"ذا ناشونال إنترست": بالنسبة لإيلون ماسك.. أميركا أولاً أم الصين؟
قد تؤثّر علاقات ملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك مع الرئيس ترامب على سياسة الإدارة تجاه الصين أكثر من أيّ مانح أو راعٍ آخر.
-
"ذا ناشونال إنترست": بالنسبة لإيلون ماسك.. أميركا أوّلاً أم الصين؟
مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً تتحدّث فيه عن دور ملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك في سياسة إدارة ترامب تجاه الصين.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في نهاية العام الماضي، رفعت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية دعوى قضائية ضدّ إيلون ماسك، بزعم أنّ الملياردير ارتكب احتيالاً في الأوراق المالية في عام 2022 من خلال عدم الكشف عن حصوله على أسهم في "تويتر". وقد سمح له ذلك بشراء الأسهم بأسعار منخفضة. يأتي هذا بعد أسابيع من قيام محقّقين فيدراليين بالبحث في تعامل ماسك مع القادة الأجانب، وخاصّة خصوم أميركا بينهم. وخلال عيد الميلاد، تشاجر مالك "تسلا" و"سبايس إكس" مع مناصري حركة "ماغا"، حول تأشيرات العمل. ومؤخّراً، دافع ماسك عن موظّف في وزارة التعليم تمّ فصله بسبب تصريحات مقيتة مثل "تطبيع" الكراهية الهندية.
ماسك، أغنى رجل في العالم لا يمانع في اتّساخ يديه، سواء في العمل أو على منصّة "إكس". ومع ذلك، فإنّ مشكلات ماسك القانونية وغزواته في الشؤون الدولية، مثل استضافة زعيم حزب معارض ألماني مثير للجدل، أو التعليق على فضيحة "عصابة الاغتصاب" في بريطانيا، وكلّ هذا قد يقوّض الإدارة الجديدة، وربّما ترامب نفسه بعد حين.
إن تعيينات الرئيس لمجموعة من الصقور المتحمّسين ضدّ الصين، مثل مايكل والتز إلى ماركو روبيو، يعطي الانطباع بأنّ إدارته قد تكون صارمة تجاه الصين، ولكنّ هذا قد يكون خادعاً. وبينما أطلق الرئيس العنان لتعريفات جمركية على البضائع الصينية، لم يتجاهل دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى حفل تنصيبه، واجتمع بالرئيس التنفيذي لشركة "تيك توك"، بل إنّه صرّح بأنّ الولايات المتّحدة والصين يمكنهما حلّ القضايا العالمية معاً. ولا حاجة إلى القول بأنّ هذا يشكّل خروجاً كبيراً عن نهجه الذي اتّبعه في فترة ولايته الرئاسية الأولى، فما الذي تغيّر؟
على النقيض من ولايته الأولى، تجنّب ترامب المحافظين من أمثال مايك بومبيو أو نيكي هيلي لتوجيه تفكيره السياسي. ولكن الأهم من ذلك أنّه اقترب من أمثال إيلون ماسك وجيف ياس، اللذين لديهما مصالح تجارية واسعة النطاق في الصين: ماسك من خلال "تسلا" وياس من خلال الاستثمارات في "بايت دانس"، الشركة الأم لتطبيق "تيك توك".
إنّ علاقات ماسك مع ترامب قد تؤثّر على سياسة الإدارة تجاه الصين أكثر من أي متبرّع أو راع آخر. ففي نهاية المطاف، لم يدعم ماسك ترامب من خلال التبرّعات للحملة الانتخابية فحسب، بل وأيضاً من خلال إطلاق العنان لتطبيق "إكس" كتحدٍ لوسائل الإعلام السائدة والتقليدية. إنّ القيود المحدودة التي تفرضها المنصة على خطاب الكراهية ونظريات المؤامرة والتحيّز الصريح لصالح ترامب غالباً ما تجعل من الضروري للغاية أن يستمع ترامب إلى نصيحة ماسك. وقد تمتد هذه الرابطة إلى قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي.
