"المونيتور": لماذا وقّعت السعودية اتفاقية أمنية مع باكستان؟
تُشير اتفاقية الدفاع الجديدة بين السعودية وباكستان إلى تزايد شكوك دول الخليج بشأن الضمانات الأمنية الأمريكية.
-
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف يتبادلان العناق يوم توقيع اتفاقية دفاعية بين البلدين
موقع "المونيتور" الأميركي نشر تقريراً تحليلياً تناول اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشتركة بين السعودية وباكستان، وما يحيط بها من أبعاد إقليمية ودولية، إضافةً إلى خلفية الاتفاقية وأسباب توقيتها، وما تعكسه من أزمة ثقة خليجية بالولايات المتحدة.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
وقّعت المملكة العربية السعودية وباكستان، يوم الأربعاء، اتفاقية دفاع استراتيجي مشترك، في خطوة تُشير إلى استعداد الرياض لسدّ أي ثغرات مُتصوَّرة في الحماية الأميركية، وسط تشكيك خليجي متزايد في الضمانات الأمنية التي تقدمها واشنطن.
وقد أُعلن عن الاتفاقية بشكل مشترك في الرياض من قِبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، وتنص على أنّ "أي عدوان على أيٍّ من الدولتين يُعدّ عدواناً عليهما".
وتأتي هذه الاتفاقية بعد أقل من أسبوعين على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قادة من حركة حماس في الدوحة، والقمة العربية الإسلامية الطارئة التي أعقبتها.
لماذا الآن؟
يأتي هذا الاتفاق في ظل تفاقم حالة انعدام الأمن في منطقة الخليج. فقد أثارت هجمات "إسرائيل" على الدوحة في 9 أيلول/سبتمبر، التي استهدفت قادة من حركة حماس كانوا يناقشون مقترحاً لوقف إطلاق النار، قلقاً واسعاً في عواصم الخليج. ويزداد هذا القلق حدةً بالنظر إلى أنّ إيران كانت قد قصفت قبل أشهر فقط قاعدة العديد الجوية الأميركية في الدوحة خلال حربها مع "إسرائيل" في يونيو/حزيران.
وقد دفع هجوم الدوحة الأخير إلى عقد قمة طارئة للدول العربية والإسلامية. غير أنّ ما كان يُفترض أن يكون رداً قوياً على الضربة الإسرائيلية انتهى إلى خطوات رمزية في معظمها، إذ جاء بيان القمة خالياً من إجراءات ملموسة.
ويرى عزيز الغشيان، الزميل غير المقيم الأول في منتدى الخليج الدولي، أنّ ضعف مخرجات القمة قد يكون لعب دوراً في توقيت الرياض لعقد الاتفاق مع باكستان. وقال في تصريح لـ المونيتور: "تحدثت جميع هذه الدول وقالت: 'نحتاج إلى عمل لا إلى إدانة'، لكن كل ما فعلته هو الإدانة من دون اتخاذ أي إجراء". وأضاف: "صحيح أنّ القمة كانت فاشلة في هذا الصدد، لكنها ربما كانت نقطة انطلاق في الحسابات الأمنية للرياض".
ويؤكد الغشيان أنّ هناك شعوراً متزايداً في الخليج بعدم موثوقية الضمانات الأمنية الأميركية. وقال: "أعتقد أنّ الضمانات الأميركية باتت تُعد فخاً؛ فهي تجعل المستفيد هدفاً، من دون توفير الدعم الكافي لإنهاء التهديد".
وبينما تحسّنت علاقة السعودية بإيران خلال السنوات الأخيرة، أعادت أحداث حزيران/يونيو تذكير الرياض بقدرات إيران الصاروخية، ما أثار مخاوف من احتمال أن تجد البنية التحتية للطاقة في الخليج نفسها مجدداً في مرمى النيران، كما حدث في هجمات عام 2019 على منشآت أرامكو السعودية، والهجوم المسيّر عام 2022 على موقع أدنوك النفطي في أبوظبي، الذي حمّلته الرياض لإيران.
لطالما سعت المملكة العربية السعودية إلى إبرام اتفاقية أمنية رسمية مع الولايات المتحدة، شبيهة بالاتفاقية التي وقعتها مؤخراً مع باكستان. ووفقاً للتقارير، كان من المقرر الانتهاء من هذه الاتفاقية في عام 2024، على أن تتضمن تعهداً أميركياً بالدفاع عن السعودية في حال تعرضها لهجوم، واتفاقية نووية مدنية، إضافة إلى منح واشنطن حق استخدام الأراضي والمجال الجوي السعودي. غير أنّ هذا الترتيب كان مشروطاً بالتطبيع مع "إسرائيل"، وهو احتمال تعرقل الآن بفعل الحرب في غزة.
