"نيويورك تايمز": جماعة مؤيدة لفلسطين ضحية لقانون بريطاني لم يطبق منذ زمن طويل

مع أنّ مجموعة "فلسطين أكشن" الاحتجاجية لا تُشجع على العنف ضدّ الناس، ولكن بعد أن ألحقت أضراراً بممتلكات عسكرية في قاعدة في بريطانيا، حظرتها الحكومة باعتبارها منظمة إرهابية.

  • متظاهرون يحملون لافتة احتجاجاً على قرار الحكومة البريطانية تصنيف مجموعة
    متظاهرون يحملون لافتة احتجاجاً على قرار الحكومة البريطانية تصنيف مجموعة "Palestine Action" منظمة إرهابية

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر تقريراً يتناول الجدل في بريطانيا حول قرار حكومة كير ستارمر إدراج جماعة "فلسطين أكشن" على قائمة المنظمات الإرهابية، رغم أنّها حركة احتجاجية لا تدعو إلى العنف ضد الأشخاص.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

قبل أيّام من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، اقتحم 5 متظاهرين قاعدة عسكرية بريطانية، بهدف تعطيل الطائرات التي كان من المقرر نشرها في مهام القصف في تلك الحرب في العام 2003، حين أعلن المحتجون أنّهم يريدون منع جرائم الحرب وحماية المدنيين. وكان من بين من دافعوا عنهم لاحقاً في المحكمة محام متخصص في حقوق الإنسان عمره 43 عاماً واسمه كير ستارمر. وفي تكرار غريب بعد 22 عاماً يواجه ستارمر قضية مماثلة، ولكن بصفته رئيس وزراء بريطانيا الآن.

قبل نحو شهرين اقتحم ناشطون من جماعة "فلسطين أكشن" قاعدةً تابعةً لسلاح الجو الملكي البريطاني، ورشّوا محركات الطائرات بالطلاء الأحمر، وألحقوا بها أضراراً باستخدام قضبان صلبة. ومثل جماعة 2003 جادل المحتجون بأنّ أفعالهم كانت رداً مبرّراً على الضرر الجماعي الذي لحق بالمدنيين هذه المرة في غزّة. وأثارت كلتا الحالتين مخاوف جدية بشأن أمن القواعد العسكرية البريطانية.

لكن النتيجة كانت مختلفة تماماً. فبينما حُوكم المتظاهرون عام 2003 بموجب قوانين جنائية بتهمة الإضرار بالممتلكات، أعلنت حكومة السيد ستارمر في حزيران/يونيو الماضي إضافة منظّمة "فلسطين أكشن" إلى قائمة المنظمات الإرهابية المحظورة.

للمرّة الأولى في تاريخ بريطانيا الحديث وفقاً لمستشار الحكومة لشؤون قوانين مكافحة الإرهاب، التي تحظر فيها جماعة احتجاجية لا تدعو إلى العنف ضد الناس كمنظمة إرهابية، ما أثار جدلاً حادّاً حول موقف حكومة ستارمر من الاحتجاجات عموماً وحرية التعبير. وفي وقت سابق صرحت وزيرة الداخلية إيفيت كوبر عن أنّ مجموعة "فلسطين أكشن" قد عرضت الأمن القومي للخطر، وأنّها استوفت التعريف القانوني الحكومي للإرهاب.

لقد استطاع ناشطو "فلسطين أكشن" إلحاق أضرار متكررة بمرافق مرتبطة بشركات عسكرية من ضمنها "إلبيت سيستمز" وهي شركة إسرائيلية لتصنيع الأسلحة، كما خربت منتجع تيرنبيري للغولف التابع للرئيس ترامب في اسكتلندا منذ نحو 5 أشهر.

ولكنّ المفوّض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، دعا الحكومة البريطانية علناً إلى إلغاء الحظر، ووصفه بخطوة "غير متناسبة وغير ضرورية"، وتمتد إلى أبعاد أخرى يكتنفها الغموض.

