"972+": التزلّج بين الأنقاض.. المتطوعون يرسمون الابتسامة على وجوه أطفال غزة
من خلال التزلج على الألواح وتنظيم العروض البهلوانية والعلاج بالفن، يحاول الشباب الغزّيون المسح على قلوب الأطفال الذين يعيشون في ظل الإبادة الجماعية وجعلهم يعيشون لحظات قصيرة من الحياة الطبيعية التي من المفترض أن يعيشوها.
-
رجب الريفي وفريقه يدربون الأطفال غرب مدينة غزة، 20 أيار/مايو 2025.
مجلة "972+" الإسرائيلية تنشر تقريراً يتناول المبادرات الفردية والإبداعية في غزة التي يقودها شبّان وشابات لمساعدة الأطفال على التعايش مع صدمات الحرب الإسرائيلية المستمرة، من خلال أنشطة ترفيهية وفنية مثل التزلج، والسيرك، والدبكة، والعلاج بالفن.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
يقف رجب الريفي وسط بقايا مبنى جمعية الشبان المسيحيين (YMCA) المدمّر في مدينة غزة، وهو يحمل لوح تزلج تحت ذراعه، ويُعلم مجموعة من الأطفال كيفية الحفاظ على توازنهم في الشوارع المتشققة والمليئة بالحفر بسبب القنابل. يُدرب المصور والمتزلج المحترف، البالغ من العمر 28 عاماً، شباب غزة منذ عام 2008. وقبل الحرب، كان يتولى قيادة فريق التزلج الوحيد في القطاع "سكيت بال" (SkatePal)، ويُدرب الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و16 عاماً على منحدر صغير على الشاطئ غربي مدينة غزة، حتى حوّلته السفن الحربية الإسرائيلية إلى أنقاض.
لقد تعرّض منزل رجب في حيّ الشجاعية لقصف جويّ إسرائيليّ في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ما أجبره على النزوح المتكرر إلى مختلف أنحاء شمال غزة. وفي كل مرة، كان يجمع ما استطاع من أغراض، ويحملها على لوح التزلج الخاص به.
وفي ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء والاتصالات، فقدَ رجب الاتصال بالكثير من زملائه السابقين. وفي مطلع عام 2024، بدأ بنشر عدد من مقاطع الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالفريق، آملاً أن يُلهم شباب غزة الصمود ويبعث رسالة تحدٍّ إلى العالم. وفي حديثه إلى مجلة "+972"، قال: "من أكبر التحديات التي نواجهها نقص الأماكن الآمنة للتزلج. معظم الشوارع مدمّرة، لذا أقوم بالتزلج على سطوح المباني المائلة التي تعرّضت للقصف".
وبوتيرة بطيئة، عاد بعض زملائه البالغ عددهم 100 إلى الفريق. ونظمّوا معاً عروضاً مسرحية وورش عمل للأطفال النازحين في مراكز إيواء مؤقتة في مختلف أنحاء شمال القطاع. بالنسبة إلى رجب، كان التزلج على الألواح وسيلةً تُتيح للأطفال الاستمتاع، ولو لفترة قصيرة، والخروج من صدمتهم المتواصلة. وقال: "كلما رآنا الأطفال، هرعوا إلينا. هم يائسون لدرجة أنهم يبحثون عن لحظات من السعادة، ولو لفترة قصيرة".
وفي الوقت الحالي، يُنظم رجب دورات تدريبية أسبوعية للفتيان والفتيات، ويقضي بقية وقته في مراكز الإيواء والمدارس والشوارع. ويتوق أكثر من 250 شاباً فلسطينياً للانضمام إلى الفريق، لكن لم يتبقَّ مع رجب سوى 6 ألواح تزلج. فقد تم تدمير معظم المعدات، بما في ذلك معدات الحماية والأحذية والملابس الخاصة بهذه الرياضة، في الغارات الجوية. وأشار رجب إلى أنّ "بعض الأطفال يلعبون حفاة وأنا أنصحهم بتوخي الحذر. لأنهم في حال أُصيبوا، لا يوجد دواء أو غذاء مناسب في غزة لمساعدتهم على الشفاء". وقد أصبح التدريب على معدة فارغة أمراً طبيعياً. وقال: "أحياناً، أشعر بالدوار. لكنني أحاول ألا أهدر طاقتهم. فهم يحتاجونها لجلب الماء أو الحطب".
