"The Conversation": الاغتصاب والإرهاب جارٍ في السودان
تقول إحدى اللواتي، "لا بد لي من التحدث عن ذلك حتى يتمكن العالم من معرفة ما حدث للنساء والفتيات في السودان"، من اغتصاب وإرهاب يشعلان هجرة جماعية
-
"The Conversation": الاغتصاب والإرهاب جارٍ في السودان
موقع "The Conversation" الأميركي ينشر تقريراً معمّقاً عن الهجرة القسرية من السودان إلى جنوب السودان، مع تركيز خاص على الدور المركزي للعنف الجنسي في دفع النساء والفتيات للفرار.
يعكس التقرير استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب في السودان، ليس كأثر جانبي للنزاع، بل كأداة ممنهجة لإرهاب السكان وزعزعة المجتمعات ودفعها للنزوح.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
كنتُ في الخرطوم بعد اندلاع الصراع، حين جاء جنود مسلحون من العرب إلى منزلنا وأرادوا نهب الفول السوداني، لكن والدتي قاومت فتح الباب، وفوراً أطلق عليها الجندي النار، وكنتُ أصرخ حين أحاط بي 3 منهم واقتادوني إلى خلف مبنى حيث اغتصبني 10 جنود، ولم يأت أحد لإنقاذي لأن والدتي كانت قد قُتلت بالرصاص، وهرب كل جيراننا. وبعد يومين، دفنت والدتي، وانضممتُ إلى آخرين للهروب إلى جنوب السودان.
روت لنا هذه الفتاة قصتها قرب معبر أويل الحدودي بين جنوب السودان والسودان، وهي تعكس ما سمعناه من كثيرات غيرها. وفي حرّ تموز/ يوليو العام الماضي، ومع الطين تحت الأقدام وتجمع مياه الأمطار على طول الطريق، طلب أعضاء فريقنا الدولي من جنوب السودان من الناس مشاركة قصص تجارب النساء والفتيات اللواتي يقمن بهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر بين البلدين. ولقد كانت الروايات التي شاركوها مروعة وواضحة بلا لبس.
وقد تحدثنا في هذا التقرير مع ما يقرب من 700 عائد ومهجر قسري من النساء والرجال من مختلف الأعمار، حيث العديد منهم خضع لتجارب مماثلة من الترهيب على يد الجنود والميليشيات المسلحة من كلا طرفي الحرب الأهلية السودانية، التي تُمزّ ق البلاد منذ العام 2023، وأسفرت عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص حتى الآن. كما أنّ الصراع على السلطة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، وهي جماعة شبه عسكرية قوية، إلى مجاعة ومزاعم بوقوع إبادة جماعية في منطقة دارفور الغربية.
وكانت "قوات الدعم السريع" قد تشكّلت عام 2013، وتعود أصولها إلى ميليشيا "الجنجويد" سيئة السمعة التي قاتلت المتمردين في دارفور، حيث اتُهمت بارتكاب إبادة جماعية وتطهير عرقي ضد سكان المنطقة من غير العرب، حيث ما تزال تتوالى التقارير الجديدة عن المجازر والفظائع. ومع تفاقم الأزمة، كشف بحثنا أنَّ العنف الجنسي الموجه نحو جماعات معينة يُشكّل دافعاً رئيسياً للهجرة إلى جنوب السودان. وأفاد أكثر من نصف المشاركين في دراستنا بأنّ أعمال الاغتصاب كان السبب الرئيسي لبحثهم عن ملاذ آمن عبر الحدود، بينما كانت الفتيات المراهقات، اللواتي تتراوح أعمارهن بين 13 و17 عاماً، أكثر صراحة بقولهن، إنًّ العنف الجنسي كان سبب هجرتهن.
ماذا يحدث في جنوب السودان والسودان
منذ استقلالها عام 2011، كان جنوب السودان من بين أكثر الدول هشاشةً على مستوى العالم، وتعاني من عدم استقرار سياسي مزمن زائد أزمات إنسانية واسعة. وفي أعقاب الانقسامات الداخلية، اندلعت حرب أهلية مُدمرة على أسس عرقية عام 2013، وأسفر الصراع عن مقتل ما يقرب من 400 ألف شخص ونزوح ما يُقدر بنحو 2.3 مليون شخص قسراً، من بينهم 800 ألف نزحوا إلى السودان. كما نزح مليونا شخص آخرين داخلياً في جنوب السودان، الأمر الذي قوض جهود بناء الدولة بشدة. وظلت البلاد على حافة الهاوية، حيث أعلنت الأمم المتحدة منذ نحو شهرين عن أنَّ البلاد على وشك العودة إلى حرب أهلية شاملة.