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد لا يُنظر إلى الاتفاق السعودي- الباكستاني بارتياح كامل. فالرئيس دونالد ترامب سعى طويلاً إلى دفع الرياض نحو تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، وكانت اتفاقية الدفاع مع واشنطن بمنزلة حافز مهم على هذا المسار. لكن حصول السعودية على اتفاقية مع دولة مسلّحة نووياً مثل باكستان يُمثل ضربة إضافية لآمال واشنطن في إحراز تقدم بهذا الملف. كما أنّ هذه الخطوة تعكس تنويعاً في الشراكات الأمنية الباكستانية، وهو أمر تتابعه واشنطن عن كثب نظراً لعلاقتها العسكرية الطويلة مع إسلام آباد في مجال مكافحة الإرهاب.
مع ذلك، يشير عزيز الغشيان إلى أنّ الرياض لا ترى في اتفاقها مع باكستان بديلاً عن شراكتها الأمنية مع الولايات المتحدة. وقال: "لن تتخلى دول الخليج عن علاقتها بالولايات المتحدة، لكنها بحاجة ماسّة إلى تنويع مصادر أمنها".
وهكذا تجد السعودية نفسها أمام معضلة استراتيجية: الموازنة بين استراتيجيتها الأمنية المتجذرة تاريخياً في واشنطن، وبين حاجتها إلى تطوير شراكات دفاعية مستقلة. ويبدو الاتفاق السعودي- الباكستاني تجسيداً عملياً لهذا التحول.
وختم الغشيان بالقول: "أعتقد أننا ما زلنا في المراحل الأولى من تحوّل المملكة العربية السعودية نحو دولة أكثر توجهاً للاعتماد على أمنها الذاتي".
البُعد النووي
تُعدّ باكستان الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التي تمتلك أسلحة نووية، إذ يُقدَّر عدد رؤوسها الحربية بنحو 170 رأساً. ورغم أنّ اتفاق الدفاع السعودي- الباكستاني لا يُشير صراحةً إلى الردع النووي، ترى أبارنا باندي، مديرة مبادرة مستقبل الهند وجنوب آسيا في معهد هدسون، أنّ المملكة العربية السعودية قد تنظر إلى القدرات النووية الباكستانية باعتبارها شكلاً من أشكال الردع المُوسّع.
وقالت باندي لموقع المونيتور: "إذا كنتَ المملكة العربية السعودية، وتراقب أوكرانيا، وإيران، وليبيا، وكوريا الشمالية، فإنك تستنتج أن الأسلحة النووية تضمن السلامة".
مع ذلك، تبقى حدود الاتفاقية غير واضحة، إذ لم تُعلن تفاصيلها بعد. وتضيف باندي: "في اتفاقيات مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تكون التفاصيل الدقيقة معلنة وقد جرى اختبارها. لكن هذه الاتفاقية وُقّعت للتو، ولا نعرف تفاصيلها الدقيقة بعد".
وقد حافظت السعودية وباكستان على علاقة دفاعية راسخة لعقود، تعززت رسمياً عام 1982 عبر اتفاقية التعاون الأمني الثنائي، التي سمحت بانتشار أفراد عسكريين باكستانيين لتقديم الدعم والتدريب في المملكة. وشمل هذا التعاون الطويل تمركز قوات باكستانية في السعودية وتقديم مساعدات متعددة، من بينها الدعم الاستشاري خلال حادثة الاستيلاء على المسجد الحرام عام 1979، والمشاركة في حرب الخليج عامي 1990 و1991، حيث نشرت باكستان نحو 11 ألف جندي للدفاع عن المملكة. واليوم، يتمركز في السعودية ما بين 1500 و2000 عسكري باكستاني.
ما الذي ستجنيه باكستان؟
تُقدّم هذه الاتفاقية لباكستان مكاسب على المستويين الرمزي والاقتصادي. فكما تشير أبارنا باندي فإنّه "لطالما اعتبرت باكستان نفسها قوةً إقليميةً عظمى". وبالنسبة لها، فإن الارتباط المباشر بحماية أقدس موقعين إسلاميين، مكة والمدينة، "يمثل رمزية هائلة".
