"ذا ناشونال إنترست": غزو فنزويلا يتعارض مع "أميركا أولاً"

إنّ تغيير النظام في فنزويلا من شأنه أن يتناقض مع أولويات إدارة ترامب المتعلقة بالحدود والأمن الإقليمي.

0:00
  • "ذا ناشونال إنترست": غزو فنزويلا يتعارض مع "أميركا أولاً"

مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً يتناول السياسة العدوانية لإدارة ترامب تجاه فنزويلا، ومحاولة تغيير النظام هناك بالقوة، رغم أنّ هذا النهج يتعارض مع أولويات ترامب المعلَنة حول أمن الحدود وتقليل التدخلات الخارجية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

تغيير النظام في فنزويلا يتعارض مع أولويات ترامب في الحدود والأمن الإقليمي، بينما تُمارس إدارة الرئيس ضغوطاً عسكرية متزايدة على حكومة فنزويلا بقيادة نيكولاس مادورو، ما يؤشر إلى أنَّ الولايات المتحدة ترغب في إطاحة الرجل القوي الفنزويلي.

ولقد وضعت إدارة ترامب مكافأة قدرها 50 مليون دولار على رأس مادورو، وقتلت عشرات الأشخاص في غارات جوية على قوارب في الكاريبي والمحيط الهادئ، ونقلت أصولاً بحرية وجوية إلى المنطقة، وسمحت باتخاذ إجراءات سرية، من ضمنها شن ضربات برية داخل فنزويلا. وفي مقابلة حديثة، قال ترامب لبرنامج "60 دقيقة" إنّ أيام الرئيس مادورو معدودة.

هذا أكثر من مجرّد "دبلوماسية الزوارق الحربية"، بينما تحركات إدارة ترامب تبدو غير مشروطة وغير مهتمة بالدبلوماسية، في وقت عرض فيه الرئيس مادورو بالفعل على ترامب صفقات تفضيلية بشأن ثروة بلاده النفطية، وهي أكبر احتياطيات مؤكّدة في العالم، ويقال حتى أنَّه اقترح انتقالاً طوعياً للسلطة خلال 3 سنوات.

ولقد كانت إدارة ترامب تتفاوض بنجاح مع حكومة الرئيس مادورو في البداية من خلال المبعوث الخاص ريك غرينيل، لكن، تغير ميزان القوى داخل البيت الأبيض لمصلحة وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ماركو روبيو، وهو ابن مهاجرين كوبيين، والمعروف بتشدده، كان منذ فترة طويلة يؤيد تغيير النظام في كراكاس بالعنف.

من الواضح أنَّ مُبرر "مكافحة الإرهاب المرتبط بالمخدّرات" لمهاجمة فنزويلا لا يصمد أمام التدقيق. وعملياً، تأتي كل مادة "الفنتانيل" المخدّرة التي تدخل الولايات المتحدة من المكسيك، بينما تأتي معظم كميات الكوكايين من كولومبيا وبيرو وبوليفيا. كما أنَّ إطاحة الرئيس مادورو وقتل أشخاص بشكل عشوائي في منطقة الكاريبي، لن يكون له أي تأثير ملحوظ في الحد من تدفق المخدرات غير المشروعة إلى الولايات المتحدة، ومن الصعب تصديق أنَّ البيت الأبيض يتوقَّع عكس ذلك.

تعتقد إدارة ترامب أنَّها قادرة على إسقاط حكومة مادورو بتكلفة منخفضة، من خلال مزيج من القوة البحرية والجوية والوسائل السرية، مع الاعتماد على المعارضة السياسية والمنشقين من الجيش للسيطرة على الأرض. وإذا بدا التوجه مألوفاً، فهو كذلك بالفعل. فإدارة ترامب تتبع النهج ذاته لتغيير الأنظمة الفاشل الذي اتبعته واشنطن مراراً وتكراراً خلال العقود القليلة الماضية، في العراق، وأفغانستان، وليبيا، وسوريا، وكانت النتائج كارثية.

وكما هي الحال غالباً في حروب تغيير الأنظمة الأجنبية، لا يوجد ضمان بأنًّ حكومة بديلة يُمكنها أن تتسلم السلطة وتفرض الاستقرار. وقد أظهرت محاولات الانقلاب السابقة في فنزويلا أنًّ مادورو يحتفظ بولاء الجيش، وكان يعمل على "تحصين" صفوفه ضد الانقلابات منذ ذلك الحين. وهذا أكثر من مجرد قطع رأس السلطة، ومن المرجَّح أكثر الانقسام الشبيه بما جرى في ليبيا، يتبعه انحدار إلى الفوضى مع تنافس الجماعات المسلحة على السيطرة.

هذا السيناريو لن يؤدَّي فقط إلى تسريب العنف واللاجئين إلى الدول المجاورة، بل قد يزيد الضغط على ترامب لإرسال قوات أميركية لاستقرار الوضع. وهناك أيضاً خطر لا يمكن تجاهله من تفشي العنف الانتقامي أو الانتهازي الذي يستهدف المواطنين الأميركيين في أميركا اللاتينية أو حتى داخل الولايات المتحدة نفسها.

ومن المرجَّح أن تؤدّّي تداعيات الإطاحة المسلحة بالرئيس مادورو إلى إرسال المزيد من اللاجئين إلى الولايات المتحدة. وبينما تقوم الإدارة بإجراءات صارمة ضد الهجرة، سيقوض هذا أولويات ترامب الداخلية الأساسية، في أمن الحدود والسيطرة على الهجرة مع عدم الخوض في حروب غير ضرورية لتغيير الأنظمة، وهذه أسس حملته الانتخابية. وقد تزيد الانقسامات الداخلية المخيفة في الولايات المتحدة، والناتجة عن غارات إدارة الهجرة في جميع أنحاء البلاد احتمال حدوث أزمة لاجئين إضافية، تؤثر على استقرار المجتمع الأميركي ذاته.

إضافة إلى أنَّ العدوان العسكري الأميركي على فنزويلا سيرفع فقط من التهديد الذي تراه دول أخرى في المنطقة من واشنطن، ما يدفعها إلى اللجوء إلى القوى العظمى الخارجية للحماية. وقد تواصلت كراكاس بالفعل مع روسيا والصين لطلب الدعم العسكري. بينما ترامب قام بمضايقة جيران الولايات المتحدة وهدد بضّم جزيرة غرينلاند، وجعل كندا الولاية الأميركية الرقم 51"، وإرسال قوات إلى المكسيك، ووصف الرئيس الكولومبي بأنَّه "زعيم عصابة مخدرات"، وفرض عقوبات ذات دوافع سياسية على البرازيل.

استخدام الجيش الأميركي لتغيير النظام في فنزويلا هو أمر سلبي ولا فائدة حقيقية منه. كما أنَّه يتناقض مع كل ما صوت له مؤيدو ترامب تحت شعار "أميركا أولاً". ولن يخفف من مشكلة المخدّرات في البلاد ولا يجعل الأميركيين أكثر أماناً. بل على العكس، سيحول الموارد اللازمة لأميركا إلى أماكن أخرى لأجل صراع عديم المعنى، وسيقوض أمن الولايات المتحدة في حديقتها الخلفية.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.