"الغارديان": مقتل تشارلي كيرك يجب أن لا يتحوّل إلى حريق الرايخستاغ بيد ترامب
انتبهوا من التاريخ الأوروبي، فمقتل تشارلي كيرك قد يكون ذريعة لقمع المعارضين السياسيين للرئيس الأميركي.
-
"الغارديان": مقتل تشارلي كيرك يجب أن لا يتحوّل إلى حريق الرايخستاغ بيد ترامب
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقال رأي يتناول مقتل الناشط المحافظ تشارلي كيرك، واستغلال الحدث سياسياً من قبل ترامب وحلفائه لتعزيز خطابهم وإلقاء اللوم على اليسار، وربط هذا الحدث بتصعيد الاستقطاب السياسي والاجتماعي.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
إذا كان عام 2025 يتجه ليكون الأسوأ في القرن بالنسبة إلى النظام العالمي القائم على قواعد ما بعد عام 1945، فإن الأسبوع الماضي كان الأكثر تدميراً حتى الآن. فقد عمّقت "إسرائيل" استخفافها بالاتفاقيات الدولية عندما أرسلت 10 طائرات مقاتلة إلى قطر وقصفت وفداً من حماس كان يشارك في محادثات وقف إطلاق النار في الدوحة. وربما يكون آخر منتدى جاد للمفاوضات الدبلوماسية قد انتهى الآن.
في أوروبا، انتهكت 19 طائرة روسية مسيّرة المجال الجوي البولندي. وللمرة الأولى في تاريخه، انخرط سلاح الجو التابع لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في اشتباكات ضد أهداف معادية داخل أراضي دولة عضو في الحلف. وسواء كان الاختراق عطلاً فنياً أو اختباراً متعمداً من موسكو، كما يرجّح الخبراء الغربيون، فقد شكّل "أقرب ما وصلنا إليه من صراع مفتوح منذ الحرب العالمية الثانية"، بحسب رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك.
أما في الولايات المتحدة، فقد قُتل تشارلي كيرك، الناشط المحافظ المتشدد والحليف المقرب من دونالد ترامب، بالرصاص أثناء إلقائه كلمة في جامعة يوتا أمام طلاب وأنصار حركة "ماغا". ورغم غياب أي أدلة على هوية المنفذ أو دوافعه، سارع ترامب إلى اتهام "اليساريين المتطرفين"، محمّلاً خطابهم "المسؤولية المباشرة عن الإرهاب الذي نشهده في بلادنا اليوم".
وعندما سُئل ترامب عن كيفية تعافي الأمة المنقسمة بعد اغتيال كيرك، قال إنه "لا يكترث". وكان تفسيره صادماً: "المتطرفون على اليمين متطرفون لأنهم لا يريدون رؤية الجريمة.. لكن المتطرفين على اليسار هم المشكلة، إنهم أشرار وفظيعون وذوو خبرة سياسية". هكذا يتحول الاستقطاب إلى قبلية، وتتسارع دوامة الكراهية نحو نقطة اللاعودة.
مع ذلك، تُظهر البيانات أن أكثر من ثلاثة أرباع جرائم القتل المرتبطة بالتطرف في الولايات المتحدة خلال العقد الماضي نفذها متطرفون يمينيون، بينما يتحمل اليسار المتطرف نسبة ضئيلة منها فقط. ورغم أن ترامب أدان العنف السياسي في اليوم التالي، فإنه لم يشر إلى موجة الهجمات الأخيرة ضد الديمقراطيين، بما في ذلك عدة عمليات قتل.
لا شك أنّ التداعيات السياسية والثقافية لاغتيال كيرك ستتكشف خلال الأسابيع المقبلة. لكن الخطر الأكبر، في ظل المناخ المستقطب الحالي، هو أن يتحول إطلاق النار إلى ما يشبه "حريق الرايخستاغ" في عصرنا. ذلك الحريق المتعمد في 27 شباط/فبراير 1933 كان نقطة التحول التي نقلت ألمانيا من ديمقراطية هشة إلى ديكتاتورية مطلقة. فقد استغل هتلر، الذي كان قد تولى منصب المستشار حديثاً، الحدث لقمع حريات دستور فايمار: حرية التعبير، والصحافة، وتكوين الجمعيات، والتجمع.
