"فورين بوليسي": سؤالٌ واحدٌ يلوح في الأفق بشأن اتفاق غزة.. "لماذا الآن؟"

كان مخطط الاتفاق بشأن الحرب على غزّة مطروحاً على الطاولة منذ أشهر.

0:00
  • القوات الإسرائيلية بدأت الانسحاب من أجزاء من القطاع، وخاصةً من مدينة غزة وخان يونس. (أ ف ب)
    القوات الإسرائيلية بدأت الانسحاب من أجزاء من القطاع، وخاصةً من مدينة غزة وخان يونس. (أ ف ب)

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع التركيز على أسباب توقيته والضغوط التي دفعت الطرفين لقبوله، وكذلك التحدّيات المحتملة لاستمراره. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

يتضمّن اتفاق وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره بين "إسرائيل" وحماس، والجاري تنفيذه حالياً في غزة، مكاسب كبيرة لكلا الجانبين. ستستعيد "إسرائيل" رهائنها المتبقّين، ويُعتقد أنّ نحو 20 منهم على قيد الحياة، إلى جانب جثث آخرين. في المقابل، ستفرج عن نحو 2000 أسير فلسطيني، وفقاً للتقارير، وستنهي حربها المستمرة منذ عامين على غزة، وستسحب قواتها من أجزاء كبيرة من القطاع. تستحق إدارة ترامب الثناء على جهودها في دفع الاتفاق إلى الأمام.

لكنّ الخطوط العريضة للاتفاق كانت مطروحة على الطاولة لعدة أشهر. بقبولها، يتنازل كلا الجانبين عن مطالب رئيسية. تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتدمير حماس، ومع ذلك لا تزال الحركة الطرف الأقوى في غزة. في المقابل، أرادت حماس انسحاباً إسرائيلياً كاملاً وضمانات بعدم استئناف "إسرائيل" لعملياتها، وكلاهما لا يزال غير مؤكّد.

فلماذا اتفق الجانبان على شيء أقلّ من أهدافهما القصوى؟ ولماذا الآن؟

لنبدأ بحماس، التي لطالما تمسّكت بالأسرى كوسيلة ضغط. احتجزت حماس رهائن عندما شنت هجومها في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لأنها كانت تعلم أنّ "إسرائيل" ستقدّم تنازلات كبيرة لاستعادتهم. في عام 2011، أطلقت "إسرائيل" سراح أكثر من ألف أسير، معظمهم فلسطينيون، مقابل الجندي جلعاد شاليط، الذي أسرته حماس أيضاً.

إضافة إلى سعيها للحصول على هذه التنازلات الضخمة، ربما كان قادة حماس قلقين من أنّ الإفراج عن جميع الأسرى سيُطلق العنان لـ "إسرائيل" لشنّ هجمات أكثر عدوانية على غزة.

ورغم أنّ مصيرهم يشغل بال الكثير من الإسرائيليين، إلّا أنّ هذا القلق لم يُكبح جماح العمليات العسكرية الإسرائيلية. فقد دأبت "إسرائيل" على إعطاء الأولوية لقتل قادة حماس ومقاتليها، كمحاولة هدم الأنفاق مثلاً، حتى لو كان ذلك يُعرّض حياة أسرى للخطر. ولم يكن توغّلها الأخير في مدينة غزة سوى أحدث مؤشّر على أنّ الخطر على الأسرى لم يكن عائقاً. ومع الاتفاق الذي توسّطت فيه الولايات المتحدة، تستطيع حماس على الأقل استخدام الأسرى لتحقيق نوع من النصر، مما يُجبر "إسرائيل" على الانسحاب، وفي الوقت نفسه، يُطلق سراح أسرى الفلسطينيين.

حماس نفسها مُنهكةٌ من جراء عامين من القتال ضدّ القوة الإسرائيلية الجبّارة. اغتالت "إسرائيل" العديد من كبار قادة الحركة، بمن فيهم يحيى السنوار، كما حاولت اغتيال أو اغتالت قادة حماس في إيران ولبنان وقطر، حيث لم يبدُ أيّ مكان آمناً. في كانون الثاني/يناير، زعمت "إسرائيل" أنها قتلت ما يقرب من 20 ألف مقاتل من حماس. الأرقام الدقيقة متنازع عليها، لكنّ الأعداد مرتفعة بالتأكيد.

لم تنجُ سوى عائلات فلسطينية قليلة في غزة من دون خسائر، حيث تجاوز عدد القتلى 67 ألفاً الأسبوع الماضي، وغزة مُدمَّرة. لطالما تمنى الفلسطينيون هناك انتهاء الحرب. على شفا المجاعة ونقص الرعاية الطبية، ظل الفلسطينيون مُهجَّرين باستمرار بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية. كان كل يوم إضافي من الحرب بمثابة عذاب، والآن، يأملون أن تتدفّق كميات كبيرة من الغذاء والدواء إلى غزة، وأن تبدأ إعادة الإعمار قريباً.

الإسرائيليون أيضاً منهكون من عامين من الحرب الطاحنة. فالاستدعاءات المستمرة للاحتياط تُرهق العائلات الإسرائيلية واقتصاد البلاد. فقدت "إسرائيل" 466 جندياً، وهو عدد كبير مقارنةً بحروب غزة السابقة. وفي استطلاع رأي حديث، أيّد ثلثا الإسرائيليين وقف إطلاق النار.

