"ذا إنترسبت": خطة ترامب لحرمان الفلسطينيين من أي رأي في مستقبلهم
ليس هذا هو الوقت المناسب لمؤيّدي القضية الفلسطينية وحقّ تقرير المصير للفلسطينيين لأن يهدأوا، كونها اللحظة المناسبة لنا للمطالبة بالمزيد.
-
"ذا إنترسبت": خطة ترامب لحرمان الفلسطينيين من أيّ رأي في مستقبلهم
موقع "ذا إنترسبت" الأميركي ينشر مقالاً ينتقد خطة "ترامب" لغزّة ويعرضها كخطة لهيمنة واستغلال اقتصادي وسياسي تحرم الفلسطينيين من حقّ تقرير مصيرهم. المؤلّف يرى أنّ الخطة قد توقِف العنف مؤقتاً لكنّها في العمق تسعى لفرض حكم تكنوقراطي واستفادة اقتصادية لجهات أجنبية وعائلية، ويحثّ على مواصلة الضغط الشعبي والعالمي لرفضها.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
بالنسبة لكلّ من يشعر بالرعب من الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في غزة، من السهل أن تغريه العناوين الرئيسية الأخيرة المتعلّقة بما يسمّى بخطة السلام التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. كما أنّ اللحظة الراهنة تقدّم احتمالات متناقضة لتوقّف قريب للهجوم الإسرائيلي المميت من جهة، واستمرار قهر الشعب الفلسطيني على المدى الطويل من جهة أخرى.
الوصول إلى هذه اللحظة هو نتيجة عوامل متعدّدة، ومن الصعب المبالغة بأنّه جاء نتيجة لتأثير الغضب الشعبي. كذلك، لم يكن ترامب يوماً خفيّاً بشأن رغبته النرجسية في أن يُنظر إليه على أنه صانع سلام يستحقّ جائزة نوبل، بينما تؤثّر المشاعر المعادية لـ"إسرائيل" سلباً على معدلات تأييد ترامب، حيث يوافق 35% فقط من الناخبين الأميركيين على أسلوب تعامله مع قضية غزة، في وقت تزداد فيه قواعد الحزب الجمهوري تشكّكاً في التحالف الأميركي-الإسرائيلي، كما يظهر اليهود الأميركيون اشمئزازاً متزايداً من جرائم "إسرائيل" ضدّ الإنسانية.
ولا ينبغي لأحد أن يفاجأ إذا كان هناك تفاعل خاصّ من قبل النخب الإسرائيلية التي سئمت بالفعل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتبحث عن مخرج يُمكّنها من الهروب من العزلة العالمية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على هيمنتها على الفلسطينيين. فالحقيقة بسيطة: الرأي العام مهم. حتى لو تظاهرت النخب السياسية في الولايات المتحدة و"إسرائيل" بعكس ذلك، فإنها تتأثر بطرق مختلفة بالمعارضة الشعبية لخياراتها السياسية.
ومع أنّ خطة ترامب طويلة المدى لغزة تمثّل رؤية بشعة للسيطرة الاستعمارية الجديدة، إلا أنّه يمكن تحريفها وعرقلتها بمزيد من الضغط العالمي الذي جعل حتى هذه اللحظة ممكنة. لهذا السبب ليس هذا هو الوقت المناسب لمؤيّدي حقّ تقرير المصير للفلسطينيين للهدوء، لأنّها اللحظة المناسبة للمطالبة بالمزيد.
لفهم مقدار التحوّل في الأيام الأخيرة، يجدر التذكير بالعناوين المفاجئة للأسبوع الماضي. أولاً، أهان ترامب نتنياهو بنشر صورة له وهو يعتذر لحاكم قطر عن قصف بلاده. ثم أعلن ترامب عن خطته المكوّنة من 20 نقطة في غزة، مهدّداً الفلسطينيين بمزيد من العنف إذا لم تقبل حركة "حماس" بشروطه.
وعندما قدّمت حركة "حماس" قبولها المحدود، دعا ترامب "إسرائيل" على الفور لوقف قصف الأراضي الفلسطينية، وقال: "أطلب من الجميع التحرّك بسرعة"، وأعلن ذلك وهو يرسل صهره جاريد كوشنر، ومبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى مصر للتوسّط في المفاوضات بين "إسرائيل" وحماس.