بينما أدَّت الحرب في السودان في عام 2023 إلى تفاقم هشاشة جنوب السودان ومواطن ضعفه، وهددت جهود السلام، وفاقمت الأزمة الإنسانية المستمرة، وإلى تدفق هائل بأعداد اللاجئين، مع عبور أكثر من 1.2 مليون لاجئ وعائد إلى جنوب السودان، مما وضع ضغطاً هائلا على الموارد والخدمات الشحيحة أصلاً. وبحلول عام 2024، كان أكثر من 9.3 مليون شخص في جنوب السودان، أي أكثر من 70% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بينما يعاني 7.8 مليون منهم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. كما كان أكثر من 2.3 مليون طفل معرضين لخطر سوء التغذية في بعض المناطق التي اقتربت من حد المجاعة.
وحتى قبل عام 2023، كان جنوب السودان من بين الدول الأعلى تصنيفاً في العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي على مستوى العالم، حيث سُجل في جنوب الصحراء الكبرى ثاني أعلى المعدلات في أفريقيا. ولطالما كانت الحدود بين السودان وجنوب السودان ممراً للنزوح عبر عقود من الحرب والمجاعة وعدم الاستقرار السياسي. إلا أن حجم الأزمة الحالية وتعقيدها فاقم من الأزمات المتراكمة، لا سيما لدى النساء والفتيات. وقد تجلّت آثار ذلك في الاغتصاب والاعتداء الجنسي والاتجار بالبشر والإجبار على البغاء على جانبي الحدود.
الفرار من العنف الجنسي والإرهاب
لقد ركزنا بحثنا في منطقة الحدود على الأشخاص الذين فروا من خلالها، واستخدمنا منهجية "استخلاص المعنى" القائمة على مبدأ أن سرد القصص وسيلة بديهية لنقل المعلومات المعقدة ومساعدة الناس على فهم تجاربهم، لتوثيق ما حدث للنساء خلال رحلاتهن والمخاطر التي مررن بها في مخيمات جنوب السودان. وقد اعتمدنا نهجاً مشابهاً لدراسة روايات الاستغلال الجنسي من قبل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في هايتي وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وتألف فريق العمل الميداني من 3 باحثات و3 باحثين من منظمة "ستيوارد وومن" غير الربحية على لمدة أسبوعين لجمع هذه القصص. و"ستيوارد وومن" هي منظمة جنوب سودانية بقيادة نسائية تهدف إلى التصدي للعنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف الجنسي.
ولقد جمع فريقنا 695 قصة من 671 شخصاً، غالبيتها العظمى من قصص من جنوب السودان من العائدين إلى بلد فروا منه سابقاً وهم بنحو 98%، ومعظمهن من اللواتي في سن الإنجاب (88%)، وأكثر من نصف القصص كانت روايات شخصية عن هجرتهن، بينما روى الرجال قصصاً أخرى عن أقاربهم من النساء. وكان الهدف هو ضمان شعور الناس بالأمان وتمكينهم من التعبير عن آرائهم بحرية.
تقول جوزفين تشانديرو دراما محامية حقوق الإنسان من جنوب السودان والمديرة السابقة لمنظمة "ستيوارد وومن"، بدعوة النساء والفتيات لمشاركة تجاربهن في الهجرة بكلماتهن الخاصة، "كرّم جامعو البيانات قدرتهن على التعبير عن أنفسهن. وقد عزز هذا النهج الثقة، وخفّض من آثار الصدمات النفسية، وأنتج روايات أكثر ثراءً وصدقاً تعكس واقع النزوح المعاش".
أخذوا الفتيات بالقوة
بينما يُجبر العنف الأسر على الفرار من السودان، إلا أنَّ الخطر لا يتوزع بالتساوي. وتُظهر نتائج البحث أنَّ الفتيات المراهقات أكثر عرضةً للخطر بشكل كبير. كما تواجه الفتيات خطراً محدقاً يصعب على الأسر تجنّبه بسهولة، حيث تُداهم الجماعات المسلحة المنازل والمخيمات، وتختطف الفتيات أو تحتجزهن على الطرقات وعند نقاط التفتيش، كذلك تُستهدف الفتيات المراهقات تحديداً ويتعرّضن للتحرش الجنسي والاغتصاب.