واجه الجانبان ضغوطاً دولية أيضاً. ففي تموز/يوليو، دعت جامعة الدول العربية حماس إلى نزع سلاحها وإنهاء سيطرتها على غزة، كما أدانت صراحةً، وللمرة الأولى، هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. ودعت الدول الأوروبية مراراً وتكراراً إلى وقف إطلاق النار، وانتقدت العمليات الإسرائيلية، واعترفت كندا وفرنسا والمملكة المتحدة رسمياً بدولة فلسطينية.

عادةً ما تتجاهل "إسرائيل" الضغوط الأوروبية، لكنها لم تستطع تجاهل دونالد ترامب. يتمتع الرئيس الأميركي بنفوذ سياسي كبير فيما يتعلّق بـ "إسرائيل". لو ضغط جو بايدن على نتنياهو للتوصّل إلى اتفاق، وقاوم نتنياهو، لكانّ معظم الجمهوريين وبعض الديمقراطيين قد انحازوا إلى الزعيم الإسرائيلي. عندما يفعل ترامب ذلك، يتفق معظم الديمقراطيين، ويمكن لترامب أن يساند حزبه. كما أنّ ترامب يُضفي طابعاً شخصياً على السياسة، ولا بدّ أنّ نتنياهو قلق من أنه إذا تجاهل الرئيس، فلن يسامحه ولن ينسى. في سوريا واليمن وقضايا إقليمية أخرى، اتخذ ترامب مواقف متعارضة مع مواقف "إسرائيل".

كما أنّ ضمان ترامب الأمني لقطر يؤدّي دوراً هاماً. فقد استشاط ترامب غضباً عندما هاجمت "إسرائيل" قطر، الشريك الوثيق للولايات المتحدة، والتي دأبت على استمالة الرئيس نفسه بهدايا مثل طائرة 747 فاخرة. ومن خلال وعدها بحماية قطر، تُمكّن الولايات المتحدة قطر من أن تكون ملاذاً آمناً لأعضاء حماس الذين قد يكونون على قائمة أهداف "إسرائيل" لو بقوا في غزة.

بالنسبة لنتنياهو، فإنّ زيادة الضغط الأميركي بعد ضربة قطر تعني أنّ الوقت قد حان لاتخاذ القرار. فإضافة إلى الإرهاق العامّ والدعم الشعبي لاتفاق إعادة الأسرى إلى الوطن، كان ائتلاف نتنياهو نفسه يتآكل بالفعل بسبب قرار المحكمة العليا الإسرائيلية في حزيران/يونيو بأنّ الرجال الأرثوذكس المتشدّدين يجب أن يؤدّوا الخدمة العسكرية. كان تحدّي ترامب في حرب غير شعبية على نحو متزايد محفوفاً بالمخاطر من الناحيتين الاستراتيجية والسياسية بالنسبة لنتنياهو، وكما يدرك معظم الإسرائيليين أهمية العلاقات القوية مع الولايات المتحدة، فيمكنه الاستشهاد بضغط ترامب كسبب للانسحاب أخيراً من دون أن يفقد أوراق اعتماده بين اليمين الإسرائيلي. نتنياهو هو أيضاً سيد السياسة، ومع دخول "إسرائيل" موسم الانتخابات، يمكنه الآن أن يضع نفسه على أنه الرجل الذي "حطّم" حماس وحزب الله وأعاق البرنامج النووي الإيراني.

يُعدّ الاتفاق الحالي إنجازاً كبيراً وخطوةً مهمةً للأمام لكلٍّ من غزة و"إسرائيل"، وسيُثبت أنّ استمراره أصعب. والخبر السار هو أنّ بعض العوامل التي ساهمت في التوصّل إلى اتفاق، مثل الإرهاق لدى الجانبين والضغط العربي والأوروبي، من المرجّح أن تستمر. أما العوامل الأخرى فهي أضعف. لتحقيق مكاسب سياسية خلال موسم الانتخابات، قد ينتهك نتنياهو وقف إطلاق النار باستهداف أحد قادة حماس، على سبيل المثال، أو يماطل في تقديم تنازلات غير شعبية، مثل إطلاق سراح زعيم فلسطيني مكروه من سجون "إسرائيل". من جانبها، قد تُدرك حماس أنها لا تستطيع المخاطرة بفقدان السلطة كلياً في غزة أو التخلّي عن مكانتها التي اكتسبتها بشق الأنفس كحركة المقاومة الفلسطينية الأبرز.

كلّ هذا يعني أنّ على الولايات المتحدة التنسيق المستمر مع شركائها والضغط على جميع الأطراف للالتزام بالاتفاق، والمضي قدماً في خطوات أكثر طموحاً تشمل إعادة إعمار غزة، وعودة حكومة غير تابعة لحماس، والتقدّم نحو إقامة دولة فلسطينية. إلا أنّ ترامب متقلّب. قد تتغيّر مواقفه؛ فقد يركّز على مشكلة مختلفة أو يخفف الضغط على "إسرائيل".

في نهاية المطاف، الاتفاق هو هدنةٌ مضطربةٌ ناجمةٌ عن الإرهاق والضغط والحسابات السياسية. وسيعتمد استمراره على رغبة جميع الأطراف - وخاصةً واشنطن - في تحويل وقف النار الهشّ هذا إلى أساسٍ لتسويةٍ أكثر استدامة، أكثر من اعتماده على نصّ الاتفاق.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.