بالرغم من هذه التطوّرات، ثمّة حقائق صادمة تستحقّ التأمّل، بينما لا تزال "إسرائيل" تقصف غزة، على عكس ما تزعمه ادّعاءات ترامب، الذي يدعو بخطته لغزة إلى انسحاب عسكري إسرائيلي بناءً على "معايير وجدول زمني" يحدّد مستقبل القطاع، وهو يوم قد لا يأتي أبداً، لأنّ "إسرائيل" لديها تاريخ طويل من انتهاك الاتفاقيات لمواصلة سرقة ما تبقّى من الأرض الفلسطينية. وللولايات المتحدة أيضاً تاريخ طويل في إرسال مليارات الدولارات كتمويل عسكري لـ "إسرائيل"، بغضّ النظر عمّا تفعله أو تمتنع عن فعله بهذا السلاح.
وفي حين تقدّم خطة ترامب إمكانية مهمة لوقف الإبادة الجماعية الإسرائيلية أو إنهائها، فإنّ أسوأ ما فيها يكمن في رؤيتها البعيدة المدى، وترقى لأن تكون مخططاً لهيمنة استعمارية جديدة على غزة، وهي تحرم الفلسطينيين من أي قدرة رسمية على المطالبة بحقوقهم أو تقرير مستقبلهم. وبينما تنكر خطة ترامب حقّ تقرير المصير عن الفلسطينيين، فهي لا تشير أيضاً إلى حملة التطهير العرقي الإسرائيلية المستمرة في الضفة الغربية المحتلة.
وبموجب هذه الخطة، سيرأس ترامب شخصياً "مجلس السلام" (أورويليا)، يشرف على غزة، ومعه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. وسيشكّل هذا المجلس، الذي يديره ترامب، "لجنة خبراء" لم يكشف عن هويتها، لوضع "خطة للتنمية الاقتصادية" التي من شأنها "إعادة بناء غزة وتنشيطها". لكن عند التعمّق أكثر، يتضح أنّ رؤية الرئيس الأميركي للقطاع ليست سوى صفحة أخرى من صفحات كتاب عائلة ترامب للفساد والإثراء الذاتي.
في شباط/فبراير الماضي، بعد اجتماع مع نتنياهو لساعات، دعا ترامب إلى تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" ونقل الفلسطينيين إلى مكان آخر، على أن تتملّكها الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنّ خطة ترامب الآن لم تعد تدعو إلى طرد الفلسطينيين من القطاع، إلا أنّها مثل العديد من مقترحاته تبدو وكأنّها صدقة لشركاته العائلية، وجاريد كوشنر، صهر ترامب، يستثمر بالفعل بكثافة في المصالح التجارية الإسرائيلية التي تستفيد منها المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، مع ما لا يقل عن ملياري دولار من الدعم المالي من الديكتاتور الحاكم في المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان.
لكن عائلة ترامب ليست وحدها التي تستفيد بشكل كبير من هذه الخطة، ففي تموز/يوليو الماضي، ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أنّ "معهد توني بلير" و"مجموعة بوسطن الاستشارية" ورجلا الأعمال الإسرائيليان مايكل أيزنبرغ وليران تانكمان طوّروا معاً خطة استثمارية لغزة تضمّنت بناء "منطقة تصنيع إيلون ماسك الذكية". كما دعت خطة الاستثمار إلى خفض تكاليف التنمية عن طريق إبعاد الفلسطينيين عن القطاع، فيما ليس من المستغرب أن يتلقّى "معهد توني بلير" ما لا يقلّ عن 345 مليون دولار من الملياردير المؤيّد لـ "إسرائيل" والرئيس التنفيذي لشركة "أوراكل" لاري إليسون.
وبموجب الخطة، سيُطلب من الفلسطينيين التخلّي عن جميع أشكال المقاومة للاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري والإبادة الجماعية، بينما يستفيد "مجلس السلام" برئاسة ترامب من غزة، حيث سيفوّض الحكم اليومي في القطاع إلى "لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية"، ستكون مسؤولة عن تقديم الإدارة اليومية للخدمات العامة البلدية للناس.
وترى الخطة أنّ السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، يُمكنها في نهاية المطاف إدارة غزة، ولكن فقط إذا استوفت ما يسمّى بشروط "الإصلاح" التي حدّدت سابقاً في خطة طرحها ترامب عام 2020، والتي تطلّبت أن تتخلى السلطة الفلسطينية عن جميع الدعاوى ضدّ "إسرائيل" أو الولايات المتحدة أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية وجميع المحاكم الأخرى.
بطبيعة الحال، يعتبر الكثيرون السلطة الفلسطينية بالفعل مؤسسة غير ديمقراطية وفاسدة تحكم الفلسطينيين وتعمل كمقاول من الباطن للاحتلال الإسرائيلي. ومن شأن هذه المتطلّبات الجديدة أن تمنع أيّ مستوى من العدالة للفلسطينيين. كذلك، تبدو الآثار طويلة المدى لخطة ترامب مشابهة بشكل مذهل للأهداف التي يضعها المستوطنون البيض في الولايات المتحدة بالنسبة للأميركيين الأصليين.
تطالب الخطة حركة "حماس" بنزع السلاح لجعل غزة "منطقة خالية من الإرهاب لا تشكّل تهديداً لجيرانها". لكن لم تذكر الخطة حقيقة أنّ "إسرائيل" قصفت قطر وإيران واليمن وسوريا ولبنان، وبالطبع الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية. كما أنّه لا يوجد أي ذكر لاجتثاث التطرّف في حركة المستوطنين الإسرائيليين العنيفة أو محاسبة آلاف الجنود الإسرائيليين وقادتهم الذين ما زالوا يرتكبون الإبادة الجماعية الآن في غزة.
بينما يضغط ترامب من أجل "فوز" فوري يتصدّر عناوين الصحف، توضح الاتجاهات السياسية الأوسع أنّ الوقت ليس في صالح "إسرائيل". فقد كشف استطلاع للرأي في حزيران/يونيو الماضي أنّ التعاطف مع "إسرائيل" انخفض بنسبة 14% بين الجمهوريين خلال العام الماضي، من مستوى 78% إلى 64% حاليّاً.
كما أظهر استطلاع آخر في نيسان/أبريل الماضي أنّ التصنيف غير الإيجابي لـ"إسرائيل" بين الجمهوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عاماً قد ارتفع من 35% إلى 50%. وفي الوقت نفسه، انتقدت الأصوات المحافظة الصاخبة مثل النائبة مارغوري تايلور غرين وتاكر كارلسون وكانديس أوينز تحالف أميركا مع "إسرائيل".
كذلك وجد استطلاع أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" و"سيينا" في أيلول/سبتمبر الماضي أنّ المزيد من الناخبين الأميركيين "يقفون إلى جانب الفلسطينيين لا الإسرائيليين، للمرة الأولى منذ أن بدأت صحيفة التايمز تسأل الناخبين عن تعاطفهم مع "إسرائيل" في عام 1998". فلقد غمرت موجات هائلة من المعارضة للإبادة الجماعية الإسرائيلية بالفعل المدن في جميع أنحاء العالم، من مئات الآلاف الذين احتجوا في أمستردام ومكسيكو سيتي، إلى الملايين الذين نزلوا إلى الشوارع في إيطاليا.
تكشف هذه التحوّلات في الرأي العام الأميركي عن الطريق نحو المستقبل، الذي يوجب على النشطاء في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا والعالم الاستمرار في عزل "إسرائيل" والبدء في الضغط صراحة على حكوماتهم لرفض القوس الكامل لخطة ترامب. والآن يجب على المتظاهرين التفكير في الاستهداف المباشر لخطة ترامب نفسها، فالضغوط العالمية أمر بالغ الأهمية إذا أردنا أن نرى مستقبلاً يمكن للشعب الفلسطيني أن يعيش فيه بمنأى عن الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري والإبادة الجماعية.
نعم، التوصّل إلى اتفاق فوري ينهي عنف الإبادة الجماعية الإسرائيلية والتجويع الجماعي للفلسطينيين أمر بالغ الأهمية، لكن رؤية ترامب طويلة الأجل لغزة لا بدّ من هزيمتها.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.