وقد يحاول الآباء السفر مع عائلاتهم ضمن مجموعات، أو تغيير المسارات، أو إخفاء بناتهم، ولكن عندما يوقف رجال مسلحون حافلة أو يدخلون قرية ليلاً، تصبح خيارات حمايتهم محدودة. وتزداد هذه المخاطر مع تفاقم الفقر وندرة وسائل النقل الآمنة. وهذه الظروف تجعل الفتيات ظاهرات ومعزولات ومعرضات للخطر. تقول إحدى النساء كيف يتعرضن للاعتداء، اقتربت سيارة المتمردين منا، أخذوا الفتيات بالقوة واغتصبونا، ولم يستطع الرجال فعل شيء لحمايتنا. وما يؤلم هو أن جرائم الاغتصاب تتم في العلن أمام أعين الجميع، وما فعله العرب بالنساء والفتيات كان فظيعاً، ولم أكن وحدي من في ذلك.
شاركت امرأة أخرى قصةً مؤلمةً للغاية عن اغتصاب ابنتها ومقتلها، قالت، "اغتصبت مجموعة من الجنود ابنتي وهي بعمر 12 عاماً، وماتت على الفور. إنها قصة محزنة للغاية، لكن عليّ أن أرويها ليعرف العالم هذا الألم أن يفارقني". وقد أكدت بياناتنا هذه الحقائق المروعة. وعند تحليل الإجابات حسب العمر، ظهر نمط بدلالة إحصائية حيث الفتيات المراهقات، اللواتي تتراوح أعمارهن بين 13 و17 عاماً، كنّ أكثر ميلاً من النساء الأكبر سناً للقول إنًّ العنف الجنسي كان سبب هجرتهن.
وطلبنا من المشاركات تصنيف تجاربهن ضمن طيف من الاسئلة حول، هل كان العنف الجنسي سبباً للهجرة، أم حدث نتيجةً لها، وبالنسبة للفتيات المراهقات، تجمّعت الإجابات بأغلبية ساحقة في طرف واحد، لقد كان العنف الجنسي هو المحفز، وليس نتيجةً للانتقال. ومن المحتمل أنًّ العنف الجنسي أصبح أمراً طبيعياً إلى حد ما بين النساء الأكبر سناً بعد نجاتهنّ من صراعات سابقة في المنطقة، ويتفاقم هذا الوضع بسبب استهداف الفتيات الأصغر سناً غير المتزوجات تحديداً للاختطاف والزواج القسري. وقد شرحت إحدى الفتيات ما حدث لأختها بقولها، بينما كنا نسافر بحثاً عن الأمان في وطننا جنوب السودان، أُمرت جميع النساء والفتيات بالنزول من السيارة واغتصبتن من مجموعة من 5 جنود. وبصفتها فتاة بريئة، حاولت أختي البالغة من العمر 15 عاماً المقاومة، فتعرضت للضرب المبرح، واغتصبها 5 جنود في وقت واحد، ثم قُتلت، وأُمرنا بالمغادرة، ولم تعد أختي موجودة".
لقد جئت إلى هنا لتغيير حياتي
إحدى الشابات التي بالكاد تجاوزت سن المراهقة، شعرت بالخجل والإحراج، عندما أخبرتنا عن كيفية تعرضها للهجوم أثناء فرارها إلى جنوب السودان قال، لقد هاجمتنا الميليشيا فجأةً، وكنتُ من بين 8 فتيات اختُطفن، وقد اغتصبني 4 جنود مراراً وتكرارا لمدة يومين، وتسبب ذلك في إجهاض حملي بجنين بعمر 3 أشهر، وأُصبتُ بمرض الزهري". ومع أن العنف ليس أمراً مفاجئاً في الحروب، إلا أنَّ عند تحليلنا للقصص، برز نمطٌ واضح أشار إلى أنَّ 53% من المشاركين تحديداً إلى العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي كسبب رئيسي للفرار، وكان الدافع الرئيسي في جميع الفئات العمرية. وبالنسبة للكثيرين لم يكن مجرد نتيجة للحرب، بل كان القشة التي قصمت ظهر البعير في قرار مغادرة السودان.
ولقد عززت القصص هذه البيانات. تروي إحدى الأمهات قصة وفاة طفلها على طريق الهجرة، نتيجةً مباشرة للعنف الذي كانوا يهربون منه. ووصف رجلٌ كيف اختُطفت زوجته وابنته على الطريق، وهو يرعى لوحده الآن 4 أطفال آخرين، ويتساءل إن كانت ابنته وزوجته ما زالتا على قيد الحياة. قال، يؤلمني كثيرًا أنَّني لا أعرف أن كانوا على قيد الحياة أم لا. مع أنَّ معظم النساء والفتيات المختطفات تعرضن للاغتصاب الجماعي، وأنَّ الكثيرات منهن لقين حتفهن. ربما تكون زوجتي وابنتي من بينهن.
