"الغارديان": تعذيب الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية جبهة حرب أخرى
الكاتب الفلسطيني المعروف ناصر أبو سرور يقول إنّ السجون أصبحت بمنزلة "جبهة أخرى" للصراع في غزة، ويحكي عن كفاحه للتكيف مع الحياة خارجها.
-
"الغارديان": تعذيب الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية جبهة حرب أخرى
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يتناول قصة تحرّر الأسير الفلسطيني ناصر أبو سرور بعد أكثر من اثنين وثلاثين عاماً قضاها في السجون الإسرائيلية، مسلطاً الضوء على شهادته حول تصاعد التعذيب والمعاملة القاسية التي تعرّض لها الأسرى الفلسطينيون، خصوصاً بعد اندلاع الحرب على غزّة عام 2023.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
قال الكاتب الفلسطيني المعروف ناصر أبو سرور، الذي أُفرِج عنه الشهر الماضي بعد أكثر من 32 عاماً في السجون الإسرائيلية، إنَّ استخدام التعذيب ازداد بشكل كبير خلال العامين الأخيرين من أسره، حيث أصبحت "إسرائيل" تُدير سجونها كجبهةٍ أخرى في الحرب على غزّة.
وكان أبو سرور، الذي تُرجمت مذكّراته عن المعتقل إلى سبع لغات، ومن المتوقّع أن يفوز بجائزةٍ أدبية دولية كبرى هذا الشهر، من بين أكثر من 150 فلسطينياً يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة، وأُطلِق سراحهم ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة بوساطةٍ أميركية، حيث جرى نفيُهم فوراً إلى مصر، بينما ما يزال معظم المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية في طيّ النسيان.
ويروي أبو سرور (56 عاماً) عن الارتفاع الحادّ في استخدام الضرب والحرمان من الطعام والدفء منذ اندلاع الحرب على غزّة قبل عامين، وقال: "تغيّر زيّ حرّاس المعتقل الإسرائيليين، وكتبوا على صدورهم كلمة محاربون، وبدأوا يتصرّفون وكأنَّ السجن جبهةٌ أخرى، وبدأوا بالضرب والتعذيب والقتل كما لو كانوا في أرض المعركة".
وقد وثّقت لجنة تابعة للأمم المتحدة 75 حالة وفاة لفلسطينيين رهن الاحتجاز الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حتى 31 آب/أغسطس 2025، بينما أنكرت مصلحة السجون الإسرائيلية مراراً استخدام التعذيب في معتقلاتها.
وكان قد حُكِم على أبو سرور في عام 1993 بالسجن مدى الحياة من دون الإفراج المشروط، بناءً على اعترافٍ أدلى به تحت التعذيب. وخلال عقودٍ تميَّزت بفتراتٍ طويلةٍ من الحبس الانفرادي، حصل على درجة البكالوريوس ثم الماجستير في العلوم السياسية، وبدأ بنشر الشعر والكتابات الأخرى التي هُرِّبت من السجن، وهي عبارة عن مُذكّراته بعنوان "حكاية الجدار: تأمُّلات في الأمنيات والحرّية"، أُمليت غالباً عبر محادثاتٍ هاتفية مع أحد أقاربه على مدى أكثر من عامين. وقد تُرجم الكتاب من اللغة العربية إلى سبع لغاتٍ أخرى، ما وضعه في لائحة المرشحين النهائيين لجائزة الأدب العربي التي يمنحها معهد العالم العربي في باريس كل عام.
كما لم تَلقَ النداءات من أجل الإفراج عنه استجابةً على مرّ العقود، لذلك عندما جاء المسؤولون إلى السجن بعد وقف إطلاق النار في الشهر الماضي بقائمة السجناء الذين سيُطلَق سراحهم، حاول أبو سرور تجاهلهم. قال: "كانوا ينادون بأرقام الهواتف المحمولة، وكنت جالساً على سريري في الغرفة الرقم 6 أشعر أنَّني لست جزءاً من العملية. وفي مراتٍ عديدة كان يجب أن أكون من ضمن المُفرَج عنهم على مدار كل تلك السنوات. لكنَّ الأمر برمّته ضخمٌ جدّاً ومؤلمٌ للغاية، ولم أرغب في التفاعل. لقد كانت آليةً دفاعية، وأُقنع نفسي أنَّه لا علاقة لي بالأمر".
لكن بعد ذلك جاءوا إلى زنزانتي وقالوا: ناصر، استعدَّ للخروج. "لقد وصلت لي هذه المرّة نعمة من الله أخيراً". وحين خرجتُ، راح أصدقائي يعانقونني ويقبِّلونني، وكنت في حالةِ عدم تصديق.
