"المونيتور": فرنسا شريك الأمن الداخلي المفضل للسعودية
الرياض تسعى للحصول على الخبرة الفرنسية في مجال السيطرة على الحشود ومكافحة المخدرات والأمن الرقمي قبل عقد من الأحداث الكبرى.
-
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
موقع "المونيتور" الأميركي ينشر تقريراً يتناول الاتفاق الأمني الجديد بين السعودية وفرنسا، والفائدة الاستراتيجية منه بالنسبة للرياض.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
تسعى الرياض للحصول على الخبرة الفرنسية في مجال الأمن والسيطرة على الحشود ومكافحة المخدرات والأمن الرقمي منذ عقد من السنوات. وكانت السعودية وفرنسا قد عززتا تعاونهما في الأمن الداخلي بتوقيع اتفاقية ثنائية بين وزارتي الداخلية في البلدين. ووضعت اللمسات الأخيرة على الاتفاقية في باريس الأسبوع الماضي خلال زيارة وزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود، الذي التقى نظيره الفرنسي جيرالد دارمانان.
قال دارمانان عقب التوقيع: "ستتيح هذه الاتفاقية لبلدينا تبادل أفضل الخبرات، ولا سيّما في مجالات الأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب ومكافحة المخدرات". وقد وقع هذا الاتفاق في ظل توافق متزايد بين الجانبين بشأن القضايا الاستراتيجية بزخم تعزز باستضافتهما المشتركة لمؤتمر الأمم المتحدة حول "حل الدولتين"، والذي عقد في نيويورك آخر الشهر الماضي.
أجندة واسعة
على الرغم من قلّة المعلومات المعلنة، يتوقعِ أن تشمل الاتفاقية مجموعة واسعة من مجالات الأمن الداخلي، بما في ذلك التدريب وتبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب وأعمال الشرطة عالية التقنية. كما أشارت المناقشات إلى اهتمام مشترك بمكافحة الاتجار بالمخدرات، ولا سيّما تجارة الكبتاغون المتنامية. ولطالما كانت فرنسا من أكثر الدول الأوروبية استباقية في دعم الجهود الإقليمية لمكافحة المخدرات. ويتمتع البلدان بتاريخ من التعاون الاستخباري يعود إلى ذروة تهديد تنظيم "داعش".
وفي السنوات الأخيرة، اعترضت سلطات الجمارك الفرنسية عدة شحنات كبتاغون متجهة إلى الخليج، من ضمنها ضبط 135 كيلوغراماً منها عام 2017 في مطار شارل ديغول بباريس كانت في طريقها إلى السعودية. كما دعمت باريس دعوات مجلس التعاون الخليجي لتشديد الرقابة الدولية على المواد الأولية للمخدرات الاصطناعية، بما يتماشى مع مبادرات الاتحاد الأوروبي الأوسع نطاقاً.
الاهتمام المشترك بمكافحة المخدرات عزز الاتفاق والتعاون الثنائي. كما أنّ مجموعات العمل المشتركة التي شكّلت توسع أطر التعاون ليشمل الدعم الفرنسي لتطوير البنية التحتية السعودية عند المعابر الحدودية الرئيسية على غرار أنظمة الجمارك الذكية المستخدمة في الاتحاد الأوروبي، وكذلك في الأمن السيبراني أيضاً الذي يشكّل مجالات أخرى للتعاون ويشهد نموّاً سريعاً.
لقد برزت السعودية كقائد عالمي في مجال الدفاع الرقمي، حين احتلّت المرتبة الأولى في مؤشّر الأمم المتحدة العالمي للأمن السيبراني في العام الماضي. وقد جعلتها استثماراتها في كشف التهديدات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وأنظمة الهوية الرقمية، والبنية التحتية السيبرانية، شريكاً قيّماً للدول الغربية، ولا سيما مع تزايد الهجمات السيبرانية الإقليمية في ظل عدم الاستقرار في بلاد الشام والبحر الأحمر.
أولويات الأمن الداخلي في السعودية
تتأثّر استراتيجية الأمن الداخلي في السعودية بشكل متزايد بتلاقي المخاطر الداخلية والخارجية، إلى جانب سعيها لحماية البنية التحتية لرؤية 2030. وقد دفعت استضافة معرض إكسبو 2030 في الرياض من 1 تشرين الأول/أكتوبر 2030 إلى 31 آذار/مارس 2031، ومباريات كأس العالم لكرة القدم 2034، البلاد إلى الاستثمار بشكل كبير في مجالات السيطرة على الحشود، والاستجابة للطوارئ، والمراقبة، والاستعداد السيبراني. وتعتبر الحكومة أنّ النجاح في تنظيم هذه الفعاليات أمر أساسي لصورتها العالمية وأهدافها في تنويع الاقتصاد.
وقد أطلقت وزارة الداخلية برامج تجريبية تستخدم مراقبة الحشود المدعومة بالذكاء الاصطناعي وتقنية التعرف على الوجوه في مواقع رئيسية، بما في ذلك المطارات والملاعب. وتشمل المبادرات منصة "بصير" للتحكم في حشود الحجيج، ومركبات الدورية الذكية المزودة بتنبيهات مطابقة الوجوه في الرياض. وتهدف هذه المشاريع، التي تدعمها شركات محلية ودولية، إلى تعزيز القدرات استعداداً لمعرض إكسبو 2030 وكأس العالم، مع إمكانية الاستفادة من الخبرات التي اكتسبتها فرنسا خلال أولمبياد باريس.