ويعود هذا الأمر إلى ربع قرن مضى حين وضع قانون الإرهاب لعام 2000 ليعوض عن سنوات من قوانين الأمن الجزئية التي استهدفت إلى حد بعيد الجماعات الجمهورية الأيرلندية المنشقة مثل "الجيش الجمهوري الأيرلندي. وفي وثيقة صدرت عام 1998 حددت حكومة رئيس الوزراء طوني بلير مقترحاتها ورغبتها في تعريف متين للإرهاب، ينطبق على "جميع أشكاله"، معربة عن مخاوفها من احتمال وقوع أعمال عنف من قبل المتطرفين الإسلاميين والقوميين وجماعات حقوق الحيوان.

والنتيجة كانت قانوناً واسع النطاق بشكل ظاهر، ويعرف الإرهاب بأنّه استخدام أو التهديد بعمل ينطوي على عنف خطير ضدّ شخص ما أو يعرض حياته للخطر، أو يلحق أضراراً جسيمة بالممتلكات العامة والخاصة، أو يشكّل خطراً جسيماً على صحة أو سلامة الجمهور، أو يهدف إلى تعطيل أو التدخل بشكل خطير في نظام إلكتروني. ولكي يتوافق هذا التعريف، يجب أن تكون هذه التهديدات أو الأفعال مخطّطة للتأثير على الحكومة أو ترهيب الجمهور، وأن تكون "بغاية تعزيز قضية سياسية أو دينية أو عنصرية أو أيديولوجية".

لقد كان بند الإضرار بالممتلكات في القانون قد تعرّض لانتقادات حادة منذ البداية، وحاول العديد من المشرعين إزالته من التشريع في أثناء إقراره في البرلمان. وقد وصف المشرع مارك فيشر الأمر بأنّه "محير ومقلق".

لكنّ الحكومة التي حظيت بأغلبية كبيرة ورفضت الاعتراضات. وأبلغ وزير الداخلية آنذاك تشارلز كلارك البرلمان أن هذا البند ضروري بسبب تفجيرات الجيش الجمهوري الأيرلندي التي دمرت المباني من دون أن تلحق إصابات بالناس نتيجة للتحذيرات المسبقة.

حينئذ، رفض وزير آخر في الحكومة وهو مايك غابيس، فكرة محاكمة الأشخاص الذين يحتجون ضد الأغذية المعدلة وراثياً باعتبارهم إرهابيين، ووصف تلك التحذيرات بأنّها "سيناريوهات مخيفة مصمّمة لتخويف الناس من تقديم تشريعات فعالة لمكافحة الإرهاب. ولبعض الوقت، بدا أنّ المخاوف مبالغ فيها بالفعل، وإلى هذا العام لم تلجأ أيّ حكومة إلى استخدام البند المذكور، إلّّا ضدّ ناشطي "فلسطين أكشن".

يقول "حزب العمال" إنّه يستخدم القانون الآن بسبب تصاعد حملة "العمل الإجرامي المباشر" التي تشنها منظمة "فلسطين أكشن" منذ إنشائها في عام 2020.  وصرح وزير الداخلية ديفيد هانسون أمام البرلمان في الشهر الماضي عن أن المجموعة استهدفت "شركات البنية التحتية والدفاع الوطنية الرئيسية التي تقدم الخدمات والإمدادات لدعم جهودنا في أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي وحلفاء آخرين.

واتهم الوزير بعض أعضاء الجماعة بممارسة العنف لأنّهم قاوموا رجال الشرطة أو الأمن الذين حاولوا منعهم، "لن نتسامح مع هذا النشاط من المنظمات إذا كانت مدفوعة بأيديولوجيات إسلامية أو يمينية متطرفة، وبالتالي لا أستطيع التسامح مع "فلسطين أكشن".

ولكن بالنسبة إلى عدد من المشرعين، فإن الحظر يشوّه تعريف الإرهاب وله آثار بعيدة المدى ومثيرة للقلق. وفي معرض رده على هانسون، زعم الوزير السابق بيتر هاين أنّ عمله المباشر ضدّ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا كان من شأنه أن يؤدي إلى "وصمه اليوم بأنّه إرهابي"، وأشار إلى أنّ الناشطات البريطانيات في مجال حقوق المرأة في التصويت "استخدمن العنف ضد الممتلكات بطريقة استراتيجية للمطالبة بحقوق التصويت للنساء.

