"إل مانيفستو": صعود تشارلي كيرك كان مشبعاً بالكراهية

كان تشارلي كيرك جندياً في الخدمة الدائمة في الحروب الثقافية الأميركية، خصّص خطابه لجمهور الطلّاب الذين كان ينوي تشكيلهم كحماة لهيمنة اليمين الجديد.

0:00
  • "إل مانيفستو": صعود تشارلي كيرك كان مشبعاً بالكراهية

صحيفة "إل مانيفستو" الإيطالية تنشر مقالاً يتناول سيرة  تشارلي كيرك ونشاطاته ودوره في اليمين الأميركي الجديد، وتأثيره على السياسة الجامعية والشبابية، وصلاته بالرئيس ترامب. 

وذكر المقال أنّ مقتل كيرك سيزيد احتمالية استمرار الاستقطاب والعنف السياسي، مشيراً إلى أنه كان جزءاً من بيئة سياسية عامة سمّية تغذي الكراهية والتوتر في المجتمع الأميركي.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

ينحدر كيرك من الطبقة المتوسطة في شيكاغو، وقد أصبح صوت التيار اليميني الجديد في الجامعات الأميركية، رغم أنه لم يلتحق بأي كلية، ولم يحصل على شهادة جامعية. لكنه، بعمر 31 عاماً، أسس منظمة "تيرنينغ بوينت يو إس إيه"، التي تعدّ بمنزلة "جبهة شبابية" لحركة "ميغا" أو "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى". ويعدّ تشارلي كيرك بالنسبة إلى كثيرين أحد مهندسي فوز ترامب في انتخابات العام الماضي.

وتفيد منظمة كيرك من مقرها في فينيكس أنها تحقق إيرادات سنوية تبلغ 90 مليون دولار، تصرفها على المؤتمرات وورش العمل الجامعية، وحتى على تمويل مرشحي اللجان الطلابية من المحافظين. لقد كان كيرك شخصية بارزة في "جيش المؤثرين" اليميني. والبودكاست الذي كان يقدمه جاء في المرتبة الثانية من حيث الشعبية بين الأميركيين بعد بودكاست جو روغان، ولكن بدلاً من شعبوية روغان الذكورية، تبنى كيرك نهجاً أيديولوجياً رجعياً صارماً لا يتزعزع. كان بمنزلة جندي في خدمة دائمة في "حروب الثقافة"، موجهاً إلى جمهور من الطلاب كان يهدف إلى تشكيلهم ليكونوا قوة أساسية في هيمنة يمينية جديدة.

وحين كان كيرك طالباً في المدرسة الثانوية، تقرّب من الدوائر النيوليبرالية، وكان معجباً براش ليمبو، عميد راديو المحافظين الجدد. وخلال عهد أوباما، انضم إلى "مقاومة حزب الشاي" وسرعان ما ظهر كصوت واعد، وتم تبنيه ودعمه من رعاة الحزب الجمهوري الأثرياء كمتحدث عن قضايا الشباب. ثم انضم إلى "ميغا"، وأصبح قريباً من العائلة التي بدأت غزواً لا هوادة فيه للحزب الجمهوري، وكان من الأهمية بمكان صداقته مع دونالد ترامب جونيور، الذي صاغ له استراتيجية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، وسافر معه قبل بضعة أشهر إلى غرينلاند "لاختبار الأجواء هناك".

بفضل ملايين المتابعين لكيرك على وسائل التواصل الاجتماعي ومهاراته السياسية الفطرية، لفت انتباه ترامب، وبشكل خاص بفضل ولائه الشخصي. وقد دعاه ترامب إلى إلقاء كلمة في مؤتمر الحزب لعام 2016. وخلال الفترة الأولى لرئاسة ترامب، استُقبل في البيت الأبيض أكثر من مئة مرة. وبعد هزيمة ترامب في انتخابات 2020، أدّى دوراً محورياً في محاولة تقويض نتائج الانتخابات، حيث أرسلت منظمته "تيرنينغ بوينت" 350 طالباً إلى التجمّع الذي أقيم في 6 كانون الثاني/يناير 2021، ثم أصبح لاحقاً من أبرز المدافعين عن محاولات لا حصر لها لقلب نتائج الانتخابات في ولاية أريزونا. وقبل كل شيء، واظب على البقاء إلى جانب ترامب خلال سنوات النفي والتخطيط للانتقام.

