"Responsible Statecraft": "إسرائيل" تلعب بالنار في اليمن

اغتيال رئيس الوزراء الحوثي يُمثل نقطة تحول في صراع إقليمي بالكامل.

0:00
  • "Responsible Statecraft": "إسرائيل" تلعب بالنار في اليمن

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول التصعيد العسكري والسياسي بين "إسرائيل" وحركة أنصار الله في اليمن، مسلّطاً الضوء على عملية الاغتيال الواسعة التي نفّذها الاحتلال وطالت رئيس حكومة صنعاء و10 وزراء، وما يمثّل ذلك من تصعيد خطير.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

"دخلت الحرب مرحلة جديدة"، هكذا صرّح محمد البخيتي، المسؤول البارز في حركة أنصار الله اليمنية، بعد أن حلّقت طائرات إسرائيلية فوق شبه الجزيرة العربية لقتل رئيس وزراء الجماعة وعدد من حكومته في العاصمة اليمنية صنعاء.

لم يكن المسؤول البارز في حركة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين، مخطئاً. فالضربة، التي وعد بها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأنها "مجرّد بداية"، أشارت إلى تحوّل جذري في حرب استنزاف استمرت عامين بين أكثر جيوش المنطقة تقدّماً من الناحية التكنولوجية وأكثر قواتها صموداً في حرب العصابات.

أُعيد ترتيب رقعة الشطرنج بشكل خطير في أيار/مايو، عندما توسّطت إدارة ترامب، الحريصة على مخرج من حملة جوية مكلفة وغير فعّالة، في هدنة مفاجئة مع الحوثيين. بوساطة عُمان، كانت الصفقة بسيطة: ستتوقّف الولايات المتحدة عن قصف أهداف الحوثيين، وسيتوقّف الحوثيون عن مهاجمة السفن الأميركية. ادّعى الرئيس ترامب، بأسلوبه المعهود، أنّ الحوثيين "استسلموا" وأشاد في الوقت نفسه بـ"شجاعتهم".

بالنسبة لـ "إسرائيل"، فإنّ الخطوة الأميركية أحادية الجانب تعني أنها تُركت لمواجهة تهديد الحوثيين بمفردها. 

لم يُحقّق الانسحاب الأميركي من الصراع المباشر السلام بأيّ حال من الأحوال. بل خلق بيئةً مُيّسرةً للتصعيد بين الحوثيين و"إسرائيل"، مُحوّلاً مشكلةً بعيدةً عن واشنطن إلى تحدٍّ استراتيجيٍّ مفتوحٍ لحليفها الإقليمي الأقرب.

كانت الغارة على اجتماع مجلس وزراء الحوثيين في أواخر آب/أغسطس دليلاً على النفوذ الاستخباراتي الهائل لـ "إسرائيل"، إلّا أنّ أهمية الأهداف لا تزال موضع جدل. كان رئيس الوزراء المغدور، أحمد الرهوي، شخصية سياسية مدنية بارزة لحكومة الحوثيين، كما وصفه أحد المحللين، وليس عضواً في القيادة الأيديولوجية والعسكرية السرية التي تُشكّل مركز الثقل الحقيقي للحركة.

ومع ذلك، تُمثّل الاغتيالات تصعيداً خطيراً، لا يقتصر على استهداف الغارات الإسرائيلية الممنهج للبنية التحتية المتهالكة أصلاً في البلاد، من الموانئ إلى محطات الطاقة، مما يُفاقم الأزمة الإنسانية مع كل قصف، بل يُجبر "إسرائيل" أيضاً على مواجهة عدو بعيد ومرن يتمتع بقدرة عالية على تحمّل الخسائر وقدرة مثبتة على التكيّف. على عكس ساحات القتال المُغلقة في غزة أو جنوب لبنان، فإنّ اليمن بلد جبلي شاسع أتقن فيه الحوثيون فنّ الإخفاء والحرب غير المتكافئة.

من غير المرجّح أن تكفي حملة جوية وحدها لهزيمتهم، وهو درسٌ محفورٌ في حطام التدخّل السعودي الذي استمر سبع سنوات. انطلقت حملة التحالف عام 2015 لصد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، واستعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، لكنها تحوّلت إلى حرب استنزاف وحشية. فشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وانتهت بهدنة بقيادة السعودية ودعم الإمارات مع الحوثيين عام 2022.

كانت واشنطن آخر من تعلّم هذا الدرس خلال حربها الجوية القصيرة، والتي باءت بالفشل في نهاية المطاف. ومع ثبوت عدم جدوى القوة الجوية، واستحالة الغزو البري لوجستياً وسياسياً، لم يتبقَّ لـ "إسرائيل" أيُّ سبيل عسكريٍّ قابلٍ للتطبيق لتحقيق النصر.

علاوة على ذلك، فإنّ التعامل المباشر مع الحوثيين يستنزف الموارد ويصرف الانتباه عن هواجس "إسرائيل" الرئيسية: حماس في غزة، وكذلك إيران وبرنامجها النووي. يدرك الحوثيون هذا الأمر؛ فهم يشنون حرب استنزاف اقتصادي ونفسي، مدركين أنّه حتى الضربات الرمزية، كالصاروخ الذي وصل إلى مشارف مطار "بن غوريون" قرب "تل أبيب"، لها آثار عسكرية ضئيلة، لكنها تُحقّق مكاسب سياسية هائلة. فهي تسمح لهم بتوحيد اليمنيين تحت راية قضية شعبية، وإبراز صورة المقاومة البطولية للجمهور العربي الأوسع.

بالنسبة لصانعي السياسات الإسرائيليين، كانت الاغتيالات المتتالية دليلاً على قناعة استراتيجية راسخة بأنهم يقاتلون على جبهات متعدّدة، ولكن ضدّ العدو نفسه. وقد عبّر نتنياهو عن هذه الرؤية منذ عام 2014. وبعد عامين من الحرب في غزة واشتباك مباشر استمر 12 يوماً مع طهران، أصبحت جبهة الحوثيين جزءاً لا يتجزأ من هذه الحملة الوجودية متعددة الجبهات.

تجد "إسرائيل" نفسها مقيّدة بصراع لا يمكنها الفوز فيه، وقد نحتت الولايات المتحدة لنفسها سلاماً ضيّقاً على حساب عدم استقرار أوسع.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.