وفي الشهر الماضي، جادل رضا حسين المحامي الذي يمثل مجموعة "فلسطين أكشن"، أمام المحكمة العليا في لندن بأنّ الحكومة لم تقدم أدلة على وجود أيّ خطر على الأمن القومي، ووصف قرارها بأنّه "إساءة استخدام استبدادية للسلطة القانونية" و"تقليل من شأن فكرة الإرهاب".

الآن، بعد أن حُظرت الجماعة، فإنّ إظهار أيّ دعم لها بما في ذلك ارتداء قميص يحمل شعارها يمكن أن يؤدي إلى الاعتقال، كما هو الحال مع التبرع للمجموعة، أو أن تكون عضواً فيها أو ترتب اجتماعات لها.

في 4 تموز/ يوليو الماضي، وبعد ساعات من دخول القرار حيز التنفيذ، ألقي القبض على 29 شخصاً من بينهم كاهن خارج البرلمان لحملهم لافتات كتب عليها، "أعارض الإبادة الجماعية، وأدعم العمل من أجل فلسطين". ومن المتوقع أن يحمل مئات المتظاهرين، آخر الأسبوع الجاري لافتات مماثلة في العاصمة كجزء من مظاهرة ضدّ الحظر.

كما اعتقلت الشرطة متظاهرين آخرين في حملة قمع واجهتها لورا مورتون حين كانت تتظاهر في جنوب شرق لندن، رافعة علم فلسطين ولافتات كتب عليها "حرروا غزّة" و"إسرائيل ترتكب إبادة جماعية"، عندما اقترب منها شرطيان مسلحان ظهرا في الفيديو الذي صورته يقولان لها إنّه يمكن اعتقالها بسبب "التعبير عن رأي أو اعتقاد يدعم" مجموعة "فلسطين أكشن"، في حين تقول السيدة مورتون على نحو متكرر إنّها لم تعرب عن دعمها للمجموعة.

في آخر الشهر الماضي، حصلت منظمة "فلسطين أكشن" على إذن من المحكمة العليا لتقديم طعن قانوني ضد الحظر، لكنّ القضية لن ينظر فيها قبل تشرين الثاني/ نوفمبر على أقرب تقدير. وقال القاضي مارتن تشامبرلين في حكمه إنّ "الشرطة وجهات أخرى يبدو أنّها أساءت فهم القانون في بعض الأحيان"، وأفعالها "قد تسبب تثبيطاً لمن يرغبون في التعبير عن آراء سياسية مشروعة".

بينما اعتبر الباحث في تطور مكافحة الإرهاب في بريطانيا ميلو كومرفورد بأنّه "كان واضحاً تماماً كيف ارتبط قانون الإرهاب بمشهد التهديدات" في الحقبة التي هيمن عليها تنظيم "القاعدة" بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وكيف "صمّم للتعامل مع أنواع مختلفة تماماً" من المنظمات غير مجموعة "فلسطين أكشن".

تساءل السيد كومرفورد عمّا إذا كانت الحكومة قد قدمت "حججاً كافية" لاستخدام "صلاحيّاتٍ إضافية" ضدّ المجموعة. وقد سبق أن حوكم العديد من ناشطي حركة "فلسطين أكشن" بموجب قوانين الأضرار الجنائية.

وفي حكم سابق بشأن هذه القضية، أقرّ القاضي تشامبرلين بأنّ تصنيف المجموعة كجماعة إرهابية "قد تكون له عواقب أوسع نطاقاً على الطريقة التي يفهم بها الجمهور مفهوم "الإرهاب" وعلى الثقة العامة في قوانين مكافحة الإرهاب البريطانية. وأضاف: "إذا كان من الإشكالي اعتبار أولئك الذين يستخدمون أو يهددون باتخاذ إجراءات تهدف إلى ضرر جسيم بالممتلكات، من دون استهداف الأشخاص أو تعريضهم للخطر، إرهابيين، فإنّ المشكلة تكمن في التشريع القائم منذ ربع قرن.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.