"ميدل إيست آي": احتجاجات في سوريا مع استهداف الإدارة الجديدة للقطاع العام
احتجاجات في عدد من المدن السورية بعد تسريح الإدارة الجديدة في سوريا عمال القطاع العام، ورفضاً لخصخصة مؤسسات الدولة.
-
"ميدل إيست آي": احتجاجات في سوريا مع استهداف الإدارة الجديدة للقطاع العام
موقع "ميدل إيست آي" ينشر تقريراً يناقش تداعيات الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي اتخذتها الحكومة السورية الجديدة، بما في ذلك فصل آلاف الموظفين الحكوميين وسعيها إلى خصخصة مؤسسات الدولة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
كانت أحلام حسنين تعمل مديرة في شركة الاتّصالات السورية الوطنية المملوكة للدولة، وتحصل على دخل ثابت لإعالة عائلتها على مدى العقد الماضي. ومع أنّ راتبها الشهري كان يبلغ نحو 30 دولاراً فقط ما يعادل 500,000 ليرة سورية، بيد أنّه مصدر رزقها الأساسي، بينما تحاول تطوير مهاراتها الوظيفية لتحسين مدخولها، الذي توقّف وانقلبت حياتها رأساً على عقب، حين طردتها السلطات الجديدة في البلاد من وظيفتها إلى جانب آلاف الموظفين الحكوميين الآخرين، إثر سقوط إدارة الرئيس بشار الأسد في أواخر كانون الأوّل/ديسمبر الفائت.
وقالت لموقع "ميدل إيست آي"، إنّها انهارت بالبكاء عند تلقّيها خبر فصلها من وظيفتها، وهي تكافح الآن لتسديد دفوعاتها، مع أمل ضئيل في الحصول على عمل في القطاع الخاص التنافسي، وقالت: "حذّرني البنك من أنني بحاجة إلى سداد فواتيري المتراكمة. لكن، كيف يمكنني تحمّل ذلك مع إعطاء الأولوية للطعام اليومي واحتياجات ابني وسنتي الأخيرة في الجامعة كطالبة قانون". وأضافت أنّها فقدت وظيفتها لأنها ابنة ضابط وأرملة ضابط في الجيش السوري، مثل الموظّفين الآخرين الذين فقدوا أحد أفراد أسرهم في النزاع. كما أشارت إلى أنّه "لم يتولّ أحد منصبها، لأنّه لا أحد مؤهّل للتعامل مع المهامّ". كذلك، لم يتمّ تقديم أيّ تعويض للمفصولين جميعهم، وهم ينتظرون إعادة عمل النظام القضائي، حتّى يتمكنوا من رفع دعوى قانونية.
لقد تعهّدت الحكومة السورية برئاسة أحمد الشرع، بمزيد من التراجع عن تدخّل الدولة في الاقتصاد، وتعهّدت بالخصخصة و"اقتصاد السوق الحرّة التنافسية"، في محاولة للقضاء على الفساد وتعزيز النموّ الاقتصادي للبلاد حتّى في الوقت الذي لا تزال تعاني فيه من العقوبات الدولية.
وقال وزير الاقتصاد السوري باسل عبد الحنان لوكالة "رويترز" في بداية العام الجاري، إنّهم سيبدؤون في خصخصة 107 شركات صناعية تديرها الدولة وأنّ معظمها خاسرة، مع الإبقاء على بنية تحتية استراتيجية للطاقة والنقل في القطاع العام. بينما قال وزير المالية محمد أبازيد إنّ 900 ألف فقط من بين 1.3 مليون موظّف حكومي يعملون بنشاط، في حين أنّ 400 ألف موظّف هم "موظّفون وهميون". بينما اعتبر وزير التنمية الإدارية محمد السكاف أنّ "القطاع العام لا يحتاج إلى أكثر من 550 ألفاً إلى 600 ألف عامل".