أما على الصعيد الاقتصادي، فيُعدّ الدعم السعودي عاملاً لا يقل أهمية. وتقول باندي: "لطالما افتقرت باكستان إلى القوة الاقتصادية – المال – بينما تمتلك السعودية الكثير منه"، مُتوقّعة أن تشهد الأشهر المقبلة إعلانات عن استثمارات سعودية جديدة في البلاد.
وقد التزمت الرياض بالفعل بضخ مبالغ كبيرة في الاقتصاد الباكستاني. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2024، وقّع البلدان اتفاقيات استثمارية بقيمة 2.8 مليار دولار في قطاعات متعددة. كما اعتادت السعودية الاستثمار في مجالات البتروكيماويات والطاقة والتعدين والبنية التحتية في باكستان، بما في ذلك صفقات قُدرت بـ20 مليار دولار أُعلن عنها خلال زيارة ملكية عام 2019.
ومع ذلك، تُحذّر باندي من المبالغة في تفسير الجانب العسكري للاتفاقية. فحتى في حال اندلاع صراع بين الهند وباكستان، قد تقدّم السعودية دعماً دبلوماسياً، وربما دعماً اقتصادياً لباكستان، لكن من غير المرجح، بحسبها، أن تصل إلى حد استخدام طائراتها المقاتلة ضد الهند.
نيودلهي تُحصي أوراقها
بعد حرب استمرت أربعة أيام مع باكستان في أيار/مايو، تُراقب الهند عن كثب تقارب السعودية مع إسلام آباد. ويوم الخميس، ردّت وزارة الخارجية الهندية على اتفاقية الدفاع الموقعة حديثاً بالقول إنها "ستدرس تداعيات هذا التطور على أمننا القومي، وكذلك على الاستقرارين الإقليمي والعالمي".
وأكد المتحدث باسم الوزارة، راندير جايسوال، يوم الجمعة، أن الهند تتوقع أن "تراعي هذه الشراكة الاستراتيجية المصالح والحساسيات المتبادلة"، مشدداً على أنّ بلاده والمملكة العربية السعودية ترتبطان بـ"شراكة استراتيجية واسعة النطاق تعمّقت بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية".
وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد زار السعودية في نيسان/أبريل الماضي في ثالث زيارة له إلى المملكة. وأشار بيان حكومي هندي عقب الزيارة إلى أنّ البلدين "بنيا الثقة والتفاهم المتبادل"، مع التركيز على التعاون في مجالات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا والثقافة. وقد بلغ حجم التجارة بين الهند والسعودية 41.88 مليار دولار أميركي في السنة المالية الماضية، وفقاً لسفارة الهند بالرياض، منها 11.76 مليار دولار صادرات هندية وأكثر من 30.12 مليار دولار واردات، يشكل النفط الخام الجزء الأكبر منها. كما بلغ الاستثمار السعودي في الهند نحو 10 مليارات دولار، مقابل استثمارات هندية في المملكة تقدّر بـ3 مليارات دولار.
ومع ذلك، ترى نيودلهي أن اتفاقية الدفاع السعودية- الباكستانية "مرفوضة تماماً". وتوضح أبارنا باندي أنّ "من وجهة نظر الهند، فإن التهديد الوحيد الذي تضعه باكستان نصب عينيها هو الهند. وبالتالي، إذا وافقت السعودية على أن أي هجوم على باكستان هو هجوم عليها، فهذا يعني أن الرياض تعتبر الهند تهديداً".
وقد تفكّر الهند في الرد عبر تقليص وارداتها النفطية من السعودية، والتي بلغت قيمتها نحو 23.5 مليار دولار عام 2023 من النفط الخام وحده، وفقاً لمرصد التعقيد الاقتصادي، والاتجاه إلى موردين بديلين. غير أنّ أي إجراءات انتقامية قوية تنطوي على مخاطر اقتصادية ودبلوماسية لنيودلهي، نظراً لأهمية السعودية كشريك تجاري رئيسي ودورها المحوري في الخليج. وكما توضح باندي، فإن ما تسعى الهند لمعرفة هو ما إذا كان الاتفاق "رمزياً فقط، أم يتمتع بثقل حقيقي يشكل تهديداً فعلياً لمصالحها الأمنية".
نقلته إلى العربية: بتول دياب.