وفي حين ضاعف الرئيس من خطابه المعادي للصين من خلال التعريفات الجمركية، يبدو أنّه يستوعب الشركات الصينية بطرق أخرى. في عام 2023، كانت هناك تكهّنات بأنّ أحد المتبرّعين البارزين لترامب، وهو ياس، الذي يستثمر في شركة "بايت دانس"، يمكن أن يؤثّر في موقف ترامب من التطبيقات الرقمية.
كنت قد أوضحت في مقالة سابقة في عام 2022، أنّ مصالح ماسك التجارية في الصين وعلاقاته الوثيقة مع كبار المسؤولين في البلاد تجعله غير مؤهّل ليكون مرشّحاً أميركياً أوّلَ لتنفيذ المشاريع التي تدعمها الحكومة، بما في ذلك "سبايس إكس". وكان ماسك قد عبّر عن محبّته للصين مراراً وتكراراً. حتّى إنّه استمرّ في الإشادة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني باعتبارها أكثر مسؤولية عن رفاهية الشعب من الولايات المتّحدة، الديمقراطية.
كشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، أنّ ماسك وشركاته لم يمتثلوا مراراً وتكراراً لبروتوكولات الإبلاغ الاتّحادية بما يتعلّق بأسرار الدولة، بعدم تقديم تفاصيل واضحة عن اجتماعات رجل الأعمال مع القادة الأجانب. وكان ماسك قد التقى مسؤولين رفيعي المستوى في الحزب الشيوعي الصيني، وأجرى محادثات هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان ماسك قد حصل على قروض بأكثر من 500 مليون دولار من المصارف الصينية المملوكة للدولة، لبناء أكبر مصنع لسيّارات "تسلا" في شنغهاي. وفي عام 2023، باعت الشركة سيارات في الصين بما يوازي عدد مبيعاتها في الولايات المتّحدة.
وعلى غرار اليابان، التي تخلّفت عقداً من الزمن بسبب النموّ البطيء في مجال السيارات الكهربائية، فشلت الولايات المتّحدة أيضاً، على مدى عدّة إدارات، في زيادة اعتماد السيارات الكهربائية على المستوى الوطني. وبينما حاولت إدارة بايدن بقوّة من خلال السياسة الصناعية، تحرّك الرئيس ترامب بسرعة لإلغاء إجراءات تحمي صناعة السيارات الكهربائية، وتضرّ بالأخرى التقليدية. مع ذلك، ومن المثير للدهشة أنّ ماسك لم يحاول الضغط على إدارة ترامب بطريقة تفيد مصالحه على ما يبدو في هذا الموضوع.
بل أكثر من ذلك، فقد دعا ماسك إلى إلغاء الإعفاءات الضريبية عن السيارات الكهربائية، ما أثار الشكوك مجدّداً حول دوافعه. فالانتقال إلى السيارات الكهربائية لا يتعلّق فقط بالتصدّي لتغيّر المناخ، بل هو ضمان مكانة الولايات المتّحدة في قطاع اقتصادي بالغ الأهمّية. فقد هيمنت الصين على قطاعات التكنولوجيا الخضراء الرئيسية على مدى العقد الماضي، تاركة الولايات المتّحدة والعالم الغربي متخلّفين عنها. ويمكن أن يمنح هذا التحوّل الكبير، للشركات الصينية المملوكة للدولة المزيد من المزايا في الهيمنة على السوق العالمية.
من الدعوة الفعّالة إلى تقليل اعتماد السيارات الكهربائية في الولايات المتّحدة مع مناصرتها في الصين إلى رفض الدعوات للفصل والثناء على الحزب الشيوعي الصيني، يمكن أن يكون ماسك الحلقة الأضعف لترامب في التنافس مع بكّين.
ومع هذه الاعتبارات "الجيو اقتصادية" والأمنية القومية المعقّدة، من الضروري أن يعيد ترامب النظر في علاقاته مع ماسك، الذي قد يتحدّث عن أميركا أوّلاً، ولكنّه يسير مع الصين أوّلاً.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.