لقد أصبحت مكافحة المخدرات وخاصة الكبتاغون أولوية وطنية قصوى في السعودية. وعلى الرغم من أنّ عمليات ضبط الكبتاغون قد انخفضت منذ عام 2024 حسب التقارير، إلّا أنّ زيادة ملحوظة في عدد الاعتقالات المتعلقة بتهريب وإنتاج الكبتاغون قد تم تسجيلها في البلاد، بحسب ما أشارت إليه كارولين روز مديرة ملف الجريمة والصراع في "معهد نيو لاينز".
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، نفّذت السعودية 144 عملية إعدام لجرائم مرتبطة بالمخدرات في النصف الأول من عام 2025، مستهدفة المهرّبين الذين يستغلون حالة عدم الاستقرار الإقليمي لتهريب المخدرات إلى داخل المملكة. ومن خلال التعاون مع شركاء دوليين مثل فرنسا، تهدف الرياض إلى تعزيز عمليات الاعتراض وإظهار موقفها الحازم قبيل موعد استضافتها الأحداث العالمية.
كما أكّدت السلطات السعودية على الابتكار في مجال الأمن. فقد وضعت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني استراتيجية دفاعية متعددة المستويات تجمع بين التنظيم، والأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والشراكات بين القطاعين العام والخاص. ويعكس الاستثمار في رأس المال البشري من ضمنها تأسيس كلية للأمن السيبراني، طموح السعودية في الريادة خلال العصر الرقمي المتّسم بالتقلب.
تزايد الحضور الفرنسي في الخليج
يمثل هذا الاتفاق بالنسبة لفرنسا جزءاً من استراتيجية أوسع في منطقة الخليج تشمل الصادرات الدفاعية والمتعلقة بالأمن الداخلي. ولطالما عملت شركات فرنسية مثل "تاليس" و"إيديما" في المنطقة، ولا سيّما في مجالات تكنولوجيا القياسات الحيوية، والاتصالات الآمنة، وحماية البنية التحتية. وتبرز "تاليس" كأحد المنافسين الرئيسيين في سعي الرياض نحو أنظمة أمنية مدمجة بالذكاء الاصطناعي. وفي الوقت نفسه، يعكس اهتمام السعودية بتقنية التوأم الرقمي المعزّزة بالذكاء الاصطناعي من شركة "داسو سيستمز" طموحاً أوسع لدمج التحليلات التكهّنية في أمن الفعاليات ولوجستيات الدفاع وهو كان موضوعاً رئيسياً في قمّة الذكاء الاصطناعي في باريس العام الماضي.
كذلك، تسعى باريس أيضاً إلى ترسيخ مكانتها كبديل أوروبي موثوق للولايات المتحدة والصين وتركيا بشكل متزايد، مستفيدة من نقاط قوتها في الأطر القانونية والشرطية، وأمن الفعاليات الكبرى، والسيادة الرقمية.
أشار الباحث محمد سليمان إلى أنّ "شراكات الذكاء الاصطناعي للسعودية تعكس توازناً دقيقاً في ظل التنافس بين الولايات المتحدة والصين، مع ميل واضح نحو أميركا"، كما أنّ "أوروبا تقدّم ولا سيّما فرنسا وبريطانيا خياراً وسطاً من أجل الاستقلالية الاستراتيجية من دون تحمّل أعباء التنافس بين القوى العظمى".
وبينما يرتبط قطاع الدفاع الفرنسي ارتباطاً وثيقاً بدول الخليج مثل الإمارات وقطر، فإنّ الأمن الداخلي يمثل مساراً جديداً للتأثير حيث تستفيد فرنسا من قدراتها في الحوكمة الرقمية، والأطر القانونية وشرطة المدن.
خلال زيارة وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان لباريس، التقى برئيس شرطتها لوران نونيز، الذي قدم له شرحاً حول سير العمل والتقنيات المتقدمة المستخدمة في مركز القيادة. وقد كان هذا المرفق محورياً في تأمين دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024، حيث تمّ نشر ما يقارب 45,000 ضابط في جميع أنحاء العاصمة. كما زار الوزير السعودي مقرّ وحدة التدخل والإنقاذ الفرنسية من النخبة المتخصصة في مكافحة الإرهاب وإنقاذ الرهائن، واجتمع بالقائد غيوم كاردي واطلع على عروض توضيحية لتكتيكات العمليات المتقدمة.
بالنسبة للرياض، فإنّ تعزيز العلاقات مع فرنسا يساعد على تنويع شراكاتها الأمنية مع الدول الغربية، خاصة في ظل خضوع العلاقات الدفاعية مع واشنطن لمزيد من التدقيق والشروط. ومع تصاعد أهمية الأمن الداخلي في جدول الأعمال الوطني في المملكة من المتوقع أن تلعب الشراكة مع فرنسا دوراً استراتيجياً أكبر، لا فقط في مواجهة التهديدات المشتركة، بل أيضاً في رسم مستقبل الأمن في المنطقة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.