وينظّم الموظّفون المفصولون مظاهرات في جميع أنحاء البلاد، ويكثفون جهودهم بشكل متزايد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويشكّلون مجموعات تشبه النقابات العمالية. وقد أرسلت إحدى هذه الصفحات باسم "عمال التغيير الديمقراطي"، بياناً من صفحتين إلى موقع "ميدل إيست آي" يحدّد 9 مطالب، تتصدّرها إعادة المفصولين جميعهم إلى وظائفهم وزيادة الرواتب. كما رفض البيان بشدّة خطط الحكومة لخصخصة القطاع العام، محذراً من احتجاجات أكبر إذا مضت الحكومة قدماً في الخصخصة. وقال ممثّل عن المجموعة لم يذكر اسمه لأسباب أمنية أنّ هناك صلة قوية بين القطاع العام والفقراء، حيث يعتمد الناس بشكل كبير على المساعدات الحكومية، بما في ذلك المستشفيات والمخابز والوقود، والتعليم والكهرباء والمياه. وحذّر من أنّ معظم الأشخاص الذين ليس لديهم عمل يعيشون في فقر الآن، وأنّ "الخصخصة ستجعل الخدمات الأساسية غير ميسورة التكلفة بالنسبة إلى شريحة واسعة".
وقالت وكالات الأمم المتحدة في تقرير صدر مؤخّراً، إنّ 90% من السوريين يعيشون في فقر، وأنّ نصف البنية التحتية للبلاد قد دمّرت أو أصبحت معطلة وظيفياً، وأنّ 75% من السكّان يعتمدون الآن على شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، مقارنة بـ 5% فقط في السنة الأولى من النزاع.
في ضوء ذلك، تتعرّض خطط الحكومة السورية للخصخصة لانتقادات واسعة، ومن بين المنتقدين والد الرئيس السوري الجديد حسين الشرع في تصريح له على منصّة "فيسبوك"، حذّر من أنّ الصناعات المملوكة للدولة هي "أصول وطنية تمّ بناؤها على مدى عقود"، مشيراً إلى أنّه عندما يتعلّق الأمر بعدم الكفاءة والفساد، فإنّ المشكلة ليست في القطاع العام نفسه، ولكن في سوء الإدارة التي وجّهته.
وحذّر الأكاديمي السويسري - السوري جوزيف ضاهر، مؤلّف كتاب "سوريا بعد الانتفاضة.. الاقتصاد السياسي لصمود الدولة"، من أنّه في حين أنّ الفساد قد عرقل القطاع العام، فإنّ إجراءات الخصخصة والتقشّف مثل رفع الدعم عن الخبز، ستدفع المزيد من السكان إلى الفقر. وقال لموقع "ميدل إيست آي"، إنّ "إجراءات التقشّف المصحوبة برغبة في تحرير وخصخصة الاقتصاد وأصول الدولة، يُظهر أنّ الحكومة السورية الجديدة تتبنّى بالكامل النموذج الاقتصادي النيوليبرالي". وتساءل ضاهر عن كيفية توصّل الوزير أبازيد إلى الأرقام التي أعلن عنها عن عدد الموظّفين، وقال إنّه يجب إجراء تدقيق مناسب لتقييم أعداد الموظّفين وتنظيم الوزارات والشركات الحكومية وتأثيرها الاقتصادي والمعيشي في المجتمع، وكذلك تقييم تكلفة الدعم ومزاياه وأوجه القصور الاجتماعية والاقتصادية، مؤكداً ضرورة إيقاف جميع إجراءات وعمليات التقشّف لإنهاء الدعم إلى أن يستكمل التدقيق العام".
الاحتجاجات مستمرّة
أفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" ومقرّه المملكة المتحدة، أنّه تمّ فصل نحو 350 عاملاً في قطاع الصحة، من ضمنهم عدد من الأطبّاء، من القطاع المموّل من الدولة. كما نشر صوراً على فيسبوك تظهر ظروفاً غير صحية في مستشفى دمشق الحكومي لعدم وجود موظّفين، بينما تشير تقارير أخرى عن فصل 225 عاملاً مؤخّراً من شركة الاتصالات في مدينة حلب.
كما أضاف المرصد المذكور، أنّ العاملين في المجال الطبّي خطّطوا لتنظيم احتجاج هذا الأسبوع، بعد مظاهرات مماثلة لزملائهم المطرودين في شتّى أنحاء البلاد، بينما احتجّ موظّفو مستشفى السلامية، الذي يخدم مناطق مدن حماة وحمص والرقة، بمن فيهم المتعاقدون من فترات طويلة ولديهم خبرة أكثر من 30 عاماً من الخبرة، الأسبوع الماضي بعد فصل العديد منهم.