يعتمد الفريق على تبرعات المجتمع المحلي وأي دعم محلي متاح. ويشارك رجب، كلما أمكن، وجبات خفيفة صغيرة مع الأطفال، الذين يعاني الكثير منهم من سوء التغذية. فمنذ أن فرضت "إسرائيل" حصاراً شاملاً في آذار/مارس استمر قرابة 3 أشهر، تفاقمت أزمة الجوع في غزة وحالياً يعاني أكثر من 70 ألف طفل من سوء التغذية الحاد، وفقاً لأحدث التقارير.
وقال أحمد المصري، البالغ من العمر 9 سنوات، والذي نزح من شمال غزة ويقيم حالياً في مركز للإيواء بوسط مدينة غزة: "أعشق كل لحظة نقضيها في اللعب مع الكابتن رجب. فهو يعلمنا كيفية القيام بالحركات البهلوانية. أتمنى لو كان لديّ لوح تزلج خاص بي لأتمكن من التزلج طوال الوقت".
لقد فقدَ رجب اثنين من أعز أصدقائه، وهما أحمد الشوّا وضرغام قريقع، اللذان عملا في مجالي الترفيه والصحة النفسية قبل استشهادهما في غارات جوية إسرائيلية. ومع ذلك، ورغم التهديد المستمر بالقصف والخسارة الشخصية الفادحة، يواصل التزلج. وقال: "لقد خسرنا كل شيء، لكننا لن نفقد الأمل في مستقبل أفضل لأطفالنا".
لمحة عن الحياة الطبيعية
وعلى غرار رجب، يستخدم محمد عُبيد، البالغ من العمر 34 عاماً، الإبداع لحماية الأطفال الفلسطينيين من الصدمات في ظل الإبادة الجماعية المستمرة.
شارك عُبيد، اختصاصيّ التوعية العلاجية، في تأسيس فرقة "سيرك غزة الحرة" (Free Gaza Circus) عام 2011 مع 12 شاباً غزاوياً آخرين، بالتعاون مع شركاء إيطاليين وإسبان. وقبل الحرب، كانت برامجهم تمزج بين الموسيقى والرقص والمسرح لمساعدة الأطفال على تجاوز الصدمات النفسية وتنمية مواهبهم. وهم في الوقت الحالي يقومون بتنظيم رقصات الدبكة والعروض البهلوانية وورش العمل العلاجية للأطفال النازحين من مختلف أنحاء القطاع. وبحسب عُبيد، "يحتاج أطفال غزة إلى منافذ إبداعية للتعبير عن مشاعرهم المكبوتة. لذا، نبتكر ألعاباً جماعية وأنشطة ترفيهية أخرى لمساعدتهم على تفريغ طاقاتهم بطرق مختلفة".
وعلى الرغم من استقلاليته، يتعاون "سيرك غزة الحرة" أحياناً مع مدارس سيرك أخرى، مثل مدرسة سيرك فلسطين، في حين تُقدم منظمات غير حكومية، مثل منظمة التعاون الدولي الإيطالي جنوب - جنوب (CISS)، الدعم للفريق على شكل معدات ووسائل نقل. وتعطي المجموعة الأولوية للمناطق النائية حيث تكون المساعدات شحيحة، لكن عمليات الإغلاق وأوامر الإخلاء المستمرة تجبر أعضاء المجموعة في كثير من الأحيان على التخلي عن المعدات أو الارتجال بما هو متاح. وفي هذا الإطار، قال عُبيد: "أحياناً، يتطلب الأمر أن نكون مُبدعين. لقد استخدمنا الخضراوات بدلاً من أدوات السيرك، والباذنجان كألعاب بهلوانية".