هذه القصص من عدد لا يُحصى من قصص النساء وعائلاتهن، وهي تُبيّن بوضوح أًّ العنف الجنسي لم يكن مجرد ضوضاء خلفية للحرب، بل كان بالفعل نقطة التحول التي دفعتهن إلى الهجرة. وكما أخبرتنا إحدى النساء، فإن العنف الجنسي الذي كانت تخشى منه دفع عائلتها إلى الهجرة إلى جنوب السودان، تقول، خُطف زوجي على يد قوات الدعم السريع، وطُعنتُ عندما قاومت محاولة اغتصابي، وماتزال الندبة باقية في جسدي وذاكرتي، لهذا جئتُ إلى جنوب السودان لتبديل حياتي
وفي مخيم كير آدم للاجئين في شمال منطقة أويل، وجد الفريق ظروفاً مأساوية، بينما صُممت المخيمات كمأوى مؤقت، قبل إعادة توطين ساكنيه من قِبل المنظمة الدولية للهجرة، وكان الكثير من الناس يقيمون في المخيم منذ 3 أشهر أو أكثر. وقد سُجِّل بعضهم كلاجئين أو عائدين، بينما لم يُسجَّل آخرون. وجميعهم يُكافحون من أجل البقاء وهم دون طعام أو مكان كافٍ، ودون الحصول على الرعاية الصحية التي في أمسّ الحاجة إليها. يقول عن ذلك تشانديرو دراما، "بسبب عمليات النهب والسرقة المستشرية على طول الرحلة، وصل عدد لا يُحصى من الأفراد إلى وجهتهم وهم محرومون من الضروريات، وبلا طعام، ولا ملابس، ولا إمدادات".
الحقيقة بعد العبور
بعد عبور الحدود إلى بر الأمان النسبي في جنوب السودان، واجه العائدون واللاجئون مجموعة جديدة من الصراعات، زائد الافتقار إلى البنية الأساسية، والوصول المحدود إلى الرعاية الطبية، وقلة المساعدات الإنسانية. وعلى عكس مراكز الاستقبال الأكثر رسوخاً على طول الحدود، لم يتلقَّ مخيم كير آدم سوى القليل من الدعم، حيث أقرب مركز صحي يبعد أكثر من ساعتين بالسيارة، وهي رحلة غالباً ما تكون مستحيلة بالنسبة للنساء والفتيات المنهكات والمصابات، اللواتي سُلبت منهن أموالهن أو أي من الحاجيات كنّ يحملنها. تقول إحداهن، استغرق وصولي إلى حدود جنوب السودان 6 أيام. وعند الحدود، أبلغتُ عن جريمة الاغتصاب التي تعرضت لها، لكن لم يُقدَّم لي أي علاج أو مساعدة. وأحالني مسؤولو المنظمة الدولية للهجرة إلى مرافق صحية في منطقة غوك مارشار، التي تبعد حوالي 50 كيلومتراً، وهي بعيدة جداً، ولم أستطع السفر، ولم يكن لديّ أي مال للمواصلات.
من الضروري أن تتلقى الناجيات من الاغتصاب علاجات وقائية وخدمات رعاية صحية طارئة في أسرع وقت ممكن بعد الاعتداء. وقد أظهرت بعض المشاركات في البحث عن إصابات جسدية بالغة ناجمة عن العنف الجنسي، بينما حملت أخريات عند اغتصابهن أو حملن نتيجة الاغتصاب. وفي هذه الحالات، قد يؤدي نقص الرعاية الطبية إلى عواقب وخيمة. وفي كثير من الحالات، تُرك العائدون ليبنوا ملاجئهم المؤقتة بأنفسهم ويبحثوا عن الطعام في الغابات. كما كانت المنطقة عرضة للفيضانات، واضطر الباحثون إلى الخوض في المياه للوصول إلى الناس.
تقول إحدى اللواتي، "لقد جئت إلى جنوب السودان في نيسان/ أبريل العام الماضي برفقة طفلين. أنا الآن عالقة مع طفليّ لأن زوجي هرب عندما كان العرب يعتدون جنسيًا على النساء بشكل مُفرط. ولا أعرف أبداً إن كان على قيد الحياة أم لا، بينما أعيش الآن في مخيم العائدين وأنام في أكواخ من القش، تحت أمطار غزيرة، بلا خيام، وبلا طعام".