قال وهو يتفقد المبنى المحترق: "سنقطع رؤوس كل من يقف في طريقنا". سُجن آلاف الشيوعيين، بمن فيهم جميع النواب الـ81 في البرلمان. ومع تحييد اليسار، عزز النازيون سلطتهم بسرعة.
في الولايات المتحدة اليوم، يسيطر موت كيرك على المشهد، دافعاً حركة "ماغا" وأنصار ترامب إلى تصعيد خطابهم، وهو يدرك ذلك جيداً. فقد طالب العنصري الأبيض مات فورني باعتقال كل سياسي ديمقراطي، معلناً أنّ عملية القتل تمثل "حريق الرايخستاغ" الخاص بالحركة.
الحقيقة أنّ هذا الحدث قد يُنقذ رئاسةً تتراجع شعبيتها تحت وطأة انخفاضٍ حاد في التوظيف، وضعف الدولار، وأزمة سكنية خانقة. رثى ترامب كيرك كما لو كان فرداً من عائلته، لكن خطابه أوحى بأن القضية تتعلق بملاحقة خصومه بقدر ما تتعلق بتحقيق العدالة. فمباشرة بعد الاغتيال، توعد بمحاسبة "كل من ساهم في هذه الفظاعة... بما في ذلك المنظمات التي تمولها وتدعمها"، متهماً بالاسم جورج سوروس، المانح الديمقراطي المعروف، قائلاً لشبكة "إن بي سي نيوز": "إنه رجل شرير، ويجب سجنه".
لا يزال دافع القاتل غير واضح. فالمشتبه به، تايلر روبنسون (22 عاماً)، بدا مشوش المواقف كحال توماس ماثيو كروكس (20 عاماً)، الذي حاول اغتيال ترامب سابقاً. والسؤال: هل هذا فعل يساري متطرف ضد يميني متطرف، أم انعكاس لثقافة فرعية فوضوية تنحدر من منتديات الإنترنت المظلمة إلى العالم الواقعي؟ الشعارات المحفورة على الرصاص في يوتا بدت أقرب إلى خليط بدائي من الميمات الطفولية وإشارات ألعاب الفيديو، لا إلى بيان أيديولوجي متماسك.
لكن المخاوف تتزايد من اتساع دائرة القمع ضد الأكاديميين، والمحامين، والصحفيين، وموظفي الخدمة المدنية، والضباط العسكريين، والقضاة "غير الموالين". فقد اندلعت بالفعل موجة من الفصل التعسفي، وحذرت الخارجية الأميركية الرعايا الأجانب من الإشادة باغتيال كيرك أو السخرية منه، وأصدرت تعليمات للقنصليات باتخاذ "الإجراءات المناسبة" بحق المخالفين.
لطالما ازدهر ترامب في أجواء الفوضى. فعندما تغيب الأزمات الحقيقية، يختلقها: من "أوبئة الجريمة" المتخيلة في لوس أنجلوس وواشنطن وشيكاغو، إلى حملات إعلامية تبني الخوف وتغذي قبضته على السلطة. أما الآن، فقد قُدّمت له الفوضى على طبق من فضة. فلا عجب أنه لا يكترث بنداءات الوحدة الوطنية.
إطلاق النار يمنحه الذريعة المثالية لتشديد قبضته، إسكات معارضيه، وتركيز السلطة، حتى يتسلم خلفاؤه دولة جاهزة للاستبداد، بغض النظر عن الكاريزما أو الكفاءة أو التفويض الشعبي. فبناء أي نظام شمولي هو الخطوة الأصعب؛ أما الحفاظ عليه، فأسهل بكثير.
صحيح أن الديمقراطية الليبرالية والنظام العالمي القائم على القواعد بعيدان عن الكمال، لكنهما وفّرا قدراً من السلام والتقدم والازدهار، وهو نقيض الاستبداد تماماً. قد يبدو القول إن الولايات المتحدة ـ مهندسة نظام ما بعد الحرب ـ قد تنزلق نحو استبداد كامل ضرباً من المبالغة، لكن من زاوية أخرى، ليس هذا مستبعداً.
فالشمولية لا تزال حاضرة في الذاكرة الحية لكثيرين، حتى في قلب أوروبا الديمقراطية. من بلجيكا إلى بلغاريا، لكل عائلة تقريباً تاريخ مع الموت والدمار والبؤس الذي يخلّفه الاستبداد. وإذا أراد الأميركيون إنقاذ مستقبلهم القريب، فعليهم مراجعة ماضيهم القريب.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.