتنصّل من أثر كلمات كير ستارمر في تلك الأيّام الأولى، حين قال إنّ لـ"إسرائيل الحق" في قطع الكهرباء والمياه عن غزّة.

كما لا يمكن لبريطانيا أن تهرب من عار رفضها دعم وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الأمر الذي دفع عدداً من أعضاء حكومة الظل إلى الاستقالة من مناصبهم للتصويت لصالح تعديل على خطاب الملك يدعو إلى وقف إطلاق النار.

لكنّ الإخفاقات ليست تاريخية فحسب، بل هي أيضاً راهنة ومتزامنة مع الاعتراف بالدولة الفلسطينية اليوم. فالحكومة التي تتحدث عن الوضع غير المقبول والملحّ في غزّة، هي نفسها التي استقبلت الرئيس الإسرائيلي في داونينغ ستريت مطلع هذا الشهر، حيث صرّح بأنّ "هناك أمة كاملة مسؤولة" عن هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهو تصريح استشهدت به لجنة تابعة للأمم المتحدة باعتباره تحريضاً على الإبادة الجماعية.

وهي أيضاً الحكومة ذاتها التي سخّرت كامل قوّتها ضد مئات المتظاهرين السلميين الذين اعترضوا على حظر منظمة "حركة فلسطين". وعلى الرغم من تعليق مبيعات وتصاريح الأسلحة الهجومية لـ"إسرائيل"، ما تزال الشركات البريطانية تزوّدها بآلاف المعدات العسكرية، بما في ذلك الذخائر التي تشمل القنابل والطوربيدات والألغام والصواريخ.

ولم يكن قرار التعليق الجزئي لتصدير السلاح سوى نتيجة ضغط الرأي العام. وسواء تعلق الأمر بفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين من اليمين المتطرّف بسبب تحريضهم على العنف ضد الفلسطينيين، أو بالتحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطينية، فإنّ خطوات الحكومة دائماً بطيئة، وحتى حين تتحرك، تكتفي بإجراءات جزئية وتصريحات مبهمة.

وهذا أمر طبيعي حين لا تنبع ردود الأفعال من واجب سياسي وأخلاقي، بل من ضغطٍ وحساباتٍ آنية. غير أنّ هذه الحسابات لا تحقق النتيجة المرجوّة في إظهار الحكومة وكأنها تسيطر على الوضع، لأنّها تحاول التوفيق بين أمرين لا يمكن الجمع بينهما: إرضاء الرأي العام، وعدم إحداث قطيعة حقيقية مع الدولة الإسرائيلية.

والنتيجة أنّ إعلان النية للاعتراف بدولة فلسطينية قد أُضعف منذ البداية بمنطقه الملتوي، إذ جرى تأطيره ضمن شروط يجب على "إسرائيل" تلبيتها، مثل وقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات إلى غزّة، شرطاً لمنع الاعتراف.

فإمّا أن يكون للفلسطينيين حقّ غير قابل للتصرّف في الدولة وتقرير المصير، أو لا يكون. وربط هذا الحقّ بامتثال الاحتلال يرسّخ فكرة غير واقعية وخيالية، مؤدّاها أنّ "إسرائيل" معنيّة فعلاً بالسعي نحو حلّ الدولتين، بينما تسير عملياً في الاتجاه المعاكس.

ومن الواضح الآن، بعد مرور عامين على الإبادة الجماعية، أنّ الحكومة الإسرائيلية ليست من النوع الذي يمكن تهديده أو حثّه أو توبيخه كي تتوقف عن انتهاك الحقوق الإنسانية والسياسية للفلسطينيين.

ولهذا السبب لا يمكن أن يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية مجرّد ورقة ضغط وهمية: أيّ اعتراف لا يقترن بإجراءات فعلية، أو مجرّد غطاء شكلي تستخدمه الحكومات الغربية لتدّعي أنّها اتخذت خطوات كبيرة، فتمنح نفسها فرصة للتهدئة. ولا ينبغي لهذا الاعتراف أن يتحوّل إلى مجرّد نقطة حوار تُستَخدم عند الحاجة لتبرئة الذات من اتخاذ إجراءات إضافية ضرورية. بل يجب أن يكون الاعتراف أكثر من غايةٍ في حد ذاته.

ولا يمكن أن يقتصر على كونه إشارة قوية في الخطاب السياسي من دون أي إجراءات ملموسة توقف الإبادة الجماعية والغزو وإعادة الاستيطان في غزّة، أي التطهير العرقي الثاني للشعب الفلسطيني، والضمّ الوشيك للضفة الغربية. بل يتوجّب أن يصاحبه فرض عقوبات، وحظر تجاري، وعزلة دولية. وأن تكون هذه الإجراءات بدايةً على طريق سحب الشرعية الدولية عن "إسرائيل"، التي أصبحت منذ زمن بعيد دولة خارجة عن القانون.

يُعَدّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوةً كبيرة من جانب الدول التي حجبت هذا الحق طويلاً، وسنسمع في الأيام المقبلة الكثير من العبارات من قبيل "أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً". لكنّ الأهمية المحتملة لهذه الخطوة تضاءلت بفعل الأحداث الجسيمة التي شهدناها خلال العامين الماضيين، من جرائم حرب وفظائع لم يتصدَّ لها العالم بما يتناسب مع خطورتها.

ولا أدري إن كان "أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً" أمراً جيّداً حقاً. فلقد قُتل، وجُوّع، وشُوّه العديد من الفلسطينيين. ولا يمكن لهذه العبارة أن تكون مجرّد جملة سطحية تدفعنا للرضا عن سياسة لا تطمح إلا إلى أدنى سقفٍ من التوقعات. وإذا ظلّت الخطوات التالية جميعها في إطار "أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً"، فإنّ الحصيلة النهائية لكل هذا التحرك "التاريخي الكبير"، من حيث تأثيره على مصير فلسطيني واحد على أرض الواقع، ستكون صفراً.

ولكي تكون خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية ذات معنى وأهمية حقيقية، يجب أن تتبعها خطواتٌ تستجيب لمتطلّبات اللحظة فعلاً، وتتجاوز مجرّد التصريحات السياسية.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.