كما أن مسامية الحدود والحركة المنتظمة عبرها في أوقات السلم النسبي، والصعوبات في الوصول إلى نقاط العبور الرسمية، عوامل تجعل من شبه المستحيل توجيه النازحين بشكل فعال عبر نقاط العبور الرسمية إلى المخيمات التي تتوفر فيها خدمات أفضل نسبياً. وهناك حاجة ماسة لتحسين الخدمات، بما في ذلك توفير وسائل النقل إلى المستوطنات الرسمية ولتلقي الرعاية الطبية، في منطقة الحدود لتلبية الاحتياجات الكبيرة للعائدين أينما وجدوا.
الحاجة إلى استجابة عاجلة
يجب أن يحدث تحول في الاستجابة الإنسانية، من تقديم الخدمات التفاعلية إلى استراتيجيات حماية استباقية تركز على الناجين. على سبيل المثال، ينبغي على المنظمات غير الحكومية زيادة أنشطتها على طول مسارات النزوح المعروفة وعلى طول الحدود، ويجب على الحكومات المانحة زيادة تمويل المساعدات الإنسانية. ويمكن لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام أيضاً تعزيز حماية الأنشطة المدنية في المناطق الحدودية بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني في جنوب السودان.
العنف الجنسي ليس مجرد ضرر جانبي للحرب في السودان. فهو، بالنسبة للعديد من الفتيات وأسرهن، الدافع الرئيسي للهروب. ويُعد التهديد المتفشي بالاختطاف والاغتصاب دافعاً رئيسياً للهجرة، إذ يُحدد من يهرب ومتى عليه أن يفعل، بينما تُجبر النساء والفتيات على خوض مخاطر لا تُصدق بحثاً عن فرصة للأمان في جنوب السودان. ومنذ جمع بياناتنا في صيف العام الماضي، لم يتحسن الوضع في السودان، وتدهور الوضع الأمني في جنوب السودان. وعلى الحدود أدى تصاعد الصراع بين الجماعات المسلحة على أسس عرقية، وتصاعد التوترات السياسية بين الرئيس سلفا كير ونائبه الأول ريك مشار، بما في ذلك فرض الإقامة الجبرية عليه ومحاكمته بتهمة الخيانة، إلى يؤجج المخاوف من احتمال عودة الحرب في جنوب السودان.
كذلك، ستؤثر مخاطر تفاقم الصراع والعنف بشكل غير متناسب على النازحين والفئات المستضعفة. ويمكن لموظفي المنظمات غير الحكومية المدربين قانونياً المساعدة في هذا الصدد من خلال تعزيز التحقيقات الجنائية، مما قد يُسهم بدوره في تقديم الخدمات. ويُذكر أنَّ رد فعل القانون الدولي كان بطيئًا للغاية. ومنذ نحو شهرين من هذا العام فقط، أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية أول إدانة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في دارفور عامي 2003 و2004. ولا ينبغي أن ينتظر ضحايا الحرب الحالية والناجون منها أكثر من 20 عاماً للمحاكمات.
ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل مع المنظمات النسائية والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان في السودان وجنوب السودان من أجل تعزيز العدالة الآن، بأي طريقة ممكنة. وقد يشمل ذلك إجراء تحقيقات تركز على الناجين وجمع الأدلة، ومبادرات العدالة المجتمعية، وتوفير أماكن آمنة للناجين لبدء رحلة تعافيهم. كذلك، تتمتع منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء بمكانة جيدة لدعم الاحتياجات الفورية للنساء والفتيات، لكنَّها بحاجة إلى الدعم. وقد أثر خفض التمويل بشدة على هذه المنظمات حول العالم، مما جعل العديد منها مُعرضاً لخطر الإغلاق. تقول تشانديرو دراما، "إذا أرادت منظمات المجتمع المدني أن تستمر في عملها المنقذ للحياة، فلا بد من تمويلها على نطاق واسع. وهذه ليست مجرد مسألة تمويل، بل هي مسألة عدالة، وفي مواجهة عنف لا يُصدق، لا تُقدم هذه المنظمات خدمات فحسب، بل هي شريان حياة".
لقد كانت النساء والفتيات اللواتي التقيناهن واضحات، العنف الجنسي أجبرهن على الفرار. وإذا أردنا توقف النزوح والهروب فلا بد من استجابة عاجلة، ويجب إعطاء الأولوية لإعادة التوطين والدعم الإنساني والعدالة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.