"الغارديان": "اليابانيون أولاً".. شعار زعيم سياسي صاعد على غرار ترامب

ينجذب مزيج واسع من الناخبين اليابانيين الشباب والمحافظين المتذمرين وأصحاب نظريات المؤامرة، للخطاب القومي لحزب "سانسيتو" الذي يتزعمه السياسي الصاعد سوهي كاميا. 

  • سوهي كاميا
    سوهي كاميا

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يتناول صعود حزب "سانسيتو" الياباني وزعيمه سوهي كاميا، وسياساته اليمينية المتطرفة، وأثرها على المشهد السياسي الياباني. ويُقارن المقال كاميا بنهج دونالد ترامب في الولايات المتحدة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

كانت رؤية سوهي كاميا واقفاً يُشمّر عن ساعديه، أعلى سيارة حملته الانتخابية، مشهداً مألوفاً في طوكيو، وهو ينتقد المؤسسة السياسية قبيل انتخابات مجلس الشيوخ الياباني. وقد نال تصفيق المعجبين، وعبوس من يخشون سياساته المثيرة للانقسام تحت شعار "اليابانيون أولاً" المستوحى من شعار حليفه الطبيعي دونالد ترامب. 

حزب "سانسيتو" الذي يتزعمه كاميا ويعني اسمه حرفيّاً حزب المشاركة السياسية، ويوصف بأنّه يميني متطرّف محافظ للغاية، وقومي مناهض للمهاجرين والنخب الليبرالية ورؤوس الأموال الأجنبية. ويطلق عليه اليابانيون لقب "حزب افعلها بنفسك"، في إشارة إلى دوره كما يقول سوهي كاميا كمكان للمبادرين الذين سئموا من التيّار السياسي السائد في البلاد. وبينما كان ينظر إليه سابقاً على أنّه حزب هامشي مناهض للهجرة، حين دخل انتخابات مجلس الشيوخ، وفاز بمقعد واحد فقط، فإنه الآن بلا شك في صعود واضح، إذ خرج من انتخابات تموز/ يوليو بـ 15 مقعداً.

ويرى كاميا البالغ من العمر 47 عاماً، أنّ وصفه باليميني المتطرف هو بمنزلة "تشهير" من منتقديه في وسائل الإعلام. وفي مقابلة مع صحيفة "الغارديان" في مكتبه البرلماني، قال، "بدلاً من أن نكون مناهضين للهجرة، أعتقد أنّه من الأفضل فرض قيود أكثر صرامة على الهجرة. أمّا بالنسبة إلى معاداة الأجانب فهذا سوء فهم محض". وأضاف عن مقترحات حزبه أنّها صُممت لإنشاء دولة "لا تعتمد على المهاجرين والأجانب".

اعتمد كاميا بشكل كبير على الخطابات اليمينية خلال حملته الانتخابية، ودعا مراراً إلى فرض قيود أكثر صرامة على المهاجرين، الذين ارتفعت أعدادهم بشكل كبير مع سعي اليابان إلى الاستعانة بالعمالة الأجنبية لسدّ الفجوات الكبيرة في سوق العمل.

كما أثار غضب ناشطي المساواة بين الجنسين بدعوته النساء الأصغر سنّاً إلى التركيز على إنجاب الأطفال بدلاً من الخروج إلى العمل، واستخدم أيضاً تعبيراً عنصرياً مُوجهاً إلى الجالية الكورية الكبيرة في اليابان، ثم اعتذر عن ذلك لاحقاً.

لقد كانت تداعيات الانتخابات على الوضع المتدهور ل "الحزب الليبرالي الديمقراطي" الحاكم، والذي يعدّ قوة بارزة في السياسة المحافظة منذ 7 عقود، حيث أعلن زعيمه شيغيرو إيشيبا استقالته من منصب رئيس الوزراء، بينما تتناقض نهايته السياسية مع الصعود السريع وغير التقليدي لحزب "سانسيتو" وزعيمه كاميا.

دعم الهجرة

كاميا الذي كان مديراً سابقاً لسوبرماركت ومعلماً، انتخب لأول مرة عضواً في مجلس مدينة سويتا بمحافظة أوساكا، وكان يحمل رسالة، بحسب تعبيره، "لتعليم وتغيير عقلية الشباب". وقد ترشّح عن "الحزب الليبرالي الديمقراطي" في انتخابات مجلس النواب لعام 2012، لكنّه غادر الحزب بعد فشله في الفوز. 

وتلاقي رسالة حزب "سانسيتو" صدى لدى المحافظين الساخطين، وكذلك لدى مجموعة متنوعة من أصحاب نظريات المؤامرة وأصحاب الأفكار الأيديولوجية الخارجة عن المألوف، مثل أولئك الذين يعتقدون أنّ جائحة كورونا قد ولدت بشكل مصطنع، واللقاح استخدم كـسلاح للسيطرة. بالإضافة إلى معارضي الدور الضار للنخب الليبرالية القوية والسرية، حيث يجد جميع هؤلاء محطة سياسية في حزب كاميا، الذي يتجاوز عدد مشتركي قناته على يوتيوب نصف مليون مشترك.

في المقابلات التي يجريها عبر الإنترنت، يشير كاميا دائماً إلى "الدولة العميقة"، وهي نظرية مؤامرة نشأت في الولايات المتحدة مفادها أنّ المجتمع محكوم بسرّية من قبل قلّة من النخب في السياسة والأعمال وكذلك وسائل الإعلام.

وقد دفع الزخم الذي اكتسبه حزب "سانسيتو" إلى مقارنته مع "حركة الإصلاح في المملكة المتحدة"، و"حزب البديل من أجل ألمانيا"، بينما يوصف كاميا بأنّه نسخة مصغّرة من دونالد ترامب، وصولاً إلى شعار حملته الانتخابية "اليابانيون أولاً"، وهي دعوة إلى التصدي لما سمّاه "الغزو الصامت" للمهاجرين، بالإضافة إلى موجة السياحة التي تحرم اليابانيين من كل شيء، من وجبات المطاعم إلى غرف الفنادق.

وقد لامس هذا الخطاب وتراً حساساً لدى عدد كاف من الناخبين الشباب، ما دفع "الحزب الليبرالي الديمقراطي" وغيره من الأحزاب الراسخة إلى التخلي عن تهاونهم. ويقول كاميا، "نحتاج إلى سياسات تعطي الأولوية لحياة الناس. ولهذا السبب نظمنا حملة لوضع اليابانيين في المقام الأول". ويرى العديد من الناخبين أنّ رؤية حزب "سانسيتو" للعالم تثير إشكالية بالغة.

وقد وُجّهت مؤخراً اتهامات لسوهي كاميا بالتمييز على أساس الجنس والعمر عندما قال، إنّ الحكومة بالغت في تشجيع الشابات على العمل بدلاً من إنجاب المزيد من الأطفال لمعالجة مشكلة انخفاض معدل المواليد في اليابان.

واحتجت جماعات حقوق الإنسان بعد استخدامه مصطلحاً مهيناً للكوريين في خطاب حملته الانتخابية، في حين أعرب المعلمون عن قلقهم بعد أن قال حزبه إنّ تلاميذ المدارس يجب أن يحترموا "القيم التقليدية" المنصوص عليها في المرسوم الإمبراطوري للتعليم لعام 1890، والذي دعا إلى الولاء المطلق للإمبراطور والتضحية الشخصية من أجل خير الأمّة.

وقد دعا أعضاء من حزب "سانسيتو" اليابان كي تمتلك الأسلحة النووية، ومعارضة زواج المثليين وغيره من حقوق مجتمع "الميم". وفي الشهر الماضي، زار نواب الحزب ضريح ياسوكوني، وهو ضريح حرب مثير للجدل، في الذكرى الثمانين لهزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية.

ولكنّ خطاب الحزب عن الهجرة هي التي تدفعه إلى الأمام منذ أنشأ قبل أكثر من 5 سنوات بقليل، مع عدد قليل من الموظفين بدوام كامل وبأقل مِن 3000 عضو، بينما يزعم الحزب الآن بأنّ لديه 90 ألف مؤيد وعضو مسجل.

أصداء الإصلاح في المملكة المتحدة

نجح حزب "سانسيتو" في تحويل الهجرة إلى قضية وطنية، خادعاً "الحزب الليبرالي الديمقراطي" وغيره من الأحزاب الراسخة. وكان قد ارتفع عدد سكان اليابان المولودين في الخارج إلى ما يقرب من 4 ملايين نسمة مع بداية هذا العام، حيث استقبل رابع أكبر اقتصاد في العالم عمالاً مهاجرين من أجزاء أخرى من آسيا لسد الثغرات في سوق العمل.

وفي المقابل، انخفض عدد المواطنين اليابانيين إلى مستوى قياسي بلغ 120.6 مليون نسمة، وفقاً لأحدث البيانات الحكومية. ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع أعداد العمال المهاجرين، ما سيولد فرصة سياسية أمام حزب "سانسيتو" لاستغلال المخاوف التي تحيط بالمجتمع الياباني، مهما كانت هذه المخاوف غير مبرّرة.

