"ذا ناشونال إنترست": هل تصبح باكستان مزود الأمن الجديد للشرق الأوسط؟
تبرز باكستان كضامن أمني جديد في الشرق الأوسط، حيث تملأ الفراغ الأمني الذي خلّفته إدارة ترامب.
-
"ذا ناشونال إنترست": هل تصبح باكستان مزوّد الأمن الجديد للشرق الأوسط؟
مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً يتناول تحوّل الدور الإقليمي لباكستان في الشرق الأوسط في ظلّ المتغيّرات الجيوسياسية الأخيرة، وخصوصاً بعد الهجمات الإسرائيلية على الدوحة وتراجع الدور الأميركي التقليدي في المنطقة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
بينما تبرز باكستان كضامن أمني جديد في الشرق الأوسط، وتملأ الفراغ الأمني الذي خلّفته سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أشار الهجوم الإسرائيلي على الدوحة في 9 أيلول/سبتمبر الماضي إلى تغيير في حرب "إسرائيل" على غزّة، حيث لم يكن شركاء الولايات المتحدة بمأمن من أجندة الاستهداف الإسرائيلي المتزايد.
وفي وقت تواجه فيه واشنطن مشكلة في مصداقيّتها في المنطقة، كانت باكستان تتفاوض على اتفاق أمني إقليمي جديد مع السعودية لضمان وجود فاعلين آخرين يشاركون في الدفاع عن أمن دول الخليج. ولطالما كانت باكستان والسعودية تربطهما علاقات وثيقة، لكنّهما لم تتفقا من قبل على اتفاقية دفاع أمني رسمية، مع أنّ لباكستان تاريخاً طويلاً في إرسال قواتها للتدريب والقتال في السعودية، ولا سيّما في عام 1979 خلال "حصار مكة".
كما أنّ إسلام آباد لديها خبرة في نشر قواتها خارج حدودها، ممّا يجعلها خياراً عملياً لهذا النوع من الأدوار الإقليمية. وبالطبع، لم يكن من الممكن أن يحدث اتفاق بهذا الحجم من دون موافقة ضمنية من إدارة ترامب، ولكن مع أجندتها التي تركّز على "أميركا أولاً"، وهي تظهر الآن عدم اهتمامها بالبقاء كحارس إقليمي، خاصة بالنظر إلى دعمها القوي لمشروع التوسّع الإسرائيلي.
ومما يشير إلى علاقة أكثر دفئاً بين إسلام آباد وواشنطن ممّا كانت عليه سابقاً، دُعي رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ورئيس أركان الجيش المشير عاصم منير إلى البيت الأبيض للاحتفال بتعاونهما مع الولايات المتحدة.
كلّ هذه التحوّلات في الأحداث تضع باكستان في مكانة لطالما رغبت فيها، حيث تتصدّر شراكات فاعلة في العالم الإسلامي بقوتها العسكرية التي تنافس الهند، مستفيدة من النيات الحسنة والأسلحة الأميركية عبر السعودية. إضافة إلى ذلك، تعمل باكستان والولايات المتحدة على توسيع شراكتهما في مجال استخراج المعادن الأساسية.
وقد شحنت باكستان أول دفعة من معادن الأرض النادرة المخصّبة إلى الولايات المتحدة بداية الشهر الجاري، ضمن مذكّرة تفاهم طويلة الأجل بقيمة تجارية تبلغ 500 مليون دولار. وتأمل إسلام آباد أيضاً أن تستثمر واشنطن في ميناء جديد في بانسي بمنطقة غوادر، ممّا سيسهّل على الولايات المتحدة الوصول إلى المعادن الأساسية اللازمة للحفاظ على قدرتها التنافسية في صناعة أشباه الموصلات.
بعد الولاية الأولى للرئيس ترامب، عانت باكستان من ضعف علاقاتها بالولايات المتحدة. وخلال هذه الفترة، لجأت إسلام آباد إلى بكين بحثاً عن الاستثمار والفرص الاقتصادية وشراكة طويلة الأمد، ممّا أسفر عن مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان وتطوير البنية التحتية.
وبينما لا تزال الدولتان شريكتين استراتيجيتين، لا تستطيع الصين رعاية مبادرات دبلوماسية واقتصادية إضافية، لكنها تستفيد استفادة كبيرة من تنويع شركائها خياراتهم الأمنية بعيداً عن الاعتماد كلياً على الولايات المتحدة. ولقد قدّمت السعودية دعماً اقتصادياً لباكستان لعقود، ولا سيّما بعد انتهائها من اختبار أسلحتها النووية لتعويض أيّ عقوبات.
مع ذلك، تبدو التوقّعات الاقتصادية الباكستانية الحالية قاتمة، خاصة بعد الفيضانات الكارثية هذا العام، وإسلام آباد بحاجة ماسّة إلى حليف يساعدها على الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية. زيادة على ذلك، لم ترسل الصين قواتها بعيداً عن حدودها، وبالتالي لا يمكنها أن تكون ضامناً للأمن الإقليمي كما تفعل باكستان.
وبعد الهجمات الإسرائيلية على الدوحة، لم يتبقّ لدول الخليج سوى إيجاد شريك استراتيجي يبقيها منخرطة في المنطقة. وقد تعاونت دول مجلس التعاون الخليجي سابقاً لتوفير الأمن لبعضها البعض، لكنّ هذا التعاون اقتصر على إنفاذ القانون والتمركز الدفاعي، كما حدث خلال "الربيع العربي". ولمواجهة القوة الإسرائيلية، ستحتاج الدول العربية إلى شريك يتمتع بقوة وخبرة عسكرية تفوق قدراتها المحلية بكثير.
على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بذل الوفد الباكستاني جهوداً كبيرة للحفاظ على موقعه المتميّز بعد الحرب مع الهند في أيار/مايو الماضي، حيث خرجت باكستان من المواجهة سالمة نسبياً، وأظهرت براعتها العسكرية والدبلوماسية.
وكان رئيس وزراء باكستان شهباز شريف قد التقى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بعد الهجمات الإسرائيلية على الدوحة، حيث أكّد ضرورة تكاتف العالم الإسلامي "لمواجهة الاستفزازات الإسرائيلية"، في إشارة إلى رغبة إسلام آباد في أن تكون لاعباً مؤثّراً على الساحة العالمية، ولا سيّما فيما يتعلق بالدفاع عن غزّة.
في حين أنّ التفاصيل الدقيقة للاتفاق الباكستاني السعودي الجديد لا تزال غير واضحة، فإنّ المؤكّد هو أنّ باكستان تتخذ خطوات دبلوماسية لإظهار كيف أنّ وضعها كدولة غير منحازة يمكن أن يفيد ليس فقط الولايات المتحدة، بل أيضاً الجهات الفاعلة الإقليمية.
وكانت باكستان قد عزّزت علاقاتها مع بنغلاديش وسريلانكا أيضاً، ممّا يدلّ على رغبتها في اتخاذ موقف حاسم بعد رفض الهند القاطع لوقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه الولايات المتحدة. ومع أنّ باكستان لا تزال تعاني مشكلات اقتصادية ومالية، فإنّ جهودها الدبلوماسية تشير إلى أنها قد تكون مستعدّة لدور جديد في محور الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
وبينما يتعيّن على إسلام آباد أن تحرص على الحفاظ على مكانتها المرموقة لدى إدارة ترامب، خاصة في تعاملها مع الاتفاقيات الثنائية والمتعدّدة الأطراف، فإنّ تنويع اقتصادها بعيداً عن الولايات المتحدة كشريك اقتصادي رئيسي سيفيدها كثيراً.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.