كانت مهمة كيرك دائماً حشد شباب "الحزب الجمهوري". ولكن بالنسبة إلى ترامب، كان أيضاً ملازماً ومستشاراً في تطهير كوادر الحزب غير المخلصة بما فيه الكفاية. وعند الضرورة، استخدم كيرك التهديد بالتحدي الأساسي: إذا لم ينتظم الجميع في الصف، فسوف "نموّل خصماً أكثر ولاء وندمّر حياتك السياسية". قادته ميوله الطبيعية نحو أساليب ترامب الوحشية إلى سد الفراغ في الحركات الشبابية اليمينية.

وفي الجامعات، وبدلاً من الاكتفاء بإصدار البيانات، تقوم منظمته "نقطة التحول" بمراقبة وجمع أسماء الأساتذة "التخريبيين". وما كان يعدّ في السابق مجرد إيماءة رمزية، أصبح الآن ممارسة فعلية لما يُعرف بـ"المكارثية الجديدة". وتستخدم هذه القوائم لفصل أعضاء هيئة التدريس والإداريين بعد أن يبلغ عنهم "مراقبون" من الطلاب، بسبب تدريسهم مواضيع محظورة مثل "نظرية العرق النقدية" أو "نظرية النوع الجنسي الحرجة".

وقد اعتمد نجاح كيرك بشكل أساسي على برنامجه الذي كان يُبث أسبوعياً، ويتحدث فيه عن الهجمات والاستفزازات والشكاوى لملايين المتابعين، بمزيج متفجر من الكراهية واللوم يضخ بلا هوادة في المجال العام للحفاظ على حالة الاستياء داخل الحركة على قيد الحياة.

كانت أهداف كيرك ورفاقه الدفاع عن إقصاء النساء، والمهاجرين، والمتحوّلين جنسياً، والتقدميين. حتى إنّ مارتن لوثر كينغ أعيد تقييمه كعامل للشر، لأنه استبدل القيم "الأصلية" للدستور بالحقوق المدنية. وقد اقترن ذلك بدعم كيرك المطلق لـ"إسرائيل" وإدانته "الفوضى الجنسية التي تجتاح البلاد"، والتي يرى أنّ أسبابها تكمن في التدهور السكاني.

لقد كان برنامج كيرك بمنزلة النظام الغذائي للقيم الغربية والمسيحية الأساسية بالنسبة إلى جمهوره، الذي لا يستر التعبير عن كراهية الأجانب، ويعلن عن دعمه الصريح للترحيل الجماعي، ويسخر باستمرار من "هوس" اليسار الأميركي بالتعاطف مع الأجانب.

في الأيام التي سبقت وفاته، ركّزت منظمته "تيرنينغ بوينت" على منصة "إكس" بشكل خاص على مقتل إيرينا زاريتسكا، وهي لاجئة أوكرانية تبلغ من العمر 23 عاماً، قتلت في ولاية كارولينا الشمالية على يد قاتل أميركي من أصل أفريقي مختل عقلياً، واستخدمت موتها كرمز للحملة الصليبية اليمينية ضد الجريمة، وكأداة لتصنيع ذعر أخلاقي مشحون وعنصري.

الآن، ستكون وفاة كيرك بالتأكيد موضوع عمليات ساخرة بالقدر نفسه، بدأها بالفعل إيلون ماسك، الذي قال إنّ "اليسار هو حزب القتل"، وتبعه الرئيس ترامب بالكلام والمعنى نفسه. وكانت إدانة الرئيس ترامب من المكتب البيضاوي مثالاً على البيئة السامة للغاية التي أدّت إلى العنف، حيث هاجم وسائل الإعلام و"اليسار الراديكالي" الذي سمّم الأجواء بانتقادهم لكيرك كما يرى ترامب.

ومع ذلك، من المستحيل ألّا نرى كيف أنّ السمّ الذي يُحقن عمداً ويومياً في المجال العام، وهو السمّ نفسه الذي اعتمد عليه كيرك طوال حياته السياسية، قد حصد الآن ثماره الحتمية. وما يثير الدهشة هو أنّ الاستقطاب الشديد والعنف الاستعراضي من قبل الحكومة لم يؤدّيا بالفعل إلى أمور أشد سوءاً. أما الآن، فمن المتوقع أن يؤدي اغتيال تشارلي كيرك إلى زيادة احتمالية حدوث ذلك بشكل كبير.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.