يتمتع عُبيد وفريقه بخبرة واسعة في التعامل مع الأطفال المصابين بصدمات نفسية، وقد تلقوا تدريباً في الإسعافات الأولية النفسية. ويتواصل معهم اختصاصيو الصحة النفسية ومنظمات الإغاثة غالباً لتحديد الأطفال الذين يحتاجون إلى زيارات مخصصة أو رعاية خاصة. ويقول عُبيد: "لا يمكننا محو مخاوفهم ومعاناتهم، لكننا نبذل قصارى جهدنا لمنحهم ساعتين على الأقل من الفرح والضحك، ولمحة عن الحياة الطبيعية".
وبالإضافة إلى الاجتماعات الدورية التي تهدف إلى تحسين نهجه، يسافر الفريق في كثير من الأحيان إلى مناطق شديدة الخطورة، حتى في خضم الهجمات الإسرائيلية المستمرة أحياناً. وقد أشار عُبيد إلى أنه "خلال القصف والانفجارات العنيفة، نحاول إبقاء الأطفال في حالة تركيز من خلال الغناء بصوت أعلى وتشغيل الموسيقى. ونحن نعلم أن المدارس ومراكز الإيواء تتعرض للقصف، لكننا نواصل عملنا لأننا نؤمن بدورنا المتمثل في مساعدة الأطفال على تخطّي صدمات الحرب".
في موازاة ذلك، ترقص ربى النجّار، البالغة من العمر 21 عاماً، مع ابنتها ليان ذات الـ8 أعوام، رقصة مفرحة، بحيث يُخفي ضحكهما والموسيقى أزيز الطائرات المُسيّرة الإسرائيلية التي تُحلّق في السماء. ليان، المصابة بمتلازمة داون، تبتسم ابتسامةً مشرقة. وتقول: "أنا سعيدة. أريد أن ألعب طوال الوقت".
نزحت ربى في بداية الحرب إلى مدرسة في حي الشيخ زايد شمالي قطاع غزة بعد قصف منزلها في مطلع عام 2024. ثم اضطرت إلى الفرار مرة أخرى، وهي تقيم حالياً مع أقاربها في خيمة غربي مدينة غزة. وخلال حديثها إلى مجلة "+972"، قالت: "دُفنتُ تحت الأنقاض عندما قُصف منزلنا. وبعد نجاتي، شعرتُ بالمسؤولية لترك أثر، ولو لبضع ساعات فقط، في نفوس الأطفال الذين يعيشون هذا الكابوس".
لطالما راودت ربى فكرة تشكيل فريق دعم، والحرب دفعتها إلى القيام بهذه المبادرة. فشكّلت، إلى جانب أصدقائها وأقاربها، ومعظمهم طلاب جامعيون من مختلف التخصصات وذوو خبرة في مجال التطوع، فريقاً من 18 فرداً مُكرّساً لمساعدة أطفال غزة. وهم ينظمون جلسات علاج بالفن في مراكز الإيواء والمدارس، ويؤدون رقصات الدبكة وأنشطة الرسم على الوجوه، ويقدمون الدعم النفسي للأطفال وأولياء أمورهم، بما في ذلك التدريب على الإسعافات الأولية الأساسية في حالات الطوارئ. ويقوم الفريق بكل هذا من دون أي دعم مالي خارجي؛ وفي بعض الأحيان، يقترض المعدات من مدارس السيرك الأخرى أو من أصدقاء في غزة.
تراقب ربى وفريقها الوضع الأمني بحرص، ويحددون توقيت أنشطتهم خلال فترات الهدوء النسبي للقصف أو في المناطق التي تقل فيها الطائرات المسيرة، بحثاً عن لحظات أمان عابرة. وقالت: "تتوسل إلى أمي ألّا أخرج، لكن أبي يقول لي: "اذهبي ولكن كوني حذرة". أؤمن وفريقي بأن من واجبنا منح هؤلاء الأطفال سبباً للصمود. نحاول أن نرسم البسمة على وجوههم، على الرغم من أننا في أمسّ الحاجة إلى الدعم. لقد توسلنا للعالم بما فيه الكفاية، واستنفدنا قوانا. ولم نعد نستطيع تحمّل المزيد من الألم، لا لأنفسنا ولا لأطفالنا".
نقلته إلى العربية: زينب منعم.