وفي دمشق، احتج رجال الإطفاء الذين فقدوا وظائفهم عندما استولت مجموعة الدفاع المدني التابعة لـ "الخوذ البيضاء" على مناصبهم مطالبين باستعادة وظائفهم.
وقال ممثّل عن المحتجّين لموقع "ميدل إيست آي"، إنّ مطالبهم تضمّنت محاسبة المسؤولين الفاسدين، بحجّة أنّ المواطنين جميعهم عانوا في ظلّ النظام السابق من هذا الأمر، و "يجب أن تكون هناك لجنة عامة لفضح الموظّفين الفاسدين والتدقيق في عملهم. ومن حقّنا "أن نعرف سبب طرد الأشخاص ولماذا لا تتّخذ القرارات من قبل لجنة مستقلة، أو من خلال النظام القضائي". ولقد تأثّرت آلاف العائلات، بمن فيهم أولئك الذين عملوا لعقود، و "هم الآن في الأربعينيات من العمر، ما يجعل من الصعب عليهم تغيير وظائفهم".
فصل 250,000 موظّف في سوريا
لاتحاد المحتجّين 6 فروع في 6 محافظات سورية، وقد نظّم احتجاجات كثيرة اجتذب بعضها ما يصل إلى 400 مشارك. ووفقاً لمصادره، فقد ما يصل إلى 250,000 عامل وظائفهم بالفعل، من ضمنهم أولئك الذين وضعوا في "إجازة قسرية غير مدفوعة الأجر" لمدّة 3 أشهر، بينما تُقيم السلطات ما إذا كانت وظائفهم لا تزال هناك حاجة إليها.
لا يحتوي قانون نظام العمال رقم 50، الصادر عن مجلس النوّاب السوري في عام 2004، على أي بنود تسمح بوضع العمال في إجازة طويلة الأجل أو فصلهم تعسّفياً، ما يظهر أنّ إجراءات الحكومة الجديدة غير قانونية. وقال ممثل عن الاتحاد، إنّ "كلّ هذه الإجراءات مخالفة للقانون، ونحن نستعدّ لاتخاذ خطوات قضائية لاستعادة حقوقنا". كذلك، لم تردّ الحكومة السورية على استفسارات موقع "ميدل إيست آي" حول عمليات الفصل الجماعي أو ما إذا كانت ستقدّم للمتضرّرين تعويضاتهم المستحقّة.
وكان الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع قال إنّ "العمل على الانتخابات في سوريا قد يستغرق ما يصل إلى 4 سنوات". ويقول عن ذلك الأكاديمي الاقتصادي جوزيف ضاهر إنّ "الحكومة الانتقالية الحالية لا تملك سلطة إجراء تغييرات اقتصادية شاملة". وأضاف أنّه "من الناحية السياسية هذه حكومة انتقالية، ويجب أن لا تتّخذ قرارات تؤثّر استراتيجياً في المستقبل الاقتصادي للبلاد وهو ما تقوم به، من إجراءات تقشّفية وإنهاء الدعم وخصخصة أصول الدولة وتحرير الأسعار، وكلّها قرارات كبرى تفتقر إلى الشرعية السياسية". كما أنّه من الضروري أيضاً توسيع المشاركة الديمقراطية في الاقتصاد والمجتمع ككل لتجنب بقاء الأسئلة حول مستقبل سوريا قضية "نخبوية" بحتة، وفق رأيه.
وأوضح ضاهر أنّ "عدم قدرة قطاعات كبيرة من السكّان على رؤية كيفية تعاملهم مع حياتهم اليومية في تغطية احتياجاتهم الأساسية، وإيجاراتهم، والكهرباء، ورسوم المدرسة، وما إلى ذلك، يحول دون إدماجهم ومشاركتهم في النضالات التي لديهم مصلحة مباشرة وموضوعية في نجاحها".
نقله إلى العربية: حسين قطايا.