يُضيف أبو سرور أنَّه بعد اندلاع الحرب على غزّة على خلفية هجوم "حماس" على "إسرائيل" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ساءت مُعاملة السجناء الفلسطينيين لفتراتٍ طويلة في السجون الإسرائيلية بشكلٍ كبير، و"كان أيّ مكانٍ لا توجد فيه كاميرات مساحةً يُمارَس فيها التوحّش"، حيث يُقيِّدون أيدينا خلف رؤوسنا، ويُلقون بنا على الأرض، ثم يدوسوننا بأقدامهم. ويُذكر أنَّ وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قد تفاخر بأنَّ السجون الإسرائيلية تحت سيطرته لم تعُد "معسكراتٍ للعطلات".
يتابع أبو سرور: "لقد انتهت الحياة الثقافية في السجن خلال العامين الماضيين، فلم يبقَ سوى حياةٍ بيولوجية. سعى كلٌّ منّا للبقاء على قيد الحياة بطريقته الخاصَّة. وكُنّا دائماً جائعين، وكانت حصص الطعام اليومية في الحدّ الأدنى للعيش، وقد فقدتُ 12 كيلوغراماً من وزني".
كذلك لم يكن يُسمح للمعتقلين إلا بطقمِ ملابسَ رقيقٍ واحد، وكانوا يشعرون بالبرد دائماً في ليالي الشتاء. "كانت أجسادنا ضعيفة، لم نكن نتحمَّل حتى درجة حرارةٍ متوسطة".
وكلَّما حان وقت مغادرة أحدهم السجن، كان الجميع يحاول أن يصبح صديقاً له ليحصل على قميصه أو ملابسه الداخلية أو أي شيءٍ آخر.
وفي آخر 24 ساعة قبل إطلاق سراحنا بموجب وقف إطلاق النار وصعودنا إلى الحافلات للمغادرة، "تعرَّضنا لجولةٍ أخيرةٍ شديدةٍ من الضرب".
وفي الرحلة التي استمرَّت 48 ساعة، لم يُسمَح لهم بفتح ستائر الحافلات طوال الطريق عبر الطرف الجنوبي من غزّة إلى معبر رفح.
لم يرَ أبو سرور السماء لأول مرة خارج أسوار السجن إلا بعد دخوله مصر. وقد أوصلت الحافلات السجناء المُحرَّرين الـ154 إلى فندقٍ فاخرٍ في القاهرة، ما أثار صدمةً كبيرةً لديهم. يقول أبو سرور: "لم أزر فندقاً من قبل. وأفعل كل شيءٍ لأول مرة كطفل، الدخول والخروج من المصعد، وأتعلَّم عن خدمة الغرف، وكيفية استخدام الدشّ".
والصدمةُ الأكبر كانت في لقاء ناصر أبو سرور خمسةً من أشقّائه لأول مرة منذ عقود. يقول: "وهذا كان سبباً إضافياً لتوتُّري، لقد انفصلنا بعضنا عن بعض لما يُقارب 33 عاماً. وقد شعرت بقسوة الأمر لأنَّني حُرمت منهم لفترةٍ طويلة، وقد سألت نفسي: هل من المقبول أن أُعانق شقيقاتي؟".
وكان مسؤولون أمنيون مصريون يراقبون السجناء المُحرَّرين وهم يختلطون بالسياح ويأخذون منهم الإرشادات حول كيفية التصرُّف. يُضيف أبو سرور: "في الصباح رأينا البوفيه وكلَّ ذلك الطعام، فوضع كلٌّ من الرجال كيلوغرامين من الطعام في أطباقهم. كان مشهداً سوريالياً، شعرنا بالحرج، لم نعرف ماذا نفعل بالشوك والسكاكين. لقد كانت مشاعرنا مختلطةً ومتوتّرةً، وعجزتُ عن تفسير الأشياء من حولي".
وبعد أن نشرت صحيفة "الديلي ميل" الأسبوع الماضي قصَّةً تكشف عن وجود سجناء فلسطينيين مُحرَّرين بين السياح الغربيين فيما سمّته "فندق حماس"، أُعطيت المجموعة ساعتين لحزم الأمتعة قبل نقلها بالحافلات إلى فندقٍ آخر في الصحراء، على بُعد ساعةٍ بالسيارة من العاصمة القاهرة.
وكان هذا التحرُّك المفاجئ، والصعود إلى حافلاتٍ تنقلهم إلى مكانٍ غير معروفٍ اختاره آخرون، تذكيراً لناصر أبو سرور بأنَّهم ليسوا أحراراً بعد.
وقد عُرض على أبو سرور عدَّةُ خياراتٍ من بلدانٍ ثالثةٍ مستعدّةٍ لقبوله على المدى الطويل، وهو يحاول الآن أن يُقرّر أين سيذهب على أساس إمكانية الوصول إليه من قبل أُسرته، وإذا ما كان سيتمكّن من مواصلة الكتابة. يقول: "لا أريد بلداً مُريحاً، وبلا أسئلة، أو بلا قضية".
نقله إلى العربية: حسين قطايا.