كذلك تظل نسبة السكان المولودين في خارج اليابان صغيرة، ولا تتجاوز نسبة 3%، وهي لا تقارن بدول مثل الولايات المتحدة، حيث تصل النسبة إلى 15% من السكان. ويقول كاميا، "إذا تجاوزت نسبة الهجرة 10% من إجمالي السكان، فستصبح مشكلة كبيرة. بالنظر إلى الوضع في دول أخرى، وإذا استمررنا على هذا المعدل، فسنتجاوز 10% خلال نحو 10 سنوات، وهذا يشعرني بالقلق إذا أصبحت اليابان مثل أميركا، وإذا استمر الوضع على هذا النحو، فستفقد اليابان أصالتها وسحرها.

قول كاميا إنّ إعطاء الأولوية للشعب الياباني لا يعني طرد الأجانب وهو أمر اتهمت بدعمه، مع أنّ موقفي هو مناهضة العولمة وجزء من الحركة التي انبثقت من معارضة الوضع المالي العالمي الراهن والنفوذ "الخفي" لنخبة الشركات القوية. لكن بالنسبة إلى البعض، يضيف كاميا، "يعد أيضاً اختصاراً لمعاداة السامية.

وكانت صحيفة حزب "سانسيتو" قد واجهت اتهامات بمعاداة السامية في عام 2022، عندما نشرت كتيّباً حرّره كاميا، زعم أنّ "الممولين اليهود" يستفيدون من إثارة الخوف بشأن فيروس كورونا. وينفي كاميا بشدة اتهاماته بمعاداة السامية، مشيراً إلى عضويته في جمعية الصداقة اليابانية- الإسرائيلية ورحلتين ممتعتين إلى "إسرائيل"، ويقول "ليس لدي أيّ تحيز ضد اليهود أو "إسرائيل".

يزعم كاميا أنّ حزبه قد تخلص من عناصره الأكثر تطرفاً. ومع ذلك، نظم الحزب هذا الشهر ندوة شارك فيها الناشط اليميني الأميركي تشارلي كيرك، الذي قتل بالرصاص في الأسبوع الماضي، كمتحدث رئيسي. كما تعرض الحزب لانتقادات هذا الأسبوع بتعيينه مايوكو تويوتا، العضوة السابقة في مجلس النواب عن "الحزب الليبرالي الديمقراطي"، في مجلس أبحاث السياسات.

وكانت تويوتا قد استقالت من الحزب الحاكم في عام 2017، بعد ورود تقارير تفيد بأنّها اعتدت على سكرتيرتها، وأساءت إليها لفظياً. لكن تويوتا أنكرت مزاعم الاعتداء الجسدي واعترفت بالإساءة اللفظية، وقد أسقط القاضي الدعوة عندما تدخّلت الضحية وطلبت عدم معاقبتها.

مع ذلك، ينفي كاميا أن يكون حزب "سانسيتو" يسعى لجرّ الساحة السياسية اليابانية نحو اليمين أكثر. و"عندما يتعلق الأمر بمناهضة العولمة، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، يصنفنا دائما تقريباً أنّنا يمينيون متطرّفون، لكنني في الحقيقة لا أؤيد الأحزاب المحافظة في اليابان، وهناك أشخاص محافظون وليبراليون داخل سانسيتو"، كما يقول كاميا.

هناك أصداء قوية لروح العصر السياسي في بريطانيا، حيث تدفع نسب استطلاعات الرأي المرتفعة ل"حزب إصلاح المملكة المتحدة" بزعامة نايغل فاراج، الذي يضغط على حكومة حزب العمال لاتخاذ سياسات أكثر صرامة بشأن الهجرة. وهذا الشهر، أعلنت الحكومة اليابانية أنّها ستسعى جاهدة لتحقيق "صفر" من الأجانب غير الشرعيين، إلى جانب فرض قيود محتملة على الوافدين الجدد، واتخاذ تدابير لضمان "التكامل الاجتماعي.

يقر كاميا بأن مجموعته البرلمانية، المؤلفة من 18 نائباً من بينهم 3 أعضاء في مجلس الشيوخ سيكون تأثيرها في السياسات محدودا. ويراهن على فترة أطول، متوقعاً أن يتيح المشهد السياسي الياباني المتصدع بشكل متزايد للأحزاب الصغيرة الانضمام إلى ائتلافات يمينية، ويقول، "ما لم يحصل أيّ حِزب سياسي على ما بين 50 و60 مقعداً في كلا المجلسين مجتمعين، فلن يتمكّن من تولي دور رئاسة الحكومة. وهدفي الأكبر حالياً هو بناء حزب قوي بما يكفي للقيام بذلك

الفرق بين اليابان وأوروبا هو أنّ وضع الهجرة هناك أكثر صعوبة. لا يزال أمام اليابان طريق طويل. لا أريد أن نضطر إلى اتخاذ إجراءات صارمة، فإذا فرضنا قيوداً مناسبة الآن، فلن نضطر إلى اللجوء إلى طرد الناس وعلينا اتخاذ إجراءات عاجلة.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.