"الغارديان": الحرب على المخدّرات.. ترامب يحوّل استعارة فاشلة إلى واقع أكثر خطورة

إنّ الهجوم على القارب السريع الذي يُزعم أنه يحمل تجار مخدرات فنزويليين ربما يكون تمثيلاً، لكنه يشكل سابقة مخيفة.

0:00
  • لقطة من فيديو على حساب ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر الضربة الأميركية على قارب سريع في 2 أيلول/سبتمبر 2025.
    لقطة من فيديو على حساب ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر الضربة الأميركية على قارب سريع في 2 أيلول/سبتمبر 2025.

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يتناول السياسة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب تجاه "الحرب على المخدرات" في أميركا اللاتينية، عبر استعراض حادثة الهجوم على قارب فنزويلي في البحر الكاريبي وتداعياتها.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

إنّ الهجوم على القارب السريع الذي يزعم أنّه كان يحمل تجّار مخدّرات فنزويليين قد يكون تمثيلاً مسرحياً، لكنّه يشكل سابقة مخيفة.

منذ أكثر من 5 عقود، شنّ الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون حرباً على المخدّرات، انتصرت فيها المخدّرات. والآن، يقوم دونالد ترامب باستعارة فاشلة من نيكسون، ويحوّلها إلى حقيقة أسوأ. وكان الرئيس ترامب قد أعلن في الأسبوع الماضي أنّ الجيش قتل 11 فنزويلياً على متن زورق سريع في البحر الكاريبي، زعم مسؤولون أميركيون أنّهم من مهرّبي المخدّرات ونشروا لقطات مصوّرة.

ولم تقدّم الإدارة أيّ دليل على ادّعائها بأنّ القارب كان يحمل مخدّرات أو أعضاء من عصابة "ترين دي أراغوا"، وقدّمت روايات متباينة عن وجهة القارب حين استهدف. كما حذّرت من أنّ هناك المزيد من هذه العمليات مقبلة، إذ قال وزير الخارجية ماركو روبيو إنّ اعتراض القوارب لم يحدّ من مشكلة المخدّرات، و"ما سيوقفهم هو تفجيرهم". وفي وقت سابق من هذا العام، أمر الرئيس ترامب سرّاً باستخدام القوّة العسكرية ضدّ "الكارتلات" على الصعيد الدولي.

ومع دوريات السفن الحربية الأميركية على سواحل فنزويلا، وإرسال مقاتلات "إف-35" إلى بورتوريكو، يُخشى أن يكون هذا ذريعة لتدخّل أميركي كارثي، كما أشار رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو. وكبديل من ذلك، قد تأمل واشنطن أن يثير ذلك قلق مسؤولين آخرين في الدولة، ويدفعهم إلى عزله، أو أنّ الضغط يدفع بالرئيس مادورو إلى الفرار، وهي أحلام تراود الإدارة الأميركية.

وقد عرضت الولايات المتحدة بالفعل مكافأة قدرها 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدّي إلى اعتقال مادورو. وفي أحسن الأحوال، قد يكون هذا مجرّد مسرحية سياسية، إذ يظهر كلّ من مادورو وترامب استعدادهما للدفاع عن قواعدهما العسكرية.

لكن هذه الحملة خطيرة ومُضلّلة، حتّى لو كانت تستهدف تجارة المخدّرات حقّاً، ولكنّها، مثل إعادة تسمية وزارة الدفاع بوزارة الحرب، تشير إلى شغف ترامب بالاستعراضات الذكورية، وتفضي إلى سابقة لشن السلطات الأميركية ضربات عسكرية على من تشاء من دون موافقة الكونغرس أو تفويض الأمم المتحدة، لمجرّد إعلان الإدارة أنّها "في حالة حرب" معها.

لقد تجاوزت إدارة الرئيس باراك أوباما حدود السلطة التنفيذية، وأيّ تعريف معقول للدفاع عن النفس والتهديد الوشيك، من خلال سلسلة الاغتيالات التي نفّذتها بالطائرات المسيرة، من ضمنها اغتيال مواطنين أميركيين بعيداً عن ساحات القتال، تحت مسمّى غامض هو "الحرب على الإرهاب". ورغم الخسائر المدنية الكبيرة والشفّافية المحدودة لم تقابل حملة أوباما بأيّ معارضة سياسية تذكر.

ومع أنّ "الكارتلات" المنتشرة في أميركا اللاتينية مدمّرة للمجتمعات هناك، إلّا أنّ إدارة ترامب ذهبت أبعد من ذلك، بتصنيفها هؤلاء تعسّفياً كإرهابيين، وهو ببساطة هراء. كما أنّ عمليات القتل خارج نطاق القضاء من هذا النوع دائماً ما تكون خاطئة، فالمجرمون الذين لن يحاكموا بعقوبة الإعدام يُعدمون من دون محاكمة عادلة.

كذلك، لا مفرّ في عمليات كهذه من ضحايا الأبرياء. وقد كان العديد من الأطفال من بين آلاف القتلى في حرب الرئيس رودريغو دوتيرتي على المخدّرات في الفلبين، الذي ينتظر الآن محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية في المحكمة الجنائية الدولية.

كما أنّ عمليات الإعدام بإجراءات موجزة تؤدّي إلى نتائج عكسية وتصعب جمع المعلومات. كذلك هو شنّ الهجمات على أراضٍ أجنبية سيقلّل من رغبة الحكومات في التعاون مع الجهود الأميركية، نظراً إلى ردود الفعل السلبية محلّياً، وخصوصاً في المكسيك، وهذا لن يعوق مكافحة المخدّرات فحسب، بل سيعوق أيضاً جهود الرئيس ترامب للحدّ من الهجرة.

ولمعالجة وباء مخدّرات الفنتانيل المدمّر، على الولايات المتحدة في نهاية المطاف معالجة الذين يطلبونها، وهي مهمّة جسيمة، وتعني معالجة الظروف التي أدّت إلى هذه الأزمة، إضافة إلى الإدمان العميق. كما سيكون اتخاذ إجراءات محدّدة الأهداف وإحداث اضطراب في الشبكات المالية لعصابات الإجرام أكثر فعّالية من قتل أعضاء "الكارتلات". والأهمّ من ذلك، ينبغي للإدارة الأميركية وقف تدفق الأسلحة الأميركية التي تؤجّج العنف في المكسيك